في هذا الزمان وفي هذا العصر.. عصر التحضر والمدنية، زمن المشاغل والملهيات، انتشرت ظاهرة اجتماعية وتفشى داؤها العضال في كل بيت وفي كل أسرة - إلا من رحم ربي - ألا وهي ظاهرة تخلي أو تقاعس الأبوين عن تربية الأبناء و توكيلها إلى الغير سواء أكانت الأم (والتي على عاتقها الجزء الأكبر والأهم من المسؤولية) أو الأب.
ولهذه الظاهرة صور عديدة ، تستتر أحيانا تحت حجب دخيلة وحجج واهية للهروب من المسؤولية ورميها على الغير..
أكثرها انتشارا وتفشيا هي الاعتماد على الخادمات اعتمادا كبيرا في تحمل مسؤولية الطفل خاصة في السنين الأولى من عمره والتي تعتبر أهم سنوات عمر الطفل حيث تتحدد فيها معالم شخصيته وتغرس فيها كل المبادئ والقيم التي تستمر معه طوال حياته، فنرى الطفل متشبثا بالخادمة وكأنها بالفعل أمه لا يريد مفارقتها وقد يناديها أحيانا بـ (ماما) فلعبه وملبسه ومأكله ومشربه ونومه مع الخادمة حتى كلامه قد يكون أحيانا بلكنة أجنبية غير عربية ويا للأسف. ومنها تكليف دور حضانة الأطفال بهذه المهمة دون السؤال عن حال الطفل ومتابعته المستمرة، وإن كانت تبدو أفضل حالا من تربية الخادمات لما لبعض دور الحضانة من مفاهيم قيمة لكن يبقى احتياج الطفل إلى حنان وتربية أمه وعطف وتوجيه أبيه أساسا في حياته. والبعض يرى أن ابنه ما دام طالبا في المدرسة فهو لا يحتاج إلى تربية لأن المدرسة عليها مسؤولية التربية وعليها غرس المبادئ الأخلاقية والإسلامية، وآخرون يرون أن أبناءهم قد أصبحوا كبارا وهو ليسوا بحاجة إلى تربية ونصيحة وتوجيه وتناسوا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم" الدين نصيحة. قلنا لمن؟ قال لله و ".
فهذه صور عديدة تملأ النفس حسرات لما آل عليه أوضاع الوالدين في هذا الزمان، والأمر من ذلك هو الحجج الواهية والأسباب الغير مقنعة التي يتعذر بها الوالدين وخصوصا الأم.
فنجد بعض الأمهات لا وقت لديهن لأبنائهن لانشغالهن الدائم بمتابعة أخبار ملكات الجمال والممثلات وموضات الأزياء والعطور و.... يوما بيوم فنجدها لا تفتأ عن متابعة برامج التلفاز وقراءة أخبار المجلات وتتبع إعلانات الجرائد ومن ثم النزول المستمر إلى الأسواق والانشغال طوال اليوم في توافه الأمور وقد أغض نظري عن أمر هذه الأم التي لا تستحق لقب الأم فهي قد أضاعت دينها وبالتالي أضاعت أطفالها، فهي قد ترى أن تخصيص خادمة لأطفالها أصبح متطلبا لتظهر بصورة من الإتيكيت والحضارة وأن تخصيص سائق لقضاء حوائج أطفالها وأخذهم للتنزه من مظاهر التمدن والعصرية، ولا تعلم أن فعلها هذا يعد رجعية وتخلف وتقليد أعمى أن ترمي بأطفالها في أحضان الخادمات والسائقين فينشا جيلا ليس لديه من القيم والأخلاق والدين ما يواجه به عصر الشهوات والفتن فيقع في أحضان الرذيلة والانهيار.
ومن أسباب التكاسل عن التربية أن تكون المرأة عاملة، فتنشغل في فترة محددة من اليوم عن أبناءها وقد تأتي مرهقة إلى المنزل فلا تسأل عن حال أبناءها ولا واحتياجاتهم ولا تشعرهم باهتمامها بهم وحنانها عليهم وقد كان بمقدورها التوفيق بين عملها وأبناءها فتستغل بقية اليوم بين أبناءها تلاعب هذا وتحتضن الآخر وتتابع دراستهم وتتفقد متطلباتهم.
وصورة أخرى من انشغال المرأة عن تربية أبناءها، صورة مريرة لما نجدة من صلاح المرأة وهمومها الدعوية في خدمة الدين وصلاح الأمة ولكنها للأسف قد غفلت عن أهم دور لها في هذه الحياة وأهملته ألا وهي المرأة الداعية، فهي بالفعل امرأة عظيمة في الدعوة إلى الله وفي بذل وقتها وجهدها لهداية الآخرين لكنها تركت مهمتها الأساسية للخادمة وللسوني و...، وقصرت بها أيما تقصير، وقد لا ترى أبناءها طوال اليوم إلا في وقت نومهم وقد كان بإمكانها الموازنة بين عملها في الدعوة وبين تربيتها لأبنائها، بل إن تربيتها لأبنائها التربية الإسلامية يعد من أبرز الأعمال في الدعوة إلى الله وفي خدمة الدين وصلاح المجتمعات، فهي في تربيتها تبني جيلا إسلاميا جديدا قويا صامدا همه خدمة الدين ونشر الوعي الإسلامي، فكم نجد من داعية يكونون أبناءها بعيدين جدا عن الصلاح والهداية والسبب واضح وجلي..
فيا أيها الوالدين – وأخص أخواتي الأمهات – اتقوا الله في أبناءكم فهم والله أمانة في أعناقكم، وهم والله أبناؤكم أنتم وليسوا أبناء الخادمات والسائقين ولا أبناء المدارس ودور الحضانة، وليكن من أكبر همومكم إنشاء جيل صالح يقف كالطود الشامخ أمام ما يعتري الأمة الإسلامية من فتن وشهوات ويعيد للأمة مجدها، وتذكروا أن طريق الألف ميل يبدأ بخطوة، وأن أهم وأساس هذه الخطوات قوة التربية الإسلامية للأبناء الذين هم فلذات الأكباد..
وأخيرا أتمنى تكونوا أستفدتوا ........:27:

فيض المحبة @fyd_almhb
عضوة فعالة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.




الصفحة الأخيرة
جزاك الله خيرًا على هذا الموضوع المفيد ........