أما بعد أيها المسلمون :
أخرج البخاري بسنده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أنه قال : قَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اقْرَأْ عَلَيَّ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ آقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ قَالَ نَعَمْ فَقَرَأْتُ سُورَةَ النِّسَاءِ حَتَّى أَتَيْتُ إِلَى هَذِهِ الْآيَةِ ( فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا ) قَالَ حَسْبُكَ الْآنَ .. فَالْتَفَتُّ إِلَيْهِ فَإِذَا عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ ..
أيها الإخوة في الله :
يتضح لنا من هذا الحديث الصحيح ان النبي صلى الله عليه وسلم قد طلب من عبد الله بن مسعود ان يسمعه القرآن ، كما يتضح لنا تأثرَه الشديد بما سمع من آيات كريمات..
والسؤال الذي يطرح نفسه أين نحن من الاهتداء بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟؟ خصوصا ونحن نعيش بداية شهر القرآن ..
الإجابة : على هذا السؤال ستكون موضوع خطبتنا لهذا اليوم بإذنه تعالى ..
اخوة الإيمان :
اننا في عصر قد كثر فيه حفظة كتاب الله ، وسهل الله لنا قراءة القرآن والاستماع اليه ، عن طريق المصاحف المطبوعة في أحسن طباعة ، والأشرطة المسموعة بأحسن الأصوات فلله الحمد والمنة ،
ولكن هل استفاد المسلمون من هذه التقنيات الحديثة ، وحرصوا على قراءة القرآن والاستماع إليه كما كان صلى عليه وسلم يفعل .. هذا هو السؤال المهم ، والأهم منه هل طبق المسلمون ما يقرؤونه ويستمعون اليه ؟؟
ايها الاخوة: إن مما يؤسف له ان بعض المسلمين قد حصر القرآن في طقوس معينة ، وزوايا ضيقة ، وأصبح القرآن بالنسبة لهم شيئا من التراث ، يقرأ للبركة ، وربما كتقليد للآباء دون التأثر والتقيد بما يدعوا اليه القرآن ..وبالتالي فلا يرى له أثر على حياتهم ، ولا يستفيدون منه .
ولعل هذا الكلام يتضح بما يفعله البعض ، حيث يحصرون استعمال القرآن في افتتاح الحفلات والمناسبات ، وافتتاح الإذاعات والمحطات وعند إغلاقها ..
كما زينت بآياته المنازل والمكاتب ، وبأشكال هندسية ، وجعله البعض على شكل رقى وتمائم ، وعُلق على الأيدي والرقاب ، وربما تغنى به المرتزقة في المآتم والموالد ونحوها..
اهتمامات ضيقة وغيرُ صحيحة ، ولا يمكن ان تؤثر على سلوك الناس .. وفيها في الحقيقة امتهان لكتاب رب الأرباب..
ولعل من أوضح الصورة التي يمتهن فهيا كتاب الله ما يحصل في غالب الإذاعات والمحطات التلفزيونية.. فبينما الناس يستمعون إلى القرآن الكريم وإذا بالمذيعة تخرج متبرجة ، تخالف صراحة هذا القرآن ، وربما خالفت الآيات التي قرأت .. ثم يتلوها المسلسلات الماجنة ، والموسيقى الصاخبة والبرامج التي تحارب الله ورسوله صراحة .. ثم يختم البث بالقرآن ..
بل وصل الأمر ببعض البنوك الربوية أن تفتتح بعض احتفالاتها بآيات من الذكر الحكيم ..فأي امتهان بعد هذا الامتهان ..
ثم ان الناظر إلى واقع الناس يشاهد أن الملايين منهم تقرأ القرآن ، وربما تحفظه عن ظهر قلب ، وهذا شيء طيب ..
و لكنه يصدم عندما يرى سلوكهم يناقض ما يقرؤون ..؟؟
قد يظن البعض أن في هذا الكلام مبالغة شديدة ..
ولكن دعونا نطرح هذه الأسئلة على أنفسنا أولا .. ثم نطبقها على واقع الناس لنرى مدى قربنا وبعدنا من كتاب الله تعالى ..
هل نحرص على قراءة كتاب ربنا بتدبر وخشوع آناء الليل وأطراف النهار استجابة لأمره سبحانه حين قال ( كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ )
هل نشعر بالخشوع عندما نقرأ ونسمع الآيات الكريمات ، ونكونُ من الذين قال الله في وصفهم (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًَا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ).. هل نبكي عندما تمر بنا آيات العذاب ؟؟ هل نعظم الله تعالى عندما تمر بنا أسماء الرحمن وصفاته..؟؟
سؤال آخر .. هل تعاملنا مع المجتمع من حولنا وفق قوله تعالى (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا)..
هل تركنا غيبة الناس والوقوع في أعراضهم ، وتركنا التجسس عليهم وتتبعَ أخبارهم ، وهل احسنا الظن بالآخرين ، ونفذنا أمر ربنا حين يقول (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا ).
هل أنفقنا أموالنا ابتغاء مرضاة الله ، وطهرنا أنفسنا من الشح ، استجابة لأمر الله تعالى حين ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ، وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا ، وَأَنفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ ، وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ)
هل استعملنا ألسنتنا في قول الخير ، وخاطبنا الناس بالكلام الطيب الحسنِ المحببِ إلى القلوب ، وسددنا على الشيطان مداخله ، تنفيذا لقوله تعالى (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ، إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ ، إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا ) ويقول تعالى ( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ، إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ )
هل تحملنا أذى الآخرين ، وصبرنا على ما يصدر من السفهاء والحاقدين ، حتى نكثر من أصحابنا وأحبابنا من حولنا ، وحتى نكسب رضى الله عز وجل قبل كل شيء بتنفيذ أمره ،وإيماننا بوعده حيث يقول ( وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ، ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ، فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ )
هل حكَّمنا كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في جميع شئون حياتنا ،، استجابة لأمر ربنا حيث يقول (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا)
هل سلمنا لحكم ربنا ولم نجد في نفوسنا أي ضيق أو تبرم من تنفيذ حكمِه وحكمِ رسوله كما قال سبحانه ( فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) ..
هل سعينا على إنقاذ أنفسنا وأهلنا من نار جهنم استجابة لأمر بنا حيث يقول ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ )
هل طهرنا قلوبنا من محبة أعداء الله ، وطهر بيوتنا ومكاتبنا وبلادنا منهم الكفرة والمشركين .. اتباعا لقول الله عز وجل ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنْ الْحَقِّ)
هل غضضنا من أبصارنا ولم نطلقها بالنظر إلى الصور في الأسواق أو في المسلسلات والأفلام ونحوها من محارم الله ..خوفا من الله الذي يقول ( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ )
هل حافظنا على الصلوات المكتوبة في المسجد مع الجماعة خصوصا الصلاةِ الوسطى .. صلاةُ الفجر .. اتباعا لأمره سبحانه حيث يقول ( حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ).
وأخيرا هل استشفينا بكتاب الله تعالى من الأمراض النفسية والجسمية إيماننا بوعده جل وعلى حيث يقول (وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا)
أيها الاخوة : اسئلة عديدة تطرح في هذا المجال يتبن من خلالها .. ان القرآن تدخل في سلوكيات الناس ، وليس مجردَ كتابٍ مطبوع ..يوضع على الرفوف للبركة..
كما تبين من خلالها قرب الناس وبعدهم من كتاب ربهم جل وعلى ..
هذا الكتاب الذي انزل ليكون منهج حياة .. منهج حياة للفرد والمجتمع ، يسير عليه الصغير والكبير والحاكم والمحكوم ..ولا يمكن للحياة البشرية أن تستقيم إلا بالعمل على هديه وتعاليمه..
أعوذ بالله من الشيكان الرجيم(إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا) بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه
د.مشبب القحطاني @dmshbb_alkhtany
إمام وخطيب مفكرة المجلس عضو في جماعة التوعية الإسلامية
هذا الموضوع مغلق.
الصفحة الأخيرة
كل عام ونحن الي الله اقرب
عوداً حميداً شيخنا الفاضل
جزاك الله كل خير