الغيبة ... تأكل الحسنات
1- تحذير النبي صلى الله عليه وسلم من آفات اللسان عموماً:
عن سهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة)) .
قال ابن حجر: الضمان بمعنى الوفاء بترك المعصية . . . فالمعنى: من أدى الحق الذي على لسانه من النطق بما يجب عليه أو الصمت عما لا يعنيه.
وقال الداودي: المراد بما بين اللحيين: الفم ، قال : فيتناول الأقوال والأكل والشرب وسائر ما يتأتى بالفم من الفعل.
قال ابن بطال: دل الحديث على أن أعظم البلاء على المرء في الدنيا لسانه وفرجه ، فمن وقي شرهما وقي أعظم الشر .
وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزل بها في النار أبعد مما بين المشرق)) . وفي رواية له: ((يهوي بها في نار جهنم)) .
قال ابن حجر: ((بالكلمة)): أي الكلام. . . . ((ما يتبين فيها)) أي لا يتطلب معناها، أي لا يثبتها بفكره ولا يتأملها حتى يتثبت فيها . . .وقال بعض الشراح: المعنى أنه لا يبينها بعبارة واضحة.
وفي الكلمة التي يزل بها العبد قال ابن عبد البر : هي التي يقولها عند السلطان الجائر ، وزاد ابن بطال: بالبغي أو بالسعي على المسلم فتكون سبباً لهلاكه ، ونقل عن ابن وهب أنها التلفظ بالسوء والفحش.
وقال القاضي عياض: يحتمل أن تكون تلك الكلمة من الخنى والرفث ، وأن تكون في التعريض بالمسلم بكبيرة أو مجون أو استخفاف بحق النبوة.
قال النووي: في هذا الحديث حث على حفظ اللسان ، فينبغي لمن أراد أن ينطق أن يتدبر ما يقول قبل أن ينطق ، فإن ظهرت مصلحة تكلم، وإلا أمسك .
وفي حديث معاذ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (( ألا أخبرك بملاك ذلك كله ، قلت: بلى يا نبي الله ، فأخذ بلسانه ، قال : كف عليك هذا ، فقلت: يا نبي الله ، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ قال: ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم)) .
وفي حديث الترمذي أيضاً أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن أكثر ما يدخل الناس النار فقال: ((الفم والفرج)) .
قال المباركفوري: ((ملاك ذلك كله)) : الملاك ما به إحكام الشيء وتقويته . . أي ما تقوم به تلك العبادات جميعها.
((كف عليك هذا)) : لا تكلم بما لا يعنيك ، فإن من كثر كلامه كثر سقطه ، ومن كثر سقطه كثرت ذنوبه.
((ثكلتك)) هو دعاء عليه بالموت على ظاهره ، ولا يراد وقوعه ، بل هو تأديب وتنبيه من الغفلة وتعجيب وتعظيم للأمر.
((يكب الناس)) أي يلقيهم ويسقطهم ويصرعهم.
(على وجوههم أو على مناخرهم) شك من الراوي.
((إلا حصائد ألسنتهم)) لا يكب الناس في النار إلا حصائد ألسنتهم من الكفر والقذف والشتم والغيبة والنميمة والبهتان .
قال ابن رجب: هذا يدل على أن كف اللسان وضبطه وحبسه هو أصل الخير كله ، وأن من ملك لسانه فقد ملك أمره وأحكمه وضبطه.
وقال صلى الله عليه وسلم: (( إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تكفر اللسان فتقول: اتق الله فينا ، فإنما نحن بك ، فإن استقمت استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا)) .
قال ابن القيم: قولها: ((إنما نحن بك)) أي نجاتنا بك ، وهلاكنا بك ، ولهذا قالت ((فإن استقمت استقمنا ، وإن اعوججت اعوججنا)) .
قال الغزالي مبينا معنى الحديث: إن نطق اللسان يؤثر في أعضاء الإنسان بالتوفيق والخذلان ، فاللسان أشد الأعضاء جماحاً وطغياناً ، وأكثرها فساداً وعدواناً .
قال ابن حبان: اللسان إذا صلح تبين ذلك على الأعضاء ، وإذا فسد كذلك
الفرق بين الغيبة والبهتان والإفك:
بّين النبي صلى الله عليه وسلم الفرق بين الغيبة والبهتان, ففي الحديث "قيل: أرأيت إن كان فيه ما أقول؟ قال: ((إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته, وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته)) , وفي حديث عبد الله بن عمرو أنهم ذكروا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً فقالوا: لا يأكل حتى يُطعم, ولا يَرحل حتى يُرحل, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((اغتبتموه)) فقالوا: يا رسول الله: إنما حدثنا بما فيه قال: ((حسبك إذا ذكرت أخاك بما فيه)) .
والبهتان إنما يكون في الباطل كما قال الله : {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً} .
والبهت قد يكون غيبة، وقد يكون حضوراً ، قال النووي : "وأصل البهت أن يقال له الباطل في وجه" .
قال الحسن: الغيبة ثلاثة أوجه كلها في كتاب الله : الغيبة والإفك والبهتان.
فأما الغيبة فهو أن تقول في أخيك ما هو فيه ، وأما الإفك فأن تقول فيه ما بلغك عنه ، وأما البهتان فأن تقول فيه ما ليس فيه.
حكم الغيبة، وأدلة تحريمها في القرآن والسنة، وأقوال السلف في ذلك:
الغيبة حرام بإجماع أهل العلم كما نقل ذلك النووي .
واختلف العلماء في عدها من الكبائر أو الصغائر ، وقد نقل القرطبي الاتفاق على كونها من الكبائر لما جاء فيها من الوعيد الشديد في القرآن والسنة ولم يعتد رحمه الله بخلاف بعض أهل العلم ممن قال بأنها من الصغائر .
والقول بأنها من الكبائر هو قول جماهير أهل العلم صاحب كتاب العدة والخلاف في ذلك منقول عن الغزالي .
وقد فصل ابن حجر محاولاً الجمع بين الرأيين فقال: فمن اغتاب ولياً لله أو عالماً ليس كمن اغتاب مجهول الحالة مثلاً.
وقد قالوا: ضابطها ذكر الشخص بما يكره ، وهذا يختلف باختلاف ما يقال فيه ، وقد يشتد تأذيه بذلك .
أدلة تحريم الغيبة من القرآن الكريم:
أ- قال تعالى: { ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم} .
قال ابن عباس: حرم الله أن يغتاب المؤمن بشيء كما حرم الميتة.
قال القاضي أبو يعلى عن تمثيل الغيبة بأكل الميت: وهذا تأكيد لتحريم الغيبة ، لأن أكل لحم المسلم محظور ، ولأن النفوس تعافه من طريق الطبع ، فينبغي أن تكون الغيبة بمنزلته في الكراهة.
قوله ((فكرهتموه)) قال الفراء: أي فقد بغِّض إليكم . وقال الزجاج: والمعنى كما تكرهون أكل لحم ميتاً ، فكذلك تجنبوا ذكره بالسوء غائباً .
ب- قال تعالى: {ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان} .
قال ابن عباس في تفسير اللمز: لا يطعن بعضكم على بعض ، ونقل مثله عن مجاهد وسعيد وقتادة ومقاتل بن حيان .
قال ابن كثير {لا تلمزوا أنفسكم}: أي لا تلمزوا الناس ، والهماز واللماز من الرجال مذموم ملعون كما قال الله {ويل لكل همزة لمزة} .
فالهمز بالفعل، واللمز بالقول .
قال الشنقيطي: الهمز يكون بالفعل كالغمز بالعين احتقاراً أو ازدراءً، واللمز باللسان ، وتدخل فيه الغيبة .
ج- {ويل لكل همزة لمزة} .
وقد تقدم معنى الهمز واللمز وأن كليهما من الغيبة.
وقال قتادة في تفسيرها : يأكل لحوم الناس ويطعن عليهم.
وقال الزجاج: الهمزة اللمزة الذي يغتاب الناس ويغضهم.
وأما قوله {ويل} فقد ذكر له المفسرون معنيان:
1- أنها كلمة زجر ووعيد بمعنى: الخزي والعذاب والهلكة.
2- أنها واد في جهنم.
والآية نزلت في المشركين لكنها كما قال المفسرون عامة، إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب .
قال السعدي: وهذه الآيات إن كانت نزلت في بعض المشركين فإنها عامة في كل من اتصف بهذا الوصف لأن القرآن نزل لهداية الخلق كلهم، ويدخل فيه أول الأمة وآخرهم .
د- {ولا تطع كل حلاف مهين هماز مشاء بنميم} .
قال الشوكاني : الهماز: المغتاب للناس .
قال شيخ الإسلام في تفسيرها: {فلا تطع المكذبين} الآيات ، فتضمن أصلين:
أحدهما: أنه نهاه عن طاعة هذين الضربين فكان فيه فوائد.
منها: أن النهي عن طاعة المرء نهي عن التشبه به بالأولى ، فلا يطاع المكذب والحلاف ، ولا يعمل بمثل عملهما . . . فإن النهي عن قبول قول من يأمر بالخلق بالناقص أبلغ في الزجر من النهي عن التخلق به. . . إلى آخر كلامه رحمه الله .
أدلة تحريم الغيبة من السنة:
أ- قال صلى الله عليه وسلم : (( فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا)) .
قال ابن المنذر: قد حرم النبي الغيبة مودعاً بذلك أمته، وقرن تحريمها إلى تحريم الدماء والأموال ثم زاد تحريم ذلك تأكيداً بإعلامه بأن تحريم ذلك كحرمة البلد الحرام في الشهر الحرام .
قال النووي في شرحه على مسلم: المراد بذلك كله بيان توكيد غلظ تحريم الأموال والدماء والأعراض والتحذير من ذلك .
ب- وعن سعيد بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( من أربى الربى الاستطالة في عرض المسلم بغير حق)) .
وفي رواية لأبي داود : (( إن من أكبر الكبائر استطالة المرء في عرض رجل مسلم بغير حق)) .
قال أبو الطيب العظيم أبادي في شرحه لأبي داود: ((الاستطالة)) أي إطالة اللسان.
((في عرض المسلم)) أي احتقاره والترفع عليه والوقيعة فيه.
((بغير حق)) فيه تنبيه على أن العرض ربما تجوز استباحته في بعض الأحوال .
ج- وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم : حسبك من صفية أنها قصيرة ، فقال : ((لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته)) .
((لو مزج)) أي لو خلط بها أي على فرض تجسيدها وكونها مائعاً.
((لمزجته)) أي غلبته وغيرته وأفسدته .
قال المباركفوري: المعنى أن الغيبة لو كانت مما يمزج بالبحر لغيرته عن حاله مع كثرته وغزارته فكيف بأعمال نزرة خلطت بها .
د- ولما رجم الصحابة ماعزاً رضي الله عنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلين يقول أحدهما لصاحبه: ألم تر إلى هذا الذي ستر الله عليه فلم تدعه نفسه حتى رُجم رَجم الكلب.
فسار النبي صلى الله عليه وسلم ثم مر بجيفة حمار فقال: أين فلان وفلان؟ انزلا ، فكلا من جيفة هذا الحمار.
فقالا: يا نبي الله من يأكل هذا؟ قال: ما نلتماه من عرض أخيكما آنفاً أشد من أكل منه)) .
قال أبو الطيب في شرحه لأبي داود : (( فلما نلتما من عرض أخيكما)) قال في القاموس: نال من عرضه سبه.
(أشد من أكل منه) أي من الحمار .
من أقوال السلف في ذم الغيبة:
كان عمرو بن العاص يسير مع أصحابه فمر على بغل ميت قد انتفخ ، فقال: والله لأن يأكل أحدكم من هذا حتى يملأ بطنه خير من أن يأكل لحم مسلم .
وعن عدي بن حاتم : الغيبة مرعى اللئام .
وعن كعب الأحبار: الغيبة تحبط العمل .
ويقول الحسن البصري: والله للغيبة أسرع في دين المسلم من الأكلة في جسد ابن آدم .
قال سفيان بن عيينة : الغيبة أشد من الدّين ، الدّين يقضى ، والغيبة لا تقضى)) .
وقال سفيان الثوري : إياك والغيبة ، إياك والوقوع في الناس فيهلك دينك .
وسمع علي بن الحسين رجلاً يغتاب فقال: إياك والغيبة فإنها إدام كلاب الناس .
وقال أبو عاصم النبيل: لا يذكر الناس بما يكرهون إلا سفلة لا دين له.
كيفية التخلص من الغيبة:
1- تقوى الله عز وجل والاستحياء منه:
ويحصل هذا بسماع وقراءة آيات الوعيد والوعد وما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من أحاديث تحذر من الغيبة ومن كل معصية وشر، ومن ذلك {أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون} .
وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((استحيوا من الله عز وجل حق الحياء ، قلنا : يا رسول الله إنا نستحي والحمد لله ، قال: ليس ذاك ، ولكن من استحى من الله حق الحياء فليحفظ الرأس وما حوى ، وليحفظ البطن وما وعى . . )) .
2- تذكر مقدار الخسارة التي يخسرها المسلم من حسناته ويهديها لمن اغتابهم من أعدائه وسواهم.قال صلى الله عليه وسلم : (( أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع ، قال : المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وزكاة وصيام ، وقد شتم هذا وضرب هذا وأكل مال هذا ، فيأخذ هذا من حسناته ، وهذا من حسناته ، فإن فنيت حسناتهم أخذ من سيئاتهم فطرحت عليه ثم طرح في النار)) .
روي أن الحسن قيل له: إن فلاناً اغتابك، فبعث إليه الحسن رطباً على طبق وقال : بلغني أنك أهديت إلي من حسناتك فأردت أن أكافئك عليها، فاعذرني، فإني لا أقدر أن أكافئك على التمام .
3- أن يتذكر عيوبه وينشغل بها عن عيوب نفسه ، وأن يحذر من أن يبتليه الله بما يعيب به إخوانه.
قال أنس بن مالك: "أدركت بهذه البلدة – المدينة – أقواماً لم يكن لهم عيوب ، فعابوا الناس ، فصارت لهم عيوب ، وأدركت بهذه البلدة أقواماً كانت لهم عيوب فسكتوا عن عيوب الناس ، فنسيت عيوبهم" .
قال الحسن البصري : كنا نتحدث أن من عير أخاه بذنب قد تاب إلى الله منه ابتلاه الله عز وجل به .
قال أبو هريرة: يبصر أحدكم القذى في عين أخيه ولا يبصر الجذع في عين نفسه.
4- مجالسة الصالحين ومفارقة مجالس البطالين:
قال صلى الله عليه وسلم : ((مثل الجليس الصالح والجليس السوء كمثل صاحب المسك وكير الحداد ، لا يعدمك من صاحب المسك ، إما أن تشتريه أو تجد ريحه ، وكير الحداد يحرق بيتك أو ثوبك أو تجد منه ريحاً خبيثة)) .
قال النووي في فوائد الحديث : فيه فضيلة مجالسة الصالحين ، وأهل الخير والمروءة ومكارم الأخلاق والورع والعلم والأدب ، والنهي عن مجالسة أهل الشر وأهل البدع ومن يغتاب الناس أو يكثر فجوره وبطالته ، ونحو ذلك من الأنواع المذمومة .
4- قراءة سير الصالحين والنظر في سلوكهم وكيفية مجاهدتهم لأنفسهم:
قال أبو عاصم النبيل: ما اغتبت مسلماً منذ علمت أن الله حرم الغيبة .
قال الفضيل بن عياض: كان بعض أصحابنا نحفظ كلامه من الجمعة إلى الجمعة. أي لقِلّته .
وقال محمد بن المنكدر: كابدت نفسي أربعين سنة حتى استقامت .
5- أن يعاقب نفسه ويشارطها حتى تقلع عن الغيبة.
قال حرملة : سمعت رسول ابن وهب يقول: نذرت أني كلما اغتبت إنساناً أن أصوم يوماً فأجهدني ، فكنت أغتاب وأصوم.
فنويت أني كلما اغتبت إنساناً أني أتصدق بدرهم ، فمن حب الدراهم تركت الغيبة.
قال الذهبي : هكذا والله كان العلماء ، وهذا هو ثمرة العلم النافع .
جزاء الغيبة:
1- الفضيحة في الدنيا:
عن ابن عر قال : صعد رسول الله المنبر فنادى بصوت رفيع فقال: ((يا معشر من آمن بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه ، لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم ولا تتبعوا عوراتهم ، فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته ، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله)) .
وفي رواية للحديث في مسند أحمد ((لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم)) .
قال المباركفوري في قوله: ((ومن تتبع الله عورته)) قال : يكشف مساويه . . . لو كان في وسط منزله مخفياً من الناس .
قال أبو الطيب: أي يكشف عيوبه، وهذا في الآخرة، وقيل : معناه يجازيه بسوء صنيعه . . . أي يكشف مساويه . . . ولو كان في بيته مخفياً من الناس .
2- العذاب في القبر:
عن أبي بكرة رضي الله عهما قال : مر النبي صلى الله عليه وسلم بقبرين فقال: إنهما ليعذبان ، وما يعذبان في كبير ، أما أحدهما فيعذب البول ، وأما الآخر فيعذب بالغيبة)) .
قال قتادة : عذاب القبر ثلاثة أثلاث: ثلث من الغيبة ، وآخر من النميمة ، وآخر من البول .
وقوله : ((ما يعذبان في كبير)) قال الخطابي: معناه أنهما لم يعذبا في أمر كان يكبر عليهما أو يشق فعله لو أرادوا أن يفعلاه .
3- العذاب في النار:
عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال : هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم)) .
قال الطيبي: لما كان خمش الوجه والصدر من صفات النساء النائحات جعلهما جزاء من يغتاب ويفري في أعراض المسلمين ، إشعاراً بأنهما ليستا من صفات الرجال، بل هما من صفات النساء في أقبح حلة وأشوه صورة .
وعن أبي هريرة قال : قال صلى الله عليه وسلم : (( من أكل لحم أخيه في الدنيا قرِّب إليه يوم القيامة فيقال له: كُله ميتاً كما أكلته حياً فيأكله ويكلح ويصيح)) .
كفارة الغيبة:
الغيبة كغيرها من الكبائر فرض الله التوبة منها:
قال تعالى: { وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون} .
والتوبة النصوح هي التي تحقق شروط التوبة وهي:
أ- الندم: قال صلى الله عليه وسلم : ((الندم توبة)) . قال أبو الجوزاء : والذي نفس محمد بيده إن كفارة الذنب للندامة.
ب- أن يقلع عن الذنب قال ابن القيم : "لأن التوبة مستحيلة مع مباشرة الذنب" .
ج- العزم على أن لا يعود إليها: فعن النعمان بن بشير قال : سمعت عمر يقول : { توبوا إلى الله توبة نصوحاً} . قال : هو الرجل يعمل الذنب ثم يتوب ولا يريد أن يعمل به ولا يعود .
وهذه الشروط مطلوبة في سائر المعاصي ومنها التوبة.
شرط الاستحلال من الغيبة
وأضاف جمهور الفقهاء شرطاً وهو أن يستحل من اغتابه.
واستدلوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرض أو مال فليتحلله اليوم قبل أن تؤخذ منه يوم لا دينار ولا درهم ، فإن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته ، وإن لم يكن له أخذ من سيئاته فجعلت عليه)) .
قال البغوي: قوله (( فليتحلله)) أي ليسأله أن يجعله في حل من قبله، يقال: تحلله واستحللته إذا سألته أن يجعلك في حل، ومعناه: أن يقطع دعواه ويترك مظلمته ، فإن ما حرمه الله من الغيبة لا يمكن تحليله .
قال سفيان بن عيينة: الغيبة أشد عند الله عز وجل من الزنا وشرب الخمر ، لأن الزنا وشرب الخمر ذنب فيما بينك وبين الله عز وجل ، فإن تبت عنه تاب الله عليك ، والغيبة لا يغفر لك حتى يغفر لك صاحبك .
ورأى بعض الفقهاء ومنهم ابن تيمية وابن القيم وابن الصلاح وابن مفلح إسقاط شرط الاستحلال إذا أدى إلى أذية صاحب الحق وزيادة الجفوة بينهما.
قال ابن مفلح: "وهذا أحسن من إعلامه (أي الدعاء له) فإن في إعلامه زيادة إيذاء له ، فإن تضرر الإنسان بما علمه من شتمه أبلغ بما لا يعلم، ثم قد يكون ذلك سبب العدوان على الظالم . . . وفيه مفسدة ثالثة . . . وهي زوال ما بينهما من كمال الألفة والمحبة . . . ، وهذا الرأي مروي عن السلف.
قال حذيفة : كفارة من اغتبته أن تستغفر له ..
قال مجاهد: كفارة أكلك لحم أخيك أن تثني عليه وتدعوا له .
قال ابن المبارك: التوبة في الغيبة أن تستغفر لمن اغتبته .
وقال أيضاً: إذا اغتاب رجل رجلاً فلا يخبره ، ولكن يستغفر الله .
أسأل الله العلي القدير أن يبعدنا عن كل عمل يضيع فيه حسناتنا ..

توتة الرياض @tot_alryad
محررة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

جزاك الله خيرا حبيبتى
اللهم اغفر لنا وارحمنا واغفر لحميع المسلمين الذين اغتبناهم وارحمهم
اللهم اغفر لنا وارحمنا واغفر لحميع المسلمين الذين اغتبناهم وارحمهم


أخواتي في الله جعل الله لنا في الفردوس الأعلى منزلاً .. وجعلنا ممن أعتق الله رقابه من نار جهنم في يوم عرفة .. وجعلنا الله على سرر متقابلين في جنات النعيم

حياك الله اختي الغاليه... توته الرياض...
كل عام وانت بخير وصحه وسلامه... وتقبل الله منا ومنك صالح الاعمال.
جزاك الله كل خير ... على موضوعك القيم... جعلها الله في ميزان حسناتك.
بارك الله فيك وسدد خطاك وجعلك الله مباركه اينما كنت.
محبتك في الله
ورده الجوري
كل عام وانت بخير وصحه وسلامه... وتقبل الله منا ومنك صالح الاعمال.
جزاك الله كل خير ... على موضوعك القيم... جعلها الله في ميزان حسناتك.
بارك الله فيك وسدد خطاك وجعلك الله مباركه اينما كنت.
محبتك في الله
ورده الجوري
الصفحة الأخيرة
على الموضوع..