أثار الذنوب والمعاصي

ملتقى الإيمان

الحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى أله وصحبه ومن اقتفى أثره واستنى بسنته.
أما بعد: فمن آثار وعقوبة الذنوب: أنه يسترق من القلب استقباحُ المعصية فتصير له عادة، فلا يستقبح من نفسه رؤية الناس له، ولا كلامهم فيه؛ وهذا عند أرباب الفسوق هو غاية التفكه وتمام اللذة، حتى يَفْتَخِرَ أحدهم بالمعصية، ويحدث بها من لم يكن يعلم أنه عملها، فيقول يا فلان عملت كذا وكذا وهذا الضرب من الناس لا يعافون، وتسد عليهم طريق التوبة، وتغلق عنهم أبوابها في الغالب، كما في الحديث عن رسول الله  أنه قال:" كل أمتى معافىً إلا المجاهرون".
ومنها أن المعصية تورث الذل ولا بد، فإن العِزَّ كُلَّ العِزِّ: في طاعة رب العالمين قال الله جل وعلا: من كان يريد العزة فالله العزة جميعا أي: فليطلبها في طاعة الله. الله أكبر!!! أبى الله إلا أن يذل من عصاه.
من آثار الذنوب والمعاصي: أنها تحدث في الأرض أنواعا من الفساد في المياه والهواء، والزروع والثمار والمساكن، قال الله جل وعلا : ظهر الفساد في البَر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون قال الإمام بن القيم رحمه الله:" والظاهر والله أعلم أن الفساد المراد به الذنوب وموجباتها ويدل عليه قوله تعالى: ليذيقهم بعض الذي عملوا فهذا حالنا وإنما أذاقنا الشيء اليسير من أعمالنا فلو أذاقنا كل أعمالنا لماترك على ظهرها من دابة " انتهى كلامه رحمه الله وغفر له.
ومن آثار الذنوب والمعاصي: حرمان الطاعة فلو لم يكن للذنب عقوبة إلا أنه يصد عن طاعة تكون بدلا، ويقطع طريق طاعة أخرى فينقطع عليه طريق ثالثة ثم رابعة ثم هلم جرا...! فينقطع عليه بالذنب طاعات كثيرة، كل واحدة منها خير له من الدنيا وما عليها .
ومنها أن المعاصيَ تزرع أمثالها، ويُوَلِدُ بعضُها بعضًا، حتى يصعب على العبد مفارقتُها والخروجُ منها، كما قال بعض السلف:" إنَّ من عقوبة السيئةِ السيئةَ بعدها، وإنَّ من ثواب الحسنةِ الحسنةَ بعدها ".
فلو عطل المحسن الطاعة لضاقت عليه نفسه، وضاقت عليه الأرض بما رحبت، وأحس من نفسه بأنه كالحوت إذا فارق الماء، حتى يعاودها فتسكن نفسه وتقر عينه، ولو عطل المذنب المعصية وأقبل على الطاعة لضاقت عليه نفسه، وضاق صدره، وأعيت عليه مذاهبه، حتى يعاود المعصية !!، حتى إن كثيرا من الفساق ليواقع المعصية من غير لذة يجدها ولا داعية إليها، إلا لما يجد من الألم في مفارقتها كما قال بعضهم :
وكأسٍ شربت على لذة ******** وأخرى تداويت منها بها.
ومن عقوبة المعاصي- وهو من أخوفها على العبد-: أن الذنوب تُضعف القلب عن إرادته، فتقوى فيه إرادة المعصية، وتضعف إرادة التوبة شيئا فشيئا، إلى أن تنسلخ من قلبه إرادة التوبة بالكلية؛ فلو مات نصفه لما تاب إلى الله جل وعلا !!، وقد يأتي بالإستغفار والندم وتوبة الكذابين باللسان، لكن قلبه متعلق بالمعصية، مصر عليها، عازم على مواقعتها متى أمكنه، وهذا من أعظم الأمراض وأقربها إلى الهلاك. - نسأل الله السلامة والعافية -.
ومن عقوباتها أنها تضعف في القلب تعظيم الرب جل جلاله، وتضعف وقاره في قلب العبد ولا بد؛ شاء ذلك أم أبى، ولو تمكن وقار الله وعظمته في قلب العبد، لما تجرأ على معاصيه، وربما اغتر المغتر وقال: إنما يحملني على المعاصي حسن الرجاء وتضاعيفِ عفوه! لا ضعف عظمته في قلبي، فهذا من مغالطة النفس؛ وإن عظمة الله جل وعلا وإجلالَهُ في قلب العبد، يقتضي تعظيم حرماته، وتعظيم حرماته يحول بينه وبين الذنوب، والمتجرؤون على معاصيه ماقدروه حق قدره، كيف يقدره حق قدره، أو يعظمه، أو يرجو وقاره ويجله، من يهون عليه أمره ونهيه، إن هذا لمن أبين الباطل، وكفى بالعاصي عقوبة أن يظمحل من قلبه تعظيم الله جل جلاله، وتعظيم حرماته ويهونَ عليه حقه.
ومن عقوبة هذا: أن يرفع الله مهابته من قلوب الخلق، فيهون عليهم ويستخفون به؛ كما هان عليه أمر الله واستخف به؛ فعلى قدر محبة العبدِ لله يحبه الناس، وعلى قدر خوفه من الجبار يخافه الناس، وعلى قدر تعظيمه لربه وحرماته يعظم الناس حرماته.
الله أكبر كيف ينتهك عبد حرمات الله ويطمعُ أن لا ينتهك الناس حرماته!؟ أم كيف يستخف بمعاصي الله ولا يستخف به الخلق .
ومن عقوباتها: أنها تضعف سير القلب إلى الله والدار الآخر، وتعوقه وتوقفه عن السير فلا تدعه يخطو إلى الله خَطْوة، هذا إن لم ترده عن وجهته إلى وراءه،والذنب يحجب الواصل، ويقطع السائر، والقلب إنما يسير إلى الله بقوته، فإذا مرض بالذنوب ضعفت تلك القوة التي تُسَيِرُهُ، فإن زالت بالكلية انقطع عن الله انقطاعا يبعد تداركه. فالله المستعان.
ومن عقوبات الذنوب والمعاصي: أنها تزيل النعم وتُحِلُ النقم، فما زالت عن العبد نعمة إلا بسبب ذنب، ولاحلت به نقمة إلا بذنب، كما قال علي :" ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رُفع إلا بتوبة "؛ قال الله جل وعلا: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ  . ألا فاعلموا أنَّا في نعمة عظيمة، نعمة التوحيد والسنة والإجتماع وظهور الدعوة السلفية - دعوة الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب- فلا تبدلوا نعمة الله كفرا؛ ولا تغرنكم الأفكار المستوردة المشبوهة؛ وإن زخرفها المبطلون، فإنكم على دين قيم وصراط مستقيم؛ واحذروا المعاصي فإنها تُجَرِئُ أهل البدع علينا، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
74
6K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

طعم الايمان
طعم الايمان
رفع
@الفقيره لله@
@الفقيره لله@
الله يجزاك خير
طعم الايمان
طعم الايمان
رفع
العدنانيه
العدنانيه
جزاك الله خير
متجر ضي القمر
متجر ضي القمر
جزاك الله خير