أخت عريس @akht_aarys_1
محررة برونزية
لغة الحوار والتعامل مع الآخرين
لاشي يساعدنا على تكوين مفاهيمنا أكثر من الارتقاء بمشاعر التعاطف نحو الآخرين،
فالتعاطف هو شعور بالمشاركة الوجدانية ويستدعي هذا الشعور أن تضع نفسك في مكان الشخص الآخر وتحاوره بالشعور ذاته وبهذه الطريقة نستطيع أن نحاور الآخرين.
بالطريقة نفسها التي نرغب في أن يحاورنا بها؛
فالحوار الصحيح ينتج حلولا صحيحة وأكثر الناس فشلا في حلول مشكلاتهم هم في الأصل فاقدو القدرة على إجادة لغة الحوار التي من خلالها نستطيع امتصاص غضب الآخرين وإقناعهم بعيدا عن لغة العنف.
كيف نعدّ أنفسنا لخوض معترك الحياة من ناحية فكرية وبناء أنفسنا بناءً عقلياً،
و متى نتعلم أسلوب حل المشكلات؟
الحوار لغة العصر بل روحه وأداته البليغة في الوصول إلى الحقيقة ....
كيف نتعلم لغة الحوار، دون انفعالات جسدية و تهديد باستخدام لغة القوة، والعنف الجسدي واستعراض العضلات!!
ما المهارات والقيم التي يجب أن نغرسها فينا لنبني في أنفسنا عقلية الحوار والقبول بمناقشة الأمور وتحليلها وتفسيرها؟
هل النرجسية والإعجاب بالذات أخطر ما يهدد القبول بلغة الحوار؟
متى يتحول حوارنا إلى حوار الطرشان، لا يصغي أحد منا للآخر ويمعن في تجاهله وازدرائه والغض منه؟! ومتى يكون حوارنا حواراً جاداً مثمراً نافعاً؟
هل نتعرض ونحن أطفال منذ طفولتنا المبكرة لعملية تدجين مستمرة تحول بيننا وبين لغة الحوار،
وتقمع تساؤلاتنا وحواراتنا بذريعة الطفل المشاكس الشقي "كثير الغلبة"،
وهكذا تبدأ عملية التلقين والتلقي في أجواء مريبة من الهيبة والطاعة العمياء، مروراً بمرحلة الطفولة المدرسية ثم المراهقة المسلحة بالعناد والجنون، وانتهاء بالجامعة.
مما يؤدي إلى إنتاج طالب مسخ يخاف من الحوار، ويرتعب من النقد، فيكون الناتج مواطناً مشحوناً بالخوف والرعب وفقدان الثقة بالنفس والميل إلى الانطوائية التي نفسرها بالأدب واحترام الكبير ...!!
الحوار لغة العصر وطريقنا إلى التواصل والاتصال... كيف نربي أنفسنا على نقد الآراء ونقضها من غير أن نلجأ إلى العنف الجسدي، والهروب إلى الأمام؟! كيف نتربى على تقبل انهيار الحقائق المتوهمة والسراب الخادع من غير أن ننهار ونفقد صوابنا ونلوذ بالعزلة والانطواء..؟!
هل هناك في جيناتنا الوراثية كعرب ما يشير إلى أننا نعشق التسلط ونمقت الحوار، ولا نطيق أن يكون الحوار جزءًا من حياتنا؛ لأنه خطر عليها على أساس أننا اعتدنا الاعتماد على عضلاتنا المشدودة وأوتارنا الصوتية المبحوحة، ولذلك يصعب علينا مفارقة عادة لازمتنا، وحال أدمنّا عليها.
الناس منذ خلقهم الله وهم مختلفو الطبائع والرغبات والميول، ويُعلم بداهةً أن معاملة هذه الاختلافات معاملةً واحدةً لا يستقيم، فما يلائم هذا لا يناسب ذاك، وما يحسُنُ مع هذا لا يجمل مع غيره، لذا قيل:(خاطبوا الناس على قدر عقولهم ).
فمتى سنعرف بنفسيات الناس وما يطيقون وما يحبون، ومعرفة الدخول إلى قلوبهم ،الإنسان كما هو معلومٌ مكونٌ من عدة قضايا، فهو ليس آلةً من الآلات، وإنما هو إنسانٌ بروحه وجسمه وعقله ومشاعره وهو محتاجٌ لتغذية هذه الأمور كلها.
وبعض الناس يخطئون عندما يتعاملون مع الإنسان في الجانب الدعوى مثلاً: إذ يتعاملون مع الفكر فقط أو الفعل فقط دون أن يهتموا بمشاعر الإنسان الذي يتعاملون معه.
كأصحاب المصانع الذين يتعاملون مع الجسم: كم ينتج ؟ كم ساعة يعمل ؟، ويهملون جانب الفكر وجانب العقل وجانب المشاعر.
كثيرٌ من الناس يهملون جوانب وقضايا من قضايا الحوار السليم مع الإنسان، ولكن لابد من التركيز عليها كاملةً حتى يكون الحوار مع الإنسان شاملاً ومؤثراً.
هذا الحوار أو التعامل الذي أكتب عنه يختلف الأثر الناتج عنه بحسب محتوى الحوار، أو طريقة الحوار، أو السلوك المصاحب للحوار، فقد يقول إنسانٌ كلاماً معيناً تحس منه أن هذا الإنسان يقوله من قلبه، وآخر يقول الكلام نفسه غير أنك تحس أنه يقوله من فمه.
وهذا يحتاج إلى تدريبٍ و إلى ممارسةٍ، فإنسان يكلمك وهو ينظر إليك فـهو يحترمك ويقدرك، فهذا يختلف عن إنسانٍ يكلمك وهو ينظر إلى ورقة أمامه أو إلى مكان آخر،
حتى إذا سكت عن الحوار قال لك : تفضل أكمل وهو ينظر إلى الأرض مثلاً،إن هذا غير مهتمٍ بك.
تلك أمثلةٌ متعلقةٌ بالسلوك المصاحب للحوار فما أسهل الناس وأنت تشاورهم، وما أقربهم منك وأنت تقدرهم ولا ننسى أن هناك قواعد ثابتةٌ ومشتركةٌ بين كل شعوب العالم وهي تنطلق من الفطرة، يستوي الحوار فيها مع إنسان وإنسان غيره.
لنتعلم هذه القواعد أو بعضها حتى نمارسها عملياً وقد تمتد تلك الممارسة إلى سنواتٍ حتى نتخلص من طبع سيءٍ يكرهه الناس، أو نكتسب طبعاً طيباً يحبه الناس فمن هذه القواعد المشتركة:
أن حديثنا وموضوعنا عن الحوار مع الأسوياء من الناس، أما الشواذ فتكون لهم معالجة فردية، فالسويُّ من إذا أكرمته عرف المعروف، والشاذ من يتمرد إذا أنت أكرمته.
كما إن لغة الحوار تختلف تبعاً لاختلاف العلاقة: الوالد مع ولده، الزوج مع زوجته، الرئيس مع مرؤوسه والعكس.
كما إن أن الحوار يتغير باختلاف الأفهام والعقول.
فالرجل الذكي الفاهم الواعي تختلف طريقة محاورته عن الشخص الآخر المحدود العقل المحدود الفهم المحدود العلم، فالحديث معه يكون مناسباً لطبيعته وقدرته على الفهم.
يختلف أسلوب الحوار أيضا باختلاف الشخصية، فطريقة الحوار مع شخص شكَّاكٍ وحسَّاسٍ تختلف عنها مع شخصٍ سويٍّ، فالطريقة تختلف باختلاف الشخصيات والصفات التي تكون بارزةً فيهم.
يقول المؤلف دايل كارنيجي:"من هواياتي أن اصطاد السمك، وبمقدوري أن أجعل الطُعم الذي أثبته في الصنارة أفخر أنواع الأطعمة، لكني أفضل استعمالي طعوم الديدان على الدوام، ذلك أنني لا أخضع في انتقاء الطعوم إلى رغبتي الخاصة، فالسمك هو الذي سيلتهم الطُعم... وهو يفضل الديدان فإذا أردت اصطياده قدَّمت له ما يرغب فيه".
والآن لماذا لا نجرب الطُعُومَ مع الناس ؟ والواقع أن "الطُعم" هذا مهمٌ للغاية... ذلك أن علاقتك مع الآخرين تُهمهم أيضا بقدر ما تهمك أنت، فحين تتحدث إليهم حاول أن تنظر بعيونهم، وتعبر عما في نفسك من زاويتهم وبمعنى آخر أبدِ لهم اهتمامك بهم ، أكثر من اهتمامك بمصلحتك الشخصية، اجعلهم يتحمسون لما تريد منهم أن يفعلوه عن طريق اتخاذ الموقف من جانبهم ".
لا يختلف اثنان في أن النصيحة في العلن يكرهها الناس، لأن كل الناس يكرهون أن تبرز عيوبهم أمام غيرهم والناس يكرهون من يؤنب ويوبّخ في غير محل التأنيب ومن غير تأنٍ ودون السؤال والاستفسار، بل من الخطأ أن يتمادى الإنسان في التأنيب بعد أن يعتذر صاحبه ومن يتحدث معه فالناس جميعاً ومنهم نحن عاطفيون أولاً، ثم أصحاب منطقٍ وعقولٍ في الدرجة الثانية إن الاعتراف بالخطأ يزيل التحامل الذي يمكن أن يتولد في صدر الخصم أولا، ومن ثم يخفف أثر الخطأ ثانياً.
الناس يكرهون دائماً من ينسب الفضل لنفسه، فإذا حدث إخفاقٌ ألقى بالتبعة على الآخرين وإذا حدث نجاحٌ نسبه لنفسه الانتقاد لا يحتاج إلى موهبةٍ خاصةٍ أو بذل نشاطٍ كبيرٍ، ففي وسع أي أحمقٍ أن يُشنِّع على رجلٍ ذي عبقرية وتميزٍ وأن يتهمه ويسخر منه.
لذلك لابد أن نحاول أن نفهم الآخرين ونتلمس لهم الأعذار حين تقصيرهم فهذا أمتع من النقد المباشر، فطبيعة البشر تأبى ذلك- نعم، قد ينفذ الشخص المنتقد المطلوب منه ولو كان الأسلوب مباشر وبنقدٍ حادٍ، ولكن لو كانت الطريقة ألطف كان ذلك أدعى للقبول.
والناس أيضا يكرهون من يعاملهم باحتقارٍ و استعلاءٍ مهما كان هذا الإنسان إن الاستماع المشغف هو أعلى ضروب الثناء الذي يمكن أن تضفيه على محدثك فالناس يحبون من يفتح لهم المجال لتحقيق ذواتهم.
إن استثارة العواطف النبيلة في قلوب الآخرين طريقةٌ ناجحةٌ تماماً في كسب الناس إلى وجهة نظرك، كما أنها لن تؤدي إلى مضرَّةٍ لو قُدِّر لها الفشل.
كما إن وضوحنا في حوارنا، وابتعادنا عن التلون والظهور بأكثر من وجه، فمهما بلغ نجاحك فسيأتي عليك يوم وتتكشف أقنعتك، وتصبح حينئذٍ كمن يبني بيتاً يعلم أنه سيهدم في الأخير لابد لك أن تفعل ما هو صحيح، ثم أدر ظهرك لكل نقد سخيف، مادمت تعمل وتنجح وتعطي وتسطع وتلمع فأنك لن تهرب من الذين ينشرون الحرب ويمرضون من نجاح الآخرين ...
واعلم انك لو لم تكن تفوقهم لما تعرضت لنقدهم الآثم فلا تتوقف في طريق رحلتك متعثرا بنقدهم الآثم ، فإن رضى الناس غاية لا تدرك ، ومهما حاولت إرضائهم ستجد من يزرع الشوك في طريق رحلتك.
وتستطيع أحيانا أن تصف شخصية الإنسان من خلال مواقفه التي تراها عند سعادته أو غضبه فالإنسان السخيف هو من يغضب من دون سبب ويتوسل رضاك عندما يهدأ، والإنسان الرخيص يتذكر ورق المناديل الخاص به عندما ينساه في مكانك ويتناسى الغالي والثمين عندما يعود لمكانه، والإنسان الغبي يعلم تماما كيف يغضبك، ولكنه لا يعلم أبدا كيف يرضيك، والإنسان الأناني يتمنى دائما أن تسمعه عندما يكون في حاجه إلى ذلك ويغلق أذنيه عندما تكون أنت في حاجته لأن يسمعك.
2
359
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
بنت رفيعه
•
سلمت يمينك موضوع رائع وفعلا احنا بحاجه الى تعزيز الحوار اولا في ابنائنا ولن يكون ذلك الا طبقنا ذلك بيننا
الصفحة الأخيرة