أدبـــــــــــــــــــــاء... ولكن !!!
قال لي – وقد أقبل على عجل - : أتسمح لي أن أتلو عليك هذا النص لتضبط لي تلاوته و شكله ؟..
قلت تفضل !..
وأقبلت إليه مستجمعآ كل انتباهي و فكري ، و أنا أحسب أنه سيلقي إلي بنص من كلام عامر بن الظرب ، أو حميمة بن رافع ، أو أنمار بن أراش ، أو غيرهم ممن عاشوا في الجاهلية ، وتركوا ورائهم تضاريس من الكلام الذي نحسبه اليوم حوشيآ مستهجنآ ، وكانوا يرونه رقيقآ فصيحآ مشرقآ.
ولكنه لم يقرأ علي شيئآ من هذا الذي توقعته ، و إنما فاجأني بقراءة بضع آيات من القرآن ، من سورة آل عمران!..
و أصغيت إليه ، و إذا هو لا يهتدي في تلاوتها إلى صحة نطق أو سلامة آداء !..
وتأملته ، وهو يعالج لسانه في إبانتها ، فرأيته يستجمع من الجهد ، لاستخراج الكلمة من تجاويف فمه ، ما لو بذل مثله طفل رضيع لتكلم وهو في المهد !..
وسرحت نظري في وجهه ، وهومنهمك فيما هو فيه ، و إذا بالعرق يكده من جبينه و أطراف وجهه !..
ورأيتني و أنا أرده عن أغلاطه الكثيرة ، و أنبهه إلى صوابها ، أزيده على جهده بلاء آخر ، و أحيره من حيث أريد تبصيره !.. فانتظرته حتى انتهى ، ثم قلت له :
يعطيك الله العافية ، فما أنت و هذا النص ، ومن الذي ابتلاك به و حملك هذا الجهد الجهيد في معالجته ؟!..
فأجابني وهو يمسح العرق عن جبينه ، أريد أن ألقي عليه درسآ في العربية !!..
فقلت له و قد خيل إلي أن أرض الغرفة بدأت تدور بي : درس في العربية ؟..
و أستاذ اللغة العربية أنت؟!!..
قال : أنا من طلاب الآداب ، قسم اللغة العربية ، وقد عهد إلي بتدريس ساعات في اللغة العربية في ا لمدارس .
قلت : ولكن في الصغار الذين تدرسهم من يتقن تلاوة هذا النص أكثر منك !..
فأجابني ، وقد بدت دلائل انفعال على وجهه : إنني أختص باللغة العربية ، لا في الدين و القرآن !..
فقلت له : إن هذا الذي تقول ، هو أصل المشكلة التي تعانيها أنت و أمثالك ..
أنت تختص بالعربية لا بالدين و القرآن !.. حسنآ فما الذي أقحمك إذآ في تدريس هذا النص من القرآن ، و أنت إنما تعلم العربية و الأدب ؟!..
اسمع ياهذا : إن ثمة حقيقة لا مرية فيها و لاجدال . هي أن العربية بكل ما لها من قواعد وبلاغة وفقه اللغة ، مرتكزة على القرآن .
فقواعد النحو و الصرف لم توجد إلا يوم قام أبو الأسود الدؤلس بشكل القرآن و ضبطه... وقواعد البلاغة و البيان لم تؤسس إلا على محور القرآن ، ولم تستنبط إلا من أسلوبه و طريقة تعبيره .
وعندما وضع علماء البيان أصول الكناية و المجاز و الاستعارة ، فأنما احتذوا في ذلك حذو القرآن.
والقرآن هو الذي فصل بين عنصرين خطيرين للنثر العربي : النثر في العصر الجاهلي ، و النثر في العصر الاسلامي ، فجسد في كل منهما ميزاته وخصائصه ،
فقد كانت بلاغة القرآن هي اللون الجديد لصبغة النثر خلال العصور الإسلامية كلها .
فكيف يصح لك أن تزعم – مع هذا كله – أو تتخيل ، بأنك عندما تسير في طريق دراسة اللغة العربية ، تكون بسبيل من أن لا تلتفت إلى القرآن ، و أن لا تعنى بشيء من بحوثه ودراساته ؟!..
وكيف يتأتى أن يترطن الرجل بقراءة القرآن الذي هذا شأنه ، و يتلوى لسانه و يتعثر في تلاوته العثرات العجيبة المضحكة ، ثم يكون بعد ذلك أديبآ من الأدباء ، يحسب واحدآ منهم ، ويشق معهم للأدب سبيل التطور و التقدم و النظر و البحث ؟!........
ثم قلت لمدرس العربية :
حسبك اليوم من المسألة ما قد سمعت ، وعليك أن تستدرك ما بقي لديك من الوقت في ضبط النص و إتقان تلاوته .
فإذا كان صباح الغد ، وفرغت من إلقاء درسك فعد إلي لأحدثك عن السر الجاثم وراء هذه المشكلة !.
بقلم:
د. محمد سعيد رمضان البوطي
*
6
674
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

نــــور
•
في البداية أشكرك على الرد
وثانيآ
الشخص الذي طلب المعونة لم يفكر يومآ في أن يفتح القرآن الكريم و يقرأفيه
ولكنه اضطر إلى ذلك لأجل الدرس الذي كلف به
وهذا واضح في الحوار الذي دار بينهما
و على هذا المنوال يوجد الكثيرون الذين لا يعني لهم القرآن شيئآ ويفصلونه عن باقي العلوم
لذلك لابد من عدم التسرع في الحكم على هذا المربي الفاضل و الثقة في فراسته في التفريق بين إنسان يرغب في تعلم القرآن لينفع نفسه و غيره و بين آخر يريد تعلم مقطع واحد ليطبق عليه درسه و لا يفكر في فتحه ثانية
وشكرآ لتساؤلك الذي أضاف الكثير
وثانيآ
الشخص الذي طلب المعونة لم يفكر يومآ في أن يفتح القرآن الكريم و يقرأفيه
ولكنه اضطر إلى ذلك لأجل الدرس الذي كلف به
وهذا واضح في الحوار الذي دار بينهما
و على هذا المنوال يوجد الكثيرون الذين لا يعني لهم القرآن شيئآ ويفصلونه عن باقي العلوم
لذلك لابد من عدم التسرع في الحكم على هذا المربي الفاضل و الثقة في فراسته في التفريق بين إنسان يرغب في تعلم القرآن لينفع نفسه و غيره و بين آخر يريد تعلم مقطع واحد ليطبق عليه درسه و لا يفكر في فتحه ثانية
وشكرآ لتساؤلك الذي أضاف الكثير

الغالية نور
أولا جزاك الله خيرا على هذه المقتطفات القيمة
وثانيا ما قالته أختك فيه شيء من الصواب وتعاملنا مع أمثال هذا الطالب يجب أن يكون فيه قليل من الترغيب
كما لا يجوز الإستخفاف بأحد
وعذرا يا بوطي ولكن هذا رأيي
واستدراكه في تعليم الطالب مأجور عليه
بارك الله فيك وفيه
أولا جزاك الله خيرا على هذه المقتطفات القيمة
وثانيا ما قالته أختك فيه شيء من الصواب وتعاملنا مع أمثال هذا الطالب يجب أن يكون فيه قليل من الترغيب
كما لا يجوز الإستخفاف بأحد
وعذرا يا بوطي ولكن هذا رأيي
واستدراكه في تعليم الطالب مأجور عليه
بارك الله فيك وفيه

نــــور
•
شكرآ لإضافتك يا صباح ودخولك الموضوع يكفي
لكنني متحيزة لرأي البوطي ربما لأنني قرأت المقالة كاملة
فقد كانت البداية بأن بين للطالب سوء قراءته ووضع لديه شعور بتأنيب الضمير
ثم شرح له أسباب هذه المشكلة المتفاقمة و كيفية العودة بنقاش هاديء جميل
حتى إن الشاب أخذ يسأل و يستفسر ووعد بالعودة ليتعلم
ومن ناحية أخرى فقد صادفت أمثال هؤلاء الشباب في الجامعة فكانت الوافتاة تعتبر القرآن من أثقل الهموم و أصعب المواد
و ذلك طبعآ لأنها لم تحدثها نفسها يومآ بأن تفتحه
و التوبيخ ليس من طبع البوطي بالذات بل هو معروف عنه الهدوء التام و المنطقي
و لعل حالة هذا الشاب استلزمت هذا النوع من العلاج فكل مرض و كما نعلم و له علاج
وشكرآ لمحاورتكم
لكنني متحيزة لرأي البوطي ربما لأنني قرأت المقالة كاملة
فقد كانت البداية بأن بين للطالب سوء قراءته ووضع لديه شعور بتأنيب الضمير
ثم شرح له أسباب هذه المشكلة المتفاقمة و كيفية العودة بنقاش هاديء جميل
حتى إن الشاب أخذ يسأل و يستفسر ووعد بالعودة ليتعلم
ومن ناحية أخرى فقد صادفت أمثال هؤلاء الشباب في الجامعة فكانت الوافتاة تعتبر القرآن من أثقل الهموم و أصعب المواد
و ذلك طبعآ لأنها لم تحدثها نفسها يومآ بأن تفتحه
و التوبيخ ليس من طبع البوطي بالذات بل هو معروف عنه الهدوء التام و المنطقي
و لعل حالة هذا الشاب استلزمت هذا النوع من العلاج فكل مرض و كما نعلم و له علاج
وشكرآ لمحاورتكم

بحور 217
•
ووضع الندي في موضع السيف بالعلا ....... مضر كوضع السيف في موضع الندى .
...
وقسى ليزدجروا ومن يك راحما ...... فليقس أحيانا على من يرحم
...
جزاك الله خيرا يا نور الشمس .
...
وقسى ليزدجروا ومن يك راحما ...... فليقس أحيانا على من يرحم
...
جزاك الله خيرا يا نور الشمس .
الصفحة الأخيرة
شكرا وعذرا ...................................... ولك تحياتي.