لماذا تقتل بعض الحيوانات صغارا من نفس النوع ؟

إنَ القتلَ هو عمليةٌ قاسيةٌ بلاشك وخاصةً قتل الحيوانات الصغيرة،لكن الأمر قد يبدو أقسى عندما يكون قاتل هذا الحيوان الصغير هو حيوانً من نفس نوعه، فما هي الفائدة الحقيقية من هذا العمل؟
كما نعرف، فإنَ الحيوانات إما أن تعيش منفصلةً عن بعضها أو يعيش أفرادٌ من النوع ذاته مع بعضها من أجل الحماية، لكن ما نشاهده هنا هو العكس نوعاً ما، فالأفراد الصغيرة قد تتعرض للقتل لا من قبل المفترس ولا بسبب انعدام الموارد(كالموت من الجوع)، بل من أفراد بالغين من النوع نفسه. فما هي الفائدة؟
الإجابة تكمن في البنية الاجتماعية لهذه الحيوانات واستراتيجيات التكاثر لديها؛ لا بد أن الفكرة لم تتضح لكم بعد، فوظيفة التكاثر هي زيادة العدد ونقل المعلومات الوراثية من الآباء إلى الأبناء من أجل ضمان استمرار النوع، ولا يبدو –للوهلة الأولى- أن قتل الصغار كاستراتيجيةٍ للتكاثر قد يفيد في تحقيق هذه الغايات. لذلك دعونا أعزائنا القراء نلقي نظرةً عن كثب لنفهم
الموضوع أكثر..
في الواقع، فإن ظاهرة قتل الصغار من النوع ذاته منشرةٌ في المملكة الحيوانية بين أنواعٍ مختلفةٍ من الثدييات ، كالدلافيين والأسود وحيوانات البابون*، وخاصةً الذكور، هذه الظواهر تمت مشاهدتها في البرية فخرج العلماء ببعض التفسيرات، بعضها تُعلل بأنَ الصغار قد يشكلون مصدراً منافساً على الموارد أو أنهم ينتفعون على حساب البالغين، أو ربما كان الأمر مرضياً بحتاً(أي يُقتَل الصغار المرضى لأنهم ضعفاء كي يتم إفساح المجال لغيرهم)؛ لكن، وبالنظر إلى الفائدة التي يحصل عليها القاتل من ناحية نجاح عملية التكاثر، بالنظر إلى هذه الفائدة فإن التعليلات السابقة لم تعد مقنعة. قد لا تبدو الصورة واضحةً لكم حتى الآن أصدقائي لكن التوضيح قادم.
قام العلماء بالاطلاع على دراساتٍ عديدةٍ لـ 260 نوعاً من الحيوان شملت 119 نوعاً تقوم بقتل صغارها و 141 لا تقوم بذلك، وتضمنت هذه الدراسات فقط الحالات التي تم فيها تأكيد عملية القتل وكان القاتل ذكراً، علّهم-أي العلماء- يستطيعون معرفة القواسم المشتركة بين عمليات القتل نفسها فضلاً عن القواسم المشتركة بين نتائج هذه العلمية.
وبعد الدراسة والمقارنة بين العوامل المشتركة التي تشمل البنية الاجتماعية وسلوك التزواج، بدأ نمطٌ مشتركٌ ينظم عمليات القتل هذه بالظهور، بمعنىً أبسط، بدأ العلماء برؤية القواسم المشتركة بين العمليات ونتائجها لقد كانت هذه العمليات شائعةً لدى الأنواع التي يعيش فيها الذكور والإناث سويةً، ولا يكون هناك مواسم محددةٌ للتزاوج حيث يمكن للأنثى أن تتزاوج في
أي وقتٍ من العام، ويكون هناك مجموعةٌ من الذكور المهيمنين لكنهم لا يتمتعون بهذه السيطرة(الهيمنة) لفترةٍ طويلة، ولنوضح أكثر، فإن بعض الذكور في هذه الأنواع تهيمن لفترةٍ قصيرة مما يحذوها للتزاوج بشكلٍ أكبر كي تستغل هذه الفترة-فترة السيطرة القصيرة- ولجعل الإناث تتزاوج يتم قتل صغارها(والذين هم أطفال ذكورٍمنافسين)، مما يدفع الأنثى إلى التزاوج من جديد!
وبهذه الاستراتيجية، فإنَ بعض صغار الأسود "الجميلة" وأنواعٍ أخرى قد تتعرض للخطر بسبب ذكورٍ منافسين.

بما أن قتل الصغار من نفس النوع يبدو أقسى مظاهر التنافس الجنسي(التكاثري) لدى الثديات حيث تبذل الأنثى جهداً ووقتاً كبيرين في إنجاب ورعاية الصغار، فلا بد أن تتطور لدى الإناث استراتيجيةٌ معاكسةٌ لاستراتيجية الذكور. لكن ما هي هذه الاستراتيجيات؟
دراسةٌ من الأكاديمية الوطنية للعلوم أظهرت بأنَ الإناث قد يتزاوجن مع ذكرٍ واحد(وبالتالي لن يكون هناك فائدةٌ من قتل الصغار لإجبار الأنثى على التزاوج مما سيقود بدوره إلى توقف هذا القتل)، تبدو هذه الفكرة مقبولة لكن دراسةً أخرى قام بها عالم الحيوان لوكاس من جامعة كاليفورنيا وزميله هوشارد وهو عالمٌ في السلوك الحيوي من المركز الفرنسي للأبحاث، مفاد هذه الدراسة أن استراتيجية الإناث ليست الزواج الأحادي بل الزواج من عدة ذكور. فبهذه الطريقة فإن الذكور الذين تزاوجوا مع هذه الأنثى سيعتقدون أن صغارها هم صغارهم وبالتالي لن يقتلوهم أي أن الأنثى ستحمي بذلك صغارها وهذا الأمر شائعٌ عند بعض أنواع الفئران.
لكن الأمر لا يتوقف عند هذا الأحد، فللذكور استراتيجيةٌ معاكسةٌ للاستراتيجية المعاكسة للإناث؛ ففي البداية وجدنا أن الذكر يقتل صغار الذكور الآخرين المنافسين فتتزاوج الأنثى معه فيُضمَنُ بذلك انتقال جينات هذا الذكر(المعلومات الوراثية) للأبناء. وهنا تقوم الأنثى باستراتيجيةٍ معاكسة وهي التزاوج من أكثر من ذكر وبالتالي يعتقد كل ذكرٍ أن الصغار صغاره فلا يقتلهم. وهنا نأتي لاسترتيجية الذكور الثانية، وهي حجم الخصى(جمعة خصية)، حيث أن الأنثى التي ستتزاوج من أكثر من ذكر ستحصل على نطافٍ من عدة ذكور والذكر الأكثر ملائمةً هو الذكر الذي يستطيع إعطاء نطافٍ أكثر أي الذي يملك خصيتين أكبر. هذه هي الاستراتيجية التي تحدثنا عنها تدعى "الخصى الأكبر".
في الواقع، ماذكر يقدم لنا صورةً عن مدى مرونة وتعقيد تطور الاستراتيجيات التكاثرية لدى الحيوانات، فلا يمكن أن نفهم فائدة ما يقوم به أحد الجنسين دون معرفة ما يقوم به الجنس الآخر.
والآن ننتقل "للسيدات"-الإناث- اللاتي يقمن بعملية قتل الصغار، ففي إحدى الحالات قامت أنثى الدب الكسلان بقتل صغيرين، الأمر قاسٍ بلا شك، لكن وربما بسبب نقص الموارد، تفضل الأنثى نجاتها-على نجاة الصغار- كي تنجب في ظروفٍ أفضل فيما بعد.
وهناك إناثٌ يقتلن صغار إناثٍ منافسات من أجل منح صغارهنَ حمايةً وموارد أكثر. وبالحديث عن الاستراتيجيات المعاكسة، هنا أيضاً استراتيجيةٌ أخرى نحدثكم عنها، حيث يكون الإنجاب في فتراتٍ متقاربةٍ جداًوبالتالي لا تقوم الأنثى المهيمنة بقتل صغار الإناث الأخريات لأنها تعتقد أنهن صغارها (أو وبشكلٍ أدق، لأنها لا تعرف من هم صغارها)!
بشكلٍ عام، فإن معرفة لماذا تطورت هذه الاستراتيجيات- التي تحدثنا عنها مفصلاً في مقالنا- تطورت عند بعض الأنواع ولم تتطور عند غيرها أمرٌ صعبٌ بعض الشيء.
وبالنسبة للإناث الاتي يقمن بقتل الصغار، فلا بد من فهمٍ أفضل للأسس التطورية لهذه الممارسات(ممارسات قتل الصغار).
وهنايشير الباحث لوكاس أنه لو تغيرت الظروف الاجتماعية فإن هذا الفعل القاسي التي تتصف به بعض ذكور الثدييات قد يتغير ولا يكون هناك حاجةٌ له-بتغير الظروف الاجتماعية كما ذُكِر-.
لكنها عملية قاسية بلا شك، أليس كذلك؟!

الحاشية:
*البابون: جنس من أجناس القردة له خمس أنواع مختلفة(الأجناس والأنواع مصطلحات متعلقةبعلم التصنيف) يعيش في أفريقيا بشكل أساسي(وكنوع من التسهيل للفهم، فالبابون هي القردة الشريرة في فلم طررزان )



الموضوع منقول للفائدة :smile: