مــِنْ أجـــلــِها كـــَســَرتُ الــــقَــلَــــــم !!!

ملتقى الإيمان

بسم الله الرحمن الرحيم

قال رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم - : ( لاتباغضوا ولاتحاسدوا ولاتدابروا وكونوا عباد الله إخواناً )

وقال الشاعر :

أعذر عدوّك فيما قد خصصت به * إن العلى حسنٌ في مثله الحسد
إن يحسدوني فإنــــي لاألــــومـهــــــــم * قلب من الناس أهلُ الفضل قد حسدوا

فدام لي ولهم مابي ومابــــــهُـــــــــــــم * ومات أكثرنا غيظاً بــمــا يــجــد
أنا الذي وجدوني فـــي صــدورهــــــم * لاأرتقي صدراً منهم ولاأرِد


لم يتبادر إلى ذهني – إلى هذه اللحظة – أن أخوض هذهِ الأمواج المتلاطمة , وأبحثُ بين الأشواك لأجد العنب !- إنّك لاتجني من الشوك العنب - , لولا أنّي وقعتَُ على قصّةٍ .. تفوح منها روائح الحقد , والحسد , والبغضاء .

إلى هذه اللُحيّظة , وأنا أمسك القلم , وأمزّقُ الأوراق , وأختار الحبر المناسب .. لكي أنطلِق في كتابةِ هذه الكليمات .. لم يدر بذهني أن أكتُب في هذا الموضوع !!. لولا أنّي وقعتَُ على قصّةٍ .. تفوح منها روائح الحقد , والحسد , والبغضاء .

يالله.. لم أتوقّع أنّ الحسد يُفسد الأنفُس , ويجعلها تختار طريق الشرّ لتنالَ الرفعة , والعلياء على حسابِ العِلْم !!!

سأذكُر لكم القصّة , لأني أحسستُ بأنكم .. مللتم من مقدمّتي .., ولكن قبلَ الشروع في ذكر القصّة .. أريدُ أن أستطرِد قليلاً .. لالشيء ! , وإنما لتجريب القلم على الكتابة ! .

لأني أحسّ بفقدان القلم ! , لاأراهُ في يدي ! , فهل تروني أحمله !؟
لمَ لاتجيبون ؟
؟
؟
؟
ويحكم أجيبوا ؟

لقد سقط الحبرُ على الورقِ , كما تتساقطُ قطرات المطر على الأراضي القحل .. فلطّخت الأوراق .. وجعلتها كرسمةٍ جميلة من مكانٍ بعيد .. غيرُ واضحة المعالم من قريب .. !

أيفعلُ الحبر بأوراقكم هكذا ؟

لمَ لاتجيبون ؟

لمَ تصمتون صمت القبور ؟

لاتجعلوني في حيرةٍ من أمري .. إني أُعانِقُها من سنين .. فأنا محتار .. وليس باختياري .. وإنما الحيرة أتت حينما مسكتُ القلم .. وجمعتٌّ الأوراق.. فسحقاً للقلم .. وسُحقاً لكلّ أوراق الشجر .. ولكّل أنواع الحبر ..

ولنبدأ القــصــّـــة - باختصار- :

وقعت عيني على ترجمةٍ لسيبويه .. وسيبويه تعني ( رائحة التفّاح ) .. , وأعتقد بانّ الجميع لايجهل سيبويه .. لذا سأتجاوز ترجمتهُ .. حتّى ندخل في لبِّ الموضوع .

لعلّنا نذكر قصّة دخوله لعلم النحو ( أتوقع بأنك لورأيتني لقتلتني )

كان سيبويه وقتها ما زال فتى صغيرًا يدرج مع أقرانه يتلقى في ربوع البصرة ـ حاضرة العلم حينذاك ـ الفقه والحديث، وذات يوم ذهب إلى شيخه حماد البصري ليتلقى منه الحديث ويستملي منه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ليس من أصحابي أحد إلا ولو شئت لأخذت عليه ليس أبا الدرداء…"
ولكن سيبويه لقدر قدره الله له، يقرأ الحديث على هذا النحو: "ليس من أصحابي أحد إلا ولو شئت لأخذت ليس أبو الدرداء …"
فصاح به شيخه حماد : لَحَنْتَ يا سيبويه، إنما هذا استثناء؛ فقال سيبويه: والله لأطلبن علمًا لا يلحنني معه أحد، ثم مضى ولزم الخليل وغيره. ومن هنا كانت البداية. ( من مقال لمحمّد القاسم )

أعتقد بأن السبب الآن واضح !

يقول محمّد القاسم : (الأشجار التي تثمر هي وحدها التي تُلقى بالأحجار، يبدو أن هذا القانون يمتد أيضًا إلى دنيا البشر، فكثيرًا ما يتعرض العلماء لجهالة الجهلاء وللأحقاد والأضغان، ولكن الغريب حقًّا أن يتزعم المؤامرة عالم له ثِقْله وقيمته في دنيا اللغة، ولكن هكذا اقتضت حكمة الله أن الكمال لله وحده، وأن لكل عالم هفوة، ولكل جواد كبوة.
تحدثنا المصادر أن سيبويه بقي في البصرة منذ دخلها إلى أن صار فيها الإمام المقدم، وأن شهرته قد لاحت في الآفاق، وأنه دعي إلى بغداد حاضرة الخلافة آنذاك من قبل البارزين فيها والعلماء، وهناك أعدت مناظرة بين كبيري النحاة: سيبويه ممثلاً لمذهب البصريين والكسائي عن الكوفيين، وأُعلن نبأ المناظرة، وسمع عنها القريب والبعيد، ولكن الأمر كان قد دُبِّر بليل، فجاء الكسائي وفي صحبته جماعة من الأعراب، فقال لصاحبه سيبويه: تسألني أو أسألك؟
فقال سيبويه: بل تسألني أنت.
قال الكسائي: كيف تقول في: قد كنت أحسب أن العقرب أشد لسعة من الزُّنْبُور(الدبور)، فإذا هو هي، أو فإذا هو إياها بعينها؟ ثم سأله عن مسائل أخرى من نفس القبيل نحو: خرجت فإذا عبد الله القائمُ أو القائمَ؟
فقال سيبويه في ذلك كله بالرفع، وأجاز الكسائي الرفع والنصب، فأنكر سيبويه قوله؛ فقال يحيى بن خالد، وقد كان وزيرًا للرشيد: قد اختلفتما وأنتما رئيسا بلديكما، فمن يحكم بينكما؟
وهنا انبرى الكسائي منتهزًا الفرصة: الأعراب، وهاهم أولاء بالباب؛ فأمر يحيى فأدخل منهم من كان حاضرًا، وهنا تظهر خيوط المؤامرة وتأتي بثمارها؛ فقالوا بقول الكسائي؛ فانقطع سيبويه واستكان، وانصرف الناس يتحدثون بهذه الهزيمة التي مُني بها إمام البصريين. كان سيبويه لا يتصور بفطرته النقية أن يمتد الشر مدنسًا محراب العلم والعلماء؛ فحزن حزنًا شديدًا وقرر وقتها أن يرحل عن هذا المكان إلى أي مكان آخر ليس فيه حقد ولا أضغان؛ فأزمع الرحيل إلى خراسان. وكأنما كان يسير إلى نهايته؛ فقد أصابه المرض في طريق خراسان، ولقي ربه وهو ما زال في ريعان الشباب، لم يتجاوز عمره الأربعين، وذلك سنة (180هـ/ 796م) على أرجح الأقوال . )

مارأيـــُكم ؟

لقد قمتُّ بقراءة النص السابق .. فلم استوعِبه .. فزِدتُّ عليه ثانية .. ولم استوعبه .. فزِدتّ ثالثة .. وكانت القاصمة التي قصمت قلبي قبل ظهري ! .. فما كُنتُ أتوقع أن تقع عيني على مثلِ ماوقعت عليه الآن .
رجعت مخيّلتي – بي – إلى الوراء قليلاً .. وبالتحديد إلى مجالِس العِلم .. وقفت بي دقائق .. مررنا خلالها .. على أحوالِ بعض المتنافسين من طلبةِ العلم .. وقفتْ عنّد طالب علم مُجتهد .. يحبّه شيخه .. ويرفعه .. ويوقّره .. تجاوزنا هذه المرحلة .. ثمّ وقفنا على ثلّة من طلبة العلم يُكنّون للطالب – السابِق – المجتهد الدسائس .. ويضعون الخطط للوقيعة بينه وبين شيخه .. لكي يُفسح لهم المجال .. ويصلون إلى قلبِ الشيخ .. وينالون رضاه !! .
كُلٌّ هذا بسبب القصّة السابقة !!
لم تكتفِ مُخيلَتي بهذا !, بل حملتني إلى مجموعة من القدّاحين في العلماء .. وقفَتْ فشددت لجامها وأجبرتها على القعود !!!!!

بداية : نحنُ نكّن للعلماء الحب , والاحترام , والتقدير .. ولا نسخط عليهم لمجرّد زلّةٍ .. ولالمجرّد اختلافهم مع بعضهم البعض .. ولانبحث عن مساوئهم .. وهفواتهم .. لأن ذلك دليلِ نقصٍ في الباحثِ , وليس فيهم .
فالعلماء ليسواُ أنبياء معصومون من الخطأ , ولكن هم أناس ينالهم الزلل , والتقصير .. كما ينالــُنا .. , وهم أفضلُ , وأعلمُ منّا .. مهما بلغ الإنسان أو طالب العلم من العلم . قد يتفوّق عليهم في مجالٍ معيّن , ولكن هذا لايجعل له الأحقيّة في تسفيه آرائهم .. وتشويه سمعتهم .
نعم , للنقد البنّاء الهادف – وليس الهادِم – الذي يُصحّّح المسير .. ويُزيلُ الخطأ .. ويؤلّف القلوب .. ويرفعُ الشأن .

فمهما بلُغت حدّة النقد – شريطة أن لايشوبه حقدٌ أو حسد - , وقسوة العبارة في بعض الآحايين .. إلا أنه يبقى الأساس هو الحرصُ على المُنتــقـَد لكي يعيد النظر فيما قال , فإن أخطأ اعتذر .. وإن أصاب مًدِح ودُعـْيَ له .

لكن مانراهُ اليوم من نقدٍ لاذع , وأسلوب ( همجي ) .. وتشكيكٍ .. وتنقيص .. وتحقير من مقامِ العلماء – أيّاً كانوا – لهُوَ دليلُ على الحقد , والبغض , والحسد .. في نفس المُنتقِص .
أنظروا حولكم ستجدون أمثال هؤلاء كثير .. يطيرون إذا زلّ العالِم .. ويُشيعون زلّته في جميع الأمصار .. وكأنهم حقّفوا نصراً بها .. وهذا لعمري عين الحُمقِ , والسفاهة , ودلالة على دناءة النفس , وحقارتها .
فماأتعس من اتصّف بهذهِ الصفات .. , وماأسعد من تجنبّ حامليها .. وأعطى كل ذي حقٍ حقّه بدون زيادة أو نقصان .

رفستُّ مُخيلتي , وأجبرتها على الرحيل .. وقبل أن نرحل تذكّرت هذه الأقوال :
قال ابن سيرين : ماحسَدتُّ أحداً على شيء من الدنيا , لأنه إن كان من أهل الجنّة فكيف أحسده على شيء من الدنيا وهو يصيرُ إلى الجنّة ؟ وإن كان من أهلِ النّار فكيف أحسدهُ على شيء من الدنيا وهو يصيرُ إلى النارِ .
وقال أبو حاتم – رضي الله عنه - : الحسد من أخلاق اللئام , وتركه من أفعال الكِرام , ولكّلِ حريق مطفئ , ونارُ الحسد لاتُطفأ .

ليس للحاسد إلا ماحسد ** وله البغضاءٌ من كلِّ أحد
وأرى الوحدة خيراً للفتى** من جليس السوء فانهض إن قعد

وإذا أراد الله نشر فضيلة ** طويت أتاح لها لسان حسود
لولا اشتعال النار فيما جاورت**ماكان يُعرف طيب عَرفِ العود
لولا التخوّف العواقب لم تزل ** للحاسد النُعمى على المحسود

ولهذا أٌجبرتُ على كسرِ القلم !!


--------------------------------------------------------------------------------
4
425

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

رياح الغربة
رياح الغربة
جزاك الله خير
om naser_64
om naser_64
موضوع في قمة الروعة

واختيار موفق

جزاكي الله خير الجزاء
أم علي_2005
أم علي_2005
تسلمين عزيزتي رياح الغربة على مرورك الطيب دمت بصحة وعافية
أم علي_2005
أم علي_2005
تسلمين غاليتي ام ناصرعلى مرورك نورتيييييي