بنت الشرق @bnt_alshrk
عضوة شرف في عالم حواء
قوة علمية وقوة عملية
قال ابن القيم الجوزية في كتابه طريق الهجرتين :
السائر إلى الله والدار الأخرة , بل كل سائر إلى مقصد
لا يتم سيره , ولايصل إلى مقصوده إلا بقوتين :
قوة علمية , وقوة عملية .
القوة العلمية :
فبالقوة العلمية يبصر منازل الطريق , ومواضع السلوك , فيقصدها سائراَ فيها
ويتجنب أسباب الهلاك , ومواضع العطب , وطرق المهالك المنحرفة عن الطريق الموصل .
فقوته العملية كنور عظيم بيده يمشي في ليلة عظيمة مظلمة شديدة الظلمة , فهو يبصر بذلك النور
ما يقع الماشي في الظلمة في مثله , من الوهاد والمتالف , ويعثر به من الأحجار والشوك وغيره
ويبصر أيضا أعلام الطريق وأدلتها المنصوبة عليها , فلا يضل عنها فيكشف له النور عن الأمرين
أعلام الطريق ومعاطبها .
القوة العملية :
بالقوة العملية يسير حقيقية , بل السير هو حقيقية القوة العلمية , فإن السير هو عمل المسافر
وكذلك السائر الى ربه إذا أبصر الطريق وأعلامها وأبصر المعاشر , والوهاد , والطرق الناكبة
عنها , فقد حصل له شطر السعادة والفلاح , وبقي عليه الشطر الأخر: وهو أن يضع عصاه
على عاتقه , ويشمر مسافرا في الطريق , قاطعا منازلها منزلة بعد منزلة , فكلماقطع مرحلة
استعد لقطع الأخرى ,واستشعر القرب من المنزل , فهانت عليه مشقة السفر وكلما سكنت نفسه
من كلال السير ومواصلة الشد والرحيل وعدها بقرب التلاقي , وبرد العيش عند الوصول , فيحدث
لها ذلك نشاطاَ وفرحا وهمة .
يتبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع
22
2K
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
تقسيم الناس من حيث القوة العلمية والقوة العملية
:
فمن الناس , من يكون له القوة العلمية الكاشفة عن الطريق ومنازلها
وأعلامها وعوارضها ومعاثرها , وتكون هذه القوة أغلب القوتين عليه
ويكون ضعيفا في القوة العملية , يبصر الحقائق , ولا يعمل بموجبها
ويرى المتالف والمخاوف والمعاطب , ولا يتوقاها , فهو فقيه مالم
يحضر العمل , فإذا حضر العمل شارك الجهال في التخلف , وفارقهم
في العلم , وهذا هو الغالب على أكثر النفوس المشتغلة بالعلم
والمعصوم : من عصمه الله , ولا حول ولا قوة إلا بالله .
يتبـــــــــــــــــــــــــــــــع
الصفحة الأخيرة
فهو يقول : يا نفس أبشري فقد قرب المنزل , ودنى التلاقي , فلا تنقطعي في الطريق
دون الوصول , فيحال بينك وبين منزلة الأحبة فإن صبرت وواصلت المسيرى ,
وصلت حميدة مسرورة جذلة, وليس بينك وبين ذلك إلا صبر ساعة .
فإن الدنيا كلها صبركلها كساعة من ساعات الأخرة , وعمرك درجة من درج تلك
الساعة , فالله الله لا تنقطعي في المفازة , فهو والله الهلاك والعطب , لو كنت تعلمين
فإن استصعبت عليه , فليذكرها ما امامها من أحباب , وما خلفها من أعداء
فإن رجعت فإلى أعدائها رجوعها , وإن تقدمت فإلى أحبابها , مصيرها , وإن وقفت
في طريقها أدركها أعداؤها فإنهم ورائها في الطلب .
ولابد لها من قسم من هذه الأقسام الثلاثة , فلتختر أيها شاءت .
يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع