((هل أدخل ؟؟! ))
تساءلت و أنا أقف قبالة الباب المعدني القديم .. لكنني لم أحصد جواباً و لا رداً ..
فتحت الباب .. فأبدى أزيزاً أثار ضيقي .. دخلت ببطىء و سرت بهدوء تام .. فأنا وَجِلٌ للغاية .. فقد هجرت هذا المنزل منذ مدة .. و لكن .. ربما يستسمح أهله مني .. و يعتذرون لما بدر منهم تجاهي .. و يضمونني بعد ذلك بدافي قلوبهم ..
رأيت قبالتي تلك الدار ذات الجدران العارية من أي طلاء .. دخلتها بهدوء .. اصطدمت عيناي بمكتبٍ قد جار عليه الزمن فأثكله أبواب أدراجه .. وفوقه .. كانت شاشة التلفاز الضخمة .. و بقربها وضعت الأجهزة التي بدت ذات جودة فضلى .. من فيديو و (رسيفر ) و مسجل ضخم .. له سماعاتٌ امتداداتها لا تنتهي !! و من الناحية الأخرى كانت تركن تلك الخزانة الشبه محطمة بعدما ودعت معظم أرففها ..
هالني العجب .. فالكماليات من أفضل ما صُنع .. و الأسياسيات تقرأ الفاتحة لدنو وفاتها !
انتبهتُ على صوت (جابر ) الأستاذ ذو الأربعين عاماً وهو يزعق بأخوته الذين جلسوا أمامه و كأنهم طلابٌ بالمدرسة ينصتون للدرس !
((و أين هو ذلك المنحرف الآن ؟؟! ))..
أجاب أخيه ((مجيد )) الذي يصغره بسبعة أعوام و يعمل ممرضاً بإحدى المستشفيات (( لن تراه إلا غداً فجراً .. فهو يخرج منذ أن يسدل الظلام أشرعته .. و لا يأتِ إلا مع بزوغ الشمس !))
دارت عيون جابر بين عيون أخوته الخمسة .. حيث إن سادسهم قد خرج كعادته وهو أصغرهم إذ لا يتجاوز السابعة عشر من عمره .. و لكن يبدو إنه قد فقد حياته الفضلى .. و غرته قرون الشياطين ..
صاح جابر بكبرياءه المعتاد (( أتعلمون ما السبب في إنحراف أخيكم ؟ أتدرون لِمَ هذا الفقر الذي تعيشونه و هذا الخراب الذي تقطنونه ؟؟! ))
تعطشت العيون لمعرفة السر .. فإذا به يشير إلى تلك المرأة العجوز التي بذلت نفسها في سبيلهم .. حتى امتصوا شبابها و رموا بها كنفايةٍِ لا يعيرونها إلا الإحتقار .. حتى إن ملابسها قد غزاها التمزق و الذوبان !
(( هذه .. هذه الجاهلة هي السبب فيما أنتم فيه )) ..
كانت المسكينة تطوي ملابس أولادها و تضعهم بالخزانة .. فهذا كل ما تستطيع عاجزةٌ مثلها أن تفعله .. فطالعت ذلك الذي يُدعى ( ابنها جابر ) بعينين كسيرتين .. و ارتسمت على شفتيها الذابلتين تلك الإبتسامة المؤلمة ..
فاستيقظتُ أنا لهذا المشهد الفظيع و زعقت بهم حيث إنهم كالعادة يتجاهلون وجودي (( لماذا أنتم صامتون !! هذا الذي تستمعون لحديثه هو ابنٌ عاق !! فهل أنتم أيضاً كذلك !! ))
الكل تجاهلني و أدار عني وجهه .. فاستطرد جابر يوّد إغاظتي ((منذ هذه اللحظة .. أمنع أيكم من إعطاء هذه المرأة (( وهو يشير لأمه العجوز )) أي نقود .. فأنتم تعلمون أنها لا تستحق منكم أي شيء !! فهي المخربة الحقيقية لكل ما يحدث في هذا المنزل فاحتقروها و اعتبروها مجرد حجارة قابعة معكم )) ..
أطرقت المرأة المسكينة بأسى .. فصحتُ بابنها حتى نخر صوتي أعماقه (( و لكنها بحاجة إليكم .. هي مريضة و بحاجة للدواء .. هي بحاجة لملابسٍ جيدة تسترها كما سترتكم صغاراً .. أفضركم أن تسترونها كباراً ؟؟!! ))
فهتف مكابراً وهو يدير بظهره عني (( إنها ليست بعازٍ إلا لطعامِ جروٍ يسد رمقها و كفى ))
فصرخت حتى تمزقت قلوب الجميع لرفيع صوتي (( و لكنها أمكم !! أمكم !! إنها أمكم !! ))
و إذا بي أفاجىء بصفعةٍ من كف جابر .. تلتها صفعةٌ من كف مجيد و توالت الصفعات عليّ من كل حدبٍ وصوب .. و امتدت لي الركلات القاسية كلما صرخت أو هتفت .. حتى تقطعت أنفاسي .. و شارفت على مفارقة الحياة .. فتمتمت بآخر رمقاتي (( أنا ضميركم .. فاسعدوا اليوم و اعلنوها .. بأن ضميركم اليوم مات .. )) ..
---------------
تحياتي و يسعدني قراءة انتقاداتكم و آرائكم ..
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
أختي العزيزة ..
كم هو قلمي طربٌ .. لمرورك العذب هذا ..
و كم هو غبِطٌ .. لروعة كلماتك المثورة ..
لكِ تحياتي عزيزتي دونا .. :26:
كم هو قلمي طربٌ .. لمرورك العذب هذا ..
و كم هو غبِطٌ .. لروعة كلماتك المثورة ..
لكِ تحياتي عزيزتي دونا .. :26:
الصفحة الأخيرة
صوت لا يسمع..
و نصح لا ينفع..
رغم أنها نابع من أعماق النفس البشرية..
من ذلك الشخص الحكيم المسمى بالضمير...
-*-*-*-*-*-*-*-*-
شعرت بنبضات كلماتك تبشرنا بولادة قلم واعد..
قصة رائعة المعنى و الأسلوب و عبقة الخيال..
لسطورك جمال و سحر فلا تحرمينا منه..