وقفات في ذكرى الإسراء والمعراج

ضاقت فلما استحكمت حلقاتها
فرجت ... وكنت أظنها لا تفرج
ما أشبه اليوم بالبارحة


المسلم لاينسى أن العطاء قد يكون في المنع ، وأن وراء كل محنة منحة ,ونحن نعلم يقينا أن الله سبحانه وتعالى لم يبتلينا ليعذبنا، بل ليرحمنا.
فمهما كان الابتلاء شديداً فلا بد أن يكون وراءه خير كثير .
و قد تخفى علينا الحكمة منه ولا نعلم بذلك إلا بعد مرور تلك الشدة وهذا الابتلاء.

وخير مثال على ذلك قول ابن القيم رحمه الله حين تحدث عن أناس وجدوا في المصائب جمالا !! كما وجدوها في النعم حيث أن الكل من الله سبحانه وتعالى ..
قال رحمه الله : وكل ما يصدر عن الله جميل وإذا كنا لا نرى الجمال في المصيبة ,,

واليوم و في غمرة الأحداث التي نعيشها الآن لنا في رحلة الإسراء والمعراج عبر ووقفات. وهي من أعظم معجزات النبي محمد -صلى الله عليه وسلم.
فهي شفاء واطمئنان لكافة المسلمين ، خاصة في وقتنا هذا ، كما جاءت لنبي الرحمة سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم حينذاك .

إن قصة الإسراء والمعراج حدثت بعد عام الحزن، وهو عام كان شديد الألم والبأس على النبي محمد صلى الله عليه وسلم حيث ماتت أول زوجة له التي كانت السند بالمال والمواساة السيدة خديجة بنت خويلد -رضي الله عنها-،
ثم مات عمه أبو طالب الذي كان يسانده أيضا في مواجهة أهل قريش في بداية الدعوة الى الإسلام .
فجاءت رحلة الاسراء والمعراج
و أُسري بالنبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بعد عشر سنوات قضاها في مكّة المكرّمة يدعو إلى ترك الشّرك وتوحيد الله تعالى ، و كانت رحلة النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- من مكّة المكرّمة إلى بيت المقدس،
ثمّ عُرج به إلى السّماء احتفاءا وتكريما لامثيل له اختص به النبي من بين البشر ؛ ليكون له فرجا بعد ضيق .
وكانت الرحلة على دابّة البراق، فرَكِب عليها النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- وجبريل عليه السّلام، وحينما وصل النبيّ إلى بيت المقدس صلّى بالأنبياء عليهم السّلام، ثمّ عَرَج به جبريل إلى السّماء، ثم إلى سدرة المنتهى . حيث فرضت الصلوات الخمس .
ولنا إضاءات ووقفات عن ليلة الإسراء والمعراج :

أولها : أن هذه الواقعة أوضحت مكانة النبي التي لم يحظ بها أحد من أهل الأرض ، وصلاته إماماً للأنبياء هو أكبر دليل على أنه خاتم المرسلين وأنه شهيداً على الناس ، وعلى الرغم من المكانة المرموقة التي حصل عليها الرسول إلا أنه ظلّ متواضعاً .
وقد اعترف بمكانته كل من جاء بعده حتي اليوم رغما عنهم واخرهم صحيفة أمريكية كتبت أن النبي محمد أول من علم البشر أصول الطهارة والحجر الصحي والنظافة الشخصية وجعلها واجبا ملزما .

ومن إضاءات الواقعة صبر الرسول وثباته:
فقد صبر الرسول على أذى الكفار وصبر على فراق أحبته زوجته خديجة، وعمه أبو طالب،
وبالإضافة لذلك فهي اختبار لصبر المؤمنين وتصديقهم للدعوة وثباتهم عليها فالواقعة فوق مستوى العقل البشري
لذا علينا الصبر والثبات واليقين بالله في جلاء المحن بحوله وقوته .

ومن الإضاءات أيضا :
ثقة الجندي - وهو أبو بكر الصديق - بقائده ، فقد كانت ثقة أبو بكر الصديق بالرسول كبيرة جداً ولا تهزها أي حادثة كانت، فقد ثبت أبو بكر الصديق في هذا الموقف عندما كذبه الكثير من أهل مكة وارتدوا عن دينهم،
فذهبوا لأبي بكر وقالوا له: (أرأيت ما يقول صاحبك إنه يقول: إنه أسري به إلى المسجد الأقصى ونحن إن أردنا أن نذهب هناك لقطعنا مسيرة كذا وكذا، فما رأيك؟
قال أهو قال ذلك؟ قالوا : قال . قال أشهد إن كان قال ذلك فأنا أصدقه،
إنا نصدقه في أعظم من ذلك، نصدقه في خبر السماء يأتيه).
وأخيرا وليس آخرا نذكر هذا الدعاء في ذكرى حادثة الاسراء والمعراج وقيل إنه وراد عن النبي محمد -صلى الله عليه وسلم وجاء بعده الفرج :
" اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي وهواني على الناس
أنت رب المستضعفين وأنت ربي
إلى من تكلني إلى بعيد يتجهمني
أم إلى عدو ملكته أمري؟
إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي
ولكن عافيتك أوسع لي
أعوذ بنور وجهك الذي أضاءت له السموات و الأرض
وأشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والأخرة
أن تنزل بي غضبك أو يحل علي سخطك
لك العتبى حتى ترضى ولاحول ولاقوة إلا بك "
::
أحبائي لنتعلم من هذه الذكرى العظيمة أن الدعاء بصدق و التوسل - مع هدية الله لنا في هذه الليلة وهي الصلاة - هما مفتاحا الفرج ، لنصلي وندعو بقلب صادق أن يكشف الله هذه الغمة عن أمة الإسلام
ونخرج منها أقوياء . فقد تعلمنا منها دروساً وعبرا تزيدنا إيماناً وتوكلاً على الله و طاعة و وقربى .