أثر التربية الإسلامية في أمن المجتمع الإسلامي (63)
الفرع الثالث: عدم جواز عضلها إذا طلبها الكفء.
ولا يجوز للولي أن يمنع المرأة من الزواج، إذا كان الزوج المتقدم كفؤاً لها، وهي راضية به، سواء أكان متقدماً لها ابتداء ـ أي لم يسبق له أن تزوجها، أم كان زوجاً لها فطلقها، وأراد خطبتها بعد انقضاء عدتها، وقد نهى الله سبحانه وتعالى عن عضلها نهياً صريحاً.
قال تعالى: (( وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ )) .
وقال سبحانه وتعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ.. )) .
قال القرطبي رحمه الله على قوله: (( فَلا تَعْضُلُوهُنَّ )):
"روى معقل بن يسار كانت أخته تحت أبي البداح، فطلقها وتركها حتى انقضت عدتها، ثم ندم فخطبها، فرضيت وأبى أخوها أن يزوجها، وقال: وجهي من وجهك حرام إن تزوجتيه، فنزلت الآية، قال مقاتل: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم معقلاً، فقال: ( إن كنت مؤمناً فلا تمنع أختك من أبي البداح ) فقال: آمنت بالله وزوجها منه، وروى البخاري عن الحسن أن أخت معقل بن يسار طلقها زوجها حتى انقضت عدتها، فخطبها، فأبى معقل فنزلت: ((فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ )) .
وقالت عائشة، رضي الله عنها في قوله تعالى: (( وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ )) إلى آخر الآية، قالت:
هي اليتيمة تكون في حجر الرجل قد شركته في ماله، فيرغب عنها أن يتزوجها، ويكره أن يزوجها غيره، فيدخل عليه في ماله، فيحبسها، فنهاهم الله عن ذلك. .
فالواجب تزويج المرأة إذا خطبها الكفء وعدم عضلها بسبب مال أو منصب ونحوهما، ولا يتسع المقام هنا للحديث عن الكفاءة، ولكن الكفاءة في الدين هي الدعامة الأولى. .
وبما تضمنه هذا الفرع تأمن المرأة من منعها بالزواج من الكفء الذي ترضاه، كما أنها بما تضمنه الفرع الأول تأمن من إكراهها على الزواج بمن لا ترضاه.
الفرع الرابع: أن لا يقدم الخاطب على الزواج بها إلا بعد التحقق من رغبته فيها.
لئلا تفاجأ بعد الزواج بكرهها، فتعيش معه حياة غير مرضية، وقد يصل به الأمر إلى فراقها، وفي ذلك إساءة إليها، وإدخال الحزن إلى قلبها، وحرمانها من حياة تاقت لها في مقتبل عمرها، ولأن المقصود من الزواج هو دوام العشرة واستمرارها.
ولهذا شرع أن يخطبها وينظر إليها قبل الزواج، ليرى إن كانت تعجبه، ويقدم على الزواج بها، وإن كانت لا تعجبه تركها ليرزقها الله غيره ويرزقه غيرها.
وقد نظر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى التي وهبت له نفسها، فلم تعجبه، فتركها بأسلوب مناسب.
كما في حديث سهل بن سعد، رضي الله عنه:
"أن امرأة جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، جئت لأهب لك نفسي، فنظر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصعد النظر إليها وصوبه، ثم طأطأ رأسه، فلما رأت أنه لم يقض فيها شيئاً جلست..." .
وفي حديث أبي هريرة، رضي الله عنه، قال:
"كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم، فأتاه رجل، فأخبره أنه تزوج امرأة من الأنصار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أنظرت إليها؟ ) قال: لا، قال: ( فاذهب فانظر إليها فإن في عيون الأنصار شيئاً ) .
فقد ثبت هذا الحكم من فعله صلى الله عليه وسلم ومن قوله، وقد يظهر بادئ ذي بدء أن هذا الأمر من حقوق الزوج، والواقع أن للزوجة حقاً كبيراً فيه، كما ذكرت.
وفي حديث أبي هريرة هذا تنبيه من الرسول صلى الله عليه وسلم للرجل، أن ينظر إلى ما يخشى أن يكون سبباً في كرهه للمرأة إذا تزوجها ولم يره من قبل، لقوله: ( فإن في عيون الأنصار شيئاً ).
لأن من المصلحة رؤية العين قبل الزواج، حتى يتزوجها وهو راضٍ بما فيها من عيب أو يدعها، بخلاف ما إذا فوجئ به بعد الزواج، فإن مفسدة ذلك أكبر من مفسدة تركها قبل الزواج.
وهذا الفرع يتضمن أمن الرجل والمرأة معاً، من الزواج الذي قد يفاجأ أحدهما بعيب أو عيوب خلقية في الآخر، لم يرها قبل الزواج، فيندم وقد يترتب على ذلك عدم استمرار الحياة الزوجية بينهما.
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
هبه عبد العظيم
•
شكرا جزيلا الله كريم
الصفحة الأخيرة