وقـــفـــات مــــع أمــــطــــار جـــــدة ...

وقفات





الوقفة الأولى

المعاصي سبب المصائب، قال الله تعالى: { وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير} (الشورى 30) ( ومن المعلوم بما أرانا الله من آياته في الآفاق وفي أنفسنا وبما شهد به في كتابه أن المعاصي سبب المصائب) (الفتاوى 28\138)

لابد من استقرار هذا في أنفسنا قبل كل شيء ؛ كل مصيبة تقع فهي من كسب اليد حتى الصالحون يُصابون في أهلهم وأموالهم وأولادهم فيستعتبون الله ويستغفرونه من ذنب غفلوا عنه ؛ فكيف ونحن ...!

وقد أمر الله المسلمين بالتوبة !! ( وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وانظر إلى وصفهم بوصف الإيمان ( أيها المؤمنون ) ! لم يقل أيها العصاة أيها المذنبون أيها الظلمة !

لما حصلت الزلزلة في خير القرون بل في عهد الفاروق بل في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخطب عمر رضي الله عنه بتوجيه الناس إلى الملاجئ أو تأسيس البناء في مواصفات معينة، بل وجه إلى الأهم فأمرهم بالتوبة؛ لأن سبب الزلزلة معصية. وهكذا قال ابن مسعود رضي الله عنه عند الرجفة: ( إن ربكم يستعتبكم يطلب منكم الرجوع إلى ما يرضيه).

مهما كابرنا وقلنا فلان سبب وفلان مهمل وفلان فعل وفلان سرق وفلان رشى يبقى أن الأمر يحتاج لتوبة وتضرع وخوف واستغفار واستنافر الهمم في التوبة ..

حتى هذا الظالم المهمل المتسبب فالأمر مصيبة عليه وفضيحة ومساءلة وكارثة !!

وألا نحتاج أيضًا لتوبة ليخلصنا الله من هذا المسئول المهمل الظالم !!

نعم لمحاسبة المهمل ولكن لا يعني هذا الغفلة عن الأسباب الشرعية ..

فلا يتنافي محاسبة المسئول والرضا بقضاء اللَّه تعالى .




الوقفة الثانية

من أسباب العقوبات حتى مع وجود الصالحين هو السكوت وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قال صلّى الله عليه وسلم : (( إن الله عز وجل لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم وهم قادرون على أن ينكروه، فإذا فعلوا ذلك عذب الله الخاصة والعامة ))

وفي الحديث أن رسول الله قال ( أيها الناس مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل أن تدعوا الله فلا يستجيب لكم وقبل أن تستغفروا الله فلا يغفر لكم إن الأحبار من اليهود والرهبان من النصارى لما تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لعنهم الله على لسان أنبيائهم ثم عمهم بالبلاء )

وما يدريكم يا أهل جدة لعل الله أراد لكم خيرا أخروية بهذه المصيبة الدنيوية لعل هذه الشعيرة تستيقظ وتكبر !




الوقفة الثالثة

حذر الرسول صلّى الله عليه وسلم من أن العقوبة تحل بهؤلاء العاصين حتى ولو كانوا يؤدون شعائر الإسلام، قال صلّى الله عليه وسلم: ((إن في أمتي خسفا ومسخا وقذفا)) قالوا: يارسول الله وهم يشهدون أن لا إله إلا الله. قال: ((نعم، إذا ظهرت المعازف والخمر ولبس الحرير)) رواه ابن أبي شيبة.




الوقفة الرابعة

أن الله سبحانه وتعالى يحدث بعض الآيات والعقوبات تخويفا لعباده إذا غفلوا لعلهم يرجعون: قال الله تعالى: { وما نرسل بالآيات إلا تخويفا } (الإسراء 59).

قال ابن كثير رحمه الله: ( قال قتادة: "إن الله تعالى يخوف الناس بما شاء من الآيات لعلهم يعتبرون ويذكرون ويرجعون. ذكر لنا أن الكوفة رجفت على عهد ابن مسعود رضي الله عنه فقال: يا أيها الناس: "إن ربكم يستعتبكم فأعتبوه )

(يستعتبكم: أي يطلب منكم العتبى وهو الرجوع إلى ما يرضيه )

وإذا لم يحصل الخوف عند رؤية الآيات المنذرة فيخشى نزول العذاب.




الوقفة الخامسة

من أعظم أسباب النجاة التضرع واللجوء إلى الله تعالى وحده والفزع إلى الصلاة، قال الله تعالى: {فأخذناهم البأساء والضراء لعلهم يتضرعون فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا } الأنعام.

وعن حذيفة رضي الله عنه رفعه قال: ((يأتي عليكم زمان لا ينجو فيه إلا من دعا دعاء الغريق))

وقد حث الناصح صلّى الله عليه وسلم على الدعاء كثيرا من ذلك قوله: صلّى الله عليه وسلم ((لا تعجزوا في الدعاء فإنه لن يهلك مع الدعاء أحد))

وقال صلّى الله عليه وسلم: ((لا يرد القدر إلا الدعاء)) .

وقال صلى الله عليه وسلم (( من سره أن يستجاب له عند الكرب والشدائد فليكثر الدعاء في الرخاء))

وقال صلّى الله عليه وسلّم ((والدعاء ينفع مما قد نزل ومما لم ينزل، وإن البلاء لينزل فيتلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة))

ودعوة المضطر مجابة قال الله تعالى { أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء } (النمل 12) لأن المضطر صادق في توجهه مخلص ليس في قلبه غير الله، حتى الكافر أجاب الله دعوته في حال الاضطرار .




الوقفة السادسة

لا يترأس الظلمة إلا على الظلمة ( وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ..

فاحذروا من الظلم ..




الوقفة السابعة

رسالة لراعٍ وأمين !!!

رسالة لأصحاب المخططات لأراضٍ على مجرى السيل تهلك الأنفس والأرواح !

قال الله تعالى ( ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار مهطعين مقنعي رؤوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء ) ..

وقال الله تعالى ( وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ) ..

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( الظلم ظلمات يوم القيامة ) ..

وقال ( كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ) ..

وقال ( أيما راع غش رعيته فهو في النار ) ..

وقال ( من استرعاه الله رعية ثم لم يحطها بنصحه إلا حرم الله عليه الجنة ) أخرجه البخاري وفي لفظ ( يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة ) ..

وقال رسول الله ( ويل للأمراء ويل للعرفاء ويل للأمناء ليتمنين أقوام يوم القيامة أن ذوائبهم كانت معلقة بالثريا يعذبون ولم يكونوا عملوا من شيء ) ..

ومن دعاء رسول الله أنه قال ( اللهم من ولي من أمر هذه الأمة شيئا فرفق بهم فارفق به ومن شفق عليهم فأشفق عليه ) ..

وقال ( من ولاه الله شيئا من أمور المسلمين فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم وفقرهم احتجب الله دون حاجته وخلته وفقره ) ..

وفي الحديث أيضا ( من لا يرحم لا يرحم ، لا يرحم الله من لا يرحم الناس ) ..

وقال ( الإمام العادل يظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ) ..

وقال ( المقسطون على منابر من نور الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا ) ..

ولما بعث رسول الله معاذا رضي الله عنه إلى اليمن قال ( إياك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب ) رواه البخاري

وقال ( إنكم ستحرصون على الإمارة وستكون ندامة يوم القيامة ) رواه البخاري

وقال عمرو بن المهاجر قال لي عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه " إذا رأيتني قد ملت عن الحق فضع يدك في تلبابي ثم قل يا عمر ما تصنع " !!

يا راضيا باسم الظالم كم عليك من المظالم من سيتحمّل على ظهره تلك الجثث الطافية وفجعات أهليهم وهم يرونهم تسحبهم المياه الجارفة يموتون امام أعينهم وأنت آمن في بيتك لو قطة تصرخ وتبكي على أبناءها وتلك السيول تجرف صغارها لدمعت عيناك فما بالك بقلوب وأفئدة مسلمة يعود لبيته وجثث أهله في كل مكان ومابين سويعات وإذا به قد فقد ستة من أهله !!!

أي عيد سيدخل قلبه !!

ألا تخشَ من يدين مقهورة مغلوبة ترتفع تشكوك لله في وقت إجابة تأخذك من كرسيك لنعشك !!

امتلأ جيبك وانتفخ من عصارة آمالهم وأحلامهم أنك على قدر المسئولية وانك ستكون معهم في الشدة والرخاء أي قلب هو قلبك !!

كن متيقنا إن فلتّ من عقاب الدنيا فإن عقاب الآخرة لا واسطة فيه ولا إقالة ولا محسوبيات فإن اليد التي استلمت المال تشهد واللسان الذي شهد يشهد والرجل التي لم تقم بالأمانة تشهد !




الوقفة الثامنة

يا أهل جدة كل ما يقضيه الله للعباد هو خير فلا تيأسوا واصبروا فإن الله يبتلي ليرفع ويُصيب ليُصلح ..

الغريق شهيد .. عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الغريق شهيد» تقبّل الله موتاكم ورزقهم الشهادة وعوضكم الله عما فقدتم من من مال وولد وما عند الله خير وأبقى للصابرين ..

لا ندري لعل الله أراد أن يصطفي شهداء منكم !

لا تدري لعل الله عجّل بهذه الكارثة القليلة ندرأ بها كارثة أعظم منها تأتي بعد 30 أو 50 سنة تجرف معها ملايين الناس !!

لا تدري لعل الله اطلع على قلوب بعض الصالحين وتقبّل دعاءهم أن يلي أمر جدة رجل فيه خير فجعل في هذه الكارثة فضيحة عاجلة !!

تظلّ أيها المسلم تتلمس مواطن الرحمة في قضاء الله ويبقى الأعلى منها رضاك بما قدره الله وقضاه وحمد الله ..




الوقفة التاسعة

إن الشماتة لا تليق بمسلم تجاه أخيه المسلم أبدًا، بل هي من صفات الأعداء الذين حذر الله منهم ووصفهم بقوله: (إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) (آل عمران:120).

أي شماتة تُفرحك في رجل عاد لبيته وقد جرف السيل زوجه وأولاده وأخواته !!

(( فقد المواطن عبد الله بن داخل السلمي ستة من أفراد عائلته جراء السيول التي داهمت الدور الأرضي من منزله بحي قويزة بسبب الأمطار التي هطلت على محافظة جدة مساء أمس وخلفت وراءها كارثة إنسانية .
والمتوفون هم زوجته وثلاثة من أبنائه وشقيقتاه ولا زال البحث جارياً عن طفلته التي لم يتجاوز عمرها السنتين )).




الوقفة العاشرة

يامن أنتم حول جدة .. خذوا العبرة فإن الله يقول ( أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِّن دَارِهِمْ ) ويقول ( وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ ) ..

لا تنسوا اخوانكم قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم ( ما من عبد مسلم يدعو لأخيه بظهر الغيب إلا قال الملك ولك بمثل. وفي لفظ: دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة، عند رأسه ملك موكل كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل به: آمين ولك بمثل) (رواهما مسلم).