بقلم: عبدالعزيز الحشاش - الكويت
أم حسين جارتنا مهووسة بالنظافة لحد المرض .
منذ أن وعيت على الدنيا وأنا أرى جارتنا أم حسين تهتم بنظافتها بصورة غير طبيعية، فهي تغسل يديها بالماء والصابون كل ربع ساعة طوال اليوم، وتنظف كل شبر من بيتها بكل ما تقع يدها عليه في الجمعية من أدوات التنظيف بمختلف أصنافها. في طفولتي وعندما كانت تأخذني أمي معها لزيارة أم حسين كانت لا تخرج من البيت إلا وقد أعطتني حماما ساخنا معقما حتى لا تبقى في جسدي ذرة واحدة من البكتيريا أو الجراثيم، كيف لا تقوم بذلك وهي التي ستزور أم حسين، المفتشة الرسمية عن أي أوساخ في حينا المليء بالقاذورات وحاويات القمامة المهملة على الأرصفة.
لم تكن أم حسين بذاك الثراء ولا بتلك الأناقة، ولكنها لا تستطيع أن تمنع نفسها من هوس النظافة الذي يشغلها ليل نهار. في مرة من المرات وأثناء انشغالها في تبديل ثياب صغيرها (حسين) بعد أن تبول على نفسه، وضعت حسين على السرير أمامها وأخذت تمسح بالفوطة المبللة بمعقم الأطفال جسده الصغير وهي تدندن، وفجأة .. لم يتمالك حسين نفسه وعلى ما يبدو أنه لم ينتهي من تبوله في المرة الأولى، فأكملها في المرة الثانية .. ولسوء حظ أم حسين أن المرحلة الثانية من تبول حسون الصغير أتت فيها !
وأخذت أم حسين تتردد على المستشفى لأكثر من أسبوع حتى تتأكد بأنها لم تصب بتلوث أو طفح جلدي من رضيعها الصغير.
وفي حينا أخذ الناس يحيكون الروايات حولها ويألفون قصصا عجيبة غريبة عن هوسها المبالغ به في النظافة. وأصبحوا يتعمدون عدم الاحتكاك فيها أو مخالطتها أو حتى إلقاء التحية عليها عندما يصادفونها في الحي أو مستوصف المنطقة أو ربما الجمعية التعاونية.
حتى أمي التي كانت تحترم فيها حبها للنظافة أصبحت لا تطيق مجلسها لكثرة مقاطعتها أحاديث النسوة في جمعتهن لسؤال هذه عن آخر مرة غسلت فيها ثوبها، أو سؤالها لتلك عن آخر مرة نظفت أرضية مطبخا، أو سؤالها لأمي عن آخر مرة استأجرت فيها عمال من شركة النظافة حتى يرشوا البيت بالمبيدات الحشرية لقتل الصراصير المتربصة بنا !
أصبحت أم حسين منبوذة، وكلما نبذها الناس كلما زاد هوسها في النظافة أكثر. حتى زوجها أبو حسين لم يراه أحد كثيرا في بيته، ويقال – والعهدة على القائل – بأنه تزوج من أخرى وبأن زوجته الجديدة آخر همها في الدنيا النظافة، وأنها كثيرا ما تتعمد أن ترمي الأوساخ على أرضية البيت، وتترك الملابس أسابيع دون أن تغسلها، ولا تغسل يدها بالماء والصابون إلا إذا تأكدت من خروجه من البيت .. وعندما سألوها قالت: أبو حسين يحبني هكذا ..!
وفي ليلة من الليالي، لم يكن النوم رفيقا لي، وملت الوسادة من كثرة تقلبي يمينا ويسارا في محاولات يائسة مني لكي أغفو، ولكن بلا فائدة. وفي هدوء ليل حينا المعتاد، سمعت صرير باب ينفتح، وبشيء ثقيل يتم سحبه على الأرض بصعوبة، ثم سرعان ما سمعت صوت محرك سيارة تم تشغيله. طللت من نافذة الغرفة فوجدت سيارة أم حسين تنطلق خارجة من الحي، استغربت .. أم حسين التي تنام في العاشرة مساء تخرج في هذا الوقت مع اقتراب أذان الفجر؟ غريبه ..!
في اليوم التالي رويت لأمي ما حصل، ورغم امتعاضها وترددها في سماع أي شيء له صلة في أم حسين، وافقت على مضض بأن تحاول الاتصال فيها لتستفسر ما إذا كان هناك مكروه أصاب أحد من أبناءها أو مشكلة ألمت بها، خاصة وأن أبو حسين مشغول عنها بسفراته المزعومة .. والتي غالبا ما تكون في أحضان الزوجة الأخرى . وانتظرت أمي على الهاتف دون أن تتلقى إجابة، وظلت تتصل وتتصل حتى ملت ثم رمت التلفون في وجهي : لا أحد يرد ..!
مرت الأيام وبيت أم حسين لا يبدو على حاله المعتاد، اتصلنا بها أكثر من مرة ولكنها لا تجيب، ولا أثر لأبنائها في الحي ولا صوت لهم. بدا لنا بيت أم حسين وكأنه مهجور. تباحثن نساء الحي عن سر اختفاء أم حسين، وباحت كل واحدة منهن في ارتيابها بأمرها وأجمعن على أن لا بد هناك شيء حصل ولكن ما هو ؟..
بعد يومين أصبح حينا الهادئ فرجة للأحياء المجاورة، وأصبح بيت أم حسين مسرحا يتفرج عليه جمهور غفير ممن عرف أم حسين وممن لم يعرفها. فقد اجتمعت سيارات الشرطة والأدلة الجنائية والأسعاف والمطافئ والصحافة والتلفزيون، كل أتى ليشهد يوم القبض على أم حسين، وحين سألت أحد أبناء الجيران قال لي :
- مسكينه أم حسين، اكتشفت زواج أبو حسين عليها فكافأته بقتله وتقطيع أوصال جسده ورميها في حاويات القمامة المنتشرة في المنطقة.
وما هي إلا لحظات حتى خرجت أم حسين من بيتها برفقة حشد من الشرطة ورجال الأدلة الجنائية. ولأول مرة نرى أم حسين منكوشة الشعر بلباس قذرة ويداها ملطختان بالدماء.
وقبل أن تركب سيارة الشرطة قال الضابط لأحد أفراده:
- خذها للمخفر وهناك أغسلوها جيدا بالماء والصابون .. فيبدو أنها لم تنظف نفسها منذ أسبوع .. منذ أن قتلت زوجها.
- تمت -
من بريدي:)
بسكوت @bskot_2
عضوة نشيطة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
الصفحة الأخيرة
هههههههههههههههههههههههههه
ثانكس بسكوت