أحلام ضبابية (( قصة من تأليفي )) ..

الأدب النبطي والفصيح

- قلتُ ابتعد ..
عبارة لفظتها بإطارات إلحاحٍ ممزوجٍ بالغنج ..فتهادت عيناه تتفن في ارتشاف طلة وجهها
المزّين بيسيرٍ من المكياج .. ..
أطرقت وهي تعدّل من خمارها و تتلفت يمنة و يسرة .. رغم علمها بأن هذا المكان -وهو عبارة
عن طريقٍ ضيق بين بيوتٍ مهجورة _ لا يأته أحدٌ من قريبٍ و لا من بعيد .. لذا جعلاه ملتقاهما
الوحيد ..
ففي مثل هذه اللحظات يجهل الزمن ذاته .. و تغيب الأفكار في رحم أللا وجود .. و تتبلّد الأطراف تبعاً لاشتعال المشاعر ..
انتبهت له و هو يقول برجاء (( حنان .. أريدكِ .. أريدكِ لي)) ..
علا الأرجوان خديها و أسدلت أهداباً كآفاق الليل الدافىء .. خانتها أفكارها .. و تعثرت بكلماتها ..
لكنها استطاعت أن تتمتم وبسرعة تخطف أثواب الثواني (( أخالكَ لا تخطئ طريق منزلنا .. فمتى صرتَ جاهزاً .. أنا بانتظارك .. وداعاً .. ))
مضت تختال في مشيها .. تتخطفها أيادي الأزقة .. وهو يحدّق فيها بكل ما أوتيَّ من بصر
إلى أن توارت عن ناظريه .. و التهمتها الطرقات .. ..
ابتسم في سرّه .. لكن الإنقباض سرعان ما نفث أنيابه بصدره .. فكيف لعاطلٍ عن العمل أن يتقدم
لفتاةٍ بغية الزواج ! و لكنه يريد حنان .. و بأي ثمنٍ من الأثمان .. فقد عشعش حبها بقلبه منذ عام
كان كلما رآها و اشرأبت عصافير مشاعره ووجدانه..راح يبحث عن عملٍ يُمكّنه من الاقتران بها
..
و العالم الأسود يراه نتيجةً وليدة لكل محاولاته .. لا يدري لِمَ الفشل لا ينفكّ عن مطاردته .. و لِمَ الحظ التعيس هذا يجرجر أذياله ليحطها أينما توجه هو بالذات ! فمنذ بداية مشوراه الدراسي
و البصمة النكراء يفتنها انكساره .. نعم .. كان يتأرجحُ ألماً كلما رأى تلك الخطوط الحمراء تخربش
شهاداته و تشوهها .. لكنه بعد ذلك اعتاد الأمر .. و أصبح لا يقيم للدراسة وزناً
و أبخسها كل ثمن .. لاسيما و إن والديه قد أنهكهما الزمن .. فلم يكونا قادرين على تقويمه
أو رسم أي آثارٍ على خطواته ..
حتى جاء ذلك اليوم الذي تحرر فيه من أصفاد المدرسة .. و هرب من سجنها دون سابق إنذار
و اليوم .. ها هو يتقرّح لما أهدر من أعوامٍ .. كانت بمثابة الأرض الخصبة..حيث يسهل
بذرها و زراعتها ..

تنهّد بحرقة و لوّى رأسه يتابع النجميات المرصعّة بأذيال السماء .. بدت و كأنها تنصت لشهقاته
و تعاين دفين عبراته .. مجَّ سيجارته بقوة .. و نفث دخانها و راح يتابع تلاشيه في الهواء.. سحق السيجارة تحت قدميه و صاح مغضباً : ((سخفٌ و غباء .. كل المهن المقبولة بشهادة!
و نحن لنا الأعمال المهينة ! منظف! حارس ! ما هذا !! و لكنني سأجبر العالم أجمع
على أن يراني أنا فوق السحاب .. و أهيم برفقة حنان .. نعم ..سأكسّر وجوه القوانين و سأحطم
ظهورها .. كما حطمني القدر و قهرني ))
جاءه صوت صاحبه و كأنه آتٍ من جحرٍ أثقَبَ بواطن الأرض و أجرى ميازيبها : (( نعم يا سليم .. لن تندم .. ثق بي .. و لا يغرنك ما يُعرض بالتلفزيون من قدرة الشرطة على الإيقاع بمتعاطي المخدرات فكله كذبٌ يخالط الكذب .. هم فقط يأبون لك و لأمثالك العيش بسعادة .. يغيظهم أن تطير مع من تعشق بأجنحةٍ من أحضان الجنة.. هم لايريدون لنا أن نحلق بعيداً عن همومنا و آلامنا .. إنهم يريدون خنقنا و نحن أحياء ))..

فتح سليم أبواب عالمه الجديد .. و استنشق هواءه الفاسد .. و صار يطير كما خبّره صاحبه..
يطير في عالمٍ لاوجود له ..عالمٌ تتلاعب بلوحاته فرشاة الخيال الكاذب .. و تتقاذفه أيادي الوهم
و الهروب من نقطة الضوء و الحقيقة..

في البداية استطعم حلاوة هذا العالم الزائف .. و تنّدم على كل لحظةٍ أسرفها في عالمه القديم
إلى أن اتجه ذات يوم إلى المقرّ الذي طالما جمعه و حنان .. فقد أعلمها عن رغبته في رؤيتها..
و عندما أطلت عليه كعادتها يسبقها عطرها الفوّاح .. ولونٌ أحمرٌ على الوجنتين و الشفاه منداح .. تيقظت خلايا عشقه .. و لكن هذه المرة بدت عليها إمارات القلق (( سليم .. لم أرك منذ مدة))
و بابتسامة عرضها السماوات و الأرض .. تتسم بالبلاهة أغمض إحدى عينيه وفرك أطراف أنفه (( اشتقتِ لي ها)) ..
تابعته بنظراتٍ لا تخلو من الريبة (( تبدو مرهقاً جداً .. و ما هذا الدقيق الأبيض أسفل أنفك ؟))
لم تسع له المجال ليتحدث فتابعت و كأنها في عجلةٍ من أمرها (( على كلٍ .. يجب أن أمضي الآن
فأحسب أن أخي يشك فـ )) ..
باغتها و جرَّ يدها وهو يقول و المخدِّر يسلب منه عقله و إدراكه (( تريدين أن تتهربي .. أنا أعلم)) ..
حاولت أن تفكّ يدها من بين يديه .. لكنه كان أقوى منها ..فأدركت بأنها أمام وحشٍ تسيره شهواته
ولا يملك من الإحساس ذرة .. فصاحت مستنجدة بدموعٍ فرّت مرعوبة .. فضربته بقدمها بكل
ما أوتيت من قوة و تركت لقدميها العنان .. فتبعها مترنحاً و كأنه غولاً يوّد التهام فريسته..
فما أسعفها إلا إقبال شقيقها الذي كانت قد شعرت بشكه فيها .. فأقبل نحو سليم
و سدد نحوه ضربة أوقعته على الأرض مستسلماً
فيما حنان راحت تمسح خربشات الكحل التي أحدثتها الدموع .. فالتفت إليها شقيقها بحدقتين مرعبتين .. جسّت خلالهما بأن غيظه لا يضاهى .. فبادرت وهي تشير لسليم (( هذا المجرم .. اعترض طريقي.. حمداً لله إنك قد جئت صدفةً )) ..

طالعها بعينين يراودهما الشك .. فهو لايصدقها و لكنه يريد أن يصدقها .. بل يجب أن يصدقها .. فذلك أدعى اطمئناناً و سكينة لقلبه..
أخرج من جيبه هاتفه الجوّال و اتصل بالشرطة مُخبراً عن متعاطي مخدرات ينشر الذعر بين الناس..

تحياتي ..
8
858

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

خطوات شفافة
خطوات شفافة
فنننن

أنتِ مبدعة ، اسمحي لي أن أرى مزيداً من هذا الإبداع فهذه المرة الأولى التي أقرأ لكِ فيها
أكثر ما أعجبني هي القضايا الإجتماعية التي شملتها القصة و بينتِ آثارها من قريبٍ أو من بعيد
موفقة إن شاءالله ، استمري ،،،،

اختك
فيض المحبة
فيض المحبة
قصة جميلة .. وتحكي الواقع المؤلم لكثير من شباب مجتمعاتنا وللأسف .
الإسلام ديني
الإسلام ديني
أختي العزيزة ..
(الجريمة ) ..

أشكر لكِ مروركِ الكريم ..
و ليس هناك أعذب و لا أطيب من كلمة صدقٍ
تعلقينها على جدار صفحتي ..

دمتِ ,..:26:
سكارلت
سكارلت
قصة جميلة

والأسلوب شيق ومحبب

ننتظر المزيد

إلى الأمام وبالتوفيق إن شاء الله
الإسلام ديني
الإسلام ديني
فيض المحبة ..
مروركِِ جميلٌ و عذب

دمتِ غاليتي ..