إن قول ربنا سبحانه وتعالى: وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * ذَوَاتَا أَفْنَان ،
إنما هو بيان لما أعده الله - سبحانه وتعالى - لأوليائه الصالحين، من خاف مقامه وسلك طريقه، من جنات النعيم، الجنة أيها المؤمنون،
نعيم لا ينفد، وقرة عين لا تنقطع، جعلها الله سبحانه وتعالى دارًا لأهل طاعته، ومسكنًا لأهل رحمته، نسأل الله في هذه الليلة المباركة الكريمة، أن يجعلنا وإياكم من أهلها.
متى يدخل أهل الجنة الجنة:
أيها المؤمنون! لقد مضت سنة الله - سبحانه وتعالى - في خلقه، وكلمته في عباده، أن أهل الجنة لن يدخلوها زمنيًا إلا بعد أمرين:
الأول: موت النفوس وفراقها للأجساد.
والثاني: انتهاء الدنيا وقيام الساعة، ثم البعث والنشور.
وبعد هذين زمنيًّا يكون دخول أولياء الله المتقين، وعباد الله الصالحين لجنات النعيم.
فأما الأول فلأن الله - سبحانه وتعالى - قال في كتابه وقوله الحق: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ،
وقال - سبحانه وتعالى -: وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ .
* * *
من أسباب الفوز بالجنة
وبعض أسباب الحرمان منها:
جملة: الإيمان، والعمل الصالح، قال الله سبحانه وتعالى: "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً * خَالِدِينَ فِيهَا لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً".
وأهل الجنة – كما قلنا – درجات، فأول من يدخلها من عامة الناس فقراء المهاجرين؛ لأن الفقر من أعظم أنواع الابتلاء،
قال رسول الله - كما روى الحاكم في المستدرك
من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال -: «يأتي فقراء المهاجرين يستفتحون باب الجنة، فيقول لهم خزنتها: أو قد حوسبتم؟
فيقول هؤلاء الفقراء: وعلى أي شيء نحاسب؟ وإنما كانت أسيافنا على عواتقنا نجاهد في سبيل الله، فيدخلون الجنة،
قال عليه الصلاة والسلام: فيقيلون فيها أربعين عامًا قبل أن يدخلها الناس»
* وممن يدخل الجنة مؤمنون كتب الله لهم الجنة بلا حساب، ولا عذاب – جعلنا الله وإياكم منهم -.
* ومنهم من يرزقون شفاعة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام.
* ومنهم ممن يرزقون شفاعة أهليهم من العلماء والشهداء والصديقين، أو من الملائكة المقربين.
* ومنهم من يمن الله سبحانه وتعالى عليه برحمته أي بشفاعة الله سبحانه وتعالى ذاته.
* ومنهم من يمنع دخول الجنة ابتداء:
1- المتكبرون: قال رسول الله : «لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر»،
فهؤلاء وإن كانوا موحدين إلا أن ما في قلوبهم من الكبر يمنعهم من دخول الجنة ابتداءً.
وقد صح في الحديث أن عبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما،
التقيا عند المروة في مكة، فتحدثا قليلاً ثم مضى عبد الله بن عمرو، فلما مضى بكى عبد الله بن عمر،
فقيل له: ما يبكيك يا أبا عبد الرحمن قال: إن هذا – وأشار إلى عبد الله بن عمرو -
أخبرني أنه سمع النبي يقول: «من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر كبه الله على وجهه في النار».
فالكبر الذي في الصدور – والعياذ بالله – أعظم ما يحول ما بين العبد، وبين دخول جنات النعيم؛
والمؤمن إذا عرف أن الله سبحانه وتعالى ذم الكبر، وأهله، وأنه – تبارك وتعالى – أمر سيد الخلق،
وصفوة الرسل قائلاً: وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً ،
تواضع كما أمره الله سبحانه وتعالى أن يتواضع، لأن الكبر والعياذ بالله – يسوق العبد إلى كثير من المعاصي، والإفساد في الأرض.
2- الظالمون: وإن كانوا من الموحدين، الظَّلمة من العباد، قال : «صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس»
قال بعض العلماء القدامى: وإنهم في زماننا هذا.
قال صديق حسن خان رحمه الله: «بل هم في كل الأمصار والأعصار، وغالبًا ما يكونون من ذوي الجاه والقدرة، والأعيان الذين يكون
لديهم أعوان، وقدرة على الظلم ومعهم ما معهم، يضربون به الخلق».
إن الظلم أيها المؤمنون، حرمه الله على نفسه، وجعله بين عباده محرمًا، ولأن تلقى الله تعالى بكل ذنب، دون الشرك،
أهون من أن تلقاه بظلمك لعباد الله – تبارك وتعالى -: قال سبحانه وتعالى: وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ .
جاء رجل إلى الإمام مالك رحمه الله فقال: يا أبا عبد الله: إنني أعمل عند أناس ظالمين، يظلمون الناس، ويجلدونهم بغير وجه حق،
وأنا أعمل عندهم خياطًا، أحيك لهم الثياب، أفأنا من الذين ركنوا إلى الذين ظلموا؟ فقال مالك رحمه الله: بل أنت منهم.
فقال: يا مالك: ومن إذن الذين ركنوا إلى الذين ظلموا؟ قال: يا أخا العرب، الذين ركنوا إلى الذين ظلموا من باعك الخيط الذي تخيط به لهؤلاء.
فالمؤمن يتحرر من كل ما فيه ظلم للعباد، وقد يظن إنسان أن الظلم إنما يكون مقصورًا في فئة من الناس، كل من كان تحت يديك،
وجعل الله تبارك وتعالى – لك سلطة عليه فظلمته وبخسته حقه من زوجة، أو ولد أو طالب في المدرسة، أو موظف تحت إدارتك،
أو أجير، أو عامل، أو خادم، أو سائر ذلك، ظلمته، ونهرته، وضربته بغير وجه حق، دخلت فيمن قال فيهم : «صنفان من أهل النار لم أرهما».
3- أم الصنف الآخر، فقد قال رسول الله : «ونساء كاسيات عاريات، مائلات مميلات، عليهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها»
* * *
وأعظم ما يكون سببا في دخول الجنة:
1- الخوف من مقام الله سبحانه وتعالى وتقواه قال الله – تبارك وتعالى – وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ .
وقال سبحانه وتعالى: وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى
وذكر الله الجنة فقال: ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ .
والخوف من مقام الله كل يدعيه، وكل ينتسب إليه، لكن الأعمال غالبًا ما تكون شواهد على ما في القلوب.
فمن أعظم ما يدل عل الخوف من مقام الله: الائتمار بأمره والانتهاء عما نهى الله سبحانه وتعالى عنه والبعد عن محارمه، والكف
عن معاصيه، والقيام بالليل بالأسحار؛ فإن قيام الليل من أعظم الشواهد على أن العبد يخاف مقام ربه تبارك وتعالى.
إذ قلما يترك إنسان فراشًا وثيرا، وزوجة محببة إليه، أو رفقة من الإمكان أن يأوي إليها، فيترك ذلك كله، وينزوي في بيته
في وضع مظلم، أو نور خافت، يقف بين يدي ربه، يتلو كتاب الله وآياته، يتوسل إلى الله – تبارك وتعالى – بأسمائه الحسنى،
وصفاته العلى أن يجيره من النار، ويدخله الجنة، إلا وهو عبد قد خاف مقام الله – تبارك وتعالى -،
قال الله – تبارك وتعالى -: أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ .
2- الإكثار من ذكر الله، قال رسول الله : «سبق المفردون»، قالوا: ومن المفردون يا رسول الله؟ قال: «الذاكرون الله كثيرًا والذاكرات».
وفي الخبر الصحيح أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام أخبر نبينا أن الجنة طيبة التربة، عذبة الماء،
وأن غراسها: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر( )،
وقد جاء في حديث صحيح أن النبي قال: «إذا قال العبد: لا إله إلا الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، قال الله سبحانه وتعالى: صدق عبدي، لا إله إلا أنا، ولا حول ولا قوة إلا بي».
كما أنه من أعظم كنوز الجنة، كما في حديث أبي موسى الأشعري – أن يكثر العبد من قول: «لا حول ولا قوة إلا بالله».
فبذكر الله – تبارك وتعالى – والانصراف عن معاصيه، ينبت للمؤمن غراس في الجنة.
3- ومما يكتب الله سبحانه وتعالى به الجنة ركعتا الوضوء: فإن النبي عليه الصلاة والسلام دخل الجنة،
وكلما دخلها في منام أو يقظة كما في المعراج ورآها سمع صوت نعلي بلال بن رباح ،
فسأل النبي بلالاً عن أرجى عمل عمله في الإسلام، قال: يا رسول الله: لا أعلم شيئًا أكثر من أنني ما توضأت وضوءًا
إلا صليت بعده ما شاء الله لي أن أصلي، فقال عليه الصلاة والسلام في رواية صحيحة: «فهذه بهذي» أي: هذا الجزاء حصلت عليه بهذا العمل.
كتَابْ " ذوَاتَا أفنَانْ"
للشيخ صَالحْ المُغامسَيْ
مرة عبدالرحمن @mr_aabdalrhmn
كبيرة محررات
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
نخلة مثمره
•
رائع
أسال من جلت قدرته
وعلا شأنه
وعمت رحمته
وعم فضله
وتوافرت نعمه
أن لا يرد لك دعوة
ولا يحرمك فضله
وان يغدق عليك رزقه
ولا يحرمك من كرمه
وينزل في كل أمر لك بركته
ولا يستثنيك من رحمته ويجعلك من
(إن لله تعالي أهلين من الناس هم أهل القرآن أهل الله وخاصته )
ومن ( بلغوا عني ولو آية ) حديث صحيح في البخاري
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يرزقنا وإياكي
الإخلاص في القول والعمل وأن يرزقنا الفردوس الأعلي
الصفحة الأخيرة