زهرة جدة @zhr_gd
المتميزة
أخطاء في أدب المحادثة والمجالسة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد، وآله وصحبه أجمعين، وسلم تسليما كثيراً، أما بعد،،،
فإن للناس مجالس، وأحاديث، ولكل من المحادثة والمجالسة آداب وسنن، يحسن بالمرء مراعاتها، ويتجنب ما ينافيها؛ ليكون مجلسه تسوده الحكمة، وتغشاه السكينة، وتتنزل عليه الرحمة.
وإن المتأمل لأحاديثنا ومجالسنا ليلحظ خللاً كبيرًا؛ ذلك أنها تعمر ـ غالبًا ـ بالهذر الضار، واللغو الذي لا طائل تحته، ولا فائدة ترجى من ورائه.
فلا يعالج في تلك المجالس قضية، ولا يؤمر فيها بصدقة، أو معروف، أو إصلاح بين الناس، فلا غرو أن صارت وبالاً على أهليها؛ حيث فقدوا بركاتها، وحرموا خيراتها.
فما أحرانا أن تكون أحاديثنا ومجالسنا عامرة بالجد والحكمة، حافلة بما يعود علينا بالفائدة والمتعة، بعيدة عما ينافي الأدب والمروءة ، وإن مما يعين على ذلك أن تلقى الأضواء على ما يدور في مجالسنا وأحاديثنا من أخطاء؛ كي تتلافى ويسعى في علاجها.
أخطاء في أدب المحادثة والمجالسة:
1ـ الثرثرة1ـ
الثرثرة: وهي كثرة الكلام بلا فائدة، والثرثار هو كثير الكلام تكلفًا. والثرثار يتكلم في كل باب، فإذا حضر مجلسًا ملأه بكثرة الضجيج، وأشغله بفضول الكلام، فالثرثرة من مظاهر سوء الخلق، وهي دليل على نقص العقل ورقة الدين، قال النبي صلى الله عليه وسلم: رواه الترمذي وأحمد. وقال عطاء:'بترك الفضول تكمل العقول'.
وقال القاسمي:'إياك وفضول الكلام؛ فإنه يظهر من عيوبك ما بطن، ويحرك من عدوك ما سكن؛ فكلام الإنسان بيان فضله، وترجمان عقله؛ فاقصره على الجميل، واقتصر منه على القليل'.
2ـ الاستئثار بالحديث
: فهناك من يستأثر بالحديث، فلا يعطي غيره فرصة لأن يتكلم.
والأثرة بالحديث آفة قبيحة، ومن الأدب في الكلام أن يقتصد المسلم في تحدثه في المجالس، قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي:'وإياك أن تتصدى في مجالسك مع الناس للترؤس عليهم وأنت لست برئيس، وأن تكون ثرثارًا متصدرًا بكل كلام. وربما من جهلك وحمقك ملكت المجلس على الجلوس، وصرت أنت الخطيب والمتكلم دون غيرك. وإنما الآداب الشرعية والعرفية مطارحة الأحاديث، وكلٌ من الحاضرين يكون له نصيب من ذلك، اللهم إلا الصغار مع الكبار، فعليهم لزوم الأدب، وألا يتكلموا إلا جوابًا لغيرهم'.
3ـ الحديث عن النفس على سبيل المفاخرة:
فبعض الناس لا يفتأ يتحدث عن نفسه، فيذكر محاسنها ، ويمتدح أعماله، ويدخل في ذلك تحدثه عن ذكاء أولاده، وعن زوجته، وحسن تدبيرها، ونحو ذلك.
والأصل في مدح الإنسان نفسه المنع؛ لقوله تعالى: } فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى{ .
4ـ الغفلة عن مغبة الكلام:
فهناك من يطلق لسانه بالكلام دونما نظر في آثاره، أو أبعاده، غير عابئ بما يجره عليه من بلاء أو شقاء؛ فلربما كان سببًا في مقتله، أو في إذكاء عداوة، أو إشعال حرب، أو نحو ذلك.
قال أكثم بن صيفي:'مقتل الرجل بين فكيه' يعني: لسانه. بل إن الإنسان قد يتكلم بكلمة لا يلقى لها بالاً يهوى بها في جهنم، فعن النبي صلى الله عليه وسلم قال : رواه البخاري ومسلم . ولهذا يجب على العاقل أن يخزن لسانه، وأن يزن كلامه؛ حتى لا يقع فيما لا تحمد عقباه، فيندم ولات ساعة مندم.
5ـ قلة المراعاة لمشاعر الآخرين:
فمن الناس من هو غليظ الطبع، كثيف النفس، لا يراعى مشاعر الآخرين، ولا يأنف من مواجهتهم بما يكرهون، فتارة يُذكر الحاضرين بعيوبهم، وتارة يؤذيهم بلحن منطقة، وتارة يذكرهم بأمور يسوؤهم تذكرها.
قال ابن القيم رحمه الله : 'ومنهم من مخالطته حمى الروح، وهو الثقيل البغيض العقل، الذي لا يحسن أن يتكلم فيفيدك، ولا يحسن أن ينصت فيستفيد منك، ولا يعرف نفسه فيضعها في منزلتها. بل إن تكلم فكلامه كالعصى تنزل على قلوب السامعين مع إعجابه بكلامه وفرحه به؛ فهو يحدث من فيه كلما تحدث، ويظن أنه مسك يطيب به المجلس، وإن سكت فأثقل من نصف الرحا العظيمة، التي لا يطاق حملها ولا جرها على الأرض...'. ولهذا فالرجل النبيل، ذو المروءة والأدب هو من يراعي مشاعر الآخرين، فلا يؤذيهم بكلمة، ولا يجرح مشاعرهم بإشارة أو نحوها.
6ـ التعميم في الذم:
فتجد من الناس من يغلب عليه جانب المبالغة في إطلاق الأحكام، فتراه يعمم الحكم في ذم طائفة، أو قبيلة، أو جماعة من الناس. قال ابن المقفع:'إذا كنت في جماعة قوم أبدًا فلا تعمن جيلاً من الناس، أو أمة من الأمم بشتم ولا ذم؛ فإنك لا تدري لعلك تتناول بعض أعراض جلسائك مخطئًا فلا تأمن مكافأتهم، أو متعمدًا فتنسب إلى السفه.
ولا تذمن مع ذلك اسمًا من أسماء الرجال أو النساء بأن تقول: إن هذا لقبيحٌ من الأسماء؛ فإنك لا تدري لعل ذلك غير موافق لبعض جلسائك، ولعله يكون بعض أسماء الأهلين والحرم. ولا تستصغرن من هذا شيئًا؛ فكل ذلك يجرح في القلب، وجرح اللسان أشد من جرح اليد'.
7ـ كثرة الأسئلة
، وتعمد الإحراج فيها: فيسأل عما لا يعنيه، ويسأل الناس عن أمورهم الخاصة، التي لا يرتضون أن يطلع عليها أحد غيرهم، ثم إن السائل قد يُوْقعُ نَفْسَهُ فيما يسوؤه من رد موبخ مسكتٍ ، قال ابن عبد البر:'قال تميم بن نضر بن يسار لأعرابي: هل أصابتك تخمة؟
قال: أما من طعامك فلا'.
ودع السؤال عن الأمور وبحثها فلرب حافر حفرةٍ هو يصرع
8ـ سرعة الجواب:
فيجيب دون أن ينهي السائل كلامه، أو يجيب عن سؤال لم يوجه إليه، وأقبح ما في هذا أن يجيب المرء عن سؤال وجه إلى غيره، فهذا كله مناف لأدب المحادثة، قال عمر بن عبد العزيز :'خصلتان لا تعدمانك من الجاهل: كثرة الالتفات،وسرعة الجواب' .
9ـ الحرص على إبداء الرأي في كل صغيرة وكبيرة
:وهذا مما يتنافى مع الحزم؛ فليس من الحكمة أن يتعجل الإنسان إبداء الرأي؛ لأنه ربما جانب الصواب، وخالف الحقيقة، بل ربما قاده ذلك إلى أن يتعصب لرأيه ولو كان غير مصيب؛ كيلا يوصم بالعجلة والزلل. و آراء المرء له، وأقواله عليه؛ فإذا صرح بآرائه صار أسيرًا لها، مكبلًا في أغلالها، له غنمها، وعليه غرمها.
10ـ التعرض للسفلة والسفهاء:
فهناك من لا يأنف من مجاراة السفهاء، والتعرض للسفلة؛ فإذا ما جمعه بهم مجلس توسع في الحديث معهم، وتمادى في مضاحكتهم وممازحتهم، مما يجعله عرضة لسماع ما لا يرضيه من ساقط القول، فيصبح بذلك مساويًا لهم في سفههم وسفالتهم؛ إذ نزل إليهم، وانحط في حضيضهم.
إذا جاريت في خلق دنيئًا فأنت ومن تجاريه سواء
والمروءة أن يعرض المرء عنهم، ويدع الحديث معهم إلا بقدر ما تدعو إليه الحاجة؛ من سلام أورده، أو جواب لسؤال، أو نحو ذلك، قال تعالى:}خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ{ .
11ـ الحديث بما لا يناسب المقام:
فتراه يتكلم بالهزل في مواقف الجد، ويحاول إضحاك السامعين في مجلس يسوده الحزن. ومن الناس من يخاطب الأذكياء بخطاب لا يناسب إلا قاصري العقول، وربما خاطب محدود الذكاء بكلام لا تدركه أفهامهم، ومن هنا يفقد الكلام قيمته، ويصبح ضربًا من الهذيان، بل ربما عرض صاحبه للمز للناس وعيبهم إياه.
ولئن كان مراعاة مقتضى الأحوال حسنًا مطلوبًا من كل أحد ـ فلهو من الخطيب حال الخطابة أولى وأحرى؛ فلكل مقام مقال، ولكل جماعة من الناس لسان تخاطب به؛ فالأغنياء يرضي كبرياءهم نزعٌ من الكلام لا يقتضيه مقام الخطبة ليسوا كذلك.
والعلماء يجتذبهم الثناء الحسن، وأن يكون الكلام الذي يلقى عليهم أقرب إلى العمق والسلامة؛ ليسترعي انتباههم. ثم إن الجماعة الثائرة تخاطب بعبارات هادئة. والجماعة الخنسةُ تخاطب بعبارات مثيرة للحمية، موقظة للهمة، حافزة للعزيمة. والجماعة التي شطت وركبت رأسها تخاطب بعبارات فيها قوة العزم، ونور الحق، وفيها إرعادة المنذر، ويقظة المنقذ، وفيها روح الرحمة، وحسن الإيثار؛ليجتمع الترهيب مع الترغيب، ومع سيف النقمة ريحان الرحمة. لذلك وجب على الخطيب أن يكون قادرًا على إدراك حال الجماعة، وما تقتضيه تلك الحال، والإتيان بالأسلوب الذي يلائمها؛ ليصل إلى مواضع التأثير فيها.
12ـ الحديث عند من لا يرغب:
وهذا لا يحسن من ذي المروءة. قال مطرف: لا تطعم طعامك من لا يشتهيه .يريد لا تقبل على من لا يقبل عليك بوجهه.
ولا يدخل في ذلك كراهية الفساق والمجرمين لحديث الداعي إلى الله؛ فالعيب ليس فيه وإنما هو فيهم.
وما على العنبر الفواح من حرج أن مات من شمه الزبال والجعل
13ـ تكرار الحديث:
فهناك من يذكر الشيء في المجلس الواحد مرات، وهناك من يكرر كلامه كثيرًا بلا مسوغ، مما يجعل الأذواق تمجه، والآذان تستك من سماعه. فأما إذا احتيج إلى التكرار، وكان فيه زيادة فائدة، ولم يكن موصلاً إلى حد الملال؛ فلا بأس به.
14ـ التعالي على السامعين:
فمن الناس من إذا تحدث إلى أناس تعالى عليهم، وأزرى بهم.
وربما أشعر ـ ولو من طرف خفي ـ بأن السامعين لا يعون كلامه، ولا يدركون مراميه.
بل ربما تلمظ برطانة الأعاجم، وأدرجها في ثنايا حديثه بلا داع لذلك، وإنما قالها ليترفع على السامعين، وليظهر فضله عليهم!.
قال ابن المقفع:'تحفظ في مجلسك وكلامك من التطاول على الأصحاب، وطب نفسًا عن كثير مما يعرض لك فيه صواب القول والرأي؛ مداراةً؛ لئلا يظن أصحابك أن دأبك التطاول عليهم'.
قال الشيخ ابن سعدي :'واحذر غاية الحذر من احتقار من تجالسه من جميع الطبقات، وازدرائه، والاستهزاء به قولاً، أو فعلاً، أو إشارة أو تصريحًا، أو تعريضًا؛ فإن فيه ثلاثة محاذير:
أحدها: التحريم، والإثم على فاعل ذلك.
الثاني: دلالته على حمق صاحبه، وسفاهة عقله، وجهله.
الثالث: أنه باب من أبواب إثارة الشر، والضرر على نفسه'.
15ـ ترك الإصغاء للمتحدث:
وذلك بمقاطعته، ومنازعته الحديث، أو بالتشاغل عنه بقراءة جريدة أو كتاب، أو متابعة متحدث آخر. فينبغي للمرء أن يحسن الأدب مع من يتحدث أمامه، وقال الحسن:'إذا جلست فكن على أن تسمع أحرص منك على أن تقول، وتعلم حسن الاستماع كما تعلم حسن القول، ولا تقطع على أحد حديثه'.
16ـ الاستخفاف بحديث المتحدث
: فمن الناس من إذا سمع متحدثًا، وبدر من ذلك المتحدث خطأ يسير أو نحو ذلك؛ سفهه، واستخف بحديثه. ومن هذا القبيل ما يوجد عند بعض الناس، فما أن يتكلم أحد في مجلس إلا وتبدأ بينهم النظرات المريبة، التي تحمل استخفافًا وسخرية بالمتحدث.
وهذا لا يحسن أبدًا، عن معاذ بن سعد الأعور قال: كنت جالسا عند عطاء ابن أبي رباح، فحدث رجل بحديث، فعرض رجل من القوم في حديثه. قال: فغضب، وقال: ما هذه الطباع؟ إني لأسمع الحديث من الرجل، وأنا أعلم به، فأريه كأني لا أحسن شيئًا'.
17ـ المبادرة إلى إكمال الحديث عن المتحدث
: قال ابن عبد البر رحمه الله:'ومن سوء الأدب في المجالسة أن تقطع على جليسك حديثه، أو أن تبتدره إلى تمام ما ابتدأ به منه خبرًا كان، أو شعرًا تتم له البيت الذي بدأ به؛ تريه أنك أحفظ له منه، فهذا غاية في سوء المجالسة، بل يجب أن تصغي إليه كأنك لم تسمعه قط إلا منه'. وقال عطاء:'إن الرجل ليحدثني بالحديث فأنصت له كأني لم أسمعه وقد سمعته قبل أن يولد'.
18ـ القيام عن المتحدث قبل أن يكمل حديثه:
فهذا من قلة الأدب، ومما ينافي إكرام الجليس، قال أبو مجلز:'إذا جلس إليك رجل يتعمدك فلا تقم حتى تستأذنه'.
19ـ المسارعة إلى تكذيب المتحدث
: فمن الناس من إذا طرق سمعه كلام غريب من حدث ما ـ بادر إلى تكذيبه، وتفنيد قوله، إما تصريحا، أو تلميحا، أو إشارة باليد أو العين، أو أن يهمز من بجانبه؛ ليشعره بأن المتحدث كاذب.
فهذا العمل من العجلة المذمومة، ومن إساءة الظن بمن يتحدث، وهو مما ينفي كمال الأدب والمروءة.
فينبغي لمن استمع حديثًا من أحد ألا يبادر إلى تكذيبه، بل عليه أن ينصت له، وإن رأى في هذا في الحديث وجه غرابة فلا يستعجل الحكم عليه بالكذب، بل يستفصل لعله يبين له وجهته وأدلته، ثم إن تأكد من كذبه فلينصح له على انفراد؛ لئلا يعاود الكذب مرة أخرى. فإن عاد إليه، واقتضت المصلحة أن يبين كذبه، فلا بأس حينئذ من ذلك؛ حتى يرتدع من تلك الخصلة الذميمة.
20ـ التقصير في محادثة الصغار:
فلمحادثة المربي صغاره فائدةٌ عظمى، لتعليمهم آداب الحديث، فبذلك ينمو عقل الصغير، وتتوسع مداركه، ويزداد رغبة في الكشف عن حقائق الأمور، ومجريات الأحداث.
كما أن ذلك يكسبه الثقة في نفسه، ويورثه الجرأة والشجاعة الأدبية، ويشعره بالسعادة والطمأنينة، والقوة والاعتبار. مما يعده للبناء والعطاء، ويؤهله لأن يعيش كريمًا شجاعًا، صريحًا في حديثه، جريئًا في طرح آرائه.
ومع أهمية هذا الأمر وعظم فائدته إلا أن هناك تقصيرًا كبيرا فيه؛ فكثير من الناس لا يأبه بمحادثة صغاره ولا يلقي بالاً لتعليمهم عن أسئلتهم إذا هم سألوا، بل ربما كذبهم إذا أخبروا، ونهرهم وأسكتهم إذا تكلموا وهذا من الخلل والتقصير؛ فهذا الصنيع مما يولد الخوف في نفس الصغير، كما يورثه التردد، والذلة، والمهانة، والخجل الشديد، وفقدان الثقة بالنفس. بل قد يعجز عن الكلام، وقد يصاب بعيوب النطق من فأفأة، وتمتمة، ونحوها.
فيحسن بالمربين والآباء إذا خاطبهم الصغار أن يقبلوا عليهم، وأن يصغوا إلى حديثهم، وأن يجيبوا عن أسئلتهم، وأن ينأوا عن كل ما يشعر باحتقار الصغار وازدرائهم.
21ـ الوقيعة في الناس:
فهناك من إذا جلس مجلسًا وقع في الناس، ورتع في أعراضهم، وأطلق لسانه في ذمهم وعيبهم، غيبة، ونميمة، وافتراء وبهتانًا. ومن أصاخ السمع، وأصغى الفؤاد لمن ينم أو يغتاب؛ فهو مشارك له في الإثم.
ومن يطع الواشين لا يتركوا له صديقًا ولو كان الحبيب المقربا
قال الشافعي رحمه الله:
المرء إن كان عاقلاً ورعًـا أشغله عن عيوب غيره ورعه
كمـا العليل السقيم أشغله عـن وجع الناس كلهم وجعه
22ـ التسرع في نشر الأخبار قبل التثبت منها ومن جدوى نشرها
: فمن الناس من إذا سمع خبرًا طار به، وسعى في نشره وبثه بين الناس، قبل أن يتثبت من صحته ومن جدوى نشره.
وهذا من الأخطاء الكبيرة التي يحصل بسببها الاختلاف والافتراق.
فالعاقل لا يتكلم إلا إذا تثبت من صحة الكلام، فإذا ثبت لديه صحته نظر:فإن كان في نشره حفز للخير واجتماع وألفة؛ نشره وأظهره، وإن كان الأمر بخلاف ذلك؛ كتم الخبر وستره.
ولقد ورد النهي عن أن يحدث المرء بكل ما سمع، قال النبي صلى الله عليه وسلم: رواه مسلم .
22ـ الكذب:
فما أكثر الكذب في مجالس الناس، فمن الناس من إذا حضر مجلسا أطلق لسانه بالكذب، فتراه يأتي بالغرائب، ويغرب في العجائب؛ كل ذلك لأجل أن يستظرف ظله، ويستطرف حديثه، ويرغب في مجلسه. بل ربما ادعى الفضل، وتشدق بكثرة الأعمال مع أنه عاطل من ذلك كله، وإنما قال ذلك ادعاءً وتظاهرًا، ومجاراةً لأهل الفضل. والكذب دليل على ضعة النفس،وحقارة الشأن، وسقوط الهمة، وقد قال عليه الصلاة والسلام : رواه البخاري ومسلم.
24ـ سماع كلام الناس بعضهم ببعض وقبول ذلك دون تمحيص أو تثبت:
قال الشيخ ابن سعدي:' من الغلط الفاحش الخطر قبول قول الناس بعضهم ببعض، ثم يبني عليه السامع حبًا وبغضًا، ومدحًا وذمًا. فكم حصل بهذا الغلط من أمور صار عاقبتها الندامة، وكم أشاع الناس عن الناس أمورًا لا حقائق لها بالكلية، أولها بعض الحقيقة فنميت بالكذب والزور، وخصوصًا ممن عرفوا بعدم المبالاة بالنقل، أو عرف منهم الهوى، فالواجب على العاقل التثبت والتحرز، وبهذا يعرف دين المرء ورزانته وعقله'.
25ـ رفع الصوت من غير حاجة أو داع إلى ذلك:
وهذا مما ينافي أدب الحديث، قال تعالى:}وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ{ .
قال ابن سعدي في تفسير الآية:' }وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ{:أدبًا مع الناس، ومع الله، } إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ{ أي أفظعها وأبشعها }لَصَوْتُ الْحَمِيرِ{ فلو كان في رفع الصوت البليغ فائدة ومصلحة لما اختص الحمار بذلك، الذي علمت خسته وبلادته'.
يتبـــــــع
10
2K
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
اختي الغالية زهرة..
لا املك سوا ان اقول لكِ
جـــزاك الله خيـــــراً
اختي الغالية زهرة..
لا املك سوا ان اقول لكِ
جـــزاك الله خيـــــراً
الصفحة الأخيرة
من الناس من إذا خاطب الناس أغلظ لهم القول، وجابههم بالعنف، وواجههم بالشدة. مما يبذر الشقاق الذي نهينا عنه . وللكلمة الطيبة وقع عظيم في القلب؛ فكم من مودة استجلبت بها، وكم من عداوة زالت بسببها، قال تعالى: }وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا{ . وقال تعالى: }وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً{ .
27ـ الشدة في العتاب:
عند أدنى هفوة أو زلة، إما لحدة في طبعه، وإما لظنه أنه لو لم يفعل ذلك لسقطت منزلته، أو غير ذلك.
والشدة في العتاب، وقلة التغاضي عما يصدر من الأخطاء؛ مما يسبب النفور، فالعاقل اللبيب لا يعاتب إخوانه عند كل صغيرة وكبيرة، بل يلتمس لهم المعاذير، ويحملهم على أحسن المحامل.
ثم إن كان هناك ما يستوجب العتاب عتبهم عتابًا لينًا رقيقًا، ثم ما أحسن المرء أن يتغاضى ويتغافل؛ فالتغاضي والتغافل من أخلاق الكبار:
ليس الغبي بسيد في قومه لكن سيد قومه المتغابي
وما يصدر من الصديق إن كان من قبيل العثرة التي تقع في حال غفلة، أو كان خطأ في اجتهاد في الرأي؛ فذلك موضع الصفح والتجاوز، ولا ينبغي أن يكون له في نقص الصداقة أثر كبير أو قليل.
وأما إن كان عن زهد في الصحبة، أو انصرافًا عن الصداقة؛ فلك أن تزهد به، وتقطع النظر عن صداقته.
28ـ التقصير في أدب الحوار .
29ـ الجدال والمراء والخصومة:
عند كل صغيرة وكبيرة، لا لجلب مصلحة، ولا لدرء مفسدة، ولا لهدف الوصول إلى الحق والأخذ به، وإنما رغبة في اللدد، وحبًا في التشفي من الطرف الآخر.
ولهذا تجد الواحد من هؤلاء يسفه صاحبه، ويرذل رأيه، ويرد قوله، فلا يمكن ـ والحالة هذه ـ أن يصل المتجادلون إلى نتيجة طالما أن الحق ليس رائدهم ومقصودهم.
قال ابن عباس رضي الله عنهما:'كفى بك ظلمًا ألا تزال مخاصمًا، وكفى بك إثمًا ألا تزال مماريًا'. وقال الأوزاعي:'إذا أراد الله بقوم شرًا ألزمهم الجدل، ومنعهم العمل'.
و قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله:'من جعل دينه غرضًا للخصومات أكثر التنقل'.
وقال جعفر بن محمد رحمه الله:'إياكم وهذه الخصومات؛ فإنها تشغل القلب'.
30ـ حب المعارضة والخالفة:
فمن الناس من هو محب للمعارضة، كلفٌ بالمخالفة، قال ابن حزم:' إياك ومخالفة الجليس، ومعارضة أهل زمانك فيما لا يضرك في دنياك ولا في آخرتك، وإن قل؛ فإنك تستفيد بذلك الأذى، والمنافرة، والعداوة. وربما أدى ذلك إلى المطالبة والضرر العظيم دون منفعة أصلاً'. وقال الخطابي ـ محذرًا من هذا الأمر-:'وقال بعضهم: إن من الناس من يولع بالخلاف أبدًا، حتى إنه يرى أن أفضل الأمور ألا يوافق أحدًا، ولا يجامعه على رأي، ولا يواتيه على محبة.
ومن كان هذا عادته فإنه لا يبصر الحق، ولا ينصره، ولا يعتقده دينًا ومذهبًا. إنما يتعصب لرأيه، وينتقم لنفسه، ويسعى في مرضاتها، حتى إنك لو رمت أن تترضاه، وتوخيت أن توافقه على الرأي الذي يدعوك إليه ـ تعمد لخلافك فيه، ولم يرض به حتى ينتقل إلى نقيض قوله الأول، فإن عدت في ذلك إلى وفاقه عاد فيه خلافك.
قال الخطابي: فمن كان بهذه الحال فعليك بمساعدته، والنفار عن قربه؛ فإن رضاه غاية لا تدرك، ومدى شأوه لا تلحق'.
31ـ بذاءة اللسان والتفحش في القول:
قال الإمام النووي:'ما ينهى عن الفحش، وبذاءة اللسان... ومعناه: التعبير عن الأمور المستقبحة بعبارة صريحة وإن كانت صحيحةً، والمتكلم بها صادقًا، ويقع ذلك كثيرًا في ألفاظ الوقاع ونحوها. وينبغي أن يستعمل في ذلك الكنايات، ويعبر عنها بعبارة جميلة يفهم بها الغرض. وبهذا جاء القرآن العزيز، والسنن الصحيحة المكرمة، قال تعالى:}أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ...{ . ... قال العلماء: فينبغي أن يستعمل في هذا وما شبهه من العبارات التي يستحيا من ذكرها بصريح اسمها الكنايات المفهمة، فيكنى عن جماع المرأة بالإفضاء، والدخول، والمعاشرة، والوقائع، ونحوها'.
قال صلى الله عليه وسلم: رواه الترمذي وأحمد. ومما يدخل في فحش القول: ما كان مستنكر الظاهر، وإن كان معناه سليمًا بعد تدقيق النظر فيه.
32ـ التقعر في الكلام:
وهو أن يتكلم المرء بأقصى قعر فمه؛ إظهارًا لفصاحته، وتميزه، وبراعته.
وذلك ممقوت مذموم، قال الإمام النووي:'ويكره التقعير في الكلام بالتشدق، وتكلف السجع، والتصنع بالمقدمات التي يعتادها المتفاصحون، وزخارف القول. فكل ذلك من التكلف المذموم، وكذلك تكلف السجع، وكذلك التحري في دقائق الإعراب، ووحشي اللغة في حال مخاطبة العوام. بل ينبغي أن يقصد في مخاطبته لفظًا يفهمه صاحبه فهمًا جليًا، ولا يستثقله'. قال النبي صلى الله عليه وسلم: رواه الترمذي وأحمد. وليس معنى ذلك ألا يحرص المرء على حسن منطقه، وإنما المقصود ألا يغرق في التكلف فيتعدى حدود الذوق.
33ـ الخوض فيما لا طائل تحته:
فأكثر الناس لا يكاد ينقطع لهم كلام، واهتمامهم إنما هو بطرح قضايا باردة، أو موضوعات تافهة، تدور حول الصغائر والسفاسف والمحقرات، فتارة يتحدثون عن الرياضة ومن فاز، ومن هزم، ومن أصيب من اللاعبين ومن شفى؟ وتارة عن الفن وأخبار أهله، وقراءة مذكراتهم، ومتابعة آخر أعمالهم، وإن سمت تلك المجالس قليلاً أغرقت بالحديث عن حطام الدنيا، وعن المصالح الخاصة فحسب، وإلا ملئت بتسقط الأخبار، وتتبع العيوب، ونحو ذلك . قال تعالى: } لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا{ .
فأولى لتلك المجالس أن تشغل بما ينفع، وذلك بالتواصي بالبر والتقوى، مسائل العلم التي يصحح بها الإنسان عقيدته وعمله، أو بالحديث عن أخبار المسلمين في أنحاء المعمورة، وبيان ما يصيبهم من البأساء واللأواء؛ حتى تنبعث القلوب للتعاطف معهم، وبذلك ما يستطاع من مال، أو دعاء، أو نحو ذلك مما يعود بالفائدة في الدنيا والآخرة. أو أن تشتمل على أخبار الكرام، والشجعان، وذوي المروءات، ونحو ذلك مما يجمع إلى جانب المتعة الفائدة.
34ـ كثرة التلاوم:
وهذا دأب كثير من الناس، يقضون الساعات الطوال في التلاوم، وذم الأوضاع، وانتقاد الآخرين، والتشدق بمعالي الأمور دون سعي لها.
35ـ كثرة الشكوى إلى الناس:
فما أكثر ما يرى من ديدنه الشكوى إلى الناس، وكثرة التسخط،
فتراه يشكو فقره، وأولاده، وزوجته،ودابته، ومزرعته، وعمله، ومديره، ومن تحت يده، وربما شكى الحر والقر وهكذا... فهذا الصنيع دليل على ضعة النفس، وقلة التحمل.
واللائق بالمسلم العاقل أن يتحلى بالصبر الجميل، وألا يشكو إلا إلى ربه، وألا ينزل حاجاته إلا ببابه، فالناس لا يملكون له ضرًا ولا نفعًا.
وإذا شكوت إلى ابن آدم إنما تشكو الرحيم إلى الذي لا يرحم
36ـ كثرة الحديث عن النساء:
وليس المقصود ههنا ما يدور في مجالس الخنا، وإنما المقصود في هذا المقام ما يدور في بعض المجالس العامة، وربما كان ذلك في بعض مجالس الفضلاء، فتجد تلك المجالس تعمر بذكر النساء، وربما كانت تلك المجالس ميدانًا للتنافس، والتفاخر، والتحدي؛ فهذا يفاخر بأنه قد عدد، وهذا يتحدى صاحبه بأن يتزوج بثانية، وهذا يزري بالآخرين؛ لاقتصارهم على واحدة.
وليس المقصود من هذا أن يمنع الحديث عن النساء بإطلاق، وإنما المقصود ألا يكون ذلك سمة في المرء، وديدنًا وعادة له.
37ـ كثرة الهزل:
فهناك من الناس من إذا جلس مجلسًا أضفى عليه من هزله، وسخريته، وكلامه السمج الذي يسمونه:'التنكيت' الخارج عن حدود الأدب واللياقة؛ فإن هؤلاء المنكتين ينالهم الذل والصغار، واحتقار العقلاء لهم، فيكبرون وهم الأصغرون.
38ـ كثرة المزاح:
بعض الناس يغلب عليه كثرة المزاح، وربما أسفَّ فيه، ومزح مع من لا يرغب في المزاح، قال بعض الحكماء:'من كثر مزاحه زالت هيبته'. وقال ميمون بن مهران:'إذا كان المزاح أمام الكلام فآخره الشتم واللطام'.
و المزاح لا ينبغي الإكثار منه، ولا الإسفاف فيه، وإنما يكون في الكلام كالملح في الطعام إن عدم أو زاد على الحد فهو مذموم.
39 ـ كثرة الحلف:
بمناسبة وبدون مناسبة. أما إذا احتاج المسلم إلى اليمين أو طلبت منه ـ فلا بأس في ذلك.
40ـ تتبع عثرات الجليس .
41ـ تكليف الرجل جلاسه بخدمته:
وهذا الصنيع ليس من المروءة في شيء؛ إذ المروءة تقتضي القيام بخدمة الزائر، والمبالغة في إكرامه، قال عمر بن عبدالعزيز:'ليس من المروءة أن يستخدم الإنسان ضيفه' .
42ـ التناجي:
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : رواه البخاري ومسلم . قال ابن حجر رحمه الله:'قال الخطابي: وإنما قال: يحزنه؛ لأنه قد يتوهم أن نجواهما إنما هي لسوء رأيهما فيه، أو لدسيسة غائلة له' .
قال ابن حجر:'قال المازري ومن تبعه: لا فرق في المعنى بين الاثنين والجماعة، لوجود المعنى في حق الواحد. زاد القرطبي: بل وجوده في العدد الكثير أمكن وأشد؛ فليكن المنع أولى.
وإنما خص الثلاثة بالذكر، لأنه أول عدد يتصور فيه ذلك المعنى، فمهما وجد المعنى فيه ألحق به في الحكم'.
43ـ القيام بما ينافي الذوق في المجالس
: فلا يحسن بالمرء أن يصدر منه ما ينافي الذوق، وما يبعث على الكراهة والاشمئزاز، كأن يتجشأ في المجلس، أو أن يتثاءب، أو يتمخط، أو يبصق في حضرة غيره. ومن هذا القبيل: تخليل الأسنان، وإدخال الأصبع في الأنف، وكثرة التنحنح، والقهقهة، والتمطي، والعبث بالشارب، أو اللحية، ونحو ذلك.
44ـ مزاولة المنكرات في المجالس:
كشرب الدخان، وسماع الأغاني، ومشاهدة المحرمات من أفلام خليعة ونحوها. وكالغيبة والنميمة، والاستهزاء بالدين، وبعباد الله الصالحين ونحو ذلك. فهذه المجالس مجالس زور وخنا لا يجوز شهودها، ولا السكوت عما يدور فيها لمن حضرها.
45ـ حضور مجالس اللغو ومداهنة أهلها
: فهناك من يحضر مجالس اللغو ولا يشاركهم في منكرهم، ولكنه لا ينكر عليهم ، ويظن أنه في منجي من الإثم؛ لأنه لم يشاركهم في زعمه!.
وهذا خطأ ؛ إذ لا يجوز للمرء أن يشهد مجالس الزور إلا إذا كان سينكر عليهم، أما إذا سكت عنهم فقد وقع في المداهنة المحرمة. بل قد يظنون أن سكوته عنهم إنما هو إقرار لهم، ورضًا عما يصدر منهم.
46ـ الجلوس على هيئة تشعر بقلة الأدب
: كأن يضطجع وهم جلوس إلا لعذر، أو أن يضع رجله في مواجهتهم أو نحو ذلك.
47ـ الجلوس وسط الحلقة: وهذا مما ينافي الأدب في المجالس.
48ـ التفريق بين اثنين متجالسين دون إذنهما:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: رواه أبوداود والترمذي وأحمد .
فهذا مما يشعر بقلة الأدب، وقلة المراعاة لمشاعر الآخرين، ولأجل ذلك نهى عنه؛ حفاظًا على استبقاء روح المودة بين المسلمين.
49ـ إقامة الرجل من مجلسه والجلوس مكانه:
فَعَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: رواه البخاري ومسلم .
50ـ الجلوس في مكان الرجل إذا قام لحاجة:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رواه مسلم . قال النووي رحمه الله :'قال أصحابنا: هذا الحديث فيمن جلس في موضع من المسجد أو غيره لصلاة مثلاً، ثم فارقه؛ ليعود، بأن فارقه ليتوضأ، أو يقضي شغلاً يسيرًا ثم يعود ـ لم يبطل اختصاصه، بل إذا رجع فهو أحق به في تلك الصلاة، فإن كان قد قعد فيه غيره فله أن يقيمه، وعلى القاعد أن يفارقه لهذا الحديث' .
51ـ ترك السلام حال دخول المجلس وحال الخروج منه: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رواه أبوداود والترمذي وأحمد .
52ـ الإخلال بأمانة المجالس:
فمن الناس من يحضر المجالس فلا يراعي حرمتها، ولا يحفظ حقوقها، بل تراه يسرد أخبارها، ويفشي أسرارها. وكم من مصالح تعطلت؛ لاستهانة بعض الناس بأمانة المجالس، وذكرهم ما يدور فيها. فالمجالس لها حرمات يجب أن تصان، ما دام الذي يجري فيها مقيدًا ومضبوطًا بقوانين الأدب وشرائع الدين.
ومن الإخلال بأمانة المجالس أن يفشي المرء سر صاحبه إذا جلس إليه، وأفضى إليه بمكنونه، وأشعره بأنه لا يحب اطلاع أحد عليه، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: رواه أبو داود والترمذي وأحمد .
قال ابن سعدي رحمه الله :'كن حافظًا للسر، معروفًا عند الناس بحفظه؛ فإنهم إذا عرفوا منك هذه الحال أفضوا إليك بأسرارهم، وعذروك إذا طويت سر غيرك الذي هم عليه مشفقون، وخصوصًا إذا كان لك اتصال بكل واحد من المتعادين؛ فإن الوسائل لاستخراج ما عندك تكثر وتتعدد من كل من الطرفين، فإياك إياك أن يظفر أحد منهم بشيء من ذلك تصريحًا أو تعريضًا.
واعلم أن للناس في استخراج ما عند الإنسان طرقًا دقيقة، ومسالك خفية؛ فاجعل كل احتمال ـ وإن بعد ـ على بالك، ولا تؤت من جهة من جهاتك؛ فإن هذا من الحزم. واجزم بأنك لا تندم على الكتمان، وإنما الضرر، والندم في العجلة، والتسرع، والوثوق بالناس ثقة تحملك على ما يضره.
53ـ فقدان المودة والصفاء، وشيوع الكراهية والبغضاء .
54ـ قلة ذكر الله في المجالس:
فكثير من المجالس تعمر بالقيل والقال، وباللغو واللغط، ويقل فيه ذكر الله، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الأمر مدعاة لنزع البركة، وحلول النقمة والحسرة، فَعَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: رواه الترمذي وأحمد .
55ـ قلة المبالاة بقول كفارة المجلس: كثير من الناس يكثر لغطه ولغوه، ثم يقوم من المجلس دون أن يقول الدعاء الوارد في نهايته. فاللائق بالمسلم أن يحافظ على هذا الدعاء؛ حتى يحصل على الأجر العظيم المترتب على قوله، وليسلم من تبعات ما صدر منه في ذلك المجلس، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رواه الترمذي وأحمد .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وسلام على المرسلين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
من كتاب:' أخطاء في أدب المحادثة والمجالسة ' للشيخ/محمد بن إبراهيم الحمد