أثر التربية افي أمن المجتمع الإسلامي (20)

ملتقى الإيمان

أثر التربية الإسلامية في أمن المجتمع الإسلامي(20)
تابع للعلم باليوم الآخر
وإن الذي يطلب من الناس أن يحققوا الأمن في الدنيا، ولم يربهم على الإيمان باليوم الآخر، ولا على السعي في أسباب الأمن من أهواله، إن الذي يطلب من الناس تحقيق الأمن على هذه الصفة، مهما بلغ من القوة المادية يعد كراقم على الماء، بل لا يصدق في دعواه ورغبته في أمن الناس، لعدم سعيه حقاً في تحقيق الأمن باتخاذ وسائله المحققة له، فهو يدعي أنه يريد تحقيق مصالحهم وحمايتهم من الخوف والقلق في الدنيا، ولكنه لا يقيم على دعواه ما يصدقها بحمايتهم من الخوف الحقيقي الذي سيلاقونه يوم الدين، والحماية من هذا الخوف هي حماية من خوف الدنيا لو كانوا يعقلون.
فالساعي لتحقيق الأمن في الآخرة هو الساعي للأمن الحقيقي، وهو الذي يأمنه الناس في الدنيا على دمائهم وأعراضهم وأموالهم، وهو الذي يستحق البشرى بالأمن الذي اجتهد في تحقيقه عندما ينتقل من الدنيا إلى الآخرة، كما قال تعالى: )إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون، نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون، نزلا من غفور رحيم، ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين( .
وهل يتحقق الأمن الحق إلا لمن كان الله وليه في الدنيا والآخرة؟
وقد تطابق الكتاب والسنة على أن التربية باليوم الآخر تحقق الأمن، لذلك تجد تحريم الاعتداء مقروناً بجزاء اليوم الآخر وعقابه، كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء منه، فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه)) .
وفي حديث أبي هريرة – أيضاً – رضي الله عنه، قال: قال رسول الله عليه وسلم: ((أتدرون من المفلس؟)) قالوا: المفلس من لا درهم له ولا متاع، فقال: ((إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يُقْضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار)) .
وفي حديث سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من اقتطع شبراً من الأرض ظلماً طوقه الله إياه يوم القيامة من سبع أراضين)) .
وفي حديث عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لكل غادر لواء يوم القيامة، يقال: "هذه غدرة فلان")) .
وفي حديث ابن عمر رضي الله عنهما، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الغادر ينصب الله له لواء يوم القيامة فيقال: ألا هذه غدرة فلان)) .
ترى هل يقدم الذي تربى على الإيمان باليوم الآخر وعلمه حق العلم على الغدر بالناس وأخذ حقوقهم وسفك دمائهم، حتى لو خلا عن أعين الناس، وهو يعلم أن غدره سيشهر أمام الأشهاد يوم الدين، ينصب له لواء وينادى باسمه، ويقال: هذه غدرة فلان؟.
إن المالك الحق – مالك يوم الدين – يقتص للسيد من مملوكيه، كما يقتص لمملوكيه منه سواء بسواء، بلا ظلم ولا محاباة، كما يفعل ذلك كثيرٌ من ملوك الأرض، يحابون القوي ويظلمون الضعيف.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: جاء رجل فقعد بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله إن لي مملوكين يكذبونني، ويخوّفونني ويعصونني، وأشتمهم وأضربهم، فكيف أنا فيهم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا كان يوم القيامة يحسب ما خانوك وعصوك وكذبوك، وعقابك إيّاهم، فإن كان عقابك إيّاهم بقدر ذنوبهم كان كفافاً لا لك ولا عليك، وإن كان عقابك إيّاهم دون ذنوبهم، كان فضلاً لك، وإن كان عقابك إياهم فوق ذنوبهم اقتص لهم منك الفضل)) فتنحى الرجل، وجعل يهتف ويبكي، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أما تقرأ قوله تعالى: )ونضع الموازين القسط ليوم القيامة، فلا تظلم نفس شيئاً وإن كان مثقال خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين( .
فقال الرجل: يا رسول الله، ما أجد لي ولهؤلاء شيئاً خيراً من مفارقتهم. أشهدك أنهم كلهم أحرار)) [الترمذي (5/320-321) وقال: هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث عبد الرحمن ابن غزوان، وقد روى ابن حنبل عن عبد الرحمن بن غزوان هذا الحديث.
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأمر بعتقهم، وإنما أجابه على سؤاله بأن العدل الإلهي يقتضي أن يحاسب هو على ما جنى، وأن يحاسبوا هم على ما جنوا، ويقتص للمظلوم من ظالمه، ولمّا كان إيمان هذا السائل باليوم الآخر وبالحساب العادل فيه إيماناً متيقناً، وزاده جواب الرسول صلى الله عليه وسلم علماً به وبالعدل الإلهي فيه، خاف على نفسه لأنه هو السيد، وخصماؤه هم العبيد، والسيد أقوى من عبده في الدنيا، وقد يكون ظلمه لهم أكثر من ظلمهم له، فما وحد مخلصاً لنفسه من ذلك إلا مفارقتهم بعتقهم، ليكسب بذلك أمرين:
الأمر الأول: وقاية نفسه من مزيد الإثم بظلمهم ماداموا بين يديه.
الأمر الثاني: كسب الأجر بعتقهم الذي قد يغفر الله له ذنوبه التي اقترفها معهم ويبقى له المزيد من الثواب.
0
470

هذا الموضوع مغلق.

خليك أول من تشارك برأيها   💁🏻‍♀️