أما بعد أيها المسلمون :
في الآونة الأخيرة أعلنت الحكومة الأمريكية الحرب على الإرهاب ، وبناء على نظرتها الأحادية ، فقد وضعت دولا وهيئات وأفرادا على على قائمة الإرهاب ..
ومن الطبعي أن تتحول الدول الإسلامية الى بوق يردد أصداء تلك الهجمة الشرسة ، ويساعد على تطبيقها..
وهنا يأتي السؤال : أي إرهاب يقصدون ؟ وما هل للإرهاب أنوع؟؟ وما هو المفهوم الحقيقي للإرهاب عند المسلمين ؟؟
أيها الاخوة : حول هذه الأسئلة سيدور حديثنا في هذا اليوم بإذنه تعالى
في هذه الوقفة نعرف الإرهاب عند المسلمين ..
فالإرهاب معناه في اللغة الإخافة ..فأي ممارسة ينتج عنها إخافة إنسان أو غيره يسمى إرهابا.. وعلى هذا فالإرهاب قد يكون بالفعل كالقتل والسرقة والسحر ومصادرة الحريات ونحو ذلك .،
وقد يكون بالقول كالتهديد والافتراء ومنع كلمة الحق ، وكالتحريض والاستهزاء ونحوه.
كما أن الإرهاب قد يكون بدنيا وقد يكون اقتصاديا أو سياسيا أو فكريا وأخطر أنواع الإرهاب الإرهاب الديني..
أ
يها الاخوة :
وبعد أن عرفنا أنواعَ الإرهاب ، فانه من المناسب أن نعرف معنى الإرهاب عند المسلمين وعند الكافرين ، ومدى مشروعية ذلك عند الطرفين...
أ ولا: الإرهاب عند المسلمين ينقسم إلى قسمين ، فمنه ما هو مشروع بالكتاب والسنة ، ومنه ما هو محرم بالكتاب والسنة أيضا.
فالإرهاب المشروع هو إخافة أعداء الله تعالى من الكافرين والمنافقين ..والدليل على ذلك قوله تعالى ( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمْ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ، وَمَا تُنفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ )..
ففي الآية الكريمة يأمر تعالى المسلمين بان يَظهروا بمظهر القوي ، وان يمارسوا الخطوات العملية للتفوق في جميع المجالات العسكرية والسياسية والاقتصادية والعلمية والاجتماعية ..وذلك بقوله ( واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ) ..
إذا فالأصل أن يكون المسلمون هم الأقوى في جميع المجالات.. والنتيجة هي حصول الارهاب لأعداء الله ..قال تعالى ( ترهبون به عدو الله وعدوكم ..وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم ) …
إذا فإخافة أعداء الله أمر مطلوب شرعا .. وذلك لأنهم جهلة ظالمون ، لا يعرفون مصلحةَ أنفسهم ولا مصلحةَ الناس ، وبالتالي فقد يمارسون أعمالا تفسد الناس وتحرفُهم عن دين ربهم الذي خلقوا من اجله ، كما هو حاصل الآن..
فلا بد إذا من إظهار القوة ..حتى لا يفكر الكفار في نشر الباطل ..وحتى لا يؤذوا المسلمين ، وحتى يُتركَ للناس حريةَ التفكير ، وحرية تقرير المصير ..
أيها الاخوة : ومما تجدر الإشارة إليه في هذا الباب : أن إرهاب الكفار والمنافقين لا يعني قتلهم ..فالقتل ليس هدفا من أهداف المسلمين يوما ما ، فالله تعالى لم يخلقِ الناس لكي يقتلوا ..ولكن خلقهم لكي يعبدوه في ظل حياة كريمة ..كما قال تعالى( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)
وإذا أبيح قتلُ فئةٍ معينة من الناس ، فإنما هو وسيلةٌ لحياة أُناسٍ آخرين .. قال تعالى (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يا أولي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) وبالتالي يُمَكَّن الناسُ من تحقيق عبادة الله تعالى ..قال سبحانه ( فَإِذَا انسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ ، فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ ، إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ(5) ..
إذا فعملية قتل الكفار ابتداء ليست هدفا من أهداف الإسلام ، ولكنها تصبح هدفا إذا وقفوا في وجه الدعوة إلى دين الله تعالى ..
عندها يشرع إرهابُهم ، وربما قتلُهم حتى يفتحوا المجال للدعوة الإسلامية لكي تنشرَ ظلالَها اليانعة على العالم ، ولكي ينعم الناس بأمن الإسلام ..ويشاهدوا التطبيق الصحيح للدين .. قال تعالى (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ .. فَإِنْ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) .. وبالتالي يترك للناس حريةَ اختيار الطريقِِ الذي يسلكونه …
عندها نقول لا إكراه في الدين ..فمن شاء فليؤمن وشاء أن يكفر… ولكن بشرط ألا يُظهرَ الكافرُ كفره ، بل يمارسه بينه وبين نفسه فقط .. إذا لم يكن له رغبةً في الإسلام .
هذا هو الإرهاب المشروع .. أ ما إخافةُ الناس ، وأذيتُهم فهذا أمر محرم شرعا.. قال تعالى (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا )
والنهي عن أذية الناس وإزعاجهم ليس مقصورا على المؤمنين ، بل يشمل حتى الكفار المسالمين غير المحاربين .. كمن يؤمنهم إمام المسلمين ، أو العجزة والنساء والأطفال فهولاء لا يجوز أذاهم ، بل يشرع الإحسان إليهم ..قال تعالى " لَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ".
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره.. أي لا ينهاكم الله عن الإحسان إلى الكفرة الذين لا يقاتلونكم في الدين كالنساء والضعفة منهم "أن تبروهم" أي تحسنوا إليهم "وتقسطوا إليهم" أي تعدلوا "إن الله يحب المقسطين".
وجاء في السنة ما يبين حرمةَ قتلِ الكفار الذين يعيشون بين المسلمين .. والذين قد أعطوا عهدا بالأمان .. جاء في الحديث الصحيح قوله صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا ) *أخرجه البخاري .. قال بن حجر رحمه الله في معنى المعاهد ( وَالْمُرَاد بِهِ مَنْ لَهُ عَهْد مَعَ الْمُسْلِمِينَ سَوَاء كَانَ بِعَقْدِ جِزْيَة أَوْ هُدْنَة مِنْ سُلْطَان أَوْ أَمَان مِنْ مُسْلِم .. ) انتهى كلامه رحمه الله .
وجاء في وصايا أبو بكر الصديق رضي الله عنه لأحد قواده وهو يودعه متوجها إلى قتال الكفار .. قوله ( وَإِنِّي مُوصِيكَ بِعَشْرٍ لَا تَقْتُلَنَّ امْرَأَةً وَلَا صَبِيًّا وَلَا كَبِيرًا هَرِمًا وَلَا تَقْطَعَنَّ شَجَرًا مُثْمِرًا ، وَلَا تُخَرِّبَنَّ عَامِرًا وَلَا تَعْقِرَنَّ شَاةً وَلَا بَعِيرًا إِلَّا لِمَأْكَلَةٍ وَلَا تَحْرِقَنَّ نَحْلًا وَلَا تُغَرِّقَنَّهُ وَلَا تَغْلُلْ وَلَا تَجْبُنْ ) …
مما سبق نخرج إلا انه : لا يجوز أذية الناس بشكل عام ولا إرهابهم إلا من حارب الله ورسوله كل حسب محاربته..
هذا معنى الإرهابِ عند المسلمين وحكمِه ..باختصار شديد جدا..
وفي الوقفة الثانية نتكلم عن مفهوم الارهاب لدى الدول الكافرة في العصر الحاضر..
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى ..

د.مشبب القحطاني @dmshbb_alkhtany
إمام وخطيب مفكرة المجلس عضو في جماعة التوعية الإسلامية
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
خليك أول من تشارك برأيها 💁🏻♀️