حب النفس فطرة أودعها الله تعالى في الإنسان ..
وهي تترجم بصدق من خلال حب الخير لها ..
وتمني السعادة لها ..
وسلوك سبيل النجاة الذي ينقذها من سوء العاقبة .
**
كلنا في هذه الدنيا نكد ونسعى ..
كلنا رائح فيها وغادي ..
تمضي أيامنا يلاحق ليلها نهارها بلا هوادة
البعض يشقى في التكالب على الدنيا ..
لايقنع منها ولا يكتفي .. بل يطمع إلى المزيد
ولكنه لا يجني من وراء ذلك إلا مزيداً من الشقاء
إذ جعل همه دنياه .. ونسي آخرته .
**
والبعض الآخر آمن بأن الدنيا مزرعة الآخر ة ..
فكان سعيه مشكوراً وجزاؤه عند الله موفورا .
يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم :
( كل الناس يغدو بائع نفسه فمعتقها أو موبقها ).
فالسعادة والنجاة بالنفس إذن هي في اتخاذ دنيانا
مطية للآخرة..
نرى البعض يتظاهر بالزهد من الدنيا ..
ويذمها على الملأ مستشهداً بالنصوص القرآنية ..
فإذا بحثنا وجدناه من المولعين بها ...!
فهو على حالة من التناقض يخالف باطنه ظاهره ..
وفي هذا يقول الشاعر :
ولم أر كالدنيا تُذمُّ صروفها
ونوسعها شتماً ونحن عبيدها
فرحم الله امرأً عرف حقيقة الدنيا ..
وكان ذمه لها بصدق ..
**
ولكن لا يعني الذم أن يعرض المرء عنها وينزوي
وإنما لايدع دنياه تشغله عن طاعة ربه ..
بل يحب منها كل مايقربه إلى الله تعالى ..
**
يقول علي بن أبي طالب كرم الله وجهه:
الدنيا دار صدق لمن صدقها ..
ودار نجاة لمن فهم عنها ..
ودار غنى لمن تزود منها ..
مهبط وحي الله .. ومصلى ملائكته ..
ومساجد أنبيائه .. ومتاجر أوليائه ..
ربحوا فيها الرحمة .. واكتسبوا فيها الجنة .
**
إن جلّ الناس شغلوا بالدنيا وغفلوا عن الآخرة
وابتعدوا عن دينهم ، وتهافتوا على دنياهم ..
فلم يحظوا بالسعادة من الدنيا ..
وخسروا الآخرة .
أختي المؤمنة :
مادام حب النفس غريزة ..
لأجل الحفاظ على ذاتنا الإنسانية ..
أقول لك :
أحبي نفسك ..!!
قوي رباط وصِلة الحب بينك وبينها ..
فإنك إن عجزت عن حب نفسك ، ولم تفيها حقها ..
وأهملت حاجاتها ..تكوني قد ظلمتيها
وبالتالي لن تستطيعي أن تكون محبة..
صادقي نفسك ، صارحيها ، سيري بها نحو الخير ،
أبعديها عن المهالك
لاتسرفي ولا تفرطي بها..
ولا تقتري أو تضيقي عليها ..
اتبعي سبيل التوسط معها ..
إن لنفسك عليك حقاً .. فأعطها حقها ...
فإن من يعجز عن حب نفسه ..
لهو أشد عجزاً عن حب غيره ..
إن أشد أنواع الصداقات صداقة المرء لنفسه .
**
لقد تعودنا على تفسير معنى : فلان يحب نفسه
أنه إنسانٌ أناني ..!
وهذا خطأ .!!
فحب النفس شعور بهجة يطفح إلى الخارج
يسرّ النفس ويفيض على الغير ..
إن تعلقنا بأشياء ووجدنا في نيلها سعادة
فنحن نحب أنفسنا ..
إن حققنا طموحاتنا وأمالنا ..فإننا نحب أنفسنا ..
إن طلبنا الترويح والسفر وسائر المتع البريئة
فنحن نحب أنفسنا..
كل مايجلب لنا الفرح من غير معصية ونحققه لنا
فنحن نحب أنفسنا ..
**
أما الأنانية
فهي تعصب ، وانطواء ، وأثرة ، وغرور ...
وهي عدوة للنفس تفتك بها ، وتهدم جدار إنسانيتها
وتجلب الكراهية والمقت .
**
إن النفس تحتاج إلى رعاية وإرشاد ..
حتى تستقيم على الحب السليم..
والمهم أولا أن تكتشفي إمكانيات نفسك ، وتعرفي قيمتها
وتتعرفي على جوانب الخير فيها ، وتنمّيها ..
وتفتشي على مواطن الشر فيها وتحاربيها ..
إن عوامل الشر ليست كامنة في أنفسنا فقط ..
بل هي منتشرة كالوباء فيما حولنا..
وقد نتعرض لعثرات وكبوات ونحن نحاول توجيه أنفسنا
نحو الخير دائماً ..
فلا تيأسي ! ولا تقسي على نفسك !
ناقشيها في أخطائها بدون أن تمتهنيها ..
وزيني لها الخير بدون أن تقسي عليها ..
إن في أعماقنا دائماً نزوع إلى الخير ، وحنين إلى الكمال
وتطلع إلى الارتقاء بالنفس ..
وذلك يتحقق بتربيتها.. وتهذيبها ..وتزكيتها
حتى ترتقي بهاإلى درجة تستأهل الفوز بالنعيم الاخروي ..
( قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها ).
الحب والسلام والصداقة
وامنحيها أولاً الحب والسلام والصداقة ..
لأن الناس لايتلقون منك إلا مايعكسه باطنك وسلوكك النفسي
لذا نجد أن الذين يعيشون في حالة نفور وحرب مع أنفسهم ..
هم أكثر من يضمر الحقد والعداوة للناس ويكون على ريبة منهم ..
غاليتي :
إن حب النفس لايعني الانطواء عليها ..
وتدليلها وتركها بدون رعاية ، وبدون واجبات
لا ..!!
إن الأنبياء ، والهداة ، وكل مميز من بني الإنسان
بدأوا بحب أنفسهم ، فندبوها للأعمال الجليلة ..
والجهاد العظيم .. وإبلاغ الرسالات السماوية الداعية
إلى الحق ،والخير، والرحمة، والحب .
**
وهذا يمنحنا المفهوم الصحيح لحب النفس .
ذلك الحب الذي برتفع بالنفس ويحلق بها عالياً
في أجواء العظمة ..
ذلك الحب الذي يخلّف أثراً لصاحبه ..
بعد أن يفارق دنياه..
ويترك له بصمة بارزة على صفحة الحياة .
**
أخيراً .. الحب فطرة
والتعبير عنها فن عظيم ..!
فابذلي جهدك في تربية نفسك وتوجيهها
نحو الخير ..!
ليزداد ثراؤك الروحي..
**
وكما قيل :
أعصاب المحبة وشرايينها تتمثل في هذه الثلاث :
التسامح ..
التفوق ..
التفاؤل .
فاثري بها نفسك ،
تكوني بخير .