الأثييير

الأثييير @alathyyyr

عضوة فعالة

من جواهر إبن القيم

ملتقى الإيمان


فصل في أسباب شرح الصدور


فأعظم أسباب شرح الصدر التوحيد وعلى حسب كماله وقوته وزيادته يكون انشراحصدر صاحبه قال الله تعالى ( أفمن شرح الله صدره فهو على نور من ربه ) وقوله تعالى (فمن يردالله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يردأن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجا كأن مايصعدفي السماء )فالهدى والتوحيد من أعظم أسباب إنشراح الصدر والشرك من أعظم أسباب ضيق الصدر وانحراجه . منها : النور الذي يقذفه الله في قلب العبد وهو نور الإيمان فإنه يشرح الصدر ويوسعه ويفرح القلب فإذا فقد هذا النور من قلب العبد ضاق وحرج وصار في أضيق سجن وأصعبه وقد روى الترمذي في ((جامعه)) عن النبي صلى الله عليه وسلم إنه قال (( إذا دخل النور القلب أنفسح وانشرح . قالوا: وما علامة ذلك يارسول الله ؟ قال : الإنابة إلى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور والإستعداد للموت قبل نزوله)) فيصيب العبد من إنشراح صدره بحسب نصيبه من هذا النور وكذلك النور الحسي والظلمة الحسية هذه تشرح الصدر وتضيقه
ومنها العلم :
فإنه يشرح الصدر ويوسعه حتى يكون أوسع من الدنيا. والجهل يورث الضيق والحصر والحبس فكلما اتسع علم العبد انشرح صدره واتسع وليس هذا لكل علم بل للعلم الموروث عن الرسول صلى الله عليه وسلم وهو العلم النافع فأهله أشرح الناس صدوراً وأوسعهم قلوباً وأحسنهم أخلاقاً وأطيبهم عيشاً
ومنها الإنابة إلى الله سبحانه وتعالى:
ومحبته بكل القلب والإقبال عليه والتنعم بعبادته فلا شيء أشرح لصدر العبد من ذلك حتى إنه ليقول أحيانا إن كنت في الجنة في المثل هذه الحالة فإني إذا في عيش طيب وللمحبة تأثير عجيب في انشراح الصدر وطيب النفس ونعيم القلب لا يعرفه إلا من له حس به وكلما كانت المحبة أقوى وأشد كان الصدر أفسح وأشرح ولا يضيق إلا عند رؤية البطالين الفارغين من هذا الشأن فرؤيتهم قذى عينه ومخالطتهم حمى روحه ومن أعظم أسباب ضيق الصدر الإعراض عن الله وتعلق القلب بغيره والغفلة عن ذكره ومحبة سواه فإن من أحب شيئا غيره الله عذب به وسجن قبله في محبة ذلك الغير فما في الأرض أشقى منه ولا أكسف بالا ولا أنكد عيشا ولا أتعب قلبا فهما محبتان محبة هي جنة الدنيا وسرور النفس ولذة القلب ونعيم الروح وغذاؤها ودواؤها بل حياتها وقرة عينها وهي محبة الله وحده بكل القلب وانجذاب قوى الميل والإرادة والمحبة كلها إليه ومحبة هي عذاب الروح وغم النفس وسجن القلب وضيق الصدر وهي سبب الألم والنكد والعناء وهي محبة ما سواه سبحانه ومن أسباب شرح الصدر دوام ذكره على كل حال وفي كل موطن فللذكر تأثير عجيب في انشراح الصدر ونعيم القلب وللغفلة تأثير عجيب في ضقه وحبسه وعذابه ومنها الإحسان إلى الخلق ونفعهم بما يمكنه من المال والجاه والنفع بالبدن وأنواع الإحسان فإن الكريم المحسن أشرح الناس صدرا وأطيبهم نفسا وأنعمهم قلبا البخيل الذي ليس فيه في إحسان أضيق الناس صدرا وإنكدهم عيشا وأعظمهم هما وغما وقد ضرب رسول الله في الصحيح مثلا للبخيل والمتصدق كمثل رجلين عليهما جنتان من حديد كلما هم المتصدق بصدقة اتسعت عليه وانبسطت حتى يجري ثيابه ويعفي أثره وكلما هم البخيل بالصدقة لزمت كل حلقة مكانها ولم تتسع عليه فهذا مثل انشراح صدر المؤمن المتصدق وإنفساح قلبه ومثل ضيق صدر البخيل وانحصار قلبه ومنها الشجاعة فان الشجاع منشرح الصدر واسع البطان متسع القلب والجبان أضيق الناس صدرا وأحصرهم قلبا لا فرحة له ولا سرور ولا لذة له ولا ونعيم إلا من جنس ما للحيوان البهيمي
وأما سرور الروح ولذتها ونعيمها وابتهاجها فمحرم على كل جبان كما هو محرم على كل بخيل وعلى كل معرض عن الله سبحانه غافل عن ذكره جاهل به وبأسمائه تعالى وصفاته ودينه متعلق القلب بغيره وإن هذا النعيم والسرور يصير في القبر رياضا وجنة وذلك الضيق والحصر ينقلب في القبر عذابا وسجنا فحال العبد في القبر كحال القلب في الصدر نعيما وعذابا وانطلاقا ولا عبرة بانشراح صدر هذا لعارض ولا بضيق هذا لعارض فإن العوارض تزول بزوال أسبابها وإنما المعول على الصفة التي قامت بالقلب توجب انشراحه وحبسه فهي الميزان والله المستعان ومنها بل من أعظمها إخراج دغل القلب من الصفات المذمومة التي توجب ضيقه وعذابه وتحول بينه وبين حصول البُرء فإن الإنسان إذا أتى الأسباب التي تشرح صدره ولم يخرج تلك الأوصاف المذمومة من قلبه لم يحظ من انشراح صدره بطائل وغايته أن يكون له مادتان تعتوران على قلبه وهو للمادة الغالبة عليه منهما
ومنها ترك فضول النظر والكلام والاستماع والمخالطة والأكل والنوم فإن هذه الفضول تستحيل آلاماً وغموماً وهماما في القلب تحصره وتحبسه وتضيقه ويتعذب بها بل غالب عذاب الدنيا والآخرة منها فلا إله إلا الله ما أضيق صدر من ضرب في كل آفة من هذه الآفات بسهم وما أنكد عيشه وما أسوأ حاله وما حصر قلبه ولا إله إلا الله ما أنعم عيش من ضرب في كل خصلة من تلك الخصال المحمودة بسهم وكانت همته دائرة عليها حائمة حولها فلهذا نصيب وافر من قوله تعالى ( وإن الأبرار لفي نعيم )الإنفطار (13) ولذلك نصيب وافر من قوله تعالى ( وإن الفجار لفي جحيم ) الإنفطار (14)وبينهما مراتب متفاوتة لا يحصيها إلا الله تبارك وتعالى والمقصود أن رسول الله كان أكمل الخلق في صفة يحصل بها انشراح الصدر واتساع القلب وقرة العين وحياة الروح فهو أكمل الخلق في هذا الشرح والحياة وقرة العين مع ما خص به من الشرح الحسي
وأكمل الخلق متابعة له أكملهم انشراحا ولذة وقرة عين وعلى حسب متابعته ينال العبد من انشراح صدره وقرة عينه ولذة روحه ما ينال فهو في ذروة الكمال من شرح الصدر ورفع الذكر ووضع الوزر ولأتباعه من ذلك بحسب نصيبهم من المتابعة والله المستعان وهكذا لأتباعه نصيب من حفظ الله لهم وعصمته إياهم ودفاعه عنهم وإعزازه لهم ونصره لهم بحسب نصيبهم من المتابعة فمستقل ومستكثر فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومنَ إلا نفسه
1
385

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

الملتقى الجنه1111
جزاك الله خير ونفع بك الاسلام والمسلمين