أثر التربية الإسلامية في أمن المجتمع الإسلامي(34)
المثال الرابع من النماذج التطبيقية لأثر التربية الإسلامية:
رفض الإغراء واحتمال المكاره رغبة فيما عند الله وخوفاً من عقابه
كما في حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده رضي الله عنهما، قال: كان رجل يقال له مرثد بن أبي مرثد، وكان رجلا يحمل الأسرى من مكة حتى يأتي بهم المدينة: قال: وكانت امرأة بغي بمكة يقال لها عناق، وكانت صديقة له، وإنه كان وعد رجلا من أسارى مكة يحمله، قال: فجئت حتى انتهيت إلى ظل حائط من حوائط مكة في ليلة مقمرة، قال: فجاءت عناق فأبصرت سواد ظلي بجنب الحائط، فلما انتهت إلَيَّ عرفتني فقالت: مرثد؟ فقلت: مرثد، فقالت: مرحبا وأهلا، هلم فبت عندنا الليلة، قال: قلت: يا عناق حرم الله الزنا، قالت: يا أهل الخيام هذا الرجل يحمل أسراكم. قال فتبعني ثمانية وسلكت الخندمة فانتهيت إلى كهف، فدخلت فجاءوا حتى قاموا على رأسي، فبالوا فطل بولهم على رأسي وأعماهم الله عني، قال: ثم رجعوا ورجعت إلى صاحبي، فحملته وكان رجلا ثقيلا حتى انتهيت إلى الإذخر، ففككت عنه أكباله، فجعلت أحمله ويعينني حتى قدمت المدينة، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت يا رسول الله أنكح عناقا؟ فأمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يرد علي شيئا حتى نزلت (الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك ) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا مرثد (الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك ) فلا تنكحها " .
لقد حمل مرثداً رضي الله عنه إيمانُه وتربيته الإسلامية على إنقاذ إخوانه المسلمين من الأسر، وتأمينهم، فكان يقطع المسافات الطويلة بين مكة والمدينة ذاهبا وآئباً: يحمل الأسير وهو مكبل بالقيود، حتى يخرجه من مكة، فيفك قيوده ويعينه حتى يصل مأمنه بين إخوانه المسلمين بالمدينة.
وجد مرثد تلك البغي التي كان له معها علاقة في الجاهلية، وهو في وقت حرج يخاف على نفسه من أن يكتشف من قبل قريش الذين كان يأخذ أسراهم خفية منهم، فدعته تلك البغي إلى الرواح معها والنزول في بيتها وهو يتدسس، فلم يتردد في أن يذكر لها حكم الله في تلك العلاقة السيئة، وهو يعرض بذلك نفسه للخطر، لأنها كانت، كما يبدوا من سياق الحديث تعرف حمله الأسرى، وهو يعلم أنها ستؤلب عليه إن لم يستجب لها، ولذلك صاحت بالناس محرشة عليه، فتبعوه .. ونجّاه الله منهم، فرجع لتنفيذ أمره.
والذي يظهر من استئذان مرثد النبي صلى الله عليه وسلم في الزواج من عناق أنه كان يحبها، وكانت نفسه البشرية تتوق إليها، ولكنه صبر عنها رافضاً الإغراء، ومتحملاً الأخطار في ذات الله عز وجل، وتلك هي التربية الإسلامية العظيمة.
ويشبه ذلك رفض العبيد الضعفاء أوامر السادة الأقوياء التي فيها معصية
لله تعالى، بل إن هذا لأشد، لأن للسيد سلطة على عبده، والعبد مضطر إلى مخالطة سيده والبقاء عنده متعرضاً لأذاه كل حين، كما في قصة عبد الله بن أبيّ بن سلول مع جاريته ومحاولته إكراهها على البغاء ورفضها أمره:
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: كان عبد الله بن أبيّ ابن سلول يقول لجارية له: اذهبي فابغينا شيئاً، قال: فأنزل الله عزّ وجلّ: (ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصناً لتبتغوا عرض الحياة الدنيا ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفورٌ رحيم ) وفي رواية: إن جارية لعبد الله بن أبيّ يقال لها مسيكة. وأخرى يقال لها أميمة، كان يريدهما على الزنا، فشكتا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله عز وجل: (ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء) - إلى قوله - (غفور رحيم) .
يحاول المجرمون نشر الإجرام بكل الوسائل المتاحة لهم، كما أراد ابن أبيّ ذلك لجواريه، لأنه يملكهن، ولكن التربية الإسلامية تقف لهم بالمرصاد، فيقف الضعيف طبْعاً، القوي إيماناً، ضد رغبة القوي طبعاً الضعيف إيماناً.
ولو أن المسلمين في كل زمان رُبُّوا هذه التربية الإيمانية لما قدر دعاة الفساد وناشروه وإن كانوا أقوياء أن يشيعوا فيهم الفاحشة والمنكر.
ولو أتيح للمجرمين والمنحلين ومحبي الفاحشة أن يربوا على الإيمان بالتربية الإسلامية لتابوا إلى الله ورفضوا كل فحشاء ومنكر.
هذا الموضوع مغلق.
خليك أول من تشارك برأيها 💁🏻♀️