منقول كيف تربط طفلك بالعبادة؟
قال بعض السلف: (تعودوا الخير، فإن الخير عادة)(1) ، فالعبادة إن تحوَّلت عند الطفل إلى عادة؛ لم يستطع مفارقتها وصارت سلوكًا لا ينفك عنه أبدًا، تمامًا كالعادة السيئة التي يرتبط الطفل بها، إذا أردنا انتزاعها بذلنا جهدًا كبيرًا يستغرق شهورًا وربما أعوامًا.
واستقرار العبادة عند الطفل حتى تصير عادة هو الذي يولد عنده بعد ذلك يقظة الضمير الذي يؤنبه كلما أخطأ، ويزعجه كلما تهاون؛ لأنه عاش وقد تعوَّد على الخير، فإن ألمت به لمة شر تضايق وشعر بالتناقض، وأنه لابد أن يعود.
(ويبدأ تكوين العادات في سن مبكرة جدًّا؛ فالطفل في شهره السادس يبتهج بتكرار الأعمال التي تسعد من حوله، وهذا التكرار يكوِّن العادة، ويظل هذا التكوين حتى السابعة) (2).
وترجع أهمية التربية بالعادة إلى أن حسن الخلق بمعناه الواسع يتحقق من وجهين؛ (الأول: الطبع والفطرة، والثاني: التعود والمجاهدة، ولما كان الإنسان مجبولًا على الدين والخلق الفاضل كان تعويده عليه يرسخه ويزيده) (3).
(ولكي نعود الطفل على العبادات والعادات الحسنة يجب أن نبذل الجهود المختلفة ليتم تكرار الأعمال والمواظبة عليها، بالترغيب والترهيب، والقدوة والمتابعة، وغيرها من الوسائل التربوية) (4).
غراس الخير لا تفسد
فأي معنىً جميل أو سلوك قويم أو كلمة صالحة طيبة تغرسها في نفس طفلك منذ الصغر؛ فإن هذا الغراس لا يفسد ولا يخسر أبدًا، بل إنه سيظل رصيدًا يستمد منه طفلك طاقته الإيمانية، وسيظل ظلًّا يستظل به طفلك كلما ألمت به همزات الشياطين ونكبات المعاصي.
فالطفل الذي تربى في بيت يعرف لله حقه، تربى في بيت يُصلى فيه لله تعالى وتُقام فيه فرائضه وتُجتنب فيه نواهيه، هذا الطفل سيظل محتفظًا في جعبته برصيد من الفطرة والنزعة للتدين ويقظة الضمير ما تجعله أوابًا رجَّاعًا لله تعالى، وتجعله مهما بعُد أو أثرت عليه نكبات الطريق من رفقاء السوء أو الإعلام المفسد أو القدوة السيئة، سيظل ثمة نداء داخلي ينادي عليه: "أن يا بني، ارجع إلى الله".
(إنَّ النواحي العبادية هي الأمور المهمة التي لابد من أخذها بكل اهتمام وجدية على طريق تكملة بناء الإنسان المسلم، وتتم هذه الخطوة عن طريق الوالدين والمربين؛ بأن يُعوِّدوا الطفل على ممارسة الأمور العبادية من صوم وصلاة وما شابه ذلك، والغاية من ذلك تعويد الطفل وتمرينه على فعل العبادات والطاعات، وإن لم يدرك ما الفائدة منها، وما المنفعة المترتبة عليها، إلَّا أن ممارسته على فعلها مع تشجيعه عليها بحيث تصبح عادة لديه، فلا يصعب عليه متى كبر وشبَّ أن يؤدي صلاته، وحتى تصبح الصلاة وما فيها من فائدة جزءًا من تفكيره وسلوكه) (5).
الأساس الأول ـ الصلاة
لما روى أبو داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع)
فقد وضح الحديث أن الصلاة تُغرس في نفس الطفل عن طريق فكرة الربط وبأسلوب العادة، فكلما أذَّن المؤذن، نادى الأب ابنه "يا بني، الصلاة"، "قُم إلى الصلاة"، أو كان الأب ذاهبًا إلى المسجد فيقول لابنه: "هيا يا بني، نصلي في المسجد".
فالتكرار يُعلِّم الأبرار، ويغرس السلوك ويرسخ الأفكار، ويمكن تعويد الطفل على الصلاة عن طريق المراحل التالية:
(1) مرحلة الأمر بالصلاة:
يبدأ الوالدان بتوجيه الأوامر للطفل بأن يقف معهما في الصلاة، وذلك في بداية وعيه وإدراكه.
فلابدَّ أن تقوم التربية في البيت عن طريق المحاكاة والقدوة والتلقين، ذلك أن الطفل ينشأ فيعمل ما يعلمه أبواه، فإذا كانا يقيمان الصلاة فعل مثلهما، وانطبعت في ذهنه تلك الصورة، وتأثر بها مدى الحياة.
(2) مرحلة تعليم الطفل الصلاة:
حيث يبدأ الوالدان بتعليم الطفل أركان الصلاة وواجباتها ومفسداتها، وقد حدد النبي صلى الله عليه وسلم سن السابعة بداية مرحلة التعليم.
وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم الأطفال ما يحتاجونه في الصلاة؛ فعن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: (علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في الوتر: اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يُقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، تباركت ربنا وتعاليت).
(3) مرحلة الأمر بالصلاة والضرب على تركها:
وتبدأ في سن العاشرة من عمر الطفل، فإذا قصَّر في صلاته أو تهاون وتكاسل في أدائها؛ فعند ذلك يجوز للوالدين استخدام الضرب تأديبًا له على ما فرط في حق نفسه، وعلى ظلمه لها باتباع سبل الشيطان.
ويكون الضرب ضرب المعلم المربي المشفق لا ضرب المنتقم، وذلك لكي يضعوا الطفل في موقع الجدية، وليعلم أن هذا الأمر جد لا هزل فيه، فعل لا قول، ويشترط في الضرب أن يؤلم بعض الشيء، لا أن يشوه أو يجرح.
(4) مرحلة اصطحاب الأطفال إلى المساجد لصلاة الجماعة:
فكم هو فعل حسن أن يصطحب الآباء والمربون الأطفال إلى المساجد، وقد ارتدوا اللباس الأبيض النظيف متطهرين للصلاة، متوضئين لها الوضوء التام، ويقبل المربون مع أطفالهم إلى المساجد، وقلوبهم عامرة بالإيمان مشتاقة للمثول بين يدي ربها، طمعًا بمرضاته وجناته، وخوفًا من غضبه وناره.
الأساس الثاني ـ الصيام
باستقراء السيرة سنجد أن الصحابة رضوان الله عليهم يربطون أطفالهم بالعبادة، عن طريق فكرة الربط وأسلوب العادة أيضًا.
فكانوا رضوان الله عليهم يمنعون الطعام عن أطفالهم، ويصنعون لهم الدُمى واللعب حتى تشغلهم وتنسيهم الطعام والجوع، فكانوا يعوِّدون أطفالهم على الصيام منذ الصغر؛ حتى يترسخ في حسِّهم أهمية الصيام وفرضيته.
فعندما يتعود الطفل على الصيام، يشبُّ وقد صار الصيام عنده عادة وسلوكًا لا ينفك عنه.
ولذلك ترشد فلسفة التربية الإسلامية في القرآن والسنة العملية التربية ببرامجها ومناهجها وأهدافها إلى تأكيد فريضة الصوم وتأصيلها وترسيخها في نفس الفرد المسلم، منذ أن يصبح مكلفًا بها شرعيًّا وقادرًا عليها صحيًّا؛ لأن لها أبلغ الآثار الإيجابية الفعَّالة في تقوية إيمانه وتوحيده وعقيدته وعبادته، وإيقاظ ضميره وصحوة وجدانه، وإحساسه برقابة مولاه، وشعوره بحضوره المستمر معه أينما كان.
وترقية خلقه، وتزكية روحه، وكسر حدة شهوته، وتدريبه على التحكم في انفعالاته وضبط غرائزه ونزواته، وتربية روح الاحتمال والصبر لديه، وتفجير معاني العطف والشفقة والرفق والخير في نفسه، وتحريك مشاركته الوجدانية الصادقة للآخرين، وإعانة المحتاجين منهم والمعوزين، وتقوية ميله الاجتماعي فيعمل مع غيره على حفظ كيان جماعته بالتكافل والتراحم والتعاون، فضلًا عما للصوم من ميزة كبيرة في حفظه لصحة الصائم البدنية، ووقايته من الأمراض والعلل المختلفة.
وهكذا يسهم الصيام في تربية الطفل بالعادات الطيبة فيعتاد ألا يتكلم كذبًا ولا زورًا ولا غشًّا ولا يمارس غدرًا ولا خيانة، ولا إيذاءً أو عدوانًا على الناس في أموالهم أو أعراضهم .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والصيام جُنَّة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابَّه أحد أو قاتله فليقل: إني صائم، والذي نفس محمد بيده، لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح، وإذا لقي ربه فرح بصومه).
ويتعلم النظام لأن المسلم في رمضان يأكل بنظام، وينام بنظام ويستيقظ بنظام؛ ولذا فإنك ترى أن النظام يتجلى في المجتمع الإسلامي بأروع صوره في رمضان.
وربط الطفل بالعبادة لا يقتصر على الصلاة والصيام، وإن كنا خصصناهما بالذكر لأن تعويد الطفل عليهما واجب، ولأن التقصير فيهما طامة كبرى، ولا مانع من أن تعود طفلك على صنوف أخرى من أنواع العبادة كتعويد الطفل على: الصدقة، بر الوالدين، الصلاة في المسجد، المهم هو ربط الطفل بالعبادة وغرسها في قلبه ليشب عليها.
........................................................
بقلم الأستاذ عمر إبراهيم
حنانيكي @hnanyky
عضوة جديدة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
الصفحة الأخيرة
وجعلك الله من عباده الذين لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ