
مَنْ مِنَّا لَمْ يُدَاهِمْ نَوَافِذَ مًهْجَتِهِ عَلَى مَاضْيه
فَوَجَدَ فِيهِا صَبَابَةً وَ لَهْفَةً وَ وَسَامَةً وَ إِيضَاحًا تَتُوقُ لَهُ العَوْدَةُ إِلَى الوَرَاء
فَلَا شَيْئَ يُطْفِئُ جَذْوَتَهَا التِي سَتَضَلُّ مَا دَامَ بِالقَلْبِ رُوحٌ و حَيَاة
و َلْيْسَ بِإِمْكَانِ أَيٍّ كَانَ التَمَلُّصَ مِنْ تِلْكَ المَرَاحِلِ الصَبُوحَةِ القَسِيمَة وَ التِي
بَدَأَتْ بِعُمْرِ التَّرْخِيس وَ الجَوَاز وَ الطَّهَارَةِ وَالعَفَاف
ثُمَّ مَا فَتِئَت تَكْبُرُ وَ تَنْمُو لِتَنْتَقِلَ إِلَى مَرْحَلَةِ الحَدَاثَةِ وَ فُتُوَّةِ الشَّبَاب
فَتَكْسُوهَا شَارَةً وَ رَوْنَقًا بِالدَّاخِلِ وَ الخَارِج وَهِيَ إِلَى اللَّحْظَةِ
نَشْتَمُّهَا عَبْرَ أَمْرٍ مَنَ الذَّاكِرَة فَتُسْقِطُ دَمْعًا عَلَى مَنْ رَحَلَ دُونَ وَدَاعِنَا
وَ تَرَكَ فِنُجَانَ القَهْوَةِ سَاخِنًا وَ مَكَانَ فِرَاشِهِ دَافِئاً وَ كَأَنَّهُ لَمْ يَبْرْحْهُ قَط
فَتَدَّصَعَتْ الجُفُونُ لِهُبُوبِ نَسَائِم مَاضِيهِ مَعَنَا
و تُوقِفُنَا ابْتِسَامَاتُ الثُّغُورِ ذَاتِ النَّوَاجِذِ المُشْرِقَة
لِلَحظَاتٍ ضَمَّتْنَا فِها أُمَهَاتٌ غَيْرُ أَمَهَاتِنَا وَنَحْنُ عَلَى عَتَبَةِ الجِيرَان
و تَعَالِي صَيْحَاتِنَا هُنَا وَ هُنَاكـــ
بَعْدَ هَذَا جَاءَتْ خُطُوَاتِ الكِبَرِ مُسْرِعَةً مُهَرْوِلَة تَقْتَفِي أَثَرَنَا وَ تَقْصِدُنَا دُونَ التَّرْحِيبِ بِهَا
فَأحَالَت أَرْوَاحَنَا عَلى التَّقاعُدِ طَوْعًا وَ كَرَاهِيَةً وَ تَرَكَت بِدَوَاخِلِنَا نَسَمَاتٍ مُتَوَعِّكِة
فَانْتَقَلْنَا مِنْ زَمَنِ الَأَبْيَض وَصَفَائِه الجَلِيّ وَ بَرَاءَةِ النُّفُوس
إِلَى عَهْدِ الأَسْوَدِ وَ تَقَلُّبِ الأَفْئِدَة
