قال تعالى : قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون .
فالجزية هي الخراج المضروب على رءوس الكفار إذلالا وصغارا والمعنى : حتى يعطوا الخراج عن رقابهم .
واختلف في اشتقاقها ، فقال القاضي في " الأحكام السلطانية " : اسمها مشتق من الجزاء إما جزاء على كفرهم لأخذها منهم صغارا ، أو جزاء على أماننا لهم لأخذها منهم رفقا .
قال صاحب " المغني " : هي مشتقة من جزاه بمعنى قضاه لقوله : لا تجزي نفس عن نفس شيئا ، فتكون الجزية مثل الفدية .
قال شيخنا : والأول أصح ، وهذا يرجع إلى أنها عقوبة أو أجرة .
وأما قوله : عن يد ، فهو في موضع النصب على الحال : أي يعطوها أذلاء مقهورين هذا هو الصحيح في الآية .
وقالت طائفة : المعنى من يد إلى يد نقدا غير نسيئة .
وقالت فرقة : من يده إلى يد الآخذ لا باعثا بها ولا موكلا في دفعها .
وقالت طائفة : معناه عن إنعام منكم عليهم بإقراركم لهم وبالقبول منهم ، والصحيح القول الأول وعليه الناس .
وأبعد كل البعد ولم يصب مراد الله من قال : المعنى : عن يد منهم ، أي عن قدرة على أدائها فلا تؤخذ من عاجز عنها ، وهذا الحكم صحيح وحمل الآية عليه باطل ، ولم يفسر به أحد من الصحابة ولا التابعين ولا سلف الأمة وإنما هو من حذاقة بعض المتأخرين .
وقوله تعالى : وهم صاغرون ، حال أخرى ، فالأول حال المسلمين في أخذ الجزية منهم ، أن يأخذوها بقهر وعن يد ، والثاني حال الدافع لها أن يدفعها وهو صاغر ذليل .
واختلف الناس في تفسير ( الصغار ) الذي يكونون عليه وقت أداء الجزية فقال عكرمة : أن يدفعها وهو قائم ، ويكون الآخذ جالسا .
وقالت طائفة : أن يأتي بها بنفسه ماشيا لا راكبا ، ويطال وقوفه عند إتيانه بها ويجر إلى الموضع الذي تؤخذ منه بالعنف ثم تجر يده ويمتهن .
وهذا كله مما لا دليل عليه ولا هو مقتضى الآية ولا نقل عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا عن الصحابة أنهم فعلوا ذلك .
والصواب في الآية أن الصغار هو التزامهم لجريان أحكام الملة عليهم ، وإعطاء الجزية فإن التزام ذلك هو الصغار .
وقد قال الإمام أحمد في رواية حنبل : كانوا يجرون في أيديهم ويختمون في أعناقهم إذا لم يؤدوا الصغار الذي قال الله تعالى : وهم صاغرون .
وهذا يدل على أن الذمي إذا بذل ما عليه والتزم الصغار لم يحتج إلى أن يجر بيده ويضرب .
وقد قال في رواية مهنا بن يحيى : يستحب أن يتعبوا في الجزية .
قال القاضي : ولم يرد تعذيبهم ولا تكليفهم فوق طاقتهم وإنما أراد الاستخفاف بهم وإذلالهم .
قلت : لما كانت يد المعطي العليا ، ويد الآخذ السفلى احترز الأئمة أن يكون الأمر كذلك في الجزية ، وأخذوها على وجه تكون يد المعطي السفلى ويد الآخذ العليا .
قال القاضي أبو يعلى : وفي هذا دلالة على أن هؤلاء النصارى الذين يتولون أعمال السلطان ويظهر منهم الظلم والاستعلاء على المسلمين وأخذ الضرائب لا ذمة لهم وأن دماءهم مباحة ; لأن الله تعالى وصفهم بإعطاء الجزية على وجه الصغار والذل .
وهذا الذي استنبطه القاضي من أصح الاستنباط ؛ فإن الله سبحانه وتعالى مد القتال إلى غاية وهي إعطاء الجزية مع الصغار ، فإذا كانت حالة النصراني وغيره من أهل الجزية منافية للذل والصغار فلا عصمة لدمه ولا ماله وليست له ذمة ، ومن هاهنا اشترط عليهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه تلك الشروط التي فيها صغارهم وإذلالهم ، وأنهم متى خرجوا عن شيء منها فلا عهد لهم ولا ذمة ، وقد حل للمسلمين منهم ما يحل من أهل الشقاق والمعاندة .
محبوبة رنودة @mhbob_rnod
كبيرة محررات
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
الصفحة الأخيرة
سُبْحَنَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَا الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ ءَايَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ (1) .
أَعُوذُ بِوَجْهِ اللهِ الّذِي لَيْسَ شَيءٌ أَعْظَمُ مِنْهُ، وَبِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ الّتِي لاَ يُجَاوِزُهُنَّ بَرٌّ وَلاَ فَاجِرٌ، وَبَأَسْمَاءِ اللهِ الحُسْنَى، مَا عَلِمْتُ مِنْهَا وَمَا لَمْ أَعْلَمْ، مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ وَذَرَأَ وَبَرَأَ، وَمِنْ شَرِّ مَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ، وَمِنْ شَرِّ مَا يَعْرُجُ فِيهَا، وَمِنْ شَرِّ مَا ذَرَأَ فِي الأَرْضِ، وَمِنْ شَرِّ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا، وَمِنْ شَرِّ فِتَنِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَمِنْ شَرِّ كُلِّ ذِي شَرٍّ رَبِّي آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ، وَمِنْ شَرِّ كُلِّ طَارِقٍ إِلاَّ طَارِقَاً يَطْرُقُ بِخَيْرٍ يَا رَحْمَنُ.
اللَّهُمَّ إِنّا نَعْلَمُ أَنَّ نَصْرَكَ آتٍ فَهَيِّئْ لَنا أَسْبَابَهُ وَاجْعَلْنا مِنْ جُنْدِكَ الغَالِبِينَ
اللَّهُمَّ عَجِّلْ بِالفَرَجِ يَا مَنْ بِيَدِهِ مَفَاتِيحُ الفَرَجِ
اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنَّا صَالِحَ الأَعْمَالِ وَاجْعَلهَا خَالِصةً لِوَجْهِكَ الكَرِيمِ..
وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَالتّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيِنِ، وَالحَمْدُ لله رَبِّ العَالَمِيِنَ.