وهم اسمه الحب

الملتقى العام



كلَّما سمعتُ قصة فتاة عاشَت لحظات الحبِّ، وخَفَق قلبها لكلمات حانية، وهَشَّتْ نفسها وبَشَّتْ لِمَن يُظهر اهتمامه الزائف بها، ويتفوَّه أمامها بما لَم يَستشعره قلبه لحظةً واحدة، ولَم تَتيقَّنْه نفسه يومًا، وهي تعيش اللحظة بكلِّ عواطفها، وتَحيا الموقف بكلِّ جوارحها، وتستمع إلى كلماته بقلبها قبل أُذنيها، تفطَّر قلبي حزنًا وكَمَدًا على حال فتياتنا، وتألَّمَتْ نفسي لِمَا أجد من قلوب رقيقة متعطِّشة لكلمة حبٍّ أو هَمسة مشاعر.

كم هي مسكينة تلك الفتاة التي تعيش تلك اللحظات، وتُصَدِّق تلك العَبرات التي لا أجد لها وصفًا ألْيَقَ ولا أحسنَ من "عَبرات التماسيح"، يتظاهر الرجل بالتعاطُف معها والحاجة إليها، والهُيام بها، ولا يُكنُّ لها في قلبه إلاَّ مشاعرَ الاحتقار، ولا يَنظر إليها إلاَّ بنظرات الاستصغار، ورُبَّما يَعقد دائمًا مقارنات بينها وبين زوجه، التي تَكبر في عينه كلَّما رأى صورتها بجوار مَن يُقيم علاقة معها!

للأسف هذا الواقع الذي لا تَعيه الفتاة ولا تُصَدِّقه إلاَّ بعد أن تُزال غشاوة الحبِّ من فوق عينيها، وتتَّضِح الحقيقة أمامها بأبشع وأقسى صُوَرها، فلا تجد أمامها إلاَّ النحيب على حبٍّ ضائع وسنوات فائتة، قد تكون رفَضت فيها خُطَّابًا أكْفَاء تقدَّموا لخِطبتها، لكنها ردَّتهم؛ لأجْل حبيبٍ كاذب وخدَّاع، ولأجْل علاقة بُنِيَت على سرابٍ وأملٍ وهمي، لا حقيقةَ له.


نعود الآن للحل "أريد أن أبدأ من جديد" هذا باختصار ما عليكِ فعله:

1- الاستغفار من علاقة محرَّمة، والتوبة منها ومن كلِّ ما كان فيها، أليس من المخالف شرعًا أن تتحدَّثي إلى رجل أجنبي، وتقومي بدور المستشارة الخاصة له؟! أليس من المخالف شرعًا أن تتحدَّثا عن المشاعر والمحبَّة؛ سواء كان متزوجًا أم غير متزوِّج؟! فتوبي إلى الله، وأكْثِري من الاستغفار، وسَلَيه العونَ، وأكْثري من النوافل وفِعْل الطاعات.

2- لتَبدئي من جديد، عليكِ بمحو آثار الماضي المؤلِمة وإزالتها من الذاكرة تمامًا، فكلُّ ما كان قد انتَهى، ولو استمعتِ لنصائح غيركِ، لَمَا استفدتِ منها كما استفدتِ الآن من تلك التجربة العملية المريرة، لكن لِمَحْو آثار البقع أنتِ بحاجة لمُنظِّف قوي وشديد التأثير، ولن تَجدي أفضل من التقرُّب إلى الله، والإبحار مع القرآن، والتعرُّف عليه بشكلٍ أكبر.

3- لا بدَّ من شَغْل نفسكِ وإحاطتها بِمَن يُعينها على أمرِ دينها، والاختلاط بالناس فيه منافع اجتماعيَّة ونفسيَّة عديدة، وفيه التسلية عن بلايانا، وما قد تَستدرُّه عقولنا وقلوبنا من ذكريات غير مرغوبة.

4- عليكِ بتبديل قناعات قد تتكوَّن لزيادة العاطفة لَدَيكِ، مَن قال: إنَّ الشخص الذي يمرُّ بمِحنة أو يتعرَّض لمشكلة مسؤول منكِ؟! ما عليكِ إلاَّ المناصحة إن كان هذا الشخص فتاة من بنات جنسكِ، أو من محارمكِ الرجال، وتجنُّبه إن كان أجنبيًّا، وأمَّا المبالغة في التفاعُل معه والتمادي في الشعور بالمسؤولية نحوه، فهذا قد يَجرُّكِ إلى أمور لا تُحمد عقباها، والله تعالى يقول: ? وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ?.

فكُفِّي عن حَمْل هموم جميع الناس فوق ظهْركِ، فذاك ما لا طاقة لبشرٍ به، واكتفي بالدعاء لهم بصلاح الحال، وتمنَّي الخير للجميع دون إفراطٍ أو تفريط.

5- اجْعَلي لكِ اهتمامات كثيرة، وابْحَثي عن مواطن الإبداع لَدَيكِ، وحرِّري نفسكِ من أَسْر الأحزان، فأنت كنتِ لا تعرفين اليأس، وأنتِ كذلك حتى الآن، والسقوط قد يؤلِم، لكنه يَجعلكِ تَنهضين، وقد ازددتِ قوَّة وصلابة، بل وخِبرة، أليس هذا حالكِ الآن؟ بلى.

6- تجنَّبي محادثة الرجال الأجانب نهائيًّا، وإن تمكَّنتِ من تغيير عملكِ، فهو أسلم وأبْرَأ لدينكِ، فلا يجوز للفتاة أن تَختلط بالرجال، وأن تَفتح لنفسها مجالات الحديث معهم، والشيطان يجري من ابن آدمَ مَجرى الدم.

8- حاوِلي مَلْءَ الفراغ العاطفي الذي تُعانينه بشدَّة - كما تبيَّن لي - بالتواصُل مع أهلكِ وصديقاتكِ، والتقرُّب إلى أخواتكِ أو والدتكِ أو قريباتكِ، وتكوين علاقات طيِّبة معهنَّ، وقضاء أوقات مَرِحة وممتعة معهنَّ، فالجو الأُسري خير ما يُشبع الفراغات العاطفيَّة، ويُحصِّن الفتاة من الانخداع بالأقوال الباهتة والأكاذيب الفارغة.

9- إن عَجَزتِ عن إيجاد مَن يسمعكِ ويتفاعل معكِ، فجرِّبي أن تكتبي مشاعركِ، وتُسَطِّري بعض الخواطر على الورق، فلم أجد خيرًا منه يُجيد فنَّ الإنصات، وهي طريقة مجرَّبة وفعَّالة في التنفيس الانفعالي، ومتى ما أردتِ أن يكون الأمر سرًّا، فقومي بتمزيق ما كتبتِ وقد استفدتِ بإخراجه إلى طريق غير معلوم، جرِّبي وستشعرين براحة - بإذن الله.

10- تذكَّري أنَّ مشاعر الضَّعف تعتري الجميع؛ الصغير والكبير، الرجل والمرأة، وأفضل الوسائل لاستشعار القوَّة صِدْقُ اللجوء إلى الله والرجوع إليه، وما أجمل الوقوفَ بين يدي الله، وبثَّه الشكوى والأحزان؛ كما فعَل يعقوب - عليه السلام - في أشد أوقات الِمَحن: ? قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ ? .

أخيرًا:

يقول الدكتور "عبدالكريم بكار":

"اليأس يُدخل الإنسان في محاولات متكرِّرة من الفشل".

فنحِّيه جانبًا كما كنتِ، وأَزِيحيه بقوَّة عن طريقكِ؛ لتبدئي حياة مُفعمة بالأمل والنجاح.

حَفِظكِ الله وعَصَمكِ من الفِتن: ما ظهَر منها وما بطَن، ورزقكِ الزوجَ الصالح الذي يُعينكِ على دينكِ ودنياكِ

.................................منقول للفائدة.................
1
296

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

"سميتك غلاي"
اعتقد ان الفتيات الان اصبحن اكثر وعيا .. شكرا وجزاك الله خيرا ياصاحبه الموضوع ..