السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخي المسلم .. ربك يعجب ممّن يقوم الليل
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" عجب ربنا عز وجل من رجلين: رجل ثار عن وطائه ولحافه من بين أهله وحبه إلى صلاته ، فيقول ربنا : أيا ملائكتي انظروا إلى عبدي ، ثار من فراشه ووطائه ومن بين حبه وأهله إلى صلاته رغبة فيما عندي وشفقةً مما عندي " أخرجه أحمد وأبو داود من حديث ابن مسعود رضي الله عنه
فيا له من عمل جليل يعجب ربك من رجاله ..
ترى .. أي سر اكتشفه هؤلاء في الليل حتى أحبوه وعشقوه وفضلوا ظلمته على وضح النهار ؟
انتزعوا نفوسهم من وثير الفرش وهدوء المساكن وسكون الكون ..
غالبوا هواتف النوم وآثروا الأنس بالله والرجاء في وعد الله ..
عجبا كيف أخرجوا النور من قلب الظلمة .. وصاغوا حلل الفجر من خيوط الليل ؟!
كيف حولوا الوحشة إلى أنس .. والانقطاع إلى صلة ؟
يقول سليمان الداراني : لولا الليل ما أحببت البقاء في الدنيا ..
ويقول علي بن بكار : منذ أربعين سنة ما أحزنني إلا طلوع الفجر ..
ترى أي أسرار كانت لهم في الليل ؟
قلت : لليل كم بصدرك سر أخبرني ما أروع الأسرار ؟
قال : ما ضاء في ظلامي سر كدموع المنيب في الأسحار
نعم هذه هي أسرار الليل التي فروا إليها …
فياحسنهم والليل قد أقبل بظلمته وهدأت عنهم أصوات خليقته وقدموا إلى سيدهم الذي له يأملون .. فلو رأيت أيها البطال أحدهم وقد قام إلى صلاته وقراءته فلما وقف في محرابه واستفتح كلام سيده خطر على قلبه أن ذلك المقام هو المقام الذي يقوم فيه الناس لرب العالمين فانخلع قلبه .. وذهل عقله !!
قد هدّ أجسامهم الوعيد وغيّـر ألوانهم السهر الشديد .. يتلذذون بكلام الرحمن ويرون أن من أعظم نعم محبوبهم عليهم أن أقامهم وأنام غيرهم .. واستزارهم وطرد غيرهم .. وأهّـلهم وحرم غيرهم .. قد يئسوا من الدنيا ويئست منهم ، إن القوم أعطوا المجهود من أنفسهم ..
فلما دبرت المفاصل من الركوع وقرحت الجباه من السجود وتغيرت الألوان من السهر ضجوا إلى الله بالاستغاثة .. فهم أحلاف اجتهاد لا يسكنون إلى غير الرحمن ..
بكى الباكـون للرحمن ليلا وباتوا دمعهم لا يسأمونا
بقاع الأرض من شوق إليهم تحن متى عليها يسجدونــا
فلما علم الله صدق همتهم وصفاء نيتهم جعل لهم نورا يمشون به في الناس ..
أخذ الفضيل بن عياض بيد الحسين بن زياد .. وقال : ياحسين ، ينزل الله كل ليلة إلى سماء الدنيا فيقول : كذب من ادعى محبتي فإذا جنه الليل نام عني ؟
أليس كل حبيب يحب خلوة حبيبه ؟
ها أنذا مطلع على أحبائي إذا جنهم الليل ، غدا أقر أعينهم في جناتي ..
وقال سفيان الثوري : بلغنا أنه إذا كان أول الليل نادى مناد : ألا ليقم العابدون ..
قال : فيقومون فيصلون ما شاء الله
ثم ينادي في وسط الليل : ألا ليقم القانتون ..
قال : فيقومون كذلك يصلون إلى السحر
قال : فإذا كان السحر نادى مناد أين المستغفرون ؟
قال : فيستغفر أولئك ..ز ويقوم آخرون يصلون ..
فإذا طلع الفجر نادى مناد :
ألا ليقم الغافلون ..!!
فيقومون من فرشهم كالموتى نشروا من قبورهم ..
وقال ابن مسعود : حسب الرجل من الخيبة والشر أن ينام حتى يصبح وقد بال الشيطان في أذنه .. لقد أبوا أن يبول الشيطان في آذانهم وقالوا مع نبيهم : " مضى عهد النوم يا خديجة "
وشمروا عن ساعد الجد ليزاحموا أصحاب النبي بالركب ، وجعلوا من دموعهم رسائل إلى ربهم .. { كانوا قليلا من الليل مايهجعون ، وبالأسحار هم يستغفرون }
قال أبو الزناد : كنت أخرج من السحر إلى مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فلا أمر ببيت إلا وفيه قارئ ، وكنا ونحن فتيان نريد أن نخرج لحاجة فنقول : موعدكم وقت قيام القراء ..
قال الحسن بن عرفة ليزيد بن هارون : يا أبا خالد :
ما فعلت العينان الجميلتان ؟
قال : ذهب بهما بكاء الأسحار !!
وكان عتبة الغلام يقول في ليله على ساحل البحر :
إن تعذبني فإني لك محب
وإن ترحمني فإني لك محب
فلم يزل يرددها ويبكي حتى يصبح ..
قدم عبد الرحمن الأسود وهو معتل الرِّجل فقام يصلي الليلة حتى أصبح شاغرا رجلا قائما على رجل واحدة ..
كان ثابت يقوم من الليل فإذا أصبح يأخذ قدميه فيعصرهما ويقول :
مضى العابدون وقطع بي .. والهفاه !!
وكان أحد العبّـاد يقوم الليل حتى إذا برق عمود الصبح وثب قائما على قدميه ونادى بأعلى صوته : ذهب الليل بما فيه ، وأقبل النهار بدواهيه .. ولم أقض منك وطرا ..
وقال محمد بن عوف : رأيت أحمد بن أبي الحواري فلما صلى العتمة قام يصلي فاستفتح بالحمد لله إلى }إياك نعبد وإياك نستعين { فطفت الحائط كله ثم رجعت فإذا هو لا يجاوزها ثم نمت ومررت في السحر وهو يقرأ : } إياك نعبد { فلم يزل يرددها إلى الصبح !!
وروي عن طلق أنه كان إذا قام من الليل لا يركع إذا افتتح سورة البقرة حتى يبلغ العنكبوت ، وكان يقول : أشتهي أن أقوم حتى يشتكي صلبي !!
وكان أبو حنيفة إذا أراد أن يصلي من الليل تزين حتى يسرح لحيته ..
بكى أبو الشعثاء عند موته فقيل له : ما يبكيك ؟
فقال : لم أشتف من قيام الليل !!
هان سهر الحراس لما علموا أن أصواتهم بسمع الملك !!
قال عبد الواحد بن زيد : عصفت بنا الريح على جزيرة في البحر..
فإذا برجل يعبد صنما ، فقلنا له : أيها الرجل من تعبد ؟
فأومأ بيده إلى الصنم ، فقلنا له : إن معنا في المركب من يعمل هذا ..
قال: فأنتم من تعبدون ؟ قلنا : نعبد الله تعالى .. قال : ومن هو ؟
قلنا : الذي في السماء عرشه وفي الأرض سلطانه وفي الأحياء والأموات قضاؤه ..
قال : كيف علمتم هذا ؟ قلنا : وجه إلينا رسولا أعلمنا به ..
قال : فما فعل الرسول ؟ قلنا : قبضه الله إليه ..
قال : فهل ترك عندكم علامة ؟ قلنا : ترك عندنا كتاب الملك ..
قال : أرونيه .. فأتيناه بالمصحف ، فقال : ما أعرف هذا .. فقرأنا عليه سورة وهو يبكي ، ثم قال : ينبغي لصاحب هذا الكلام أن لا يُعصى فأسلم وحملناه معنا وعلّـمناه شرائع الإسلام ، وسورا من القرآن فلما جن الليل صلينا وأخذنا مضاجعنا ..
فقال : يا قوم ، الإله الذي دللتموني عليه أينام إذا جنه الليل ؟
قلنا : لا يا عبد الله هو حي قيوم لا ينام ..
قال : بئس العبيد أنتم ، تنامون ومولاكم لا ينام ؟!
أخي .. أيُّّّ حرمان أعظم ممن تتهيّأ له مناجاة مولاه والخلوة به ثم لا يبادر ولا يبالي ؟!
أي أخي … لو سرت عن هواك خطوات للاحت لك الخيام .. ولو هجرت فراشك من الليل لاستقبلتك الحور العين .. ولو صدقت العزم لأقامك الله بين يديه في الليل ..
ففي بعض الآثار : يقول الله عز وجل في كل ليلة :
" يا جبريل أقم فلانا وأنم فلانا "
غفلنا عن دأب الصالحين فضاع علينا ثواب الصالحين وغلّـفنا قلوبنا بالمعاصي النكر فضاعت علينا أسرار الليل ونسائم السحر ..
سأل داود عليه السلام جبريل : أي الليل أفضل ؟
" قال ما أدري إلا أن العرش يهتز من السحر "
أيها الشاب … وهبك الله القوة والعزم فأين جزاء الشاكرين ؟
قال محمد بن يوسف : كان الثوري يقيمنا الليل فيقول : قوموا يا شباب صلوا ما دمتم شبابا .. إذا لم تصلوا اليوم فمتى ؟
كان مخلد بن الحسين يقول : ما انتبهت من الليل إلا أصبت إبراهيم بن أدهم يذكر الله فأغتم ! ثم أتعزى بقوله :} ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء { استيقظ القوم ونمنا .. وجدّوا وتخلفنا .. ونالوا المنى وحُرمنا .. يا مهجور .. ركعتان في جوف الليل خير لك من ألف تجارة ..
أيها الإخوة .. نحن نعلم أنه أمر جليل وحمل ثقيل لا يقدر عليه إلا من منَّ عليه الرب الرحيم .. ولكن .. أخي .. أريد أن أيسر عليك المطلب وأذلل لك المركب بخطوات تساق على عجل وما لايدرك كله لا يترك جُله ..
تذكر نزول الرب جل وعلا في جوف الليل الآخر كل ليلة إِلَى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر حيث يقول : " من يدعوني فأستجيب له ، ومن يسألني فأعطيه ومن يستغفرني فأغفر له "
وتذكر أن ربك في علاه تنزل لك ، فهل تعرض عنه وقد أتاك ؟؟
ثم اعلم أنك ستعرف زمان نصر هذه الأمة إذا رأيت أبنائها ركعا سجدا في محاريب الليل ..
قال ابن كثير في ترجمة السلطان الزاهد المجاهد ، نور الدين زنكي : " إن جماعة من العباد ممن يعتمد على قولهم دخلوا بلاد القدس للزيارة أيام أخذ القدس الفرنج فسمعوهم يقولون أن نور الدين له مع الله سر ، فإنه لم يظفر وينصر علينا بكثرة جنده وجيشه وإنما يظفر علينا وينصر بالدعاء وصلاة الليل فإنه يصلي بالليل ويرفع يده إلى الله ويدعوه ، فإنه يستجيب له ويعطيه سؤله فيظفر علينا .. قال : فهذا كلام الكفار في حقه "
إنه حق على كل مسلم في هذه الأيام الحرجة أن يجعل له وردا يوميا من الدعاء يستنصر به رب الأرض والسماء على الصليبيين واليهود والمنافقين ومن والاهم وأن يسأل الله النصر لإخوانه في جوف الليل ، لعل الله عز وجل يعذره بهذا الفعل القليل ولعل الله أن يستجيب لهذه الآهات الصادقة والحسرات المتألمة ..
أخي الكريم .. ليكن بدؤك في رحلة قيام الليل هينا ، فعليك أن تعالج نفسك بالاستيقاظ في جوف الليل لدقائق معدودة تذكر الله ، وتستغفره وتطلب منه دعوات معدودة .. حتى إذا أحسست بالأنس بهذه الدقائق انتقل إلى مرحلة أخرى ...
إذا وجدت في نفسك نشاطا ، فتوضأ وضوءا خفيفا ، وصل وترا واحدة أو ثلاث .. حتى إذا أصبح ذلك الأمر سجية لك ، وأضحى فؤادك يتضجر لفقده فاعلم أن الله وضعك على عتبات الطريق ، فعندئذ اعمد إلى ورد من القرآن تقرؤه ولو في المصحف ، في سكنات الليل ونسمات السحر ، ثم ناج ربك ومولاك بدعوات وابتهالات وانظر بعدها كيف سيكون قلبك ...
فهيا يا أخي إلى نداء ثابت البناني رحمه الله :
" كابدت صلاة الليل عشرين سنة واستمتعت بها عشرين سنة "
smms @smms
عضوة جديدة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
ضفاف الخليج
•
جزاك الله خير الله يجعلها في موازين حسناتك
بكى الباكـون للرحمن ليلا وباتوا دمعهم لا يسأمونا
بقاع الأرض من شوق إليهم تحن متى عليها يسجدونــا
فلما علم الله صدق همتهم وصفاء نيتهم جعل لهم نورا يمشون به في الناس
الله يجزاك الجنه من غير حساب اللهم آمين
بقاع الأرض من شوق إليهم تحن متى عليها يسجدونــا
فلما علم الله صدق همتهم وصفاء نيتهم جعل لهم نورا يمشون به في الناس
الله يجزاك الجنه من غير حساب اللهم آمين
الصفحة الأخيرة