"الحلقة الثانية عشر"
جائني رد صديقي بعد حوالي أسبوع ظللت خلال تلك المدة متشوقاً ملتهب الظلوع..
قابلني صاحبي في المدرسة وقال أبشر بما يسرك..
وهنا احتبست أنفاسي فرحاً وخوفاً وإن كانت موجات الخوف والتوجس استطاعت أن تطوي موجات الفرح بداخلها فاختفت أو كادت ...
حاولت استعادة رباطة جأشي سريعا وتمالكت قائلاً:ما هي البشارة بشرك الله بالجنة؟
قال :الجماعة موافقين وموعد الرؤية بعد يومين
فقلت:الله يبشرك بالخير وبدأت على الفور أسترد ذكريات الماضي القريب وأنظر بشيء من الوجل والخوف للمستقبل المهيب
افترقت عن صديقي ولكن الخوف لم يفارقني وظل القلق يصحبني حتى وصولي إلى المنزل..
طبعا الحاسة السادسة التي شرحنا طرفا من سيرتها سابقا بدأت تعمل كالعادة لدى زوجتي الأولى
هذه الحاسة تزيد قدرتها على الكشف والاستنتاج كلما زاد القلق والخوف والتوتر لدى سعادتي الذي كم حاولت جاهدا أن أبدو طبيعيا ولكن دون فائدة
وحين ألحت علي بكثرة الأسئلة ذكرت بأن هناك ضغوطا في العمل من المدير ووكيله
لم تبتلع زوجتي تلك التبريرات وأما أنا فقد بدأت أتهيأ نفسيا للقاء الموعود..
وجاء اللقاء الموعود بعد ترقب وتوجس وطول انتظار مع قصر المدة ولكنها الحالة التي كنت عليها أطالت القصير ويوشك أن تقصِّر الطويل
ركبت سيارتي وتوجهت إلى منزل المخطوبة بعد أن أخذت الوصف بدقة متناهية
ووصلت المكان وأوقفت السيارة ونزلت منها مترقبا متلفتا ذات اليمين وذات الشمال
ثم طرقت الباب بعد أن قرأت آية الكرسي وفاتحة الكتاب..
فخرج لي رجل أظنه في الأربعين ملامحه قوية ومساحة التقطيب في وجهه كمساحة المياه بالنسبة لليابسة على الكرة الأرضية..
سلمت فرد السلام فعرفت بنفسي معكم الفقير لله الراجي عفو مولاه الخاطب من طرف فلان..
فقال تفضل والله والنِّعم في فلان يعني صديقي وأما أنا فلا ونِّعم ولا هم يحزنون
دخلنا إلى صالون كبير وثير المقاعد فاتجهت بخبرتي الضعيفة إلى صدر المجلس
لأكون في أحسن وضع حين تدخل العروس إلينا فأراها من أول إطلالتها وحتى آخر انصرافها كاملة غير منقوصة..
شعرت حين جلست أو هكذا خُيل إليَّ بأني ضيف ثقيل الظل مطفش ممِل
طبعا حاولت أن أقطع الصمت المطبق الذي أعقب الجلوس لأنني أحسست بالاختناق من ذلك الجو الخانق والحانق
فقلت الجو حار هذه الأيام وكان عرقي يتصبب على جبيني فلست أدري أمن ضعف التكييف أو من عدم رباطة جأش شخصي الضعيف
فرد علي بصوت مرتفع نعم الجو حار جداً
فقلت:نعوذ بالله من حر جهنم فالتفت عني ولم يجبني ولو حتى بآمين ودعا أخاه الأصغر بصوت عال يوشك أن يسمع به من بين لابتي الحارة وين القهوة؟
وجاءت القهوة واحتسيت فنجانا واحدا وقيل لي بصوت قوي:تقهو.. فقلت شكرا
واضطررت لرفع صوتي بها منطلقا من المبدأ الدستوري :لكل حزة لبوس
وعاد الصمت ليطبق على مجلسنا من جديد وسمعت صوت خطوات أو شعرت بأن أحدا يبدو أنه يتأهب لدخول المجلس فقمت بعملية تشييك سريعة على الفور أتأكد فيها من وزن المرزاب على نقطة السنتر فوق مفرقي المتهلل بالعرق كما أتأكد
خلالها من أن جميع أزرار العنق قد أحكم إغلاقها وأخذت أعتدل في المجلس
مرة أسترخي بظهري ومرة أرفع ظهري كل ذلك استعدادا لطلة العروس
وجاءت الطلة المنتظرة لا لأرى العروس ولكن لأرى شقيقها الأكبر حيث دخل علينا بوجه عبوس وسلم سلاما ثقيلا كأنه كابوس..
وإذا كنت فيما سبق من مجلسي أشكو من الصمت المطبق فلقد عانيت بعد دخول هذا الآخير من الكلام المقلق..
حيث أنهال علي حفظه الله ورعاه بسيل عرمرم مؤذ من الأسئلة المتنوعة المختلفة المتناقضة أحياناً..
ما أسمك؟ ومن أين أنت؟ وكم عمرك؟ وأين تعمل؟ وكم خدمتك؟ وما مقدار مرتبك؟
وأين يعيش والدك؟ وهل أمك على قيد الحياة؟ وهل لكم أقارب هنا في المدينة؟
طبعا هذه الأسئلة أو أغلبها تمت الإجابة عليها من قبل صديقي وصهرهم ولكن اللحاحة أعيت من يداويها..
ثم بدأ في طرح نوع من السؤالات ذات الوزن الثقيل واللقافة في التطويل..
قلي بصراحة لماذا تريد أن تتزوج على زوجتك؟هل قصرت معك زوجتك في شيء؟؟
وقبل أن أحاول أن أبدأ الإجابة تلقف قائلاً: وعلى فكرة وهل تقرب لك زوجتك ؟ وكم مضى لك منذ زواجها..؟؟
طبعا لم أجد مفرا من الإجابة على هذا الكم الكبير من الأسئلة الثقيلة الممرضة
ولكن لأجل عين تكرم مدينة وهل رأيت بالله شيئا عليكم حتى أحتمل هذا الطوفان العظيم من هذه التحقيقات الغليظة؟؟
نسيت أن أذكر أن هذا الشقيق كان إذا التفت إلى أخويه هش وبش وإذا توجه بالحديث إلي عبس وبسر وكشر وشزر..
طبعا طال المجلس وكان الوقت بعد العشاء فقلت في نفسي:يا ولد لماذا لا تبادربالهجوم فهي أحسن وسيلة للدفاع..
فقلت:يا جماعة الخير فضلاً وليس أمراً أنا عندي موعد مهم بعد حوالي ساعة ويا ليت تأتي العروس لأراها وتراني الرؤية الشرعية بارك الله فيكم..
طبعا طلبي لم يلق ترحابا عند صاحبنا هذا المهذار الثرثار معليش نسيبي وأنا حر يغفر الله لي وله ولكم فلستم تعرفونه ولا تعرفونني
ويبدو أن الجهات الداخلية في المنزل من النساء قد ضقن ذرعا بذلك الشقيق
فما هي إلا لحظات حيث قام أصغرهم رعاه الله وأيده ليدعو العروس لتأتي للنظر والجلوس..
وبدأت أنفاسي تحتبس حين وقف شقيقها الأصغر على باب المجلس وهو يقول: هيا أدخلي يا الله يا بنت الحلال أدخلي هذا شرع الله والحمد لله ما فيه شيء
وهي تتلكأ في الدخول ونبضاتي تخفق في قلبي بسرعة وتصول وتجول..
وآخيراً دخلت العروس وهي تنظر عند قدميها وأما أنا فقد فتحت حدقة العينين على مصراعيها حتى أرى أكبر مساحة لأرى المملوح ثم أضطررت إلى غض بصري بعد أن رأيت أعين القوم ترمقني بوضوح ..
جاءت وجلست وهي خجلى وقد أدركت أنها مربربة بل فوق الربربة ربربة..
وساد الصمت قليلاً وهنا قررت أن أكون سيد الموقف بلا نزاع فقررت أن أسألها بضعة أسئلة وكان منها سؤال سخيف لا أعرف كيف خرج من رأسي ولا أدري هل استساغه القوم أم سألقى بسببه التقريع واللوم..
هذا السؤال لفظه كان ما يلي:هل أنت مقتنعة بالزواج؟ لا أحد يلومني ويقول أو تسأل امرأة في بيت أهلها خرجت إليك في مجلسهم لتراها من أجل الزواج هل هي مقتعنة بالزواج؟هذا الذي حدث وأقصه كما وقع!!
طبعا أجابت العروس على هذا السؤال السخيف برد لطيف تمثل في هز رأسها هزة خفيفة فوق تحت وتحت وفوق وأظنها عدة هزات ولست متأكدا..
طبعا أنا أفضل عند الرؤية الشرعية وكما يقول خبراء القانون عفوا التعدد رؤية العروس واقفة ذاهبة آيبة..
فترددت في أن أطلب أن تهب واقفة وأن تذهب وتجيء..وبينما أنا متردد متوجل
إذا بالعروس قد هبت قائمة وانصرفت من المجلس حاولت أن ألاحقها بنظرة حسيرة ولكن هيهات هيهات..
حتى هذه الرؤية لم تكتمل وابتدرني القوم بنظراتهم وكأنني قرأت على وجوههم بعض تساؤلاتهم التي تطلب مني الانصراف
فقلت في نفسي خلك رجال واطلب رؤيتها مرة ثانية وفعلا طلبت ذلك معللا بأنها لم تجلس معي فترة كافية وأخذت أسوق تبريرات اجتماعية معروفة بأن هذا زواج وعشرة عمر وليس سنة أو سنتين..
فاختلفوا واعترض الأغلبية منهم أعني اعترض اثنان ووافق أصغرهم ورفع طلبي إلى الجهات الداخلية المسئولة التي سرعان ما قامت مشكورة بتلبية الطلب كحالة استثنائية
وجاءت عروسي ترفل من جديد وجعلت أرمقها من بعيد..

الحلقة الثالثه عشر ...
دخلت عروسي من جديد..وقررت بعد أن استوت في مجلسها أن أكون هادئا ثقيلا..لأراها مرة ثانية بشكل دقيق..
ويبدو أنها هي الأخرى اتخذت القرار نفسه حيث كانت تبادلني النظرات..وأما الكلمات فقد اختفت من لساني.. وحين استمر الصمت قليلا أخذت أردد هاتين الكلمتين:ما شاء الله تبارك الله..
هاتان الكلمتان يا سادة هما شعار كثير من الخطاب حين يرون مخطوباتهم..إما حقيقة وتعبيرا عن إعجابهم..وإما مجاملة وتخلصا من الإحراج في ذلك المجلس..
أما أنا والحق يقال فلم أدر من أي النوعين كانت كلمتاي!!..
طبعاً لم أشأ أن أزودها حبتين فقررت إنهاء المجلس فقلت:خيرا إن شاء الله..والتفت إلى بعض إخوتها قائلاً:
إذا أرادت الأخت الانصراف فلتتفضلْ..وفعلا انصرفت ولم تغب عن عيني حتى خرجت من المجلس تماماً..
وبعدها استأذنت للانصراف وما أتممت استئذاني حتى هب القوم وقوفاً فقمت على الفور..وقصدت الباب..
وعند الباب الخارجي قال الأكبر منهم:إذا صار معك شيء فأخبر نسيبنا..
فقلت:أبشر وسم..
ركبت سيارتي وصورة خطيبتي لا تفارق مخيلتي..
وانطلقت بالسيارة وأنا لا أدري أين أذهب!!..حيث كانت الأفكار والتخيلات تموج في رأسي وصدري ووجداني..
قررت أن أتوقف قليلا وأسترجع ما حدث لأعرف حقيقة موقفي مما رأيت وشاهدت..
تذكرت دخولها وإطلالتها بجسمها الريان بل الزائد رياًَ..وكما تعرفون فسيادتي من هواة المربربات..
وقلت في نفسي بل لقد قلت بلساني:جاك يا مهنا ما تمنى..
وكان الحمل ولعله أثر على جسم زوجتي الأولى حيث كان وزنها بالنسبة لي ناقصاً..على الأقل لأني أميل إلى ربربة جسم المرأة..
وتذكرت نظراتها الحلوة خصوصا في الإطلالة الثانية..فقلت في نفسي:هذا النظرات من أولها!!!
وكنت قد عرفت بل تيقنت أنني قد حزت على بعض إعجابها إن لم يكن على وافره و كامله..
عرفت ذلك من نظراتها وقد صار لي خبرة قليلة برؤية النساء في الخطبة..ثم تيقنت منه بعد ذلك عن طريق صديقي صهرهم حين هاتفته لأعطيه أخبار زيارتي لأصهاره..حين سألته سؤالاً يحمل قدراً من خفة الدم والاستظراف:
هاه يا أبا فلان..عسى فلانة اسم الخطيبة ارتاحت للموضوع!!..يعني حين رأتني ماذا قالت..
وكان صاحبنا طيباً الذي في قلبه ينطق به لسانه..فأجاب إجابة أحاطتني بشبكة من الإعجاب بالنفس هذه الشبكة الإعجابية كانت بعض خيوطها ولم أنتبه لها قد نسجت من الغرور..
ولئن قال شوقي:والغواني-يعني النساء-يغرهن الثناء..فإن معاشر الخطاب والخاطبين والمقبلين على الزواج وخصوصا المعددين يغرهم ويغريهم الثناء والإطراء بالوسامة والفخامة والهندامة مع أن كثيرين بينهم وبين تلك الأوصاف بعد المشرقين..
قال:فلانة مرة مبسوطة وسعيدة..وتقول:ما شاء الله تبارك الله..ثم سكت وليته لم يسكت..
فقلت:ما شاء الله تبارك الله..وبعدين..ماذا قالت:
فقال:لا بعدين ولا قبلين ما قالت إلا كل خير..
لكن أخبرني عن نفسك؟؟كيف وجدت فلانة..إن شاء الله أعجبتك..
فاجأني بسؤاله..حيث كنت أستمتع بإعجاب خطيبتي بي ولم أتوقع سؤاله هذا!!..
سكت قليلاً..فقال:ولِمَ سكت؟؟فقلت:أبداً المرأة بنت حلال وشكلها طيب وحبوبة..
فقال:يعني أنت موافق على الزواج بها!!..
ترددت قليلا ثم بادرت بالقول:موافق نعم بل بالعشرة..
كلمة بالعشرة لم تكن لقناعتي الكاملة بالمخطوبة بقدر ما كانت لإظهار قوة الشخصية أمام صديقي الذي أعرف أنه سينقل ما يدور بيننا إلى زوجته لتنقله بدورها إلى الجماعة..
أغلقت السماعة..ثم قلت كعادتي:راحت السكرة وجاءت الفكرة!!!..
وبدأت أفكر في زوجتي الأولى وفي الأطفال..فقررت المضي قدما في هذا المشروع الجديد وبدء النضال..
أخبرت عديلي بالخبر فهلل وكبر وعاتب على عدم إخباره بتلك التفاصيل فقلت:أبشر بالخير ما زلنا في أول المشوار..
وعدت إلى منزلي وكانت الأمور مع زوجتي طبيعية إلى حد ما وإن كنت أعاني من بعض التوتر الذي أحاول إخفاءه كمثل الموظف الذي يدخل مديره عليه ويسأله عن عمله الذي لم ينجزه فهو يحاول التظاهر بأنه قد أتم العمل وأنه يحاول جمع الأوراق..
مر على الرؤية يومان وأنا كالحبة في المقلاة أو كالمقلاة التي فيها حبة تحمص بلا زيت..
وعزمت على بدأ تنفيذ المشروع واتصلت بصديقي وواعدته والتقيت به وطلبت منه أن يكون العقد والزواج بعد أسبوع إذا كان ممكنا..فتقاصر المدة..فطلبت منه أن يكلمهم بإلحاح فكلمهم وكانت المفاجأة أن وافقوا-طبعا وافقت الحريم-والرجال لهن تابعون..
أسبوع وأكون عريساً..أسبوع وأكون معدداً..أسبوع ويكون عندي زوجتان..يا الله من فضلك!!!..
وجاء يوم العرس الموعود..وذهبت مع عديلي المحترم إلى محل لبيع الذهب واختار لي طقم ذهب بأربعة آلاف..فليس لي بالبيع والشراء خبرة ولا دراية..واشترينا ساعة بألف وخمسمائة ريال..وطقم عطور نسيت ثمنه ولكنه غال..
وكان أصهاري الجدد على عكس المحافظين عفوا الأصهار القديمين ميسرين مسهلين ولم يتكلموا في مهر ولا حفلة..
ثم ذهبنا إلى مطبخ معروف واخترنا –اختار عديلي-ثلاثة من الخراف لوليمة الزواج..فنظرت شزرا إلى أحدها وتذكرت يوم زواجي الأول حين ذهبت مع والدي لشراء الخراف فوطأ أحدها لا سامحه ذابحه بظلفه على قدمي وطأة صرخت منها فالتفت إلي والدي محملقا وقال بصوت حاد:أتصرخ من خروف!!!!!..
طبعا كان الاتفاق على أن يكون الزفاف في بيت الأصهار وأن تبقى الزوجة في شقتها وأنا أمر عليها مرور المسيار..وأن أعطيها مصروفا شهريا..
و بعد العصر تم عقد النكاح وكان المهر ميسرا وليس في العقد قيود ولا شروط..
وجاء الليل السعيد وكان يوم أربعاء..ما أحسن يوم الأربعاء..-ولا حقق الله أمنية من يريد تغيير الإجازة من الخميس إلى السبت..ما علينا-..
وكنت قد أوصلت أسرتي الحبيبة إلى بيت أهلها وزوجتي تقول في الطريق:إن قلبها منقبض ولا تدري لماذا..وقالت لي:الله يعطينا خيرك ويكفينا شرك..فقلت:اللهم آمين..وطمأنتها وأوصيتها بترك الوساوس وقلت وكنت صادقا بأن لدي موعدا و رحلة مع الزملاء!!!..
نعم لقد دعوت بعض زملائي الموحدين الذي يتطلعون إلى التعدد يوما من الأيام والخروج من معتقل جوانتنامو الكبير الذي تسيطر عليه النساء..
عفوا وأستغفر الله من هذا التشبيه ولكن بعضهم حاله صعب وصعيب مع زوجته..ووضعه كئيب..من تسلطها وتعجرفها ولكن دعوا الخلق للخالق!!!..
عدت إلى منزلي واغتسلت ولبست ثوبا جديدا و شماغا جديدا وتأبطت مشلحي وما هي إلا نصف ساعة إلا وأنا أمام منزل العروس..
وكان نفر من زملائي قد وصلوا قبلي إلى المكان فهم ينتظرون وصولي أيدني الله في تلك الليلة..
وترجل موكبنا من السيارات حيث جاء كل واحد في سيارته..ودخلنا المنزل وأنا في المقدمة وقد ارتديت المشلح..واستقبلت استقبال الفاتحين!!..
كان زملائي خمسة..دخلنا المجلس وتربعت في صدره فأنا بطل الحفل الليلة..
وأما أصهارنا و أضيافهم فكانوا يفوقون العشرين..يعني نحن الأقلية..
التفت نحو عديلي وقد عملت إحصاء تقريبيا للقوم..فقلت:القوم هنا يزيدون على العشرين ونحن ستة أشخاص..والنساء لا ندري كم عددهن..فهل تظن أن عشاءنا وطعامنا يكفي!!!!!..
فقرصني في ذراعي قرصة حركتني في مجلسي وقال:العشاء يكفي..ومن لم يشبع فالمطاعم موجودة..خلك في نفسك..ولا تفكر في أي شيء آخر..
كانت كلماته تنزل علي قلبي عسلاً خالصًا..ولم أعد أحس بألم القرصة..فقلت في نفسي:
أنا أمامي عروس وآهات وأشواق..و من لم يشبع فالبطقاق..
كنا نتحدث وقد أحاط بي زملائي ونتضاحك..وكان القوم يتحدثون فيما بينهم ويتضاحكون مثلنا أو أشد منا..
وجاء العشاء ووضعت المائدة وكنا قد جلبنا بعض الفاكهة والمرطبات فقمت مرحبا بالقوم على اعتبار أنني المضيف..
فأمسك عديلي بيدي وشدني وكان قد جلس على أحد الصحون التي احتوت على نصف خروف وقال:اجلس لا أبا لك! فأنت العريس وأنت الضيف..فامتثلت النصحية شاكرا ومقدرا على الفور وخررت جالساً..
وكان أحسن الله إليه يتعاهدني بقطع خالصة من الشحم من ظهر الخروف..ويقول لي:كلْ فعليك ليل طويل!!!!..
أكلت ما تيسر فلم تكن شهيتي مفتوحة بالرغم من إلحاح عديلي عليَّ بالأكل..
و كنت مهتما بتلك الليلة ومغتما بحال زوجتي وأطفالي..
وتناول الجميع طعام العشاء وشُرب الشاي الأحمر والأخضر والنعناع..وانصرف الأكثرون وانصرف زملائي وبقي معي عديلي يؤازرني ويتحدث معي وأنا مشغول البال..
وفي تمام الساعة الثانية عشرة والنصف جاءني داع كريم:
يقول:أيها العريس هلم إلى العروس!!!...
وإلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله تعالى..
دخلت عروسي من جديد..وقررت بعد أن استوت في مجلسها أن أكون هادئا ثقيلا..لأراها مرة ثانية بشكل دقيق..
ويبدو أنها هي الأخرى اتخذت القرار نفسه حيث كانت تبادلني النظرات..وأما الكلمات فقد اختفت من لساني.. وحين استمر الصمت قليلا أخذت أردد هاتين الكلمتين:ما شاء الله تبارك الله..
هاتان الكلمتان يا سادة هما شعار كثير من الخطاب حين يرون مخطوباتهم..إما حقيقة وتعبيرا عن إعجابهم..وإما مجاملة وتخلصا من الإحراج في ذلك المجلس..
أما أنا والحق يقال فلم أدر من أي النوعين كانت كلمتاي!!..
طبعاً لم أشأ أن أزودها حبتين فقررت إنهاء المجلس فقلت:خيرا إن شاء الله..والتفت إلى بعض إخوتها قائلاً:
إذا أرادت الأخت الانصراف فلتتفضلْ..وفعلا انصرفت ولم تغب عن عيني حتى خرجت من المجلس تماماً..
وبعدها استأذنت للانصراف وما أتممت استئذاني حتى هب القوم وقوفاً فقمت على الفور..وقصدت الباب..
وعند الباب الخارجي قال الأكبر منهم:إذا صار معك شيء فأخبر نسيبنا..
فقلت:أبشر وسم..
ركبت سيارتي وصورة خطيبتي لا تفارق مخيلتي..
وانطلقت بالسيارة وأنا لا أدري أين أذهب!!..حيث كانت الأفكار والتخيلات تموج في رأسي وصدري ووجداني..
قررت أن أتوقف قليلا وأسترجع ما حدث لأعرف حقيقة موقفي مما رأيت وشاهدت..
تذكرت دخولها وإطلالتها بجسمها الريان بل الزائد رياًَ..وكما تعرفون فسيادتي من هواة المربربات..
وقلت في نفسي بل لقد قلت بلساني:جاك يا مهنا ما تمنى..
وكان الحمل ولعله أثر على جسم زوجتي الأولى حيث كان وزنها بالنسبة لي ناقصاً..على الأقل لأني أميل إلى ربربة جسم المرأة..
وتذكرت نظراتها الحلوة خصوصا في الإطلالة الثانية..فقلت في نفسي:هذا النظرات من أولها!!!
وكنت قد عرفت بل تيقنت أنني قد حزت على بعض إعجابها إن لم يكن على وافره و كامله..
عرفت ذلك من نظراتها وقد صار لي خبرة قليلة برؤية النساء في الخطبة..ثم تيقنت منه بعد ذلك عن طريق صديقي صهرهم حين هاتفته لأعطيه أخبار زيارتي لأصهاره..حين سألته سؤالاً يحمل قدراً من خفة الدم والاستظراف:
هاه يا أبا فلان..عسى فلانة اسم الخطيبة ارتاحت للموضوع!!..يعني حين رأتني ماذا قالت..
وكان صاحبنا طيباً الذي في قلبه ينطق به لسانه..فأجاب إجابة أحاطتني بشبكة من الإعجاب بالنفس هذه الشبكة الإعجابية كانت بعض خيوطها ولم أنتبه لها قد نسجت من الغرور..
ولئن قال شوقي:والغواني-يعني النساء-يغرهن الثناء..فإن معاشر الخطاب والخاطبين والمقبلين على الزواج وخصوصا المعددين يغرهم ويغريهم الثناء والإطراء بالوسامة والفخامة والهندامة مع أن كثيرين بينهم وبين تلك الأوصاف بعد المشرقين..
قال:فلانة مرة مبسوطة وسعيدة..وتقول:ما شاء الله تبارك الله..ثم سكت وليته لم يسكت..
فقلت:ما شاء الله تبارك الله..وبعدين..ماذا قالت:
فقال:لا بعدين ولا قبلين ما قالت إلا كل خير..
لكن أخبرني عن نفسك؟؟كيف وجدت فلانة..إن شاء الله أعجبتك..
فاجأني بسؤاله..حيث كنت أستمتع بإعجاب خطيبتي بي ولم أتوقع سؤاله هذا!!..
سكت قليلاً..فقال:ولِمَ سكت؟؟فقلت:أبداً المرأة بنت حلال وشكلها طيب وحبوبة..
فقال:يعني أنت موافق على الزواج بها!!..
ترددت قليلا ثم بادرت بالقول:موافق نعم بل بالعشرة..
كلمة بالعشرة لم تكن لقناعتي الكاملة بالمخطوبة بقدر ما كانت لإظهار قوة الشخصية أمام صديقي الذي أعرف أنه سينقل ما يدور بيننا إلى زوجته لتنقله بدورها إلى الجماعة..
أغلقت السماعة..ثم قلت كعادتي:راحت السكرة وجاءت الفكرة!!!..
وبدأت أفكر في زوجتي الأولى وفي الأطفال..فقررت المضي قدما في هذا المشروع الجديد وبدء النضال..
أخبرت عديلي بالخبر فهلل وكبر وعاتب على عدم إخباره بتلك التفاصيل فقلت:أبشر بالخير ما زلنا في أول المشوار..
وعدت إلى منزلي وكانت الأمور مع زوجتي طبيعية إلى حد ما وإن كنت أعاني من بعض التوتر الذي أحاول إخفاءه كمثل الموظف الذي يدخل مديره عليه ويسأله عن عمله الذي لم ينجزه فهو يحاول التظاهر بأنه قد أتم العمل وأنه يحاول جمع الأوراق..
مر على الرؤية يومان وأنا كالحبة في المقلاة أو كالمقلاة التي فيها حبة تحمص بلا زيت..
وعزمت على بدأ تنفيذ المشروع واتصلت بصديقي وواعدته والتقيت به وطلبت منه أن يكون العقد والزواج بعد أسبوع إذا كان ممكنا..فتقاصر المدة..فطلبت منه أن يكلمهم بإلحاح فكلمهم وكانت المفاجأة أن وافقوا-طبعا وافقت الحريم-والرجال لهن تابعون..
أسبوع وأكون عريساً..أسبوع وأكون معدداً..أسبوع ويكون عندي زوجتان..يا الله من فضلك!!!..
وجاء يوم العرس الموعود..وذهبت مع عديلي المحترم إلى محل لبيع الذهب واختار لي طقم ذهب بأربعة آلاف..فليس لي بالبيع والشراء خبرة ولا دراية..واشترينا ساعة بألف وخمسمائة ريال..وطقم عطور نسيت ثمنه ولكنه غال..
وكان أصهاري الجدد على عكس المحافظين عفوا الأصهار القديمين ميسرين مسهلين ولم يتكلموا في مهر ولا حفلة..
ثم ذهبنا إلى مطبخ معروف واخترنا –اختار عديلي-ثلاثة من الخراف لوليمة الزواج..فنظرت شزرا إلى أحدها وتذكرت يوم زواجي الأول حين ذهبت مع والدي لشراء الخراف فوطأ أحدها لا سامحه ذابحه بظلفه على قدمي وطأة صرخت منها فالتفت إلي والدي محملقا وقال بصوت حاد:أتصرخ من خروف!!!!!..
طبعا كان الاتفاق على أن يكون الزفاف في بيت الأصهار وأن تبقى الزوجة في شقتها وأنا أمر عليها مرور المسيار..وأن أعطيها مصروفا شهريا..
و بعد العصر تم عقد النكاح وكان المهر ميسرا وليس في العقد قيود ولا شروط..
وجاء الليل السعيد وكان يوم أربعاء..ما أحسن يوم الأربعاء..-ولا حقق الله أمنية من يريد تغيير الإجازة من الخميس إلى السبت..ما علينا-..
وكنت قد أوصلت أسرتي الحبيبة إلى بيت أهلها وزوجتي تقول في الطريق:إن قلبها منقبض ولا تدري لماذا..وقالت لي:الله يعطينا خيرك ويكفينا شرك..فقلت:اللهم آمين..وطمأنتها وأوصيتها بترك الوساوس وقلت وكنت صادقا بأن لدي موعدا و رحلة مع الزملاء!!!..
نعم لقد دعوت بعض زملائي الموحدين الذي يتطلعون إلى التعدد يوما من الأيام والخروج من معتقل جوانتنامو الكبير الذي تسيطر عليه النساء..
عفوا وأستغفر الله من هذا التشبيه ولكن بعضهم حاله صعب وصعيب مع زوجته..ووضعه كئيب..من تسلطها وتعجرفها ولكن دعوا الخلق للخالق!!!..
عدت إلى منزلي واغتسلت ولبست ثوبا جديدا و شماغا جديدا وتأبطت مشلحي وما هي إلا نصف ساعة إلا وأنا أمام منزل العروس..
وكان نفر من زملائي قد وصلوا قبلي إلى المكان فهم ينتظرون وصولي أيدني الله في تلك الليلة..
وترجل موكبنا من السيارات حيث جاء كل واحد في سيارته..ودخلنا المنزل وأنا في المقدمة وقد ارتديت المشلح..واستقبلت استقبال الفاتحين!!..
كان زملائي خمسة..دخلنا المجلس وتربعت في صدره فأنا بطل الحفل الليلة..
وأما أصهارنا و أضيافهم فكانوا يفوقون العشرين..يعني نحن الأقلية..
التفت نحو عديلي وقد عملت إحصاء تقريبيا للقوم..فقلت:القوم هنا يزيدون على العشرين ونحن ستة أشخاص..والنساء لا ندري كم عددهن..فهل تظن أن عشاءنا وطعامنا يكفي!!!!!..
فقرصني في ذراعي قرصة حركتني في مجلسي وقال:العشاء يكفي..ومن لم يشبع فالمطاعم موجودة..خلك في نفسك..ولا تفكر في أي شيء آخر..
كانت كلماته تنزل علي قلبي عسلاً خالصًا..ولم أعد أحس بألم القرصة..فقلت في نفسي:
أنا أمامي عروس وآهات وأشواق..و من لم يشبع فالبطقاق..
كنا نتحدث وقد أحاط بي زملائي ونتضاحك..وكان القوم يتحدثون فيما بينهم ويتضاحكون مثلنا أو أشد منا..
وجاء العشاء ووضعت المائدة وكنا قد جلبنا بعض الفاكهة والمرطبات فقمت مرحبا بالقوم على اعتبار أنني المضيف..
فأمسك عديلي بيدي وشدني وكان قد جلس على أحد الصحون التي احتوت على نصف خروف وقال:اجلس لا أبا لك! فأنت العريس وأنت الضيف..فامتثلت النصحية شاكرا ومقدرا على الفور وخررت جالساً..
وكان أحسن الله إليه يتعاهدني بقطع خالصة من الشحم من ظهر الخروف..ويقول لي:كلْ فعليك ليل طويل!!!!..
أكلت ما تيسر فلم تكن شهيتي مفتوحة بالرغم من إلحاح عديلي عليَّ بالأكل..
و كنت مهتما بتلك الليلة ومغتما بحال زوجتي وأطفالي..
وتناول الجميع طعام العشاء وشُرب الشاي الأحمر والأخضر والنعناع..وانصرف الأكثرون وانصرف زملائي وبقي معي عديلي يؤازرني ويتحدث معي وأنا مشغول البال..
وفي تمام الساعة الثانية عشرة والنصف جاءني داع كريم:
يقول:أيها العريس هلم إلى العروس!!!...
وإلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله تعالى..

الحلقة الرابعه عشرة
فوجئت بهذا السيل المنهمر من أحبابنا الأطفال-ما شاء الله تبارك الله-وتذكرت فلذات أكبادي وتذكرت زوجتي الأولى..وقمت متثاقلا وسط صراخ الأطفال وتحلقهم حول العروس يعتنقونها ويقبلونها ويتزاحمون ويتعاركون من أجل ذلك..
فذهبت إلى المغسلة وغسلت وجهي بالماء دون الصابون..وعدت إلى الغرفة فهرع إليَّ شرذمة من الأطفال للسلام علينا ومباركة مشروعنا الجديد..وأنهيت هذه المهمة بسلام..
وبينما كنت أستعد لتغيير ملابس النوم إذا بشقيق العروس التي دخلت الحمام للتو يتوسط غرفتنا ويطوف حوله الأطفال وهم يصرخون ويضحكون وهو يلاعب هذا ويمازح ذاك وقد بدا كزعيم قومي حقق نصرا وعاد ليحتفل به أنصاره ومؤيدوه..
وشعرت بالإحراج لأنني لم أكن قد خلعت ملابس النوم بعد..ولكنه سلم علي وبارك لي مجدداً وقد رأى معالم الإحراج تتقاطع فوق ملامحي كتقاطع عدد كبير من السيارات في نقطة التقاء لأربعة شوارع حين تتعطل إشارة المرور..
فسأل عن العروس ثم استأذن وأنسحب في هدوء..فأذنت له بكل سرور..وقلت له شكرا ومتشكرا ومشكور..
وبعد نحو نصف ساعة أو أقل جاءنا طعام الإفطار..وقامت عروسي بدور عظيم في إفراغ الغرفة من زائريها الجدد..
غير أن صاحبنا الأول بقي في الغرفة يقفز من مكان إلى آخر و قال بكل إصرار إنه سيتناول طعام الإفطار معنا شاء من شاء وأبى من أبى..
وقلت في نفسي:ها أنا أترك أطفالي فلا أفطر معهم وآتي إلى هنا لأفطر مع عيال خلق الله!!!..ولكن تذكرت أنه يتيم فهان الأمر..
ثم تذكرت إنني عريس ومن حقي أن أستمتع بأيام العرس الثلاثة على الأقل..
ومن حقه هو أن يلهو مع الأطفال الباقين من إخوة وأخوات وأقارب..
ولكن ما الحيلة في إخراج هذا الصغير؟؟..
قررت أن أتنازل عن بعض موقفي لأستطيع الوصول إلى هدفي..
كانت أمه طيلة تلك الفترة مشغولة باللبس والتزين وجاءت ترفل في زينتها ونعمتها وجلسنا نحن الثلاثة على المائدة وأصر الصغير على أن يستأثر بجوار والدته جنبا إلى جنب..
كانت مائدة الإفطار تحتوي على أكثر من خمسة عشر صنفا دون مبالغة..طبق من الفول والبيض بأنواعه الثلاثة مسلوق ومقلي وشكشوكة..والأجبان أكثر من خمسة أنواع..والقشطة نوعان والمربى عدة أنواع وطبق العسل وطبق زبدة الفول السوداني والزيتون نوعان..
طبعا لقد عددت الأطباق..وقلت لعروسي:لماذا هذه الكلفة؟؟..فقالت:الله يحييك يا عمري وش سوينا شوية نواشف..
وبعد أن أكل الصغير عدة لقيمات يقمن صلبه ويدعمن نشاطه وطاقته ومشاكسته سألته:
أين الأطفال؟؟..
فقالت العروس:في الصالة يفطرون ويتفرجون في التلفزيون..
فهب وصاح:سوف أذهب إليهم..
فخرج محفوفا بدعوات الرعاية والسلامة وطول الإقامة..
وأقبلت أنا وعروسي نأكل ونمزح ونضحك..وبعد كل فترة وجيزة تسألني ماذا تريد؟فأجيب لتضع لقمة بيدها الحانية في فمي..واضطررت للرد بالمثل..ووضعت في فمها بضعا من اللقيمات..
وبعد أن أفطرت فطورا ثقيلا هنيئا مريئاً وشربت الشاي بالحليب حتى كأنني من إقليم البنجاب العجيب استلقيت على السرير بينما أنشغلت العروس برفع المائدة وإخراج أجزائها مع الصغار خارج الغرفة..
وأخذت أفكر في زوجتي الأولى وأتذكر ابتسامتها وإشراقتها..
وأتذكر بكاءها و دمعتها..وأتذكر الأطفال وأشعر بالشوق والقلق..
ولكن ما إن عادت عروسي حتى جاءت معها بموجة من الطمأنينة والسلام..
وقامت خلال تلك اللحظات وما تبعها من تأملات بحملة ناجحة من المساج والتدليك لقدمي وساقي وركبتي..فلقد قصصت عليكم ما عانيته يوم العرس من تعب ونصب ووصب..
وأنا كوالدي يحفظه الله مدمن مساج ولا أكاد أستغني عنه ليلة بل في اليوم ربما عدة مرات..
كان المساج الرائع قد أدخلني في نوبة عميقة من التأملات في حالي بين زوجتي الأولى وزوجتي الجديدة..
بالرغم من أن العروس كانت تسأل بين فترة وأخرى أسئلة استطلاعية عن زوجتي الأولى وعن أهلي..
وكنت أجيب على أسئلتها بحذر شديد..
وبعد أن صلينا الظهر سألتني عن الغداء وش نفسك فيه؟؟..فقلت:غداء!!!وما يزال الإفطار جاثما في معدتي يرفض التحرك حتى الآن..
فقالت:سوف نتغدى بعد العصر إن شاء الله..
فقلت:حتى ولو كان بعد المغرب..
فقالت:لا لابد من الغداء أتريد أن تزعل الوالدة علينا وأنت يا حبيبي عريس وضيف اثنين في واحد..وضحكت وضحكت مجاملة لها..
ويبدو أنني لم آخذ كفايتي من النوم فطلبت منها أن تأذن لي بأخذ قسط متوسط من النوم..
فوافقت وقالت:سوف أذهب للسلام على الوالدة وأهلي وودعتني بقبلة في يدي..
وحاولت النوم ولكن مندوبه من النعاس قال إن مولانا النوم يرفض القدوم إليك وأنت تحيط برأسك الهموم والوساوس..
فرجوته أن يفهم سيده أنني سوف أقوم بإبعادها بل بطردها إن لزم الأمر..ولكنها قاتلها الله أبت أن تخرج أو أن تغادر..بل حتى رفضت أن تهدأ..
وأخذت أتقلب في فراشي وأتذكر زوجتي..
طبعا زوجتي لم أتصل بها منذ يوم تقريبا ومن المتوقع أن القلق قد استبد بها..ولكن ما العمل وأنا في غرفة العروس؟؟؟..
جلست في سريري بعد أن يئست من النوم وحيدا فريدا أتفكر في حالي ومآلي..
ثم قررت توجيه نداء للعروس ولكن كيف أقوم بذلك؟؟..عندي جهاز هاتف ولكن ما هو الرقم الذي أطلبه؟؟لا أعرف..
وهل أقوم بفتح باب الصالة الداخلية وأطلق نداءي!!!..
وقررت اختيار الثاني..وفتحت الباب..وأخذت أنادي عروسي مرتين:يا أم فلان يا أم فلان..
وسمعت امرأة تنادي عروسي باسمها وتقول:كلموا فلانة ترى زوجها يريدها..
وما هي إلا دقائق حتى جاءت العروس وقالت باستغراب:ما نمت!!!!وأنا كنت أحسبك في سابع نومة..
فقلت:لا سابع ولا ثامن..ما جاني النوم وأنت بعيدة عني طبعا لا أدري كيف جمعت هذه الكلمات ودفعت بها سريعا من بوابة المجاملة التي قمت بترميمها حديثاً..
فابتسمت وقالت:أنا جنبك على طول يا روحي..وما كادت تكمل كلماتها تلك حتى كان الصغير هو الآخر بجنبي وليس بجنبها..
فشخطت فيه ونفخت وأمرته بالخروج وخرج بعد تمنع وبعد ترهيب وترغيب..
جلسنا نتحدث سويا ورأسي في حجرها تداعبه بأناملها الحمراء التي صبغتها أوراق الحناء..مع أنني لا أحب الحناء ولا رائحتها ولكن نجامل ونتجمل..
وصليت العصر بمسجد صغير جوار المنزل وعدت إلى غرفتي ولم أجد عروسي..
وبعد مدة يسيرة جاءت ومعها ابنتها الكبيرة تحملان أطباق الغداء..وكان عبارة عن كبسة باللحم حمراء وطبقي جريش وقرصان وسلطة وعصير البرتقال الذي أكن له أعظم التقدير..
وكنت بين الشبع والجوع ولكن شهيتي بدأت تحاول الانفتاح..وتغدينا معا..
ثم شربنا الشاي..ثم عقدنا اجتماعا مغلقاً لم يسمح فيه بدخول أحد وخرجنا بقرار بالإجماع ألا وهو الخروج للنزهة وقضاء تلك الليلة في الفندق..
وبدأنا نجهز حقيبتنا للخروج..وقبيل المغرب قمنا خارجين من المنزل فتلقانا الصغير وحين رأى أمه بالعباءة صرخ صرخة سمعها من بين لابتي الحارة..وأخذ يبكي ويصرخ بهستيريا عنيفة..ويتعلق بأطراف عباءة عروسي التي هي والدته..
فقلت في نفسي بلهجة مصرية حزينة:يا دي النيلة ودي الليلة اللي متنيلة على الآخر..
وحاولت تهدئته فصرخ في وجهي كقط صغير متوحش:أنت ما لك شغل أنا أكلم أمي!!..
فسكت وقلت:صح وأنا وش لي شغل خله يكلم أمه..
وعبثا كانت تحاول أمه معه تهديه وتلاطفه وهو يحلف ويقسم أنه ليخرجن معنا ولا يطيع أحداً منا..
فظننت أنني خسرت المعركة وأنه سوف يبر بقسمه وينتصر علينا في نهاية الجولة ويكون جليسا بيننا في السيارة..
ولكن الحريم يا سادة..لقد تقطع قلبي حزنا وزعلا منه في نفس الوقت..
الحريم إذا قررن أخذ زمام المبادرة وتلقين المتعدي درساً فسوف ترون الأعاجيب..
وهذا ما سوف أرويه لكم في الحلقة القادمة بإذن الله تعالى..
فوجئت بهذا السيل المنهمر من أحبابنا الأطفال-ما شاء الله تبارك الله-وتذكرت فلذات أكبادي وتذكرت زوجتي الأولى..وقمت متثاقلا وسط صراخ الأطفال وتحلقهم حول العروس يعتنقونها ويقبلونها ويتزاحمون ويتعاركون من أجل ذلك..
فذهبت إلى المغسلة وغسلت وجهي بالماء دون الصابون..وعدت إلى الغرفة فهرع إليَّ شرذمة من الأطفال للسلام علينا ومباركة مشروعنا الجديد..وأنهيت هذه المهمة بسلام..
وبينما كنت أستعد لتغيير ملابس النوم إذا بشقيق العروس التي دخلت الحمام للتو يتوسط غرفتنا ويطوف حوله الأطفال وهم يصرخون ويضحكون وهو يلاعب هذا ويمازح ذاك وقد بدا كزعيم قومي حقق نصرا وعاد ليحتفل به أنصاره ومؤيدوه..
وشعرت بالإحراج لأنني لم أكن قد خلعت ملابس النوم بعد..ولكنه سلم علي وبارك لي مجدداً وقد رأى معالم الإحراج تتقاطع فوق ملامحي كتقاطع عدد كبير من السيارات في نقطة التقاء لأربعة شوارع حين تتعطل إشارة المرور..
فسأل عن العروس ثم استأذن وأنسحب في هدوء..فأذنت له بكل سرور..وقلت له شكرا ومتشكرا ومشكور..
وبعد نحو نصف ساعة أو أقل جاءنا طعام الإفطار..وقامت عروسي بدور عظيم في إفراغ الغرفة من زائريها الجدد..
غير أن صاحبنا الأول بقي في الغرفة يقفز من مكان إلى آخر و قال بكل إصرار إنه سيتناول طعام الإفطار معنا شاء من شاء وأبى من أبى..
وقلت في نفسي:ها أنا أترك أطفالي فلا أفطر معهم وآتي إلى هنا لأفطر مع عيال خلق الله!!!..ولكن تذكرت أنه يتيم فهان الأمر..
ثم تذكرت إنني عريس ومن حقي أن أستمتع بأيام العرس الثلاثة على الأقل..
ومن حقه هو أن يلهو مع الأطفال الباقين من إخوة وأخوات وأقارب..
ولكن ما الحيلة في إخراج هذا الصغير؟؟..
قررت أن أتنازل عن بعض موقفي لأستطيع الوصول إلى هدفي..
كانت أمه طيلة تلك الفترة مشغولة باللبس والتزين وجاءت ترفل في زينتها ونعمتها وجلسنا نحن الثلاثة على المائدة وأصر الصغير على أن يستأثر بجوار والدته جنبا إلى جنب..
كانت مائدة الإفطار تحتوي على أكثر من خمسة عشر صنفا دون مبالغة..طبق من الفول والبيض بأنواعه الثلاثة مسلوق ومقلي وشكشوكة..والأجبان أكثر من خمسة أنواع..والقشطة نوعان والمربى عدة أنواع وطبق العسل وطبق زبدة الفول السوداني والزيتون نوعان..
طبعا لقد عددت الأطباق..وقلت لعروسي:لماذا هذه الكلفة؟؟..فقالت:الله يحييك يا عمري وش سوينا شوية نواشف..
وبعد أن أكل الصغير عدة لقيمات يقمن صلبه ويدعمن نشاطه وطاقته ومشاكسته سألته:
أين الأطفال؟؟..
فقالت العروس:في الصالة يفطرون ويتفرجون في التلفزيون..
فهب وصاح:سوف أذهب إليهم..
فخرج محفوفا بدعوات الرعاية والسلامة وطول الإقامة..
وأقبلت أنا وعروسي نأكل ونمزح ونضحك..وبعد كل فترة وجيزة تسألني ماذا تريد؟فأجيب لتضع لقمة بيدها الحانية في فمي..واضطررت للرد بالمثل..ووضعت في فمها بضعا من اللقيمات..
وبعد أن أفطرت فطورا ثقيلا هنيئا مريئاً وشربت الشاي بالحليب حتى كأنني من إقليم البنجاب العجيب استلقيت على السرير بينما أنشغلت العروس برفع المائدة وإخراج أجزائها مع الصغار خارج الغرفة..
وأخذت أفكر في زوجتي الأولى وأتذكر ابتسامتها وإشراقتها..
وأتذكر بكاءها و دمعتها..وأتذكر الأطفال وأشعر بالشوق والقلق..
ولكن ما إن عادت عروسي حتى جاءت معها بموجة من الطمأنينة والسلام..
وقامت خلال تلك اللحظات وما تبعها من تأملات بحملة ناجحة من المساج والتدليك لقدمي وساقي وركبتي..فلقد قصصت عليكم ما عانيته يوم العرس من تعب ونصب ووصب..
وأنا كوالدي يحفظه الله مدمن مساج ولا أكاد أستغني عنه ليلة بل في اليوم ربما عدة مرات..
كان المساج الرائع قد أدخلني في نوبة عميقة من التأملات في حالي بين زوجتي الأولى وزوجتي الجديدة..
بالرغم من أن العروس كانت تسأل بين فترة وأخرى أسئلة استطلاعية عن زوجتي الأولى وعن أهلي..
وكنت أجيب على أسئلتها بحذر شديد..
وبعد أن صلينا الظهر سألتني عن الغداء وش نفسك فيه؟؟..فقلت:غداء!!!وما يزال الإفطار جاثما في معدتي يرفض التحرك حتى الآن..
فقالت:سوف نتغدى بعد العصر إن شاء الله..
فقلت:حتى ولو كان بعد المغرب..
فقالت:لا لابد من الغداء أتريد أن تزعل الوالدة علينا وأنت يا حبيبي عريس وضيف اثنين في واحد..وضحكت وضحكت مجاملة لها..
ويبدو أنني لم آخذ كفايتي من النوم فطلبت منها أن تأذن لي بأخذ قسط متوسط من النوم..
فوافقت وقالت:سوف أذهب للسلام على الوالدة وأهلي وودعتني بقبلة في يدي..
وحاولت النوم ولكن مندوبه من النعاس قال إن مولانا النوم يرفض القدوم إليك وأنت تحيط برأسك الهموم والوساوس..
فرجوته أن يفهم سيده أنني سوف أقوم بإبعادها بل بطردها إن لزم الأمر..ولكنها قاتلها الله أبت أن تخرج أو أن تغادر..بل حتى رفضت أن تهدأ..
وأخذت أتقلب في فراشي وأتذكر زوجتي..
طبعا زوجتي لم أتصل بها منذ يوم تقريبا ومن المتوقع أن القلق قد استبد بها..ولكن ما العمل وأنا في غرفة العروس؟؟؟..
جلست في سريري بعد أن يئست من النوم وحيدا فريدا أتفكر في حالي ومآلي..
ثم قررت توجيه نداء للعروس ولكن كيف أقوم بذلك؟؟..عندي جهاز هاتف ولكن ما هو الرقم الذي أطلبه؟؟لا أعرف..
وهل أقوم بفتح باب الصالة الداخلية وأطلق نداءي!!!..
وقررت اختيار الثاني..وفتحت الباب..وأخذت أنادي عروسي مرتين:يا أم فلان يا أم فلان..
وسمعت امرأة تنادي عروسي باسمها وتقول:كلموا فلانة ترى زوجها يريدها..
وما هي إلا دقائق حتى جاءت العروس وقالت باستغراب:ما نمت!!!!وأنا كنت أحسبك في سابع نومة..
فقلت:لا سابع ولا ثامن..ما جاني النوم وأنت بعيدة عني طبعا لا أدري كيف جمعت هذه الكلمات ودفعت بها سريعا من بوابة المجاملة التي قمت بترميمها حديثاً..
فابتسمت وقالت:أنا جنبك على طول يا روحي..وما كادت تكمل كلماتها تلك حتى كان الصغير هو الآخر بجنبي وليس بجنبها..
فشخطت فيه ونفخت وأمرته بالخروج وخرج بعد تمنع وبعد ترهيب وترغيب..
جلسنا نتحدث سويا ورأسي في حجرها تداعبه بأناملها الحمراء التي صبغتها أوراق الحناء..مع أنني لا أحب الحناء ولا رائحتها ولكن نجامل ونتجمل..
وصليت العصر بمسجد صغير جوار المنزل وعدت إلى غرفتي ولم أجد عروسي..
وبعد مدة يسيرة جاءت ومعها ابنتها الكبيرة تحملان أطباق الغداء..وكان عبارة عن كبسة باللحم حمراء وطبقي جريش وقرصان وسلطة وعصير البرتقال الذي أكن له أعظم التقدير..
وكنت بين الشبع والجوع ولكن شهيتي بدأت تحاول الانفتاح..وتغدينا معا..
ثم شربنا الشاي..ثم عقدنا اجتماعا مغلقاً لم يسمح فيه بدخول أحد وخرجنا بقرار بالإجماع ألا وهو الخروج للنزهة وقضاء تلك الليلة في الفندق..
وبدأنا نجهز حقيبتنا للخروج..وقبيل المغرب قمنا خارجين من المنزل فتلقانا الصغير وحين رأى أمه بالعباءة صرخ صرخة سمعها من بين لابتي الحارة..وأخذ يبكي ويصرخ بهستيريا عنيفة..ويتعلق بأطراف عباءة عروسي التي هي والدته..
فقلت في نفسي بلهجة مصرية حزينة:يا دي النيلة ودي الليلة اللي متنيلة على الآخر..
وحاولت تهدئته فصرخ في وجهي كقط صغير متوحش:أنت ما لك شغل أنا أكلم أمي!!..
فسكت وقلت:صح وأنا وش لي شغل خله يكلم أمه..
وعبثا كانت تحاول أمه معه تهديه وتلاطفه وهو يحلف ويقسم أنه ليخرجن معنا ولا يطيع أحداً منا..
فظننت أنني خسرت المعركة وأنه سوف يبر بقسمه وينتصر علينا في نهاية الجولة ويكون جليسا بيننا في السيارة..
ولكن الحريم يا سادة..لقد تقطع قلبي حزنا وزعلا منه في نفس الوقت..
الحريم إذا قررن أخذ زمام المبادرة وتلقين المتعدي درساً فسوف ترون الأعاجيب..
وهذا ما سوف أرويه لكم في الحلقة القادمة بإذن الله تعالى..

الصفحة الأخيرة
تكفين ننتظر التكمله بسرعه