بائع المناديل
كنت في بداية حياتي العملية منذ سنوات بعيدة . وفي ليلة من ليالي الشتاء وعلى الرصيف جلس شيخ كبير مسن محني الظهر في زاوية على الطريق يمسك مصحفه القديم وبجواره صندوق ملئ بالمناديل ..
لا يتحدث بكلمة ولا ينظر حوله وكأنه في عالم آخر.
اقتربت منه وأعطيته مبلغا من المال ، ناولني المناديل فرفضت اخذها ؛ فإذا بملامحه تتغير ويكسوها الحزن ويقول لي بأسى :
لست متسولا يا ابنتي فقط خذي المناديل.
حينها شعرت بقلبي يوجعني فاعتذرت له وقلت له :
إذن يا ابي سوف آخذ منك المناديل ولكن تكرم علي ولا تعطني باقي المال .
نظر إلي بامتنان ثم قال : سترك الله في الدنيا والآخرة.
اخذت المناديل ومشيت وأنا فرحة ثم أخبرت جميع أصدقائي وجيراني وأهلي عن مكانه ليشتروا منه ويعطوه بزيادة.
مر عام كامل وانا أمر بين الحين والآخر لأشتري منه المناديل حتى ولو لم اكن بحاجة إليها حتى جاء يوم . واختفى فجأة
مرت أيام أسابيع ثم شهور ولم يظهر
وأيقنت انه أسلم روحه إلى بارئها..
لكنني ابدا لم أنس نظرة الرضا في عينيه - رغم كبر سنه ومرضه وحاجته - ولا كلماته التي كان يدعو لي بها.
وكنت ولا زلت أحث على مساعدة كل من يبيع شيئا لسد حاجته مهما كان هو شيخا او شابا ؛ فقد اختار لنفسه العمل الحلال .. لم يسرق ولم يرض بالبطالة او ان يكون عالة على أحد او أن يمد يده ويتسول ولم يحرج من عمله مهما كان بسيطا
لذا علينا أن نمد ايدينا إلى هؤلاء بنية الصدقة وبنية التفريج عن مؤمن ومساعدته..
ولا ندري لعل دعوة من أحدهم تفتح لنا أبوابا مغلقة او تمنع عنا شرا ...
كانت هذه لحظة إنسانية تذكرتها مع نسمات الهواء الباردة التي تشبه كثيرا تلك التي كانت منذ عهد بعيد
وحقا وصدقا :
( وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه )
الله يكثر من امثالك قصةمؤثرة وفيها الكثير من العبر والعظات