آآآآآآآآه من الغربه...

الغربة :

@ تذكر الغريب بأهله واحبابه واوطانه فيستعر الشوق في وجدانه.. والشوق شاعر..

@ مليئة بالدهشة والجديد.. والشعر ابن الدهشة..

@ والغربة يتعرض صاحبها لتقلّب المزاج، من وحشة واكتئاب، الى استغراب لما يرى وربما اعجاب وانبهار، مما يجعل مشاعر الغريب مرهفة كورق الورد، رقيقة كأوتار الكمان، تعزف مختلف الالحان من الحزن الى الدهشة والفرح في بوتقة غريبة..

@ والغربة فيها تحد يجعل المشاعر تتوقد، والعزم يتقوى، والاصرار على التحدي وتخطي الصعاب يصبح شعاراً، وكل هذا يتجاوب مع اصداء الشعر في داخل النفس..

@ وفي الغربة ارتياد واكتشاف، وتعرّف على عادات جديدة وانماط مختلفة من الناس وهذا كله يثير المشاعر والحواس..

@ والغريب قد يرى مناظر طبيعية في غاية الروعة لم يألفها في وطنه، ويرى عجائب الدنيا.. وكل هذا يفتق قرائح الشعراء..

@ واذا كان الانسان قد تغرب بحثاً عن الرزق فإنه يصدم كثيراً بالعقبات والمشاق، وينظر له الآخرون بارتياب.. وكل هذا يؤلم نفسه.. والالم يفجر ينابيع الشعر عند الشعراء.

@@@

(في غربتي)

يقول الأمير خالد الفيصل من قصيدة جميلة:

في غربتي عارضت انا ركب الاغراب

اشد وانزل والليالي ركايب

اضداد واقران وعدوان واصحاب

متناقضات الخلق.. ما غاب غايب

اسهر مع تهويم نجمات الاحباب

حتى يصير النجم بالصبح غايب

اصبح على فجر ضحوك.. وعجاب

وامسي على همسات ستر العجايب

وقامت تجاذبني على درب الاسباب

نفس الشباب يحدها عقل شايب

مشيت في رمضا.. وسندت بهضاب

وعارضتني سيول.. وهبت هبايب

وامسيت في صحراء وقيّلت في غاب

ومن طاول الغربات شاف العجايب

مرتني الدمعة بها الوجد ما ذاب

في غربة الاشواق راحت هبايب

مرتني البسمة تقل فوقها حجاب

وراك خجلى يا رسول الحبايب؟!

والحب مريته غريب على باب

عقب القصور امست قصوره خرايب

بغيت اسلي خاطره عقب ما شاب

لقيت ماله بالتسلي طلايب

اقفى مع المقفين وجل ومرتاب

على عقوق الوقت بالحيل عايب

في غربتي مريت رجلي وركاب

ارزاق من رب الخلايق وهايب


(الحض على التغرب)

ونجد في الشعر العربي والشعبي كثيراً من الاشعار التي تحض على السفر والتغرب اما للبعد عن الذل - ان اصاب الانسان - او لطلب المزيد من الرزق.. او لجني فوائد السفر التي عددها الامام الشافعي في شعر ينسب له ولا ندري عن مدى صحة النسبة له وهو قوله:

تغرب عن الاوطان في طلب العلا

وسافر ففي الاسفار خمس فوائد

تفرج هم واكتساب معيشة

وعلم وآداب وصحبة ماجد

فإن قيل في الاسفار ذل ومحنة

وقطع الفيافي وارتكاب الشدائد

فموت الفتى خير له من قيامه

بدار هوان بين واش وحاسد


ويقول أبو تمام:

وطول مقام المرء في الحي مخلق

لديباجته فاغترب تتجدد

فإني رأيت الشمس زيدت محبة

الى الناس ان ليست عليهم بسرمد


وللبحتري:

سافر تجد عوضاً عمن تفارقه

وانصب فإن لذيذ العيش في النصب

ما في المقام لذي لب وذي ادب

معزة فاترك الاوطان واغترب


وهذا كله حين يضيق الرزق في الوطن، او يضام الانسان ومثله قول
احمد بن فارس:

اذا ما ضاق صدرك من بلاد

ترحل طالباً ارضاً سواها

عجبت لمن يقيم بدار ذل

وارض الله متسع فضاها

فذاك من الرجال قليل عقل

بليد ليس يعلم من طحاها

فنفسك فز بها ان خفت ضيماً

وخل الدار تنعى من بناها

فإنك واجد ارضاً بأرض

ونفسك لن تجد نفساً سواها



وهذه الابيات تتردد كثيراً في قصص (الف ليلة وليلة المشهورة).


(من قرية إلى قرية.. غربة)!

وقبل توحيد المملكة على يد المغفور له الملك عبدالعزيز، بطل العروبة والاسلام، كانت القرى متناثرة وصغيرة وعليها اسوار من الخوف، وكان أهل القرية يعرفون بعضهم واحداً واحداً فإن جاء أحد من قرية اخرى فهو (أجنبي) او (غريب) في نظرهم ولو كانت قريته لا تبعد عنهم كثيراً..

وكذلك حين يريد الرجل السفر من قريته الى قرية اخرى فإنه يعتبر نفسه (متغرباً) واجنبياً، يقول حميدان الشويعر حين اراد السفر من بلدته الحبيبة (القصب) لظروف مرت به اذ قتل ابنه شخصاً من خارج القصب فخشي على نفسه وابنائه وسافر من القصب وقال:

الاعمار ما يرجى لهن رجوع

غدت بخلان لنا وربوع

ربوع لنا قد فرق البين شملهم

وشوف الديار الخاربات يروع

سود الليالي مادري عن بطونها

يمسن حوامل ويصبحن وضوع

والايام لو تخلف بيوم عذرتها

لها بالليالي الماضيات صنوع

استجرت بربي من دواهي شرورها..

علوم الردى ياتي بهن ربوع

وانا احب يوم ما اجي فيه مذنب

ولا نيب مفراح ولا بجزوع

وانا احب نومي جوف غين دوالح (1)

الى ايتفى ضيم بهن وجزوع

ولا دَين ديان ولا ظلم حاكم

يجور ولا يعذل عليه خدوع

فيا مانع اشرف لي على راس مرقب

من قبل ما شمس النهار طلوع

لعل على (الطيري) شلايا ضعاين (2)

تقافن على وكري الخليف ربوع

ربوع لنا يوم الليالي مريفه

واليوم ما عادوا لنا بربوع!

الا يا نخلات لي على جال عيلم

حدايق غلب شوفهن يروع

اخذت بهن عامين حيل زوافر

من القيظ ماخلن فيّ ضلوع

ألا يا نخلات الصدر جضن بالبكا

وهلن يا حدب الجرايد دموع

حلفت صافي الما فلا تشربنه

مني، ولا يسقى لكن جذوع

تقللت عن دار وربع ومنزل

وقبلتها حثو التراب كسوع

فلا يا عاير القصب الجنوبي ليتني

اشوفك من حد السراب لموع

فهو يخاطب نخله الذي طالما تعب في سقيه ورعايته ويقول لنخل هلن الدمع فإني مسافر فلن تجدن الماء!!..

ويودع عاير القصب الجنوبي وداع من لن يعود!


(1) غين نخل ودوالح قوية.

(2) الطيري جبل قرب اثيثية.