في سيرة رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – وهديه أعظم العبر للمعتبرين، وفيها تسلية وجبر للمنكسرين والمهمومين، وانطلاقة وحافز للمتطلعين المشمرين.
ونريد أن نقضي وقتًا رائعًا في مدرسة التفاؤل العظيمة، مدرسة المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، فوالله إن في سيرته لأسوة للمتفائلين، وعبرة وعظة للمتشائمين.
مع التفاؤل، تأتي كل الخصال الحميدة، فالمتفائل كريم لأنه لا يتشاءم بالفقر، والمتفائل شجاع لأنه لا يتشاءم بالهزيمة، والمتفائل متسامح لأنه لا يتشاءم بظلم الناس، والمتفائل فرح سعيد لأنه يوقن أن الغد أفضل من اليوم بإذن الله.
ولو تأملنا في سيرة النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – لوجدنا أنه عليه الصلاة والسلام كان يستصحب التفاؤل في كل أحواله، مع تغير وتباين هذه الأحوال، فقد كانت متفاوتة تفاوتًا عظيمًا من حرب وسلم، وأمن وخوف، وسراء وضراء، فلم يُعرف أن الظروف غيرته أو أصابته بالملل، بل كلما استحكمت ازداد تفاؤلاً وتشوفًا للنصر، بل يغضب لغياب التفاؤل عن بعض أصحابه في وقت اشتداد الأزمة.
كان رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – مع أبي بكر – رضي الله عنه – في الغار وقد خرجا من مكة والكفارُ يبحثون عنهما في كل أرض ومكان، ويقول أبو بكر للنبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم –: لو نظر أحدهم موقع قدمه لرآنا، فيقول النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم: “يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟”.
وعند حفر الخندق أمر عجب، روى البخاري عن جابر – رضي الله عنه – قال: إنَّا يوم الخندق نحفر، فعرضت كُدْيَةٌ شديدة، فجاءوا النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – فقالوا: هذه كُدْيَةٌ عرضت في الخندق فقال: “أنا نازل”، ثم قام وبطنه معصوب بحجر فأخذ المعول فضرب فعاد كثيبًا أَهْيَل أو أَهْيَم ـ أي صار رملاً لا يتماسك.
وروى أحمد – رحمه الله – عن البراء – رضي الله عنه – قال: لما كان يوم الخندق عرضت لنا في بعض الخندق صخرة لا تأخذ منها المعاول، فاشتكينا ذلك لرسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم –، فجاء وأخذ المعول فقال: “بسم الله، ثم ضرب ضربة وقال: الله أكبر، أُعْطِيْتُ مفاتيح الشام، والله إني لأنظر قصورها الحمر الساعة، ثم ضرب الثانية فقطع آخر، فقال: الله أكبر، أُعْطِيْتُ فارس، والله إني لأبصر قصر المدائن الأبيض الآن، ثم ضرب الثالثة، فقال: بسم الله، فقطع بقية الحجر فقال: الله أكبر، أُعْطِيْتُ مفاتيح اليمن، والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني”.
قمة التفاؤل أن تنظر لنجاحك وأنت غارق في الصعوبات والضوائق، بطنه معصوب بحجر، والخوف يحيط بهم من كل مكان ويُبَشِّرُ بفتح المشرق والمغرب، بالله عليكم من يملك مثل هذه الروح؟ إنها مدرسة النبوة، إنها مدرسة التفاؤل.
عن عائشة – رضي الله عنها – أنها سألت النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم –: هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ فقال: “لقد لقيت من قومكِ فكان أشد ما لقيتُ منهم يوم العقبة إذ عرضْتُ نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت فانطلقت – وأنا مهموم – على وجهي فلم أفق إلا في قرن الثعالب فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني فقال: إن الله قد سمع قول قومك وما ردوا عليك وقد بعث إليك ملَك الجبال لتأمره بما شئت فيهم”. قال: “فناداني ملَك الجبال فسلم علي ثم قال: يا محمد، إنَّ الله قد سمع قول قومك وأنا ملَك الجبال وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك إن شئت أطبق عليهم الأخشبين” فقال رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم –: “بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئًا”. متفق عليه.
التفاؤل صناعة الناجحين في زمن المتغيرات، والتفاؤل يولِّد مع الأزمة، وكلما ازدادت الأزمة استحكامًا ازداد طلب التفاؤل.
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها ….. فُرِجَت وكنتُ أظنها لا تفرجُ
حياه جديده @hyah_gdydh
كبيرة محررات
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
الصفحة الأخيرة
جزاك الله خير