أتركن المنتدى .. وقمن إلى جنة عرضها السماوات والأرض

الملتقى العام

الحمد لله الذي جعل الصلاة راحة للمؤمنين، ومفزعاً للخائفين، ونوراً للمستوحشين، والصلاة والسلام على إمام المصلين المتهجدين، وسيد الراكعين والساجدين، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين... أما بعد:

فإن قيام الليل هو دأب الصالحين، وتجارة المؤمنين، وعمل الفائزين، ففي الليل يخلو المؤمنون بربهم، ويتوجهون إلى خالقهم وبارئهم، فيشكون إليه أحوالهم، ويسألونه من فضله، فنفوسهم قائمة بين يدي خالقها، عاكفة على مناجاة بارئها، تتنسم من تلك النفحات، وتقتبس من أنوار تلك القربات، وترغب وتتضرع إلى عظيم العطايا والهبات.


ثمرات قيام الليل:
من ثمراته: دعوة تُستجاب.. وذنب يُغفر.. ومسألة تُقضى.. وزيادة في الإيمان والتلذذ بالخشوع للرحمن.. وتحصيل للسكينة.. ونيل الطمأنينة.. واكتساب الحسنات.. ورفعة الدرجات.. والظفر بالنضارة والحلاوة والمهابة.. وطرد الأدواء من الجسد.

فمن منَّا مستغن عن مغفرة الله وفضله؟! ومن منَّا لا تضطره الحاجة؟! ومن منَّا يزهد في تلك الثمرات والفضائل التي ينالها القائم في ظلمات الليل لله؟!


فيا ذات الحاجة
ها هو الله جلَّ وعلا ينزل إلى السماء الدنيا كل ليلة.. يقترب منا.. ويعرض علينا رحمته واستجابته.. وعطفه ومودته.. وينادينا نداء حنوناً مشفقاً: هل من مكروب فيفرج عنه.. فأين نحن من هذا العرض السخي!

قومي أيتها المكروبة.. في ثلث الليل الأخير.. وقولي: لبيك وسعديك.. أنا يا مولاي المكروبةُ وفرجك دوائي.. وأنا المهمومة وكشفك سنائي.. وأنا الفقيرة وعطاؤك غنائي.. وأنا الموجوعة وشفاؤك رجائي..

قومي.. وأحسني الوضوء.. ثم أقيمي ركعات خاشعة.. أظهري فيها لله ذلَّكِ واستكانتكِ له.. وأطلعيه على نية الخير والرجاء في قلبك.. فلا تدعي في سويدائه شوب إصرار.. ولا تبيتي فيه سوء نية.. ثم تضرَّعي وابتهلي إلى ربكِ شاكيةً إليه كربك.. راجيةً منه الفرج.. وتيقَّني أنكِ موعودة بالاستجابة.. فلا تعجلي ولا تَدَعي الإنابة.. فإنَّ الله قد وعدكِ إن دعوته أجابك، فقال سبحانه: )أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ..( ثم وعدك أنَّه أقرب إليكِ في الثلث الأخير، فتمَّ ذلك وعدان، والله جلَّ وعلا لا يخلف الميعاد.

أتهـــــزأ بالدعــاء وتزدريه

ولا تدري ما صنع الدعاء
سهام الليل لا تخطيء ولكن

لها أمـــد وللأمـــد انقضاء

قومي يا ذات الحاجة.. ولا تستكبري عن السؤال.. فقد دعاكِ مولاك إلى التعبد له بالدعاء فقال سبحانه: ) وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ..(.. وخير وقت تسألينه فيه هو ثلث الليل الأخير.

قومي.. ولا تيأسي مهما اشتدَّ اضطراركِ.. فربَّكِ قدير لا يعجزه شيء، وإنَّما أمره إذا قضى شيئاً أن يقول له كن فيكون.. وتذكري أنَّ الله سبحانه من جميل رحمته قد حرَّم عليكِ سوء الظن به، كما حرَّم عليكِ اليأس من رحمته، فقال سبحانه: )إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ(.

قومي.. وأحسني الظن بربكِ.. وتحنني إليه بجميل أوصافه.. وسعة رحمته.. وجميل عفوه.. وعظيم عطفه ورأفته.. فحاجتكِ ستقضى.. وكربكِ سيزول.. وليلك سيفجر.. فلا تيأسي واطلبي في محاريب القيام الفرج!

ويا صاحبة الذنب
قد جاءتكِ فرصة الغفران.. تعرض كل ليلة.. بل هي أمامكِ كل حين، ولكنها في الثلث الأخير أقرب إلى الظفر والنيل.

فعن أبي موسى بن قيس الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها" (رواه مسلم).

وقد تقدم في الحديث أنَّ الله جلَّ وعلا ينزل في الثلث الأخير من الليل إلى سماء الدنيا فيقول: "من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له" (رواه البخاري ومسلم).

ويد الله سبحانه مبسوطة للمستغفرين بالليل والنهار.. ولكن استغفار الليل يفضل استغفار النهار بفضيلة الوقت وبركة السحر؛ ولذلك مدح الله جلّ وعلا المستغفرين بالليل فقال سبحانه: {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ..}.

وذلك لأنَّ الاستغفار بالسحر فيه من المشقة ما يكون سبباً لتعظيم الله له.. وفيه من عنت ترك الفراش ولذاذة النوم والنعاس ما يجعله أولى بالاستجابة والقبول.. لا سيما مع مناسبة نزول المولى جلَّ وعلا إلى سماء الدنيا وقربه من المستغفرين.. فلا شكَّ أنَّ لهذا النزول بركة تفيض على دعوات السائلين وتوبة المستغفرين وابتهالات المبتهلين.

فيا من أسرفت على نفسها بالذنوب.. حتى ضاقت بها نفسها.. وشقّ عليها طلب العفو والغفران؛ لما تراه من نفسها في نفسها من عظيم العيوب.. وكبائر السيئات.. قومي لربكِ في ركعتين خاشعتين.. فقد عرض عليكِ بهما الغفران.. فقال لك: "من يستغفرني فأغفر له".

قومي.. واهمسي في سجودكِ بخضوع وخشوع تقولي: "أستغفرك اللهمَّ وأتوب إليك.. ربَّ اغفر لي وارحمني وأنت خير الراحمين.. لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين.. اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرةً من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم".

ويا صاحبة النعمة
أقبلي على ربكِ بالليل وأديِّ حقّ الشكر له، فإنَّ قيام الليل أنسب أوقات الشكر، وهل الشكر إلا حفظ النعمة وزيادتها؟!

تأمَّلي في رسول الله، لمَّا قام حتى تفطَّرت قدماه، فقيل له: يا رسول الله، أما غفر الله لك ما تقدَّم من ذنبك وما تأخَّر؟ قال: "أفلا أكون عبداً شكوراً" (رواه البخاري).

ففي هذا الحديث دلالة قوية على أنَّ قيام الليل من أعظم وسائل الشكر على النعم.. ومن منَّا لم ينعم الله عليه؟! فنعمه سبحانه تلوح في الآفاق.. وتظهر علينا في كل صغيرة وكبيرة؛ في رزقنا وعافيتنا وأولادنا وحياتنا بكلّ مفرداتها، وما خفي علينا أكثر وأكثر.. ولذلك فإنَّ حق شكرها واجب علينا لزاماً في كل وقت وحين، وأحقّ الناس بالزيادة في النعمة هم أهل الشكر.. وأنسب أوقات الشكر حينما يقترب المنعم وينزل إلى السماء الدنيا.. ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلل قيامه ويقول: "أفلا أكون عبداً شكوراً". أي: أفلا أشكر الله عزَّ وجلَّ.

فقومي ـ أختي ـ ليلك.. بنية ذكر الله.. ونية الاستغفار.. ونية الشكر.. تبسط لكِ النعم.. ويبارك لك في مالك وعافيتك وأهلك وولدك وبيتك وشأنك كله.

ما يعينك على القيام:أولاً: الإقلال من الطعام: فإنَّ كثرة الطعام مجلبة للنوم، ولا يخف قيام الليل إلا على من قلَّ طعامه، ولقد بيَّن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدود الشبع وآدابه، فقال: "ما ملأ آدمي وعاء شراً من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لا محاولة فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه" (رواه أحمد والترمذي، وهو في صحيح الجامع برقم: 5550).

قال عبد الواحد بن زيد: "من قوي على بطنه قوي على دينه، ومن قوي على بطنه قوي على الأخلاق الصالحة، ومن لم يعرف مضرَّته في دينه من قبل بطنه فذاك رجل من العابدين أعمى".

وقال وهب بن منبه: "ليس من بني آدم أحبّ إلى الشيطان من الأكول النوَّام".

وقال سفيان الثوري: "عليكم بقلة الأكل تملكوا قيام الليل".

وجدت الجوع يطرده رغيف

وملء الكفء من ماء الفرات

وقِلُّ الطُّعْمِ عـــــون للمصلي

وكثر الطعم عون للسُّــــــبات

ثانياً: الاستعانة بالقيلولة: فإنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وجَّه إلى الاستعانة بها ومخالفة الشياطين بها، فقالوا: "قيلوا فإن الشياطين لا تقيل" (رواه الطبراني وهو في السلسلة الصحيحة برقم: 2647).

ومرَّ الحسن بقوم في السوق فرأى صخبهم ولغطهم، فقال: أما يقيل هؤلاء؟ قالوا: لا، قال: "إني لأرى ليلهم ليل سوء".

وقال إسحاق بن عبدالله بن أبي فروة: "القائلة من عمل أهل الخير، وهي مجمَّة للفؤاد، مقواة على قيام الليل".

ثالثاً: الاقتصاد في الكدّ نهاراً: والمقصود به عدم إتعاب النفس بما لا ضرورة منه، ولا مصلحة راجحة، كفضول الأعمال والأقوال ونحوها، أمَّا ما يستوجبه الكسب والحياة من الضروريات، ولا غنى للمرء عن الكد لأجله؛ فيقتصد فيه بحسب ما تتحقق به المصالح.

رابعاً: اجتناب المعاصي وتركها: فالمعصية تقعس عن الطاعة، وتوجب التشاغل عن العبادات، وتحرم المؤمن التوفيق إلى النوافل والفضائل، ولذلك تواتر عن السلف القول بأنَّ المعاصي تحرم العبد من القيام.

قال رجل للحسن البصري: يا أبا سعيد: إني أبيت معافى، وأحبّ قيام الليل، وأعد طهوري، فما بالي لا أقوم؟ فقال: "ذنوبك قيدتك".

وقال الثوري: "حرمت قيام الليل خمسة أشهر بذنب أذنبته". قيل: وماهو؟ قال: رأيت رجلاً يبكي، فقلت في نفسي: "هذا مُراء".

وقال رجل لإبراهيم بن أدهم: إني لا أقدر على قيام الليل فصف لي دواء؟ قال:" لا تعصه بالنهار، وهو يقيمك بين يديه بالليل، فإنَّ وقوفك بين يديه في الليل من أعظم الشرف، والعاصي لا يستحق ذلك الشرف".

خامساً: سلامة القلب عن الأحقاد على المسلمين ومن البدع وفضول هموم الدنيا، فإنَّ ذلك يشغل القلب ويضغط عليه فلا يكاد يهتم بشيء سواه.

سادساً: خوف غالب يلزم القلب مع قصر الأمل، فإنَّه إذا تفكَّر أهوال الآخرة ودركات جهنَّم طار نومه وعظم حذره.

سابعاً: الوقوف على فضائل القيام وثمراته فإنَّها تهيج الشوق وتعلي الهمة وتحيي في النفس الطمع في رضوان الله وثوابه، وقد تقدَّم ذكر أهمها.

ثامناً: وهو أشرف البواعث: حبَّ الله وقوة الإيمان؛ لأنَّه في قيامه لا يتكلم بحرف إلا وهو مناج به ربه ومطلع عليه، مع مشاهدة ما يخطر بقلبه، وأنَّ تلك الخطرات من الله تعالى خطاب معه، فإذا أحببت الله تعالى أحبّ لا محالة الخلوة به وتلذذ بالمناجاة؛ فتحمله لذة المناجاة للحبيب على طول القيام.

7
585

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

حسافة
حسافة
جــــــــزاك الله الفردوس الأعـــــلى..:):26:
~بنت السلاطين~
جزاك الله خير يالحبيبه
امي00 حبيبتي
امي00 حبيبتي
جزاك الله خير
السندريللللا
السندريللللا
هيا يا بنات .. المولى سبحانه وتعالى فى السماء الدنيا الآن .. هيا إلى القيام والدعاء والإستغفار , هيا إلى جنة عرضها السماوات والأرض..

يا من تشتري الدار الفردوس تعمرها .. بركعة فى ظلام الليل تحييها .
السندريللللا
السندريللللا
جــــــــزاك الله الفردوس الأعـــــلى..:):26:
جــــــــزاك الله الفردوس الأعـــــلى..:):26:
جزاني وإياكي وكل المؤمنين والمؤمنات ,, اللهم إستجب

لقد إشتقت لرسول الله

اللهم إنك حرمتني منه فى الدنيا .. فلا تحرمني منه فى الآخرة

اللهم إجمعني به فى الفردوس الأعلى

اللهم آمين .. اللهم أمين .. اللهم آمين