الذره

الذره @althrh

عضوة فعالة

مشاركة كيف سنحيي قلوبنا قبل رمضان ؟

ملتقى الإيمان


رمضان بعد 3 شهور من الآن
وحتى نستعد له استعدادا جيدا علينا أن نجتهد - مستعينين بالله- لإحياء قلوبنا


لذا وقبل أن نبدأ بمشيئة الرحمن في مشروع موقع منهج الإسلامي للاستعداد لرمضان
سنبدأ سويا في قراءة كتاب " حياة القلوب "
للشيخ صالح المغامسي - حفظه الله -


أسأل الله عز وجل أن ينفعنا به وأن يحيي قلوبنا وأن يبلغنا رمضان بعلو همة وإقبال على الطاعة





_________________
اللهم ما رزقتني مما أحب فاجعله قوة لي فيما تحب وما زويت عني مما أحب فاجعله فراغا لي فيما تحب واجعلني لك كما تحب
اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك
اللهم اشفي أبي وواباء المسلمين

11
677

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

الذره
الذره
الوقفة الأولى:- معرفة الخالقعز وجل
أيها المؤمنون يقوم القرآن على قاعدة عظيمة يراد إيصالها لمن يقرؤه ألا وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم خاصمه الملأ من قريش فيما أنزل إليه وفي دعواه للنبوة ، وفي أنهم كانت لهم آلهة يعبدونها من دون الرب -تبارك وتعالى- يفيئون إليها ويعكفون عليها وهذه القاعدة التي تبناها القرآن أنَّ الفصل بيننا وبينكم أي بين من ينتسبون إلى القرآن وبين هؤلاء الوثنيين من اثبت أنَّ هناك خالقا غير الله فليعبده ، هذا من قواطع الدين لا احد يخلق إلا الرب -تبارك وتعالى- قال الله -جل وعلا- : ﴿هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ ، وقال الله تعالى : ﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ، وقال -جل وعلا- : ﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ ، وهذا المبدأ العظيم يبدأ الإنسان به حياته كلها وهو يسير على نهج صراط الله المستقيم ، ذلك أنَّ المرء إذا استقر في قلبه وذهنه أنَّ الله -جل وعلا- هو خالقه ، هو رازقه ، هو المنعم عليه ، لم يقع في قلبه -إن كان على الفطرة- أن يصرف عبادة أو طاعة أو أمراً أمره الله أن لا يُصرف إلا له -تبارك وتعالى- ، ومن هنا يأتي مسألة إن القلوب أوعية ، إما أن تملأ بحب الله وتعظيمه وإجلاله -تبارك وتعالى- ؛ لأنه هو الخلاق العظيم ، وإما أن تُملأ بغيره ، ولن تُملأ بهذه الأمر حتى يستقر في القلوب يستقر في العقول أنَّ الله -جل وعلا- وحده هو الخلاق ، والمؤمن إذا أراد أن يقرأ القرآن فليقرأ تلك الآيات التي يثني الله -تبارك وتعالى- فيها على نفسه ويمجد الله عز وجل - فيها على ذاته العلية ، يقرأ تلك الآيات التي تنطق بشواهد الوحدانية ودلائل الربوبية ، إن الإنسان لا يمكن أن يأتي طاعة ولا أن يحجم عن معصية ولن يقع في قلبه تعظيم الله بل إن الطاعة لا يكون لها اثر والبعد عن المعصية لا يكون له اثر إن لم يقع في القلب تعظيم الرب -تبارك وتعالى- ، الله -جل وعلا- ما أراد من عباده شيئا أعظم من أن يعظموه ، وما أُنزل القران وما بُعث الرسل إلا لشيء واحد كل شيء يندرج فيه ألا وهو أن يُعرَّف بالرب -تبارك وتعالى- ، وأعظم التعريف برب العالمين توحيده -تبارك وتعالى- فما توحيده إلا ناجم عن المعرفة الحقَّة به ولهذا قال الأخيار من قبلنا :- (من كان بالله اعرف كان من الله أخوف) ، ولما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يملي في سؤاله لأُبيٍّ:- ((أي آية في القران أعظم)) ، قال أُبي:- ﴿اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ، قال صلى الله عليه وسلم :- ((ليهنك العلم يا أبا المنذر)) ، لان هذه الآية فيها شواهد الربوبية ودلائل الوحدانية وكمال الأسماء والصفات لرب العالمين -جل جلاله- ، الله عظيم ولا احد أعظم من الله ، والله رحيم ولا احد ارحم من الله ، والله معطٍ ولا يمنع احد ما أعطاه الله ، والله يمنع ولا يعطي احد ما منعه الله -جل وعلا- ، ولن يصل احد إلى ما عند الله من النعيم والفضل حتى يستقر في قلبه أولاً انه لا احد أعظم من الله بل لا احد مثله ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ، صدر الله آية الكرسي بقوله: ﴿الله لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ، لفظ الجلالة الله علم على الرب -تبارك و تعالى- حتى من نازعوا الله في ربوبيته ، وجادلوا الله في إلوهيته ، لم يجرؤ احد منهم صرف بقدرة الله أن يتسمى بهذا الاسم فهو علم الأعلام على الملك العلام عز وجل - قال الله -جل وعلا- يذكر أدب ملائكته ويختم بقوله: ﴿وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً ، وهذا استفهام في مقام الإنكار أي لا احد مثل الله أبداً ، ولن تَعبدَ الله حق العبودية حتى يستقر في قلبك أولاً أنه لا أحد مثل الرب -تبارك وتعالى- قال الله: ﴿هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً ، ثم ذكر الله -جل وعلا- ﴿ اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ، وهو -جل وعلا- الحي حين لا حي ، والحي يحيي الموتى ، وهو -تبارك وتعالى- حي حياة لم يسبقها زوال ولا يلحقها عدم ، وكل أحد غيره حياته سبقها زوال و بعضها يلحقها العدم إلا من كتب الله له الخلود ، فحياة ربنا -جل وعلا- حياة تليق بجلاله وعظمته لم يسبقها زوال ولم يلحقها عدم ، وحتى يستقر هذا المفهوم الذي حررناه من دلائل معرفة الله أن ترى النقص في نفسك وفي الخلق يدلك على الكمال في الخالق ، وهذا من أعظم ما دل عليه القرآن ودلت عليه السنة ، النقص في الخلق يدل على الكمال في الخالق ، نبينا صلى الله عليه وسلم كان نور النبوة يملأ وجهه -عليه الصلاة والسلام- في يوم أُحد شجَّ رأسه ، وكسرت رَبَاعيته ، ودخل المغفر في وجنتيه ، سال الدم على وجهه والله -جل وعلا- قادر على أن يحفظ نبيه من كل هذا لكن الناس إذا رأوا النقص في وجه سيد الخلق تبين لهم أن الكمال لا يكون إلا في وجه الخالق ، فالله وحده له الاسم الأعظم وله الوجه الأكرم وله العطية الجزلى قال الله -جل وعلا- يثني على ذاته العلية: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ ، ليبين الله -جل وعلا- كمال قوته ، ولما ساوى القرشيون الأوثان بربهم عابهم الله -جل وعلا- بقوله: ﴿مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ، وحتى يتأكد هذا المفهوم العظيم في نفس كل مؤمن ، جاءت بعض آيات القرآن تُعرِّف بالرحيم الرحمن عز وجل تدلل على كمال ربوبيته وعظيم وحدانيته ، يأتي الملأ من عباده يدخلون البحر وقد خلفوا في معابدهم أوثاناً وأصناماً كانوا ذات يوم يعكفون عليها ، فإذا مسهم الضر في البحر نسوا تلك الآلهة ولجأوا إلى الله ، فلما نجاهم -جل وعلا- بلطفه ورحمته إلى البر نسوا ربهم وعادوا إلى ألهتهم ، فخاطبهم الله -جل وعلا- بقوله إن قلوبهم بين يديه فالله قادر على أن يخسف بهم جانب البر لأن خرجهم من البحر خروج من الغرق لكنه ليس خروجاً من سلطان الله فله -جل وعلا- البر والبحر ، ثم يبين الله عظيم قدرته ، الله قادر على أن يقنعهم يملي في قلوبهم أن يعودوا إلى البحر مرة أخرى ، فإذا عادوا للبحر مرة أخرى نكَّل الله -جل وعلا- بهم: ﴿وَإِذَا مَسَّكُمُ الْضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُوراً أَفَأَمِنتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ وَكِيلاً
أَمْ أَمِنتُمْ أَن يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفا مِّنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُم بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعاً
، هذه الآيات يقرأها المؤمن وهو يتأمل عظيم وجلال ربه -تبارك وتعالى- ، يُخسف القمر وأنا لا أريد أن أُحدث حديث ترتيب ولا حديث بيان ولا بلاغة ولا فصاحة كل لفظة تؤدي إلى أن تعرف عظمة الله أنعم بها من لفظة ، وكل لفظ لا يؤدي إلى أن نعرف عظمة الله فلا أنطقنا الله -جل وعلا- به ، فنقول إن الإنسان يرى في خسوف القمر كمال وحدانية ربه وجلال قدرته ، فالناس إذا ضربت الجمال ضربته بالقمر فيخسف ليبين الله -جل وعلا- لك النقص في مخلوقاته حتى يتبين لك عظيم قدرة وجلال صنعته وانه وحده -تبارك وتعالى- مالك الملك قال الله -تبارك وتعالى- : ﴿وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً
وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ
، ثم قال الله :- ﴿وَنُخَوِّفُهُمْ وبهذه الآية يخاطب كل احد ، فمن وجد في آيات الله ما يخوفه فقد فاز وساد وأما بعدها فأن الله يقول ﴿وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَاناً كَبِيراً.



_________________
اللهم ما رزقتني مما أحب فاجعله قوة لي فيما تحب وما زويت عني مما أحب فاجعله فراغا لي فيما تحب واجعلني لك كما تحب
اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك
اللهم اشفي أبي وواباء المسلمين
الذره
الذره
الوقفة الثانية : التدبر في آيات الله وقدرته
ثم قال -جل قدره- : ﴿وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ ، فما الشمس والقمر إلا آيات من آيات الله ، تجري بقضائه وقدره تجري لحكمة اقتضتها مشيئته وحكمته وإرادته -جل وعلا- قال سبحانه يبين إذعانها لأمره وانقيادها لمشيئته قال -جل ذكره- : ﴿وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ، وقبله ما قال : ﴿وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ، ثم يبين -جل وعلا- بعد ذكر هذه الآيات قال –سبحانه- : ﴿أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ ، واللام هنا لام الملك :الملك المطلق الذي لا يكون إلا لله ثم قال -جل وعلا- : ﴿الْخَلْقُ وَالأَمْرُ ، ففصل بينهما بواو العطف والواو في اللغة الأصل إنها تقتضي المغايرة ، فالخلق غير الأمر ، فالخلق المراد بها جميع المخلوقات ، وأمره كلامه -تبارك وتعالى- قال -جل ذكره- : ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً ، صدقا في أخباره وعدلاً في أوامره ونواهيه ، وبهذه الآية احتج الإمام احمد -رحمه الله- على المعتزلة على إن القران كلام الله منزل وغير مخلوق بقول الله -جل وعلا- : ﴿أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ ، فان الله فرَّق ما بين الخلق وبين الأمر فالقران كلام الله -جل وعلا- وهو أمره -تبارك وتعالى- ثم قال -سبحانه- خاتماً هذه الآية التي عرَّف فيها بذاته وأثنى فيها على ذاته -جل وعلا- قال: ﴿تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ، والفعل تبارك لا يأتي منه مضارع ولا أمر يسميه علماء النحو فعل جامد أي غير متصرف ولا يقال إلا للرب -تبارك وتعالى- ، فلا يقال لأحد غير الله تبارك لأنه -جل وعلا- وحده الذي تعاظم وتقدس ومنه البركات ومنه الخير العميم كما جاء في الحديث (( والخير كله بيديك والشر ليس إليك تباركت ربنا وتعاليت ))، هذه آية واحدة أخذناها ودرسناها على عجل تبين ما لله -جل وعلا- من نعوت الجلال وصفات الكمال وانه سبحانه وبحمده هو الرب الواحد الكبير المتعال ، وإلا الآيات التي بيَّن الله -جل وعلا- فيها ما له -تبارك وتعالى- من جليل العظمة وعظيم الصفات آيات كُثر عدة منثورة في القران العظيم ، كأول سورة الحديد ، وخواتيم سورة الحشر ، وأية الكرسي ، وغيرها كما في الفرقان ، وغيرها من السور ، والمقصود من هذا جملة انه حتى تَوجل القلوب من الله لابد أن يكون هناك علم بالله ولهذا قال السلف: (من كان بالله اعرف كان من الله أخوف) وقال صلى الله عليه وسلم ((مررت ليلة أُعرج بي وجبريل كالحلسالبالي من خشية الله))(الحلس: كساء رقيق على ظهر البعير تحت قتبه)
، والذي جعل جبريل بهذا المقام او بهذه الحالة علم جبيريل بربه -تبارك وتعالى- ، والإنسان كلما ازداد علماً بالله وبأسمائه وصفاته كان أكثر وجلاً وأعظم رجاءاً واشد محبة لله ، قال سبحانه: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً لِّلّهِ ، وجاء في الحديث (حديث داود) انه كان يقول: ((اللهم إني أَسْأَلُكَ حُبَّكَ وَحُبَّ من يُحِبُّكَ وَحُبَّ عَمَلٍ يُقَرِّبُ إلى حُبِّكَ)) ، والمقصود جملة إن معرفة الرب -تبارك وتعالى- لها على العبد من الآثار الحميدة والخصال المطلوبة والمرغوبة شرعا ما الله به عليم ، ولقد كان سلف الأمة نبينا صلى الله عليه وسلموأصحابه رضي الله عنهم لهم في هذا ارفع المقامات واجلّ العطايا ألحقنا الله بهم ورزقنا وإياهم حسن اتباعه .





_________________
اللهم ما رزقتني مما أحب فاجعله قوة لي فيما تحب وما زويت عني مما أحب فاجعله فراغا لي فيما تحب واجعلني لك كما تحب
اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك
اللهم اشفي أبي وواباء المسلمين
الذره
الذره
الوقفة الثالثة :- (تحقيق التوحيد الخالص )

ثمة أمور يجعلها الإنسان وفق مداركه وهو يتعبد الله -تبارك وتعالى- ، أولها : أن تعلم إن التوفيق للطاعة أمر بيد الرب -جل وعلا- وحده قال الله -جل وعلا- : ﴿يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ ، فالتماس التوفيق في الأعمال الصالحة وفي غيرها من مطالب الدنيا المباحة إنما يكون من عند الرب -تبارك وتعالى- ، والإنسان لو وُكِّل إلى اجتهاده وقدراته لهلك ولكن الهادي والموفق هو الرب -جل وعلا- .

وأكثر ذكره في الأرض دأبـا لتذكر في السمـاء إذا ذكرتـا

وسل من ربك التوفيق فيهـا واخلـص في السؤال إذا سالتـا

ونادي إذا سجدت به اعترافاً كمـا نـاداه ذي النون بن متى

فالمقصود أن يعلم العبد في أول الأمر انه لا خير يجلب ولا شر يدفع إلا بالله ، قال العز بن عبد السلام -رحمه الله تعالى- : (والله لن يصلوا إلى شيء يبتغونه بغير الله فكيف يوصل إلى الله بغير الله) ، فإذا كان ما لا يتعلق به اجر لا ينال إلا بالله ، فكيف ما علق الله عليه الأجر ووعد الله عليه الحسنى وذكر عليه الجنان والعطايا والهبات هذا لا ينال من باب أولى إلا بتوفيق الرب -تبارك وتعالى- ، من ما يعينك على أن تستثمر الباقيات الصالحات وتأتيها أن تتذكر أحاديث للنبي صلى الله عليه وسلم أن تتذكر المحرمات على النار ، والممنوعين من دخول الجنة فما الجنة والنار؟ خلقان من مخلوقات الله يدخل الله -جل وعلا- فيهما من يشاء فإذا تذكرت من حرَّم الله على النار كان ذلك باعثا حثيثا في نفسك أن تأتي الأعمال الصالحة ، وإذا تذكرت من حرَّمه الله على الجنة أو منعه الجنة كان ذلك باعثا حثيثا في نفسك ان تبتعد عن تلك الأعمال ، قال صلى الله عليه وسلم: ((إن الله حرَّم على النار أعضاء السجود)) ، فلو أن العبد وهو يسجد تذكر أن هذه الأعضاء إذا أخلصت لله وكان سجودها موافقا لشرع محمد صلى الله عليه وسلم فإنها محرَّمة بأمر الله على النار ، أن تتذكر قوله صلى الله عليه وسلم: ((عَيْنَانِ لَا تَمَسُّهُمَا النَّارُ عَيْنٌ بَكَتْ من خَشْيَةِ اللَّهِ وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ في سَبِيلِ اللَّهِ)) ، فأما الأولى فإنها رقة القلب ولين الفؤاد واقشعرار الجلد وذروف الدمع ، ذلك من مناقب أولياء الله الصالحين ، خاصة إذا كان الأمر في الخلاء في معزل عن الناس كان ذلك إلى الله اقرب ، ومن قدر له أن يستبطن أقوال العلماء من المفسرين يجد والله ما من كلمة قالها أهل العلم من المفسرين أشدُّ على من يقرأها من قول سفيان ابن عيينة -رحمه الله- وهو يفسر قول الله ﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ

، قال -رحمه الله- (العدل أن تستوي العلانية والسريرة ، والإحسان أن تكون سريرة المرء أعظم من علانيته) ، ودون ذلك خرط القتاد ، وانه ليسير على من يسره الله -جل وعلا- ، عليه فأمثال هذه الثلاثة أحاديث من أعظم البواعث على الأعمال الصالحة يقابلها قوله صلى الله عليه وسلم: ((لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَاقٌّ)) ، ((لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعُ)) أي: قاطع رحم ، ((لا يدخل الجنة مدمن)) أي مدمن خمر ، ((لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ من لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ)) ، فهذه الأربع إذا تذكرها العبد قبل أن يأتيها ويعلم أنها ستحول بينه وبين الجنان ، لجأ إلى الله -جل وعلا- يستعصم به ويسأله -تبارك وتعالى- من هديه ونوره وانعكف على الأعمال الصالحة يتقرب بها إلى الله ودرأ عن نفسه كل ما يحول بينه وبين عذاب ربه مما يعين العبد على الأعمال الصالحة أن يعلم إن المقام يوم القيامة مقام تغابن بين العباد ولهذا قال سبحانه: ﴿يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ ، وقد قال الخليل إبراهيم عليه السلام يلجأ إلى ربه ويسأله ويتضرع إليه قال ﴿وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ
يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ
، فتذكر الخوف من الخزي الأعظم وذل الفضيحة بين يدي الله -جل وعلا- ، من أعظم ما يعين المرء ان يأتي الأعمال الصالحة التي نعتها الله -جل وعلا- بقوله في وصفه إياها: ﴿وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً ، خير ثوابا من غيرها من المباحات وخير أملا أي أعظم ما يكون ذخرا للعبد يوم يلقى الله ما قدمه من عمل صالح يلقى الله -جل وعلا- به .




_________________
اللهم ما رزقتني مما أحب فاجعله قوة لي فيما تحب وما زويت عني مما أحب فاجعله فراغا لي فيما تحب واجعلني لك كما تحب
اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك
اللهم اشفي أبي واباء المسلمين
الذره
الذره
أعمال تحيى بها القلوب :-

من أعظمها الانكسار بين يدي الله في مكان لا يراك فيه احد ، هذا من أعظم ما يحيي القلوب ، الإنسان حياته البرزخية صورة مثلى لحياته في السرائر ، أو بتعبير أصح حياة السرائر صورة للحياة البرزخية ، الإنسان إذا كان في السريرة يسجد ويدعوا الله -جل وعلا- أو يقوم في مكان لا يراه فيه احد يذكر الله -جل وعلا- يُعظّم الله في ظلمة غرفة ، أو في ظلمة سفر ، أو في ظلمة جماعة ، أو في بيته ، أو بين أبنائه ، أو في أي مكان يُعظّم الله جداً في السرائر ويخشاه ويخافه ويرى في نفسه ، وذروف عين ودمع هذا غالباً مُنعّم في قبره ، أما الذي -نسأل الله العافية- في السرائر مسرف على نفسه فهذه صورة لحياته في قبره ، إن الإنسان يبحث عن طرائق عديدة لان تحيي قلبه ، من أعظمها عدم احتقار الناس ، وأكثر من يتأمل الناس يجد فيهم حفظه فقهاء منفقين لكن -والعياذ بالله- يجد في نفسه علواً على الغير ، هذا العلو قد هو لا يصرح به ، ويقول التواضع ويذكر أمثالاً وأشعاراً فيه لكن الحياة اليومية في مخالطة الناس يظهر منه ، يوجد إنسان قد يركب سيارة توافق ثراه فارهة جداً لكن قلبه منكسر ، ويوجد إنسان يمشي على قدميه وفي قلبه كبر والعتو ما الله -جل وعلا- به عليم ، ومن قُدِّرَ له أن يُكثر من السفر والترحال ومخالطة الناس سيرى أموراً عجباً في أحوال الناس والله لا تخطر له ببال ، أنا كنت ذات يوماً في فندق قبل أسبوعين في الرياض ، وفي الفندق احد الذين يحرسون الفنادق وهو يلبس بنطال ، ومصفف شعره ، وحليق اللحية ، لو قيل لك: تزكيه طرفة عين في هيئته؟ لا تزكيه ، فتأخرت في النزول لصلاة الفجر في ذلك اليوم في مصلى الفندق ، فلما نزلت وجدت بعض من نزل من أهل الفندق قد سبقني إلى الصلاة ولله الحمد وأقاموا الصلاة وصلوا وكان أكثرهم الذين نزلوا غير سعوديين ، فقدموا هذا لأنه سعودي فوالله كان يقرأ قراءة صحيحة ويغالي في البكاء ، ثم سلم فلولا إنك رأيت هذا بعينك لا تكاد تصدق ، فقد يكون ثمة عوائق حالت بينه وبين أن يصلح مظهره ، وما زال باقيا على إصلاح جوهره ، وثمة أُناس قد يعانون على إصلاح الظاهر ولم يعانوا بعد على إصلاح الباطن ، والله لما ذكر يوم القيامة قال: ﴿يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ، فالمحك عند الله -جل وعلا- وحده سريرة الإنسان ولذلك الناس تبالغ في مدح زيد أو عمر ، فلان بكاء فلان واعظ فلان فقيه فلان تالي فلان قارئ فلان ... فلان خطيب فلان مُفوّه فلان يُرقق فلان ... فلان ولا يعلمون شيئاً عن سريرته ، وقد يوجد إنسان لم ير الناس يوما دمعته وهو إذا خلا بالله في ظلمات الليل اظهر لله الرقة والانكسار والخوف والوجل والحياء من الله في كل موطن ، فلا يمكن أن يستويان عند الله لكن المقصود كما قلت عن سفيان أن العدل صلاح السريرة والعلانية والإحسان أن تكون سريرة الإنسان خير من علانيته .






_________________
اللهم ما رزقتني مما أحب فاجعله قوة لي فيما تحب وما زويت عني مما أحب فاجعله فراغا لي فيما تحب واجعلني لك كما تحب
اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك
اللهم اشفي أبي واباء المسلمين
الذره
الذره
الداء والدواء :-
وإن من درر القول وجميل الكلام ما قال الإمام ابن القيم -رحمه الله تعالى- حتى تعلموا أن القضية قضية قلبية قبل أن تكون قضية مسلكية قال -رحمه الله- : (إن في القلوب وحشة لا يزيلها إلا الأُنس بالله ، وفي القلوب شعث لا يلمه إلا الإقبال على الله ، وفي القلوب نيران حسرة لا يطفئها إلا الرضا بأمر الله وقدره و قضائه ، والتزام الصبر على ذلك إلى يوم لقائه) ، هذه القواعد التي ذكرها الإمام ابن القيم -رحمه الله- إنما استنبطها من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، فالقلوب كما قال فيها من نيران الحسرة تريد أن ترى تريد أن تروى ظمأها فيها من الشعث تتمنى أن تجتمع فيها من الحسرة على فوات المطلوب وعلى ذهاب المرغوب ، فيها من الوحشة تريد أن تقر أعينها وتحاول هنا وهناك ، يجلس الرجل يجلس الشاب تجلس الفتاة الساعات الطوال أمام القنوات تقلبها من قناة إلى قناة ومن عرض إلى آخر فيرى وترى مرارا وتكرارا لكنه لا يشعر بان روحه قد ملئت وان قلبه قد اطمأن فيزداد ويزداد والزيادة في الشيء دليل على عدم الوصول إلى النهاية قال صلى الله عليه وسلم ((وَلاَ يَمْلأُ فَمُ ابنِ آدم إلا التُّرَابُ)) ، لكن المقبل على الله -جل وعلا- ما إن يضع جبهته على الأرض ويمكنها من التراب ، ويضع يديه ، وقدماه تنتصب ثم يدخل في التسبيح (سبحان ربي الأعلى) ، ثم يأخذ في الحمد لله -تبارك وتعالى- ويثني على الله -جل وعلا- بما هو أهله ويتذكر انه عبد لله وان الله -تبارك وتعالى- ولي نعمته وملاذه عند كربته ، ويأخذ يدعو ويناجي ويستغفر ربه إلا ويشعر بالسكينة والطمأنينة والرضا ما لو دفع إليه مال الدنيا لم يقبل به ثمناً ، فينبغي على المؤمن أن يسعى أول الأمر وآخره في إصلاح قلبه ، قال الله -جل وعلا- وان من درر القول: ﴿لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ ، وهذه القلوب أعظم أسباب أن تفيء إلى ربها -جل وعلا- أن تكون عارفة بالله فان العبد كلما كان بالله أعرف كان من الله -تبارك وتعالى- أخوف فاقرأوا القرآن كثيراً ، قفوا عند الآيات التي يعظم الله -جل وعلا- فيها ذاته العلية ويرشد فيها إلى ما له -تبارك وتعالى- من جلال الصفات وكمال النعوت قفوا عند الآيات التي فيها من توحيد الربوبية ما فيها يقول -سبحانه وتعالى- : ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً ، ويقول –سبحانه- : ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاء لَجَعَلَهُ سَاكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضاً يَسِيراً وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاساً وَالنَّوْمَ سُبَاتاً وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُوراً وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَاماً وَأَنَاسِيَّ كَثِيراً وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَاداًكَبِيراً وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً وَحِجْراً مَّحْجُوراً وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاء بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً ، فلما عدد آلاءه ذكر أصول الناس ﴿وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُهُمْ وَلَا يَضُرُّهُمْ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيراً ، إلى أن قال -سبحانه وجل- ذكره: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَن شَاء أَن يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً ، ثم لما علم الناس من ربهم أرشدهم إلى أمرين أن يعبدوه ويتوكلوا عليه ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً ، فهذا ربكم يُعَرِّفُ بذاته العلية في قرآنه ، إذا وقف المؤمن عند هذه الآيات وهي كثيرة في القرآن عندما تقوم الليل رددها بعد مرة اعد قراءتها الفينة بعد الفينة ولو تنظر في المصحف حتى يقع في قلبك أن لا اله إلا الله حقاً ، فتخرج من مكانك وتقوم من مقامك وليس هناك احد أحب إليك من الله -جل وعلا- فإذا خَرجتَ إلى أهل الدنيا علمتَ أن ما عند الله -تبارك وتعالى- خير وأبقى من عند أهل الدنيا تسمع كلمة الضر فلا تلقي لها بالا ، وتسمع كلمات النفع فلا تتعلق بها لأنك تعلم أن لا اله إلا الله حقاً .




_________________
اللهم ما رزقتني مما أحب فاجعله قوة لي فيما تحب وما زويت عني مما أحب فاجعله فراغا لي فيما تحب واجعلني لك كما تحب
اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك
اللهم اشفي أبي واباء المسلمين