أيتها الأخوات الفاضلات
لا أريد أن أذكّركنّ بسيرة خديجة رضي الله عنها وأرضاها التي ألقى الله عليها سلامه من فوق سبع سموات وبشرها ببيت في الجنة، ولا أريد أن أذكّركنّ بسيرة مريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين، ولا أريد أن أذكركنّ بامرأة فرعون التي قالت: رب ابني لي عندك بيتا في الجنة، إنما أريد أن أذكركِ أيتها الأبية بأنك حجر الزاوية في المجتمع، وأنكِ قبس البيت المضيء وجوهرته المتلألئة، أنت مربية الليوث القادمة والحصن المنيع ضدّ تيارات التغريب والفساد وتيار الرذيلة، وإنهم ليعلمون ذلك جيدا؛ ولذلك فهم يشنّون عليك حربًا ضروسًا لا هوادة فيها، يشنون حرباً على دينك وعلى أفكارك وعلى مبادئك وعلى حجابك وعلى عفافك.
أيتها الأخت المؤمنة، قلبي صفحات التاريخ الموثقة فهي أصدق من ينبئك عن أهداف هؤلاء المجرمين وعن المستقبل المظلم لمن تمشي في ركابهم، أتعلمين ـ أيتها الأخت العفيفة ـ أن المرأة التركية كانت إلى أواخر الخلافة العثمانية ملتزمة بدينها وحجابها؛ حتى إن المرأة التي ترتدي العباءة المطرّزة أو النقاب الشفاف مستهجنة ومخالفة لقانون الدولة، وإن شئت فارجعي إلى الفرمان الصادر عام 1895م الذي يؤكد على منع العباءات المطرزة والنقاب الخفيف والشفاف، ويؤكد على التزام الحجاب الشرعي، وذلك بعد ظهور بعض النساء الماجنات المفتونات بالغرب. وتمر الأيام ويسيطر يهود الدونمة وأربابهم من المنافقين على إعلام الدولة ومؤسساتها الثقافية ويعيثون فيها فسادا وانحلالا؛ أجلبوا بخيلهم ورجلهم على المجتمع المسلم الذي لم يقف سدا منيعا أمام فسادهم وخبثهم، حتى استطاعوا أن يغيروا ملامح الدولة التركية المسلمة إلى دولة مفتتنة بالغرب وحياته البائسة، وبلغ فسادهم مداه في عام 1923م عندما دعت الصحف التركية المشهورة النساء التركيات المسلمات للمشاركة في مسابقة ملكات جمال العالم، مستخدمة كل أساليب الدعاية والإغراء في ذلك، حتى تقدمت أشقاهن وشاركت في تلك المسابقة وبطريقة أو بأخرى فازت هذه الفتاة التركية المسلمة بلقب ملكة جمال العالم وسط حفاوة غربية عجيبة ومستغربة. أتعلمين ـ يا أختاه ـ ماذا حصل بعد ذلك؟ صعدت هذه الشقية إلى المسرح وهي ترتدي المايوه، وحضر رئيس اللجنة الأوربية وألقى خطبة أدعوك للتأمل والتدبر فيها. وكان مما قاله في خطبته: "أيها السادة، أعضاء اللجنة، إن أوروبا كلها تحتفل اليوم بانتصار النصرانية، لقد انتهى الإسلام الذي ظل يسيطر على العالم منذ 1400 سنة، إن كريمان خالص ملكة جمال تركيا تمثل أمامنا المرأة المسلمة، ها هي كريمان خالص حفيدة المرأة المسلمة المحافظة تخرج الآن أمامنا بالمايوه، ولا بد لنا من الاعتراف أن هذه الفتاة هي تاج انتصارنا". ثم أخذ يستطرد في الحديث فقال: "ذات يوم من أيام التاريخ انزعج السلطان العثماني سليمان القانوني من فنّ الرقص الذي ظهر في فرنسا والتي كانت مجاورة للدولة العثمانية ، فتدخّل لإيقافه خشية أن يسري إلي بلاده، ها هي حفيدة السلطان المسلم تقف بيننا ولا ترتدي غير المايوه، وتطلب منا أن نعجب بها، ونحن نعلن لها بالتالي: إننا أُعجبنا بها مع كل تمنياتنا بأن يكون مستقبل الفتيات المسلمات يسير حسب ما نريد، فلترفع الأقداح تكريمًا لانتصار أوربا".
أرأيت ـ أختاه ـ نهاية الطريق الذي يريدك هؤلاء أن تسيري فيه .. أأدركت قعر المستنقع الآسن الذي يسعون لإغراقك فيه؟!
أيتها الأخت الأبية، إنني أدعوك للاقتداء بسير المؤمنات الصالحات اللاتي سطرنا سيراً يشرُف التاريخ بحملها ويتبختر الزمان بروايتها، كسيرة الصحابية أُم شُريك التي آمنت وعذبت وجوعت وألقيت في الحر وهي في شبه إغماء من الجوع والعطش، ولما حاولوا ردها إلى الكفر قالت: اقتلوني ولن أعود للكفر أبدا، وبينما هي في حالة إغماء أحست بشيء رطب على فمها وهي مقيدة ومربوطة في الشمس، فنظرت فإذا دلو من السماء نازل فشربت منه؛ سقاها الله كرامة لها، ولما عرف قومها الحقيقة عرفوا أنها على الحق وأنهم على الباطل، فكوا وثاقها وحبالها وقالوا لها: فلننطلق إلى رسول الله لنعلن إسلامنا.
وسيرة تلك المرأة التي استوقفت أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، فوقف لها فقالت له: يا عمر، كنت تدعى عميراً، ثم قيل لك: عمر، ثم قيل لك: أمير المؤمنين، فاتق الله يا عمر، فإنه من أيقن بالموت خاف الفوت، ومن أيقن بالحساب خاف العذاب. وهو واقف يسمع لكلامها، فقيل له في ذلك فقال: والله، لو حبستني من أول النهار إلى آخره ما تحركت من مكاني، أتدرون من هذه العجوز؟ هذه خولة بنت ثعلبة، هذه التي سمع الله قولها من فوق سبع سموات، أيسمع رب العالمين قولها ولا يسمعه عمر؟!
وغيرها من السير العطرة التي ملأت الدنيا عبقا وعطرا.
أسأل الله عز وجل أن يحفظك من كل سوء ومكروه، وأن يجعلك سدّا منيعا في وجه كل مفسد وجبلا ثابتا شامخا في وجه رياح الفتن والتغريب.
# عقد لؤلؤ # @aakd_lolo_2
محررة فضية
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
الصفحة الأخيرة
جزاك الله خير