لقد رزق الله هذه الأمة بمواسم خير كثيرة ، وآلاء ونعم وفيرة، فهي لا تخرج من موسم من مواسم الطاعات إلا ويعقبه موسم آخر، ولا تُقضي عبادة إلا وتنتظرها أخرى، ولا تمر بها غمة إلا وتتبعها نعمة، وهكذا، فالمؤمن أمره كله خير، إن أصابته ضراء صبر، وإن أصابته سراء شكر، وليس ذلك إلا للمؤمن كما صح بذلك الخبر .
ولعل من المواسم العظيمة، والفرص الغالية الثمينة، التى يجب على المسلم أن يغتنمها ،هو حلول شهر المحرم علينا ،هذا الشهر الذي حباه الله بالعديد من الخصائص ،والذي يعد يوم عاشوراء أهمها ،وحول تاريخ الإحتفال بهذه الذكرى ،وفضلها ، وأحوال الصيام الخاصة بهذا اليوم ،وما يصاحب هذا اليوم من بدع نتحدث::
** تاريخ عاشوراء
*********
ترجع بداية معرفة المسلمين بيوم عاشوراء ،في السنة الثانية للهجرة ،عندما جاء الإسلام، وهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ورأى اليهود يصومون هذا اليوم فرحاً بنجاة موسى قال: ((أنا أحق بموسى منكم)) فصامه وأمر بصيامه. . ، فكان صيامه واجباً فلما فرض رمضان فوض الأمر في صومه إلى التطوع ، وإذا علمنا أن صوم رمضان في السنة الثانية للهجرة تبين لنا أن الأمر بصوم عاشوراء وجوباً لم يقع إلا في عام واحـد، تقول عائشة رضي الله عنها: (فلما قدم صلى الله عليه وسلم المدينة صامه ـ أي عاشوراء ـ وأمر بصيامه، فلما فرض رمضان ترك يوم عاشوراء، فمن شاء صامه ومن شاء تركه) .
**فضل يوم عاشوراء
*****************
ورد عن فضل صيام يوم عاشوراء العديد من الأحاديث التى تحدثنا عن ثواب صيام هذا اليوم :
-1 صيامه يكفر السنة الماضية : ففي صحيح مسلم أن رجلا سأل رسول الله عن صيام عاشوراء فقال: ((أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله)). تحري الرسول صلى الله عليه وسلم صيام هذا اليوم: روى ابن عباس قال: (ما رأيت النبي يتحرى صوم يوم فضله على غيره إلا هذا اليوم يوم عاشوراء) . وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليس ليوم فضل على يوم في الصيام إلا شهر رمضان ويوم عاشوراء)) .
-2 وقوع هذا اليوم في شهر الله المحرم الذي يسن صيامه: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أفضل الصيام بعد صيام رمضان شهر الله المحرم)) ا.
-3تحري الرسول صلى الله عليه وسلم صيام هذا اليوم: روى ابن عباس قال: (ما رأيت النبي يتحرى صوم يوم فضله على غيره إلا هذا اليوم يوم عاشوراء) . وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليس ليوم فضل على يوم في الصيام إلا شهر رمضان ويوم عاشوراء)) .
4-كان الصحابة رضي الله عنهم يصوّمون فيه صبيانهم تعويداً لهم على الفضل، فعن الربيع بنت معوذ قالت أرسل النبي صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار: ((من أصبح مفطراً فليتم بقية يومه، ومن أصبح صائماً فليصم)) قالت: فكنا نصومه بعد ونصوّم صبياننا ونجعل لهم اللعبة من العهن، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذاك حتى يكون عند الإفطار. .
**احوال صيام عاشوراء
*********************
يأتي صيام يوم عاشوراء على ثلاثة مراحل كما ورد عن ابن القيم في كتاب زاد المعاد ابن القيم في زاد المعاد ( 2/76) أن صيام عاشوراء ثلاث مراتب :
1ـ صوم التاسع والعاشر والحادي عشر وهذا أكملها .
2ـ صوم التاسع والعاشر وعليه أكثر الأحاديث .
3ـ صوم العاشر وحده. ولا يكره ـ على الصحيح ـ إفراد اليوم العاشر بالصوم كما قاله ابن تيمية رحمه الله في الاختيارات
أما الحكمة من صيام التاسع مع العاشر فهي كما قال النووي رحمه الله: ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ فِي حِكْمَةِ اسْتِحْبَابِ صَوْمِ تَاسُوعَاءَ أَوْجُهًا:
أَحَدُهَا: أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ مُخَالَفَةُ الْيَهُودِ فِي اقْتِصَارِهِمْ عَلَى الْعَاشِرِ, وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ.
الثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ وَصْلُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ بِصَوْمٍ, كَمَا نَهَى أَنْ يُصَامَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَحْدَهُ.
الثَّالِثَ: الاحْتِيَاطُ فِي صَوْمِ الْعَاشِرِ خَشْيَةَ نَقْصِ الْهِلالِ, وَوُقُوعِ غَلَطٍ فَيَكُونُ التَّاسِعُ فِي الْعَدَدِ هُوَ الْعَاشِرُ فِي نَفْسِ الأَمْرِ. انتهى
وأقوى هذه الأوجه هو مخالفة أهل الكتاب، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: نَهَى صلى الله عليه وسلم عَنْ التَّشَبُّهِ بِأَهْلِ الْكِتَابِ فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ، مِثْلُ قَوْلِهِ فِي عَاشُورَاءَ: ( لَئِنْ عِشْتُ إلَى قَابِلٍ لأَصُومَنَّ التَّاسِعَ ) . الفتاوى الكبرى
**بدع عاشوراء
*************
-يرتكب العديد من المسلمين العدي من الأفعال في يوم عاشوراء مثل الأغتسال ،والتوسعة على العيال،والأختضاب ، الأكتحال وطبخه أنواع معينة من الطعام ،ظنا ً منهم أن ذلك من السنة ،
وعندما سُئِلَ شَيْخُ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عما يفعله الناس في هذا اليوم وهل ورد هذا عن النبي ِ صلى الله عليه وسلم حَدِيثٌ صَحِيحٌ ؟ أَمْ لا ؟ وَإِذَا لَمْ يَرِدْ حَدِيثٌ صَحِيحٌ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَهَلْ يَكُونُ فِعْلُ ذَلِكَ بِدْعَةً أَمْ لا
قال: لَمْ يَرِدْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلا عَنْ أَصْحَابِهِ , وَلا اسْتَحَبَّ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ لا الأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ , وَلا غَيْرِهِمْ . وَلا رَوَى أَهْلُ الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ فِي ذَلِكَ شَيْئًا , لا عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلا الصَّحَابَةِ , وَلا التَّابِعِينَ , لا صَحِيحًا وَلا ضَعِيفًا , لا فِي كُتُبِ الصَّحِيحِ , وَلا فِي السُّنَنِ , وَلا الْمَسَانِيدِ , وَلا يُعْرَفُ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الأَحَادِيثِ عَلَى عَهْدِ الْقُرُونِ الْفَاضِلَةِ . وَلَكِنْ رَوَى بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي ذَلِكَ أَحَادِيثَ مِثْلَ مَا رَوَوْا أَنَّ مَنْ اكْتَحَلَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ لَمْ يَرْمَدْ مِنْ ذَلِكَ الْعَامِ , وَمَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ لَمْ يَمْرَضْ ذَلِكَ الْعَامِ , وَأَمْثَالِ ذَلِكَ ..
- وَرَوَوْا فِي حَدِيثٍ مَوْضُوعٍ مَكْذُوبٍ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: (أَنَّهُ مَنْ وَسَّعَ عَلَى أَهْلِهِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ سَائِرَ السَّنَةِ ) . وَرِوَايَةُ هَذَا كُلِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَذِبٌ.
- ثم ذكر رحمه الله ملخصا لما مرّ بأول هذه الأمة من الفتن والأحداث ومقتل الحسين رضي الله عنه وماذا فعلت الطوائف بسبب ذلك فقال:
فَصَارَتْ طَائِفَةٌ جَاهِلَةٌ ظَالِمَةٌ : إمَّا مُلْحِدَةٌ مُنَافِقَةٌ , وَإِمَّا ضَالَّةٌ غَاوِيَةٌ , تُظْهِرُ مُوَالاتَهُ , وَمُوَالاةَ أَهْلِ بَيْتِهِ تَتَّخِذُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ يَوْمَ مَأْتَمٍ وَحُزْنٍ وَنِيَاحَةٍ , وَتُظْهِرُ فِيهِ شِعَارَ الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ لَطْمِ الْخُدُودِ , وَشَقِّ الْجُيُوبِ , وَالتَّعَزِّي بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ ..
فَكَانَ مَا زَيَّنَهُ الشَّيْطَانُ لأهل الضَّلالِ وَالْغَيِّ مِنْ اتِّخَاذِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ مَأْتَمًا , وَمَا يَصْنَعُونَ فِيهِ مِنْ النَّدْبِ وَالنِّيَاحَةِ , وَإِنْشَادِ قَصَائِدِ الْحُزْنِ , وَرِوَايَةِ الأَخْبَارِ الَّتِي فِيهَا كَذِبٌ كَثِيرٌ وَالصِّدْقُ فِيهَا لَيْسَ فِيهِ إلَّا تَجْدِيدُ الْحُزْنِ , وَالتَّعَصُّبُ , وَإِثَارَةُ الشَّحْنَاءِ وَالْحَرْبِ , وَإِلْقَاءُ الْفِتَنِ بَيْنَ أَهْلِ الإسلام , وَالتَّوَسُّلُ بِذَلِكَ إلَى سَبِّ السَّابِقِينَ الأَوَّلِينَ .. وَشَرُّ هَؤُلاءِ وَضَرَرُهُمْ عَلَى أَهْلِ الإسلام , لا يُحْصِيهِ الرَّجُلُ الْفَصِيحُ فِي الْكَلامِ ..
- فَعَارَضَ هَؤُلاءِ قَوْمٌ إمَّا مِنْ النَّوَاصِبِ الْمُتَعَصِّبِينَ عَلَى الْحُسَيْنِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ , وَإِمَّا مِنْ الْجُهَّالِ الَّذِينَ قَابَلُوا الْفَاسِدَ بِالْفَاسِدِ , وَالْكَذِبَ بِالْكَذِبِ , وَالشَّرَّ بِالشَّرِّ , وَالْبِدْعَةَ بِالْبِدْعَةِ , فَوَضَعُوا الأثَارَ فِي شَعَائِرِ الْفَرَحِ وَالسُّرُورِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ كَالاكْتِحَالِ وَالاخْتِضَابِ , وَتَوْسِيعِ النَّفَقَاتِ عَلَى الْعِيَالِ , وَطَبْخِ الأَطْعِمَةِ الْخَارِجَةِ عَنْ الْعَادَةِ , وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يُفْعَلُ فِي الأَعْيَادِ وَالْمَوَاسِمِ , فَصَارَ هَؤُلاءِ يَتَّخِذُونَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ مَوْسِمًا كَمَوَاسِمِ الأَعْيَادِ وَالأَفْرَاحِ.
- وَأُولَئِكَ يَتَّخِذُونَهُ مَأْتَمًا يُقِيمُونَ فِيهِ الأَحْزَانَ وَالأَتْرَاحَ وَكِلا الطَّائِفَتَيْنِ مُخْطِئَةٌ خَارِجَةٌ عَنْ السُّنَّةِ , وَإِنْ كَانَ أُولَئِكَ أَسْوَأَ قَصْدًا وَأَعْظَمَ جَهْلًا , وَأَظْهَرَ ظُلْمًا ..
- وَلَمْ يَسُنَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلا خُلَفَاؤُهُ الرَّاشِدُونَ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الأُمُورِ , لا شَعَائِرَ الْحُزْنِ وَالتَّرَحِ , وَلا شَعَائِرَ السُّرُورِ وَالْفَرَحِ.
- وَأَمَّا سَائِرُ الأُمُورِ: مِثْلُ اتِّخَاذِ طَعَامٍ خَارِجٍ عَنْ الْعَادَةِ , إمَّا حُبُوبٌ وَإِمَّا غَيْرُ حُبُوبٍ , أَوْ تَجْدِيدُ لِبَاسٍ وَتَوْسِيعُ نَفَقَةٍ , أَوْ اشْتِرَاءُ حَوَائِجِ الْعَامِ ذَلِكَ الْيَوْمِ , أَوْ فِعْلُ عِبَادَةٍ مُخْتَصَّةٍ كَصَلاةٍ مُخْتَصَّةٍ بِهِ , أَوْ قَصْدُ الذَّبْحِ , أَوْ ادِّخَارُ لُحُومِ الأَضَاحِيّ لِيَطْبُخَ بِهَا الْحُبُوبَ , أَوْ الاكْتِحَالُ وَالاخْتِضَابُ , أَوْ الاغْتِسَالُ أَوْ التَّصَافُحُ , أَوْ التَّزَاوُرُ أَوْ زِيَارَةُ الْمَسَاجِدِ وَالْمَشَاهِدِ , وَنَحْوُ ذَلِكَ , فَهَذَا مِنْ الْبِدَعِ الْمُنْكَرَةِ , الَّتِي لَمْ يَسُنَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلا خُلَفَاؤُهُ الرَّاشِدُونَ , وَلا اسْتَحَبَّهَا أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ لا مَالِكٌ وَلا الثَّوْرِيُّ , وَلا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ , وَلا أَبُو حَنِيفَةَ , وَلا الأَوْزَاعِيُّ , وَلا الشَّافِعِيُّ , وَلا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ , وَلا إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ , وَلا أَمْثَالُ هَؤُلاءِ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ , وَعُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ ...
-وذكر ابن الحاج رحمه الله:من بدع عاشوراء تعمد إخراج الزكاة فيه تأخيرا أو تقديما وتخصيصه بذبح الدجاج واستعمال الحنّاء للنساء. .
-وأخيراً نسأل الله أن يجعلنا من أهل سنة نبيه الكريم وأن يحيينا على الإسلام ويميتنا على الإيمان وأن يوفقنا لما يحب ويرضى ونسأله أن يُعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته وأن يتقبل منا ويجعلنا من المتقين ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..
koketa @koketa
كبيرة محررات
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
الحائره
•
جزاك المولى خير الجزاء
جزاك الله خير اختي الحبيبة وبارك الله فيك
ونور الله قلبك بحبه وشرح صدرك بطاعته ويسر أمرك بذكره ورزقك الفردوس الأعلى
اللهم آمين
ونور الله قلبك بحبه وشرح صدرك بطاعته ويسر أمرك بذكره ورزقك الفردوس الأعلى
اللهم آمين
الصفحة الأخيرة