أختي الأم، هل حصولك على شهادة الدكتوراة يتم دون مردود سلبي على أبنائك؟

الأسرة والمجتمع



بسم الله الرحمن الرحيم

تطمحُ كثيرٌ من الأخوات المسلمات - الأمهات - ممّن أنعمَ اللهُ عليهن بالقدرةِ على المذاكرةِ والقراءةِ والتحضير - معَ ما يتطلبهُ منزلها من إدارةِ شؤونهِ وتربيةِ الأبناءِ - إلى مواصلةِ دراستها الجامعية فتعقبها درجة بأخرى حتى تصل إلى درجة دال نقطة حين تحصل على شهادة الدكتوراة ويُضاف إلى إسمها حَرف الدال وبعدهُ النقطة في كل ورقةٍ رسميةٍ يُسطر إسمها فيها ..

وكم يَفرح المرء ويُسر حين يصل إلى مسمَعه بين الفينةِ والأخرى خبرٌ عن أختٍ لهُ في اللهِ درست وتعلمت وتقدمت وحازت أسمى المناصب وأرفعها وهي في ذلك كله مثالاً حياً للمرأةِ المُسلمةِ المُتمسكة بحجابها وحشمتها دون أن يتعارض هذا مع تقدمها وتعليمها ..

وصول المرأة إلى هذهِ المرحلةِ لاشك أنه يتطلب أموراً عدة ، من ذلكَ كثرة إطلاعها وإشغال وقتها بالبحثِ والقراءةِ وزيادة معرفتها وتنمية ثقافتها وغيرها من الإيجابيات التي تعود على المرأةِ بالنفع والفائدة إن هي أخلصت نيتها للهِ سُبحانه وتعالى وطلبت بعملها هَذا نيل مرضاتِهِ وخدمة الإسلام والمسلمين بقدر إستطاعتها ..

وكما أنّ إنشغالها بدراستها وبحثها لهُ إيجَابيات لا تنكر ، إلا أن له سلبيات كذلك لا تنكر ، وهي ليست عامة لتشمَل كل إمرأة تواصل دراستها مابعد الجامعية ، وإنما تختصُ ببعض النساءِ اللاتي تظنّ إحداهنّ بأنّ وصولها إلى الشهادةِ يعني بالضرورةِ إهمالها لما سوى ذلك وتوكيل جُلّ مهامها المُناطة بها إلى الخادمةِ والزوج والأبناء لتبقى هي غارقة بين كتبها وأوراقها ..

الآثار التي تنتج عمّن كانت هذهِ تصرفاتها لاشكَ أنها آثارٌ متعددةٌ ومتفاوتة ، إلا أني سأتحدثُ تحديداً عن الأبناءِ والأثر السلبي الذي يترتب على إهمالِ والدتهم إياهُم بحجةِ إكمالها لدراستها وإنشغالها عنهُم بسببها ، وسأذكرُ لكم حادثة مرّت بي بالأمسِ كانت هي سبب كتابتي للموضوع ..

جلستُ البارحة مع قرةِ عَيني وريحانة فؤادي أختي الحبيبة نتسامر ونتبادل أطراف الحديث لتذكر لي من جملةِ الأخبار التي أخبرتني بها خبرَ جارتنا أم فلان ، إذ أنها على بُعدِ خطواتٍ يسيرةٍ جداً من نيل درجة الدكتوراة بعد أن دَرَسَت وتعبَت واجتهدَت وواصلت الليل بالنهار من أجل الوصول إلى هذه المنزلةِ التي تتمناها وتطمح إليها ، سرني الخبر بالطبع فهي إمرأة صالحة وزوجة رجل صالح ولا أسمع عنها وعن أدبها وأخلاقها إلا الخير ..

غير أني وأنا أستمعُ لحديث أختي الحبيبة ؛ تذكرتُ حالَ أكبر أبناء هذه المرأة ، واستطاعَ إدراكي القاصر أن يربط بين دراستها وإنشغالها وبين حال إبنها الذي لا يسُر ، فهو كما أسمع عنه شاذٌ أخلاقياً وله تصرفات يخجل المرء من أن تمر بباله فضلاً عن أن يكتب عنها ، هذا بالإضافةِ إلى انطوائِهِ وانعزالِهِ وانتفاء الرجولةِ في إهتماماته وأفكاره وتوجهاته .. عدتُ بالذاكرة إلى الوراء قليلاً لأتذكر بداية نشأة هذا الإبن حينما كان يخرج خارج المنزل بكثرة ، احتجاجاً منه بأن والدته لا ترغب ببقائه بجوارها حتى لا يُشغلها عن مُذاكرتها وقراءتها ..

وهكذا ، حازت الوالدةُ على شهادةِ الدكتوراة ، وحاز الإبنُ على شهادةِ الشذوذ الإخلاقي والإنهزامية الداخلية ، والتي بدورها ستنكعسُ مستقبلاً على واقع حياته حينما يصلُ إلى سنّ المرحلة الجامعية والاختلاط بالعالم الخارجي وربما السفر لأجل الدراسةِ والعملِ ..

قد تكونَ هذهِ المرأة تستعد لعمل الحفلِ الذي يليقُ بنجاحِها ونيلها لدرجةِ الكتوراة ، ولكن هل سنسمعُ عن رواقِ العزاءِ الذي ستقيمه على رجولةِ إبنها وشرفه ؟

من العار على الأمِّ وعلى الأبِ أن يبحثَ كلٌ منهما عن تقدمه الدراسي والوظيفي ويتخِذا لذلك أفضلَ الطرقِ وأبرز الأساليب ويصرفا لأجلِ ذلكَ ما شاء اللهُ لهما أن يصرفاه من الدراهم والريالات دون أن يتذكر أحدهما أن في البيت طفلٌ وطفلة وربما أطفال ، سيعودُ إنشغال آبائهم عنهُم بالأثر السلبيّ عليهم في مُستقبل حياتهم ..

لا ملامَة على الوالدين - والأم تحديداً - في الإكتفاءِ دراسياً بما وصلت إليه لأجل أن تجدَ الوقت الكافي للإلتفاتِ إلى الأبناءِ وإشباع إحتياجهم لها وأن تنشئهم في جو إيماني مُفعم بالمَحبةِ والإخاءِ والقربِ الوجدانيّ والعاطفيّ منهُم حتى لا يبحثوا عنه خارج جُدران المنزل ، وستجد من الإيجابيات الإجتماعية في واقع الأبناء من جرّاء هذا الإكتفاء الدراسي أضعافَ أضعافَ ما كانت ستجده إن هي واصلت دراستها موكلة مهامّ التربيةِ وملحقاتها إلى الخادمة ..

لا أعممُ الحديث إطلاقاً ، فمجتمعنا بحاجةٍ إلى نماذجَ مكررة لبعضِ نساءِ مُجتمعنا - العاملات والدارسات - التي يتشرف المرءُ بالإنتسابِ إلى البلدِ الذي ينتمينَ إليهِ .. ولكن أتحدثُ عمّن تتخذُ من إكمالِ دراستها فرصة سانحة لإهمالِ أبنائها وبناتها بحجةِ الدراسةِ ولأجل أن تتقدم إجتماعياً في أنظار الأخريات حين يُسبق إسمها بدال نقطة ..

عصرنا الحاضر بحاجةٍ إلى التقاربِ بكلِّ صورهِ بين الأم وأبنائها أكثر من أي عصرٍ مضى ، فاتق ِ اللهَ أختي الأم في أبنائك وبيتكِ وتذكري دائماً مُستقبلَ حياتكِ وماذا أعددت ِ لأبنائكِ وبناتكِ حين يصلوا إليهِ .. الفتن تحيط بنا من كل جانبٍ والمصائب تتطلب منـّـا مزيدَ حرصٍ وإهتمامٍ ، ولنعتبر بما نسمعُ ونقرأ قبل أن نكونَ وأبناءنا عبرة للمعتبرين ..

أسألُ اللهَ أن يُصلح حَالنا ومآلنا ويصلحَ لنا ولكُم الأبناءَ ويجعلهُم قرة أعينٍ لوالديهم ..
لا تَنسَوني وَوَالِدَيّ مِن صَالِح دَعَوَاتكُم ، غفرَ اللهُ لِي ولكُم ..

.

هادئ الطباع ، عالم حواء
الثلاثاء ، 6 / 6 / 1426 هـ
3
609

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

ماوية
ماوية
بارك الله فيك
هادئ الطباع
هادئ الطباع
الموقرة ماوية ،

وإياكِ ، جزاكِ الله خيراً وأحسن إليكِ ..
تولان
تولان
جزاك الله خير