
لم يكن يتوقع "خالد.ت" أن حياته ستنقلب رأسا على عقب زوال يوم الثلاثاء الماضي 18 غشت الجاري، عندما وجد نفسه خلف القضبان بعدما إرتكب أبشع جريمة تعرفها مدينة فاس خلال السنة الحالية، عندما أقدم بطريقة وحشية وهمجية من وضع حد لحياة أقرب المقربين منه، بإقدامه على قتل طفلتيه الوحيدتين ، داخل منزل أسرته الكائن بإقامة الأدارسة وسط حي الأدارسة.
قتل ببرودة دم
هذا الأب الذي يعاني من أعراض نفسية منذ مغادرته أسوار الجامعة أواخر ثمانينات القرن الماضي، إستيقظ من النوم صباح ذلك اليوم على الساعة التاسعة وخمسة وأربعين دقيقة، وجد زوجته قد أعدت له وجبة الفطور كالعادة، الزوجة غادرت المنزل متوجهة إلى حفل لأحد الجيران وتركت الطفلتين رفقة والدهم، حيث طلبت منه أن يرافقهن في حالة تأخرها عن العودة إلى المنزل، إلى بيت شقيقها المتواجد بالقرب من مقر عمله بالملحقة الإدارية بالأدارسة كموظف بالإنعاش الوطني منذ ما يزيد عن 16 سنة.
جلس الأب على كرسي التحقيق أثناء الإستماع له أمام عناصر تابعة للمصلحة الولائية للشرطة القضائية، هادئا وكأن شيئا لم يقع، بعد أن سلم نفسه لمصالح ولاية أمن فاس، سرد للمحقيقين تفاصيل الجريمة التي إقترفها ببرودة دم، دون أن يعلم أن بنتيه قد فراقتا الحياة، وقال أنه إستفاق صباح يوم الجريمة على وقع صداع في الرأس، وجلس في إحدى زوايا المنزل، وشرب كأس حليب، وشعل سيجارته المفضلة "كازا سبور"، وبدأ يدخن بشراهة، وفي لحظة شرود كان يفكر في وضعه الإجتماعي، سمع أصوات مزعجة لطفلتيه، غيثة البالغة من العمر 3 سنوات، ومريم البالغة من العمر ست سنوات و8 أشهر والتي تتابع دراستها في القسم الثالث بمدرسة حرة تديرها والدتها.
وأضاف الأب في معرض تصريحاته في محضر الشرطة القضائية، أنه لم يتحمل قوة ضجيج طفلتيه، في البداية مدهما بدريهمات وطلب منها شراء بعض الحلويات من متجر قريب من الإقامة، وعادت الضحيتين بعد ذلك للعب في درج العمارة وكانتا تصعدان وتنزلان، مما أثار غضب الأب، وبدأ يصرخ في وجههما، دون أن تنضبطا له، وعند دخولهما إلى المنزل، قام بإقفال الباب وتوجه مباشرة إلى المطبخ، وحمل في يديه سكينا، وتوجه نحو مريم الطفلة البكر، وسدد لها طعنات قاتلة واحد تلو الأخرى بطريقة هيستيرية، حيث وجه لها طعنات في مختلف أنحاء جسمها، دون أن يرضخ لتوسلات طفلته الصغرى غيثة، حيث وجه لها طعنات قاتلة هي الأخرى، حيث كانت تصرخ وتطلب منه أن لايفعل ذلك وأن يتوقف عن ضرب أختها، ولم يكتفي بالطعنات فقط، بل قام ببقر بطن الطفلتين، حتى خرجت أمعائهما.
وصرح قائلا، أنه بعد أن نال منهما تركهما مضرجتين في الدماء داخل الصالون، وهما تحتضران من شدة ألم الطعنات، وجلس بالقرب منهما، وقام بتغيير ملابسه، ونزع "شورط" ملطخ بالدماء، وجلس بالقرب منهما، وبدأ يدخن السجائر، قبل أن يغادر المنزل وأقفل الباب على الطفلتين اللتان تحولتا إلى جثتين هامدتين غارقتين في دمائهما، وتحول المنزل إلى بركة من الدماء.
حكاية سجائر "كازا" وكؤوس القهوة
بعد مغادرته للمنزل توجه مباشرة إلى مقهى تعود على إرتيادها بشكل مستمر، تقع بجانب مطعم "بام بام" بحي الفرح، تناول هناك قهوته الأولى، وظل هادئا يدخن سجائره، بعد الإنتهاء من شرب القهوة توجه إلى مقهى أخرى مجاور، وتناول كأسا من القهوة وظل هناك حوالي ساعة من الزمن، ليتوجه مباشرة بعد ذلك إلى ولاية أمن فاس، ليسلم نفسه لمصالح الشرطة، بعدما أخبرهم بأنه طعن طفلتيه بواسطة سكين، في البداية لم يصدقه رجال الشرطة إلا بعد توصلهم بمكالمة تفيد بالعثور على جثتي طفلتيه داخل المنزل، حيث وضع رهن الإعتقال الإحتياطي في إنتظار التحقيق معه.
على إثر ذلك توجهت مختلف الأجهزة الأمنية، إلى عين المكان، حيث صدم الجميع لمنظر جثتين ممددتين على الأرض غارقتين في بركة من الدماء وسط صالون المنزل، حيث فتح تحقيق في الموضوع لمعرفة أسباب وحيثيات هذه الجريمة التي هزت في البداية سكان الإقامة الذين لم يصدقوا ما وقع بجوار منازلهم وداخل إقامتهم التي كانت صباح ذلك اليوم تنعم بالهدوء والسكينة قبل أن تتحول إلى ساحة تعج برجال الشرطة من مختلف الرتب ورجال القوات المساعدة والدرك ومختلف الأجهزة الإستخباراتية، حيث تعالت أصوات العويل والبكاء.
نهاية زهرتين في كيس بلاستيكي أسود
وأمرت النيابة العامة بنقل الجثتين إلى مستودع الأموات بالمستشفى الجامعي الحسن الثاني، لإخضاعهما للتشريح الطبي، وحوالي الساعة الثانية زوالا، حضرت سيارة لنقل الأموات، وتم إخراج الجثتين في كيس بلاستيكي أسود، أمام إستغراب ودهشة الجميع، وكانت الأم وأفراد من عائلة الزوجة والأب القاتل، تصرخ وتردد عبارة "هديتهم لك أسيدي ربي".
هذا الأب المزداد سنة 1964 بالمدينة العتيقة، وهو حاصل على دبلوم الدراسات الجامعية العامة في شعبة الفيزياء والكيمياء بكلية العلوم ظهر المهراز، وإنقطع عن الدراسة في مستوى السنة رابعة جامعي سنة 1989، بعدما ظهرت عليه أعراض وإضطرابات نفسية، حيث كان من الطلبة المتفوقين، وكان يتابع علاجا عند أحد الأطباء النفسانيين، كان حسب معارفه شخصا خجولا وإنطوائيا، وغير راض على وضعيته الإجتماعية، لأنه يعمل موظف في إطار الإنعاش الوطني منذ سنة 1993 بعمالة فاس وبالملحقة الإدارية الأدارسة، ويتقاضى أجرة شهرية لاتتجاوز 1300 درهم، دون أن تتم تسوية وضعيته المالية والإدارية لترسيمه في العمل.
منذ أن ظهرت الأعراض الأولى لإصابته بالمرض النفسي، كان يتردد على العديد من العيادات النفسية بفاس والرباط، حيث كان يعاني من التبول اللإرداي والإنطوائية، ولم تفلح معه العلاجات، حيث يأس من الأطباء، وخلال السنوات الأخيرة، أصبح يتردد على مجموعة من المشعوذين وباعة الأعشاب، طمعا في الشفاء من المرض الذي ألم به، وحول حياته إلى جحيم لا يطاق.
ضغط إجتماعي
وخلال الأيام القليلة الماضية كان يعاني من ضغط وتوتر كبيرين، بحيث لم يكن يكلم أي شخص، وكان يشتكي كثيرا من إرتفاع تكاليف العيش وكثرة المصاريف مع نهاية العطلة الصيفية، وإقتراب حلول شهر رمضان والدخول المدرسي، ويرجح أن يكون وضعه الإجتماعي سببا في التخلص من طفلتيه بتلك الطريقة البشعة، لأن زوجته لم تحصل على راتبها الشهري خلال الشهر الحالي، لأنها تعتبر المعيل الرئيسي للأسرة.
وعثر رجال الشرطة على رسالة تحمل إشارات لعدم رضاه على مستقبل بناته، حيث أبدى تخوفا على مصيرهما بعد مماته، مما يرجح فرضية أنه كان يخطط للجريمة من قبل، ومن المنتظر، حسب مصدر أمني، أن يحال على مستشفى إبن الحسن للأمراض النفسية والعقلية لتلقي العلاج، قبل مواصلة التحقيق من طرف قاضي التحقيق بمحكمة الإستئناف بفاس، في إنتظار توصل المصالح القضائية بتقرير الخبرة الطبية على حالته الصحية والنفسية.
تجمع العشرات من المواطنين، داخل إقامة الأدارسة، وهم لا يصدقون أن المسمى "خالد. ت" وهو من قام فعلا بذبح طفلتيه، وتحول فضاء حديقة في طور الإنجاز بوسط الإقامة، إلى مكان للعويل والصراخ، الكل إنخرط في موجة البكاء، وهم يتابعون عملية إستخراج جثتي غيثة ومريم داخل كيسين بلاستيكين والدم ينزف منهما، الأم فقدت أعصابها وإنهارت بشكل كلي، وهي التي ودعتهما ساعة قبل أن يقوم والدهما بنحرهما كما تنحر الشاة، وسمع بعض الجيران صراخ الطفلتين ولم يعتقد أي منهم أن الأب في تلك اللحظة تحول من إنسان هادئ كما هو معروف في محيطه إلى وحش تخلص من كل إنسانيته للقيام بفعلته هاته.
وضربت حراسة مشددة على العمارة التي يوجد بها منزل الأسرة، لمنع المواطنين الذين تجمهروا لمعاينة الجريمة، كما تمت الإستعانة بشاحنة تابعة للوقاية المدنية لغسل بقايا الدماء داخل المنزل، وكان في أحد زوايا الصالون الذي شهد عملية الذبح، بقايا سجائر من نوع "كازا سبور" متناثرة على الأرض، وقلم وولاعة، ولم يبقى من ذكريات الطفلتين، إلا صورتين لهما، ولعب معلقة على جدران بيتهما الصغير.
رواية أم مكلومة
وحسب رواية الأم ل"مذهل"، فقد نهضت كعادتها في الصباح لتهييئ وجبة الفطور لطفلتيها غيثة ومريم، وتركت زوجها نائم، وبعد أن تناولت الوجبة مع طفلتيها غادرتا المنزل من أجل اللعب مع أطفال الجيران بحديقة الإقامة، وبعد ذلك هيأت وجبة فطور ثانية لزوجها الذي كان سيغادر المنزل للعمل بالملحقة الإدارية الأدارسة بجوار منزل الأسرة في حدود الساعة الثانية عشرة زوالا، وغادرت الأم المنزل حوالي العاشرة إلا ربع، متوجهة لحضور مراسيم التحضير لحفل بمنزل الجيران، بعدما طلبت منه أن يرافق الطفلتين إلى منزل شقيقها المقيم بجوار المقاطعة التي يعمل بها.
لكن عندما عادت الأم إلى المنزل بعد الزوال، حيث حاولت الإتصال به عبر الهاتف دون إجابة، وتوجهت إلى مقر عمله ولم تجده، قبل أن تتوصل بمكالمة من زوج شقيقتها وطلب منها الحضور إلى المنزل عاجلا، ولحظة وصولها وجدت المنزل مغلق، وعندما فتحت الباب الخارجي للشقة رقم 5 بالطابق الثاني لعمارة د5 بإقامة الأدارسة قرب سوق النعيم بحي الأدارسة، صدمت ببركة من الدماء وسط المنزل، وعندما تخطت عتبة الباب وجدت الطفلتين غيثة ومريم جثتين هامدتين وسط الدماء، لم تتمالك أعصابها وشرعت في الصراخ بأعلى صوتها، قبل أن تنهار بشكل كلي.
الأم تتذكر والدموع تنهمر من عينيها، اللحظات الأخيرة لوداع طفلتيها في صباح يوم الجريمة، حيث تركتهما بباب المنزل لحظة مغادرتها، وقبلتهما بحرارة وكأنها تودعهما إلى النهاية، ونفت وجود أي خلافات أو مشاكل بينها وبين زوجها، لم تتمكن الأم من إستكمال حديثها بعدما طالبها ضابط شرطة بمرافقته إلى مقر المصلحة الولائية للشرطة القضائية للإستماع لها في القضية.
الأم تتنازل لزوجها القاتل
في البداية إعتقد الجميع أن شخصا آخر ربما يكون وراء عملية الذبح التي تعرضت لهما طفلتين في عمر الزهور، المحققون الذين حضروا لمسرح الجريمة بدورهم وقفوا مندهشين للطريقة التي نفذت بها عملية القتل، والتي وصفها أحدهم بأنه لم يسبق في حياته أن شاهد مثلها، وخاصة أن الأمر يتعلق بطفلتين صغيرتين، قبل أن يضع الأب حدا لهذه التخمينات، عندما سلم نفسه لرجال الشرطة، معترفا بإقترافه قتل الطفلتين.
العائلة والجيران يروون تفاصيل حياة خالد
مقربون من عائلة الزوجة، أكدوا أن خالد مرتكب الجريمة، قضى سنوات جميلة منذ أن تزوج قبل نحو 8 سنوات، من إبنتهم المزدادة سنة 1971، والتي تعمل مديرة مدرسة حرة، وكان كثير التعلق بطفلتيه إلى درجة أنه كان يكره كل شخص لا يعاملهم معاملة حسنة، وفي السنوات الأخيرة، لاحظوا وجود تغيرات على سلوكات وتصرفات زوج إبنتهم، بحيث تحول إلى إنسان إنطوائي وكتوم، قليل الكلام، لا يكشف في يوم من ما على ما يدور بداخله.
رغم الجريمة التي إرتكبها الأب في حق طفلتيه، قال مقربون من الأسرة، أن زوجته تعاطفت معه كثيرا، لأنه تقدر ظروفه النفسية والإجتماعية، وطالبت من عائلة زوجها التوجه إلى الطبيب النفسي الذي كان يتابع حالته، للحصول على ملفه الطبي والوثائق التي تؤكد مرضه، للإدلاء بها أمام الشرطة والعدالة، لتمتيعه بظروف التخفيف، وشاركت الزوجة عائلة زوجها الجو الجنائزي الذي خيم على منزل العائلتين، وهي متشبثة بأن شخصية ثانية بداخل زوجها هي التي نفذت الجريمة بتلك الطريقة، وأفاد مصدر أمني أن الزوجة تنازلت عن متابعة زوجها كطرف مطالب بالحق المدني، وذلك أثناء الإستماع إليها في محضر الضابطة القضائية، وصرحت أنه كان يحب أبنائه بشكل كبير.
أغلب الجيران ممن إلتقيناهم بمسرح الجريمة، لم يلاحظوا أي آثار عدوانية في شخصية جارهم منذ إقامته بجوارهم، فالكل يجمع أنه كان إنسان "داخل سوق راسو" لا يكلم أحد ولا يتعامل كثيرا مع جيرانه، كان يخرج بعض الأحيان لباب العمارة ليدخن السجائر لوحده، لم يناقش في يوم ما مشاكله، أو وضعيته مع الآخرين، وكذلك بالنسبة لزملائه في العمل، الذين أكدوا أنه كان يجلس وحيدا على كرسي داخل المقاطعة التي يعمل بها، ولكنه من خلال حالته كان الجميع يعرف أنه غير راض بتاتا على وضعيته، وعلى الظروف التي يعمل فيها بدون تغطية إجتماعية.
مسار الأب القاتل:
إزداد سنة 1964 بالمدينة القديمة بفاس قبل أن ينتقل للسكن مع عائلته المكونة من ستة إخوة وأخت واحدة، إلى حي السعادة، تابع دراسته الجامعية بعد حصوله على شهادة الباكالوريا، بشعبة الفيزياء والكيمياء بكلية العلوم ظهر المهراز، التي غادرها سنة 1989 من مستوى السنة الرابعة جامعي، على إثر إصابته بمرض نفسي.
سنة 1993 إلتحق بالعمل بولاية فاس، في إطار الإنعاش الوطني، قبل أن يلتحق بالعمل كمحاسب بالمحطة الطرقية، ثم عاد مرة أخرى للعمل بالولاية وهاته المرة في مهمة كاتب بمرآب الولاية، ومنها إنتقل سنة 1996 للعمل كمحرر بمصلحة شواهد السكنى بالملحقة الإدارية الأدارسة في إطار الإنعاش الوطني دون أن يتسفيد من الترسيم وتسوية وضعيته رغم قضاءه أزيد من 16 سنة من العمل مع وزارة الداخلية.
تزوج من السيدة "خديجة. أ" سنة 2001 وأنجب منها طفلتين هما غيثة ذات 3 سنوات، ومريم ذات ست سنوات و8 أشهر، ويقيم بإقامة الأدارسة قرب مقر عمله، ويكتري المنزل الذي يقيم به بمبلغ 1300 درهم شهريا.