هذه قصيدة من أرق ما قرأت لصلاح عبد الصبور
أردت أن تسبحوا مابين أمواجها معى
فكتبتها إليكم
وهذه اول مرة أنقل ولا اكتب من أشعارى
وأتمنى أن تحوز إعجابكم
حنين
أحلام الفارس القديم
صلاح عبد الصبور
لَوْ أنَّنَا كُنَّا كغُصنيْ شَجَرةْ
الشَّمسُ أرْضَعَتْ عُرُوقَنا مَعَا
والفَجْرُ رَوَّانَا نَدىً مَعَا
ثُمَّ اصْطَبغَنا خُضْرةً مُزدَهِرهْ
حِينَ اسْتطَلنَا فَاعْتنقَنا أذْرُعَا
وفي الرَّبيعِ نَكْتَسِي ثِيَابَنا المُلوَّنةْ
وفي الخَريفِ، نَخْلعُ الثِّيَابَ، نَعْرى بَدَنَا
ونَسْتَحمُّ في الشِّتَا، يُدفِئنَا حُنوُّنا!
لَوْ أَنَّنَا كُنَّا بشَطِّّ البَحْرِ مَوْجَتَينْ
صُفِّيتا مِن الرِّمَالِ والمَحَارْ
تُوِّجتَا سَبيكَةً مِنَ النَّهَار والزَّبَدْ
أَسْلَمتَا العِنانَ للتيَّارْ
يدفعُنا مِنَ مَهْدِنَا لِلحْدِنا مَعَا
فِي مِشْيَةٍ رَاقِصَةٍ مُدَنْدِنَةْ
تَشْربُنَا سَحابةٌ رَقِيقَةْ
تَذُوبُ تَحتَ ثَغرِ شَمْسٍ حُلْوةٍ رَفِيقَةْ
ثَمَّ نَعُودُ مَوجَتينِ تَوْأمَينْ
أسْلَمتَا العِنَانَ للَّتيَّارْ
في دَوْرَةٍ إلى الأبَدْ
منِ البحَار للسَّمَاءْ
مِنَ السَّماءِ للبحَارْ !
لَْو أنَّنَا كُنَّا نُجَيْمتين جَارتَينْ
مِنْ شُرْفَةٍ وَاحِدةٍ مَطْلعُنا
في غَيمَةٍ وَاحِدةٍ مَضْجعُنا
نُضِيءُ للعُشَّاقِ وَحْدَهُمْ وللمُسَافِرينْ
نَحْوَ دِيارِ العِشقِ والمَحبَّةْ
وللحَزَانَى السَّاهِرينَ الحَافِظِين مَوثِقََ الأحِبَّةْ
وحِينَ يَأفُلُ الزَّمَانُ يَا حَبيبِتي
يُدركُنا الأُفولْ
ويَنطَفِي غَرَامُنا الطَّويلُ بانْطفَائِنَا
يَبعَثُنَا الإلَهُ في مَسَاربِ الجِِنَانِ دُرَّتينْ
بينَ حَصىً كَثيرْ
وقَدْ يَرَانَا مَلَكٌ إذ يَعبُرُ السَّبيلْ
فَيَنحَني، حِينَ نَشُدُّ عَيْنَهُ إلى صَفَائِنَا
يَلقُطُنَا، يَمْسَحُنا في ريشِه، يُعجبُه بَرِيقُنا
يَرشُقُنا في الَمفَرقِ الطَّهُورْ
لَو أنَّنَا كُنَّا جَنَاحَيْ نَوْرَسٍ رَقيقْ
ونَاعِمٍ، لاَ يَبرَحُ المَضِيقْْ
مُحلِّقٍ عَلَى ذُؤابَاتِ السُّفنْ
يُبشِّر المَلاحَ بالوُصُولْ
ويُوقظُ الحَنينَ للأَحْبَابِ والوَطَنْ
مِنْقَارُهُ يَقتَاتُ بالنَّسيمْ
ويَرتَوي مِن عَرَقِ الغُيُومْ
وحِينَمَا يُجنُّ لَيلُ البَحْرِ يَطوِينَا مَعاً.. مَعَا
ثُم يَنَامُ فَوقَ قَِلْعِِ مَرْكبٍٍ قَدِيمْ
يُؤانِسُ البَحَّارةَ الذين أُرْهِقُوا بغُربَة الِّديَارْ
ويُؤنِسُونَ خَوفَهُ وحَيْرتَهْ
بالشَّدوِ والأشْعَارْ
والنَّفخِ فِي المِزْمَارْ !
لَو أنَّنَا
لَوْ أنَّنَا
لَوْ أنَّنَا، وآهِ مِنْ قَسْوةِ "لَوْ"
يَا فِتْنَتِي، إذَا افْتَتَحْنَا بالـمُنَى كَلاَمَنَا
لَكِنَّنَا..
وآهِِ مِنْ قَسْوتِهَا "لَكِنَّنَا"
لأنَّهَا تَقُولُ في حُرٌوفِهَا المَلْفُوفَةِ المُشْتَبكَةْ
بأنَّنَا نُنكِرُ مَا خَلَّفَتِِ الأيَّامُ في نُفُوسِنَا
نودُّ لوْ نَخلَعُهْ
نََوَدُّ لََو نَنْسَاهْ
نَودُّ لَو نُعيِدُه لِرَحِمِِ الحَيَاة
لَكِنني يَا فِتْنَتِي مُجرِّبٌ قَعِيدْ
عَلى رَصِيفِ عَاَلمٍ يَمُوجُ بالتَّخْلِيطِ والقِمَامَةْ
كَوْنٍ خَلاَ مِنَ الوَسامَةْ
أكْسَبَني التَّعْتِيمَ والجَهَامَةْ
حِينَ َسقَطَتُ فَوْقَهُ في مَطْلَعِ الصِّبَا
قَد كُنْتُ فَيَما فَاتَ مِن أيَّامْ
يا فِتنَتي مُحَارباً صُلباً، وفَارساً هُمامْ
مِنْ قَبْلِ أنْ تَدُوسَ في فُؤادِيَ الأقْدَامْ
مِن قَبلِ أنْ تَجْلدَنِي الشُّمُوسُ والصَّقِيعْ
لَكِي تُذلَّ كِبْرِيَائيَ الَّرفِيعْ
كُنتُ أعيشُ في رَبيعٍ خَالدٍ، أيِّ رَبيعْ
وكُنتُ إنْ بَكَيْتُ هَزَّنِي البُكَاءْ
وكُنتُ عِندَمَا أحِسُّ بالرِّثاءْ
للبُؤَسَاءِ الضُّعَفَاءْ
أوَدُّ لَوْ أطْعَمتُهُم مِنْ قَلْبيَ الوَجِيعْ
وكُنْتُ عِنْدَمَا أرَى المُحَيَّرينَ الضَّائِعِينْ
التَّائِهِينَ في الظَّلاَمْ
أوَدُّ لَوْ يُحْرِقُني ضَيَاعُهُم، أوَدُّ لَوْ أُضِيءْ
وكُنتُ إنْ ضَحِكتُ صَافِياً، كَأنَّنِي غَّدِيرْ
يَفْتَرُّ عَنْ ظِلِّ النُّجُومِ وَجْهُهُ الوَضِيءْ
مَاذَا جَرَى للفَارسِ الهُمَامْ؟
انْخَلَعَ القَلْبُ، وَوَلَّى هَارباً بلاَ زِمَامْ
وانْكَسَرَتْ قَوَادِمُ الأَحْلاَمْ
يَا مَنْ يَدلُّ خُطْوتِي عَلَى طَرِيقِ الدَّْمعَةِ البَرِيئَة
يَا مَن يَدلُ خُطْوتِي عَلَى طَرِيقِ الضِّحكَةِ البَرِيئَة
لكَ السَّلاَمْ
لكَ السَّلاَمْ
أُعْطِيكَ مَا أعْطَتَنِيَ الدُّنْيَا مِنْ التَّجْرِيبِ والمَهَارَة
لِقَاءَ يَوْمٍٍ وَاحِدٍ مِن الَبكَارَة
لاَ، لَيْسَ غَيْرَ «أنْتِ» مَنْ يُعِيدُنِي للفَارسِ القَديِمْ
دُونَ ثَمَنْ
دُونَ حسَابِ الرِّبْحِ والخَسَارَة
صَافِيةً أرَاكِ يَا حَبيَبتِي كَأنَّمَا كَبْرتِ خَارجَ الزَّمَنْ
وحِيَنَما الْتَقْينَا يَا حَبِيبَتي أيْقَنتُ أنَّنَا
مُفْتَرِقَانْ
وأنَّنِي سَوفَ أظَلُّ وَاقِفاً بلاَ مَكَانْ
لَو لَمْ يُعدْنِي حُبُّكِ الرَّقِيقُ للطَّهَارَة
فَنَعرِفُ الحُبَّ كَغُصْنيْ شَجَرَة
كَنَجْمَتينِ جَارَتَينْ
كَمَوْجَتَينِ تَوْأمَينْ
مِثْل جَنَاحَيْ نَوْرسٍ رقِيقْ
عِندئذٍ لاَ نَفترقْ
يضُمُّنا مَعاً طَريقْ
يضُمُّنا مَعاً طَريقْ

حنين المصرى @hnyn_almsr
عضوة مثابرة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.




الصفحة الأخيرة
حنين