خيـول الشوق @khyol_alshok_1
عضوة نشيطة
أروع ما قرأته من الروايات تابعوا أحداثها هنـ>>>ــ>>>ـــا>
بسم الله الرحمان الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هنا سأضع لكم يا أحبة من أروع ما قرأته
رواية رائعه مثيرة جداً
تميزت بقوة الأحداث وإثارتها
من تقرأ البداية
حتماً لن تصبر حتى تصل النهاية
فالرواية غاية الروعة والإبداع
وسأضع لكم كل يوم فصل طويل جدا حتى لا يطول انتظاركم
.
.
تحيتي ..
135
17K
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
خيـول الشوق :المَشهَــد الأوَل ( حَنينْ ) يحتضنُ اطار الصورة المثلم بين أصابعه المتشققة، فيمسح عن وجه الصورة آثــار الغبار و ينفضه عنها، فيشد على عينيه هنيهةً... و يطيل النظر في تلك الصورة، ليسبح إلــى عالم بعيدٍ بعيد عن واقعه المشتعل بتلك النيران التي إلتهمت كل شيء، من أخضر و يابس و كهلٍ و شاب، و رائحة الدخان المنبعثة من كل زاوية و نافذة،رائحة الدمـــاء التي سادت السمــاء، وأرض تصرخُ بنواح النساء و بكاء الصغار !!.. للحظات رسمت شفتيه إبتسامــة أخرستها السنين ، و كأنها تنتزع تلك الابتسامة عنوة من داخل كفن الحزن و البؤس و تسحبها للخارج، ليصل صوته إليـــه فيخترقُ عالمه الوردي، فيخفي الصورة بصدر كفه ويدخلها في معطفه المهترئ،فتنطق شفتيه الغارقة بدم جاف تعانق نظرة قاسية من عينيه اللامعتين: - إني قادم يا حمزة !! سألملم أغراضــي و سألحق بك ... *)(* *)(* الحلقة الأولــى: شاحنة الموت!! تسيــر تلك الشاحنة القديمة ببطء صاعدة طريق الجبل الوعر، و تثاقلها يرجع لأنها تحمل من المتاع الكثير و من الرجال المتعاصرين ليضمهم المكان المزيد و المزيد عند كل محطة تقف عندها أثناء المسير، فيترجلها أحدهم ليأتي إثنين غيره، أو تترجل مجموعة أخرى و تركب مجموعة أخرى !!! و كأن التنقل في الشاحنات من قرية لأخرى، بين تلك الجبال الوعرة و الخطرة هي طريقة التنقل الوحيدة في تلك البلاد والتــي أبكاها الدمارالفظيع الذي حصل لها .. فأخذت تلطم بكفيها حسرة و قهرا لآلاف القتلى الذين يذبحون كل دقيقة في ربوعها، فتنثر التراب على رأسها كما تفعل الأرامل لحظة وصول خبر إستشهاد أزواجهن !!!. مازالت الصورة مختبأة كعصفور مذعور في معطف صاحبها، ضاما ذراعيه لصدره حاميــا نفسه من الهواء الحار المليء بالغبار، و ليفسح المكان للذين يجلسون معه في الشاحنة التي أنهكها التعب، و باتت تتوقف كل ساعة، فيذلف الرجال منها، و يقوموا بدفعها لدقائق لكي تتحرك مرة أخرى، و من ثم يجرون وراءها ليحاولوا القفز إليها !! ما أغربها من شاحنة ، أتتعمد أن توقظ النائم، وتنشط الكسلان؟.. أم أن جنوناً ما قد أصابها في ذلك اليوم كذلك الجنون الذي يصيبنا نحن البشر أحيانا!!.. تحتضن جفنــا صاحبنا عينيه، ليغرق في نوم أشبه بعميقْ لثوان، ليصل الــيه همسٌ مزعج من راكبٍ قد مل قصصه التافهة عن كنز يزعم أنه مخبأ في احدى الجبال : - هـي أنت !! أنائمٌ أنت فعلاًًََ؟ يفتح عينيه و يشد على شفتيه غضباً: - و لم أغمض عيني إن لم أكن نائماً برأيك؟ - يا رجل قصدت أن أضحكك قليلاً، لم أنت غاضبٌ هكذا ؟.. صدق رجال القرية عندما قالوا عنك بأنك عصبي الطبعِ و المزاجْ !! يمسح بكفه المتسخة بالرملِ و الدم الجاف وجهه ليوقظ حواسهُ كلها من كسل سرى لجسده: - هل لــي أن أعرف ماوراءك يارجل؟ بحمــاسْ: - إذا مارأيك بما إقترحته على الشبابْ؟.. هل ستذهب معي للبحث عن الكنز ؟ - بغضبٍ و صوت يزمجر كالأسد أفزع النائــــم و أيقظَ اليقِظَ: - سُحـــقاً لك !! توقظني من نومي في وقت لاأستطيع تحمل نفسي فيه من شدة الحر و قذارة الجو، فتقول لــي نبحث عن الكنز !! أي إحساسٍ تملكهُ أيها الغبي ؟ و على أثرهِ أفزع صوت صاحبنا السائق المسكين الذي فقد السيطرة على مقود الشاحنة ،فأخذت تتمايل كراقصة شرقيةٍ يمنة و يسرة و الكل يحاول التماسك في الشاحنة ، لتسقط إحدى عجلاتها بحفرة خبيثة تصفق فرحــاً لصيدها الثمين، تتبعها لحظات صمتٍ للركاب، و كلٌ يهتفُ الله أكبر !! الله أكبر !!! فيحمدون ربهم على النجـــاة بأعجوبة .. وماهي لحظات حتى يعودوا لوعيهم من بعد صدمة الرعــب ليبحثوا عن صاحب الصوت الغاضب ليكتشفوا غياب خمسة رجال من بينهم !!! تحت حرارة تلك الشمس .. حفاة يمشون متحملين قســوة و شراسة تلك الأرض، إستمروا ليكملوا رحلتهم سيرا على أقدامهم التــي تسألهم الرحمة و الرأفة بها،كان صاحبنا يتقدمهم بخطواته الثقيلة، فتكاد الأرض تهتز تحت أقدامه كلمــا هوى بواحدة على الأرض، يحمل متاعه على كتفه في قطعة قماش مهترئة قد أجاد لفها لتحتوي مايريد من أشياء يود حملها معه ،إن ارتفعنـا لكتفه القوي، و أخذنا بالاقتراب منه أكثر ، لاصدمنــا بوجه أبيض السحنة إصطبغ باسمرار بفعل الشمس، متورد من حرارة الجو، تخفــي عِمامة بيضاء ملفوفة عدة مرات سواد شعر رأسه الأسود الفاحم، تتوسط وجهه عينين واسعتين كبيرتين و كأنهما مكحلتين بأثمد نادر موجود فقط في جزيرة العرب. و بإمتداد رسمة عينيه نرى حاجبيه الكثيفتين و المرفوعتين لأعلــى لتواكب شراسة الملامح التــي عانقت وجه صاحبنا، لكن عيناه العسليتين لا تستطيع إخفاء طيبة قلب كبير يخفيــه في زاوية مــا بين ضلوعه. يتبع صاحبنا صديق عمره حمزة، ذو السحنة البدوية الأصيلة، له أنف حاد، و إبتسامة لا تختفــي أبدا برغم حرارة الجو وصعوبة العيش، و عينينِ غامقتينِ ترحبُ بكل من تلتقي به، يسيرُ حمزة تابعاً صديقه، حاملاً متاعه على قمة رأسه، و يده الأخرى تحمل سلاحــًا يتراقص مع حركة ذراعيه. و بقية الرجــال : رجل قصة الكنز وشابين عظيمــا البنية يحملون أسلحة أخرى و أدوات صيد يتبعون الصديقين و صمت رهيب يخيمُ عليــهم، فيتساءلون فيــما بينهم: الــى أين نحن ذاهبــونْ؟..المَشهَــد الأوَل ( حَنينْ ) يحتضنُ اطار الصورة المثلم بين أصابعه المتشققة، فيمسح عن...
الحلقــة الثانية: خمسُ رجـــالْ !!
ينتصف الليلُ، لــيلٌ مخيفٌ و مفزعْ لمن يرعى وحيداً في الجبــال، لكن هنــاك نور، نورٌ يشع من إحتراق نارْ، ها هم رجالنا الخمســةُ يلتفونَ حول تلك النار و بجانبهمْ أسلحتهمْ و أدواتهمْ، منهم من يحاول تدفئة يديهِ من برد هذا الليلِ، و آخر يحاول شواء ما تيسر له من حصته من لحــمِ أرنبٍ قد إصطادوهُ مع غزالٍ بريْ في قاع ِالجبل و هم في طريقهمْ إلــى هنا، ليقطعَ صمتَ تلكَ الجلسةِ حمزة بابتسامتــهِ الرائعة:
- ما أروعَ هذه الأجواء، و صحبــةِ الناس و التعرف إليهم ..
يبتسم صاحبنا بصعوبة والذي توسدَ عمامتــهُ و نام على جنبهِ ليواجه النار التــي تتلألأ في بؤبؤ عينيه، فيرمــي غصنَ شجرٍ آخر ليزيد إشتعالَ النارِ ليتمتم قائلاً:
- لكننا لم نتعرف علــى الأحبةِ حتى الآن !!
تبادل نظراتٍ، و تهكــمٍ من رجل قصة الكنِز الذي لم يعجبهُ أسلوبُ الأخير بأسلوبه الساخر ليبدأ حديثه :
- حسنـا، لكم أن تعرفوا بأني شخصياً لا أعلم لم تبعتكم، ربما لأني خفتُ أن يقتلنا رجال الشاحنة لأننا من تَسبب بتلك الحادثة، فقررتُ الفرارَ و صادف أني ذهبت معكم، و أنا سعيدٌ لأنــي معكم...
صمتٌ لثوان .. يتبعه زفير .. و إبتسامةُ حمــزة الذي أومأ للرجل بأن يكمل حديثه وسط عبث صاحبه بنار حيث أخذ يزيدها من تلك الأغصان لتتراقص الفراشات على ألسنة النار:
- أدعــى تركــي، من غرب جزيرة العرب، أتيت إلــى باكستان منذ عدة أشهر، و من ثم أتيت إلى أفغانستان، لا علاقة لــي بصفوف المجاهدين و غيرهم!! أنا شخص مسالم أتيت كتاجر شاب فقط!! و قصة الكنز قد سمعت عنها من سكان القرى النائية، فجئت لأبحث عنــه!!..
عطســة فظيعة تجزع الجالسيــن، و أحسب أن صاحبها قد تعمدها لأن حمزة قد عالج صاحبها بركلة من رجله وسط ضحكاته و سخريته
أراني أرى السخرية على وجهه لسماع قصة تركي - ينظر حمزة للرجل الثاني و يخاطبــه بهدوء بعد أن مد له يده ليعطيه قطعة من لحم الشواء:
- وماذا عنك يا أخي في الله ؟.. من أنت و ما هي قصتك ؟
يمضغ الرجل قطعة اللحــم المحروقة ليوجه نظره للجالسين قائلا:
- أنا طبيب متقاعد منذ سنتين، لـي أسرة صغيرة تركتها في باكستان، و أتيت هنا لأبحث عن أخي المفقود منذ أحداث 11 سبتمبر، وصلتني أخبار بأنه مازال حيا !! فجئت بحثا عنه متحملا عناء الرحلة و نتائجها بعد أن أمنت كل شيء لأسرتي!.. إنضممت إليكم لإحساس قوي يخبرني بأنكم قد تستطيعون مساعدتي، و لكم عهد منــي بأن أفعل المستحيل لأحقق ما تريدون منيْ في سبيل أن أجد أخــي!!..
:
:
ضحكــة هستيرية تقطع الصمت الذي تبعه حديث الطبيب، لينبطح من بعدها صاحبنا على بطنه غير قادر على السيطرة على نفســه، لتشتد ملامح حمزة لأول مرة غاضبة من ذلك التصرف ليرمق صديقه معاتبا إياه على ذلك ليعتدل في جلسته و يحاول أن يتوقف، فيرفع يديه لأعلى باسطا يده:
- عذرا !! أنا آسف .. ههههههه .. لكني لا أستطيع التوقف !!.. هههه
يخاطبه الطبيب مستغربا:
- و لم الضحك يا أخي ؟.. هل أخطأت بحديثي ؟
يتوقف صاحبنا عن الضحك، و يفتح عين و يشد على الأخرى و يخاطب الطبيب بشراسة:
- مستعدٌ أنا لأساعدك على العثور على أخيك، مع أني لا أضمن لك شيئا، لأن هدفــي غير هدفك و هدف غيرك، إني و صديقي حمزة لا نبحث عن شيء دنيوي في هذه الدنيا، قد عشنا الحياة بكل ما فيها من ملذات و آلام أيضا، لكن لم نجد راحتنا إلا في هدفنــا و الذي أسأل الله تعالى أن يوفقنا فيه، ألا و هي أن نقاتل في صفوف المجاهدين هنا، هذا هو سبب مجيئنا إلى هنا.
تتسع الأعين معبرةً عن دهشتها لما تسمعْ، ليقطع حمزة تلك اللحظة مخاطبا الطبيب :
- هل لنــا أن نعرف إسمك يا أخي؟
- إسمي الدكتور راشد !! من شمال جزيرة العرب !! جئت متطوعا مع قوات بلادنا المسلحة، قد عشت في باكستان أنا و أسرتي مدة تقرب 4 سنين!! و أحببنا أهلها و حياتها، لكن أخي الكبير أصر على أن يأتي لباكستان , و من ثم إختفى و تحديداً في 11 سبتمبر و لا أعلم أين هو الآن ؟..
تذرف عيني راشد دموعــا أحرقت قلب حمزة و تركــي و الرجل الثالث، لكنها أشعلت الشرر أكثر في صدر صاحبنـــا الغاضب !!
يحاول حمزة التخفيف عن راشد:
- لا تخف !! كلنا إخوة في الله، يكفــي بأننا نحمل دما واحدا و أننا من جزيرة العرب !! لذا علينا أن نتكاتف بهذه الغربة لنحقق هدف كل واحد منـا!!
يصرخ تركي:
- و ماذا عن الكنز ؟
أثار ذلك السؤال جنون صاحبــنا و الذي كاد أن يخنق تركــي لولا تحرك حمزة السريع ليوقفه:
- سنتناقش في ذلك فيما بعد يا تركي !! أرجوك !! قصة الكنز هذه تثير غضب صاحبي!!..
يصمت تركي هنيهة ليبدأ الرجل الثالث حديثه:
- إسمــي سيف.. تستطيعون مناداتي بالسيف البتار !!.. هو لقبي الذي أحب أن تنادونني به !!.. كنت أعمل صحفيا في ما مضى، ولي علاقات كثيرة مع إذاعات و محطات إعلامية، جئت إلى هنا لأدخل لعالم الناس الحقيقي لأنقل للعالــم الصورة الحقيقية لمعاناة المسلمين ضد حربهم مع أمريكا و حلفائها من الكلاب و السفلة !! أردت نقل الحقيقة و أريدها !! هلا ساعدتموني ؟ و لكم عهد مني أن أبذل قصارى جهدي لأساعد كل منكم.
يبتسم كل من تركي و راشد و يومئون موافقين للسيف البتــار .. وسط ترحيب حمزة و ترحيب صديقه لأول مرة !! .. فيمد حمزة باسطا يده ناحيتهم قائلا:
- أنا حمزة، يدعونني بالأصمعــي،لا تسألوني عن السبب !! صاحبي من أطلق علي هذا الاسم !! لكم عهد منــي أن أبذل قصارى جهدي ليحقق كل واحد منكم هدفه الذي جاء من أجله !!..
يمد راشد و تركي و السيف البتار أيديهم ليضعوها فوق يد حمزة:
- أنا السيف البتــار .. و أتمنى من الله أن يمدني بالقوة لأكون عونا لكم ..
- أنا راشد .. نادونــي بــ الفارس .. لكم مني عهد أيضا..
- و أنا تركي!! و نادوني بتركي !! و لكم عهد أيضا شرط أنـ ..
نظرة مخيفة من صاحبنــا الغاضب ليردف تركي على عجل:
- ولكم عهد بأن أبذل قصارى جهدي من أجلكم و من أجل إرضاء هذا الأسد الكاسر !!
ضحكات تقطع سكون الليل تشاركها ضحكة أخرى غاضبة من صاحبنا ليفرج عن ابتسامة أشرقت ظلام الليل ليضع يده و يشدها على أيديهم:
- لكم عهد منــي يا إخوتي، بأن أكون لكم الصاحب و الصديق ، في جميع الأوقات، و بأن أساعدكم على أن تحققوا أهدافكم و هدفــي !!..
ضحكاتٌ من قلوب حبســت دموع العالم في صدرها، و أمسيــةٌ رائعة أضاءها صاحبنا بشعره الرائع، و مجارات تركــي المضحكة له، إمتزجت بعبق الذكريات من جزيرةِ العرب ليتبادلها الأصمعي و السيف البتار و الفارسْ !! ..
تثاؤب لأسدٍ يود أن ينام أطلقها صاحبنا ليقف على رجليه بتثاقلٍ و يرفع ذراعيه للأعلـى لأقصى ما يستطيع ليدب النشاط في جسدهِ الكسولْ ليقول:
- تصبحون على خيرٍ الآن , حان وقت النوم أتمنــى لكم ليلةً سعيدة ..
صوت وصل لصاحبــنا لحظة أن أدار ظهره للرجال قائلا:
- لكننا لم نتشرف باسمك يا أخانا في الله!!
تتوقف خطواتُ صاحبــنا لحظة .. و من دون أن يلتفت لهم، تخرجُ تلك الكلمات من بين شفتيه وسط بريقٍ غامض في عينيه:
- أدعــى براكين الغضبْ !!! نادوني ببراكين الغضبْ فقط !!
ينتصف الليلُ، لــيلٌ مخيفٌ و مفزعْ لمن يرعى وحيداً في الجبــال، لكن هنــاك نور، نورٌ يشع من إحتراق نارْ، ها هم رجالنا الخمســةُ يلتفونَ حول تلك النار و بجانبهمْ أسلحتهمْ و أدواتهمْ، منهم من يحاول تدفئة يديهِ من برد هذا الليلِ، و آخر يحاول شواء ما تيسر له من حصته من لحــمِ أرنبٍ قد إصطادوهُ مع غزالٍ بريْ في قاع ِالجبل و هم في طريقهمْ إلــى هنا، ليقطعَ صمتَ تلكَ الجلسةِ حمزة بابتسامتــهِ الرائعة:
- ما أروعَ هذه الأجواء، و صحبــةِ الناس و التعرف إليهم ..
يبتسم صاحبنا بصعوبة والذي توسدَ عمامتــهُ و نام على جنبهِ ليواجه النار التــي تتلألأ في بؤبؤ عينيه، فيرمــي غصنَ شجرٍ آخر ليزيد إشتعالَ النارِ ليتمتم قائلاً:
- لكننا لم نتعرف علــى الأحبةِ حتى الآن !!
تبادل نظراتٍ، و تهكــمٍ من رجل قصة الكنِز الذي لم يعجبهُ أسلوبُ الأخير بأسلوبه الساخر ليبدأ حديثه :
- حسنـا، لكم أن تعرفوا بأني شخصياً لا أعلم لم تبعتكم، ربما لأني خفتُ أن يقتلنا رجال الشاحنة لأننا من تَسبب بتلك الحادثة، فقررتُ الفرارَ و صادف أني ذهبت معكم، و أنا سعيدٌ لأنــي معكم...
صمتٌ لثوان .. يتبعه زفير .. و إبتسامةُ حمــزة الذي أومأ للرجل بأن يكمل حديثه وسط عبث صاحبه بنار حيث أخذ يزيدها من تلك الأغصان لتتراقص الفراشات على ألسنة النار:
- أدعــى تركــي، من غرب جزيرة العرب، أتيت إلــى باكستان منذ عدة أشهر، و من ثم أتيت إلى أفغانستان، لا علاقة لــي بصفوف المجاهدين و غيرهم!! أنا شخص مسالم أتيت كتاجر شاب فقط!! و قصة الكنز قد سمعت عنها من سكان القرى النائية، فجئت لأبحث عنــه!!..
عطســة فظيعة تجزع الجالسيــن، و أحسب أن صاحبها قد تعمدها لأن حمزة قد عالج صاحبها بركلة من رجله وسط ضحكاته و سخريته
أراني أرى السخرية على وجهه لسماع قصة تركي - ينظر حمزة للرجل الثاني و يخاطبــه بهدوء بعد أن مد له يده ليعطيه قطعة من لحم الشواء:
- وماذا عنك يا أخي في الله ؟.. من أنت و ما هي قصتك ؟
يمضغ الرجل قطعة اللحــم المحروقة ليوجه نظره للجالسين قائلا:
- أنا طبيب متقاعد منذ سنتين، لـي أسرة صغيرة تركتها في باكستان، و أتيت هنا لأبحث عن أخي المفقود منذ أحداث 11 سبتمبر، وصلتني أخبار بأنه مازال حيا !! فجئت بحثا عنه متحملا عناء الرحلة و نتائجها بعد أن أمنت كل شيء لأسرتي!.. إنضممت إليكم لإحساس قوي يخبرني بأنكم قد تستطيعون مساعدتي، و لكم عهد منــي بأن أفعل المستحيل لأحقق ما تريدون منيْ في سبيل أن أجد أخــي!!..
:
:
ضحكــة هستيرية تقطع الصمت الذي تبعه حديث الطبيب، لينبطح من بعدها صاحبنا على بطنه غير قادر على السيطرة على نفســه، لتشتد ملامح حمزة لأول مرة غاضبة من ذلك التصرف ليرمق صديقه معاتبا إياه على ذلك ليعتدل في جلسته و يحاول أن يتوقف، فيرفع يديه لأعلى باسطا يده:
- عذرا !! أنا آسف .. ههههههه .. لكني لا أستطيع التوقف !!.. هههه
يخاطبه الطبيب مستغربا:
- و لم الضحك يا أخي ؟.. هل أخطأت بحديثي ؟
يتوقف صاحبنا عن الضحك، و يفتح عين و يشد على الأخرى و يخاطب الطبيب بشراسة:
- مستعدٌ أنا لأساعدك على العثور على أخيك، مع أني لا أضمن لك شيئا، لأن هدفــي غير هدفك و هدف غيرك، إني و صديقي حمزة لا نبحث عن شيء دنيوي في هذه الدنيا، قد عشنا الحياة بكل ما فيها من ملذات و آلام أيضا، لكن لم نجد راحتنا إلا في هدفنــا و الذي أسأل الله تعالى أن يوفقنا فيه، ألا و هي أن نقاتل في صفوف المجاهدين هنا، هذا هو سبب مجيئنا إلى هنا.
تتسع الأعين معبرةً عن دهشتها لما تسمعْ، ليقطع حمزة تلك اللحظة مخاطبا الطبيب :
- هل لنــا أن نعرف إسمك يا أخي؟
- إسمي الدكتور راشد !! من شمال جزيرة العرب !! جئت متطوعا مع قوات بلادنا المسلحة، قد عشت في باكستان أنا و أسرتي مدة تقرب 4 سنين!! و أحببنا أهلها و حياتها، لكن أخي الكبير أصر على أن يأتي لباكستان , و من ثم إختفى و تحديداً في 11 سبتمبر و لا أعلم أين هو الآن ؟..
تذرف عيني راشد دموعــا أحرقت قلب حمزة و تركــي و الرجل الثالث، لكنها أشعلت الشرر أكثر في صدر صاحبنـــا الغاضب !!
يحاول حمزة التخفيف عن راشد:
- لا تخف !! كلنا إخوة في الله، يكفــي بأننا نحمل دما واحدا و أننا من جزيرة العرب !! لذا علينا أن نتكاتف بهذه الغربة لنحقق هدف كل واحد منـا!!
يصرخ تركي:
- و ماذا عن الكنز ؟
أثار ذلك السؤال جنون صاحبــنا و الذي كاد أن يخنق تركــي لولا تحرك حمزة السريع ليوقفه:
- سنتناقش في ذلك فيما بعد يا تركي !! أرجوك !! قصة الكنز هذه تثير غضب صاحبي!!..
يصمت تركي هنيهة ليبدأ الرجل الثالث حديثه:
- إسمــي سيف.. تستطيعون مناداتي بالسيف البتار !!.. هو لقبي الذي أحب أن تنادونني به !!.. كنت أعمل صحفيا في ما مضى، ولي علاقات كثيرة مع إذاعات و محطات إعلامية، جئت إلى هنا لأدخل لعالم الناس الحقيقي لأنقل للعالــم الصورة الحقيقية لمعاناة المسلمين ضد حربهم مع أمريكا و حلفائها من الكلاب و السفلة !! أردت نقل الحقيقة و أريدها !! هلا ساعدتموني ؟ و لكم عهد مني أن أبذل قصارى جهدي لأساعد كل منكم.
يبتسم كل من تركي و راشد و يومئون موافقين للسيف البتــار .. وسط ترحيب حمزة و ترحيب صديقه لأول مرة !! .. فيمد حمزة باسطا يده ناحيتهم قائلا:
- أنا حمزة، يدعونني بالأصمعــي،لا تسألوني عن السبب !! صاحبي من أطلق علي هذا الاسم !! لكم عهد منــي أن أبذل قصارى جهدي ليحقق كل واحد منكم هدفه الذي جاء من أجله !!..
يمد راشد و تركي و السيف البتار أيديهم ليضعوها فوق يد حمزة:
- أنا السيف البتــار .. و أتمنى من الله أن يمدني بالقوة لأكون عونا لكم ..
- أنا راشد .. نادونــي بــ الفارس .. لكم مني عهد أيضا..
- و أنا تركي!! و نادوني بتركي !! و لكم عهد أيضا شرط أنـ ..
نظرة مخيفة من صاحبنــا الغاضب ليردف تركي على عجل:
- ولكم عهد بأن أبذل قصارى جهدي من أجلكم و من أجل إرضاء هذا الأسد الكاسر !!
ضحكات تقطع سكون الليل تشاركها ضحكة أخرى غاضبة من صاحبنا ليفرج عن ابتسامة أشرقت ظلام الليل ليضع يده و يشدها على أيديهم:
- لكم عهد منــي يا إخوتي، بأن أكون لكم الصاحب و الصديق ، في جميع الأوقات، و بأن أساعدكم على أن تحققوا أهدافكم و هدفــي !!..
ضحكاتٌ من قلوب حبســت دموع العالم في صدرها، و أمسيــةٌ رائعة أضاءها صاحبنا بشعره الرائع، و مجارات تركــي المضحكة له، إمتزجت بعبق الذكريات من جزيرةِ العرب ليتبادلها الأصمعي و السيف البتار و الفارسْ !! ..
تثاؤب لأسدٍ يود أن ينام أطلقها صاحبنا ليقف على رجليه بتثاقلٍ و يرفع ذراعيه للأعلـى لأقصى ما يستطيع ليدب النشاط في جسدهِ الكسولْ ليقول:
- تصبحون على خيرٍ الآن , حان وقت النوم أتمنــى لكم ليلةً سعيدة ..
صوت وصل لصاحبــنا لحظة أن أدار ظهره للرجال قائلا:
- لكننا لم نتشرف باسمك يا أخانا في الله!!
تتوقف خطواتُ صاحبــنا لحظة .. و من دون أن يلتفت لهم، تخرجُ تلك الكلمات من بين شفتيه وسط بريقٍ غامض في عينيه:
- أدعــى براكين الغضبْ !!! نادوني ببراكين الغضبْ فقط !!
خيـول الشوق :الحلقــة الثانية: خمسُ رجـــالْ !! ينتصف الليلُ، لــيلٌ مخيفٌ و مفزعْ لمن يرعى وحيداً في الجبــال، لكن هنــاك نور، نورٌ يشع من إحتراق نارْ، ها هم رجالنا الخمســةُ يلتفونَ حول تلك النار و بجانبهمْ أسلحتهمْ و أدواتهمْ، منهم من يحاول تدفئة يديهِ من برد هذا الليلِ، و آخر يحاول شواء ما تيسر له من حصته من لحــمِ أرنبٍ قد إصطادوهُ مع غزالٍ بريْ في قاع ِالجبل و هم في طريقهمْ إلــى هنا، ليقطعَ صمتَ تلكَ الجلسةِ حمزة بابتسامتــهِ الرائعة: - ما أروعَ هذه الأجواء، و صحبــةِ الناس و التعرف إليهم .. يبتسم صاحبنا بصعوبة والذي توسدَ عمامتــهُ و نام على جنبهِ ليواجه النار التــي تتلألأ في بؤبؤ عينيه، فيرمــي غصنَ شجرٍ آخر ليزيد إشتعالَ النارِ ليتمتم قائلاً: - لكننا لم نتعرف علــى الأحبةِ حتى الآن !! تبادل نظراتٍ، و تهكــمٍ من رجل قصة الكنِز الذي لم يعجبهُ أسلوبُ الأخير بأسلوبه الساخر ليبدأ حديثه : - حسنـا، لكم أن تعرفوا بأني شخصياً لا أعلم لم تبعتكم، ربما لأني خفتُ أن يقتلنا رجال الشاحنة لأننا من تَسبب بتلك الحادثة، فقررتُ الفرارَ و صادف أني ذهبت معكم، و أنا سعيدٌ لأنــي معكم... صمتٌ لثوان .. يتبعه زفير .. و إبتسامةُ حمــزة الذي أومأ للرجل بأن يكمل حديثه وسط عبث صاحبه بنار حيث أخذ يزيدها من تلك الأغصان لتتراقص الفراشات على ألسنة النار: - أدعــى تركــي، من غرب جزيرة العرب، أتيت إلــى باكستان منذ عدة أشهر، و من ثم أتيت إلى أفغانستان، لا علاقة لــي بصفوف المجاهدين و غيرهم!! أنا شخص مسالم أتيت كتاجر شاب فقط!! و قصة الكنز قد سمعت عنها من سكان القرى النائية، فجئت لأبحث عنــه!!.. عطســة فظيعة تجزع الجالسيــن، و أحسب أن صاحبها قد تعمدها لأن حمزة قد عالج صاحبها بركلة من رجله وسط ضحكاته و سخريته أراني أرى السخرية على وجهه لسماع قصة تركي - ينظر حمزة للرجل الثاني و يخاطبــه بهدوء بعد أن مد له يده ليعطيه قطعة من لحم الشواء: - وماذا عنك يا أخي في الله ؟.. من أنت و ما هي قصتك ؟ يمضغ الرجل قطعة اللحــم المحروقة ليوجه نظره للجالسين قائلا: - أنا طبيب متقاعد منذ سنتين، لـي أسرة صغيرة تركتها في باكستان، و أتيت هنا لأبحث عن أخي المفقود منذ أحداث 11 سبتمبر، وصلتني أخبار بأنه مازال حيا !! فجئت بحثا عنه متحملا عناء الرحلة و نتائجها بعد أن أمنت كل شيء لأسرتي!.. إنضممت إليكم لإحساس قوي يخبرني بأنكم قد تستطيعون مساعدتي، و لكم عهد منــي بأن أفعل المستحيل لأحقق ما تريدون منيْ في سبيل أن أجد أخــي!!.. : : ضحكــة هستيرية تقطع الصمت الذي تبعه حديث الطبيب، لينبطح من بعدها صاحبنا على بطنه غير قادر على السيطرة على نفســه، لتشتد ملامح حمزة لأول مرة غاضبة من ذلك التصرف ليرمق صديقه معاتبا إياه على ذلك ليعتدل في جلسته و يحاول أن يتوقف، فيرفع يديه لأعلى باسطا يده: - عذرا !! أنا آسف .. ههههههه .. لكني لا أستطيع التوقف !!.. هههه يخاطبه الطبيب مستغربا: - و لم الضحك يا أخي ؟.. هل أخطأت بحديثي ؟ يتوقف صاحبنا عن الضحك، و يفتح عين و يشد على الأخرى و يخاطب الطبيب بشراسة: - مستعدٌ أنا لأساعدك على العثور على أخيك، مع أني لا أضمن لك شيئا، لأن هدفــي غير هدفك و هدف غيرك، إني و صديقي حمزة لا نبحث عن شيء دنيوي في هذه الدنيا، قد عشنا الحياة بكل ما فيها من ملذات و آلام أيضا، لكن لم نجد راحتنا إلا في هدفنــا و الذي أسأل الله تعالى أن يوفقنا فيه، ألا و هي أن نقاتل في صفوف المجاهدين هنا، هذا هو سبب مجيئنا إلى هنا. تتسع الأعين معبرةً عن دهشتها لما تسمعْ، ليقطع حمزة تلك اللحظة مخاطبا الطبيب : - هل لنــا أن نعرف إسمك يا أخي؟ - إسمي الدكتور راشد !! من شمال جزيرة العرب !! جئت متطوعا مع قوات بلادنا المسلحة، قد عشت في باكستان أنا و أسرتي مدة تقرب 4 سنين!! و أحببنا أهلها و حياتها، لكن أخي الكبير أصر على أن يأتي لباكستان , و من ثم إختفى و تحديداً في 11 سبتمبر و لا أعلم أين هو الآن ؟.. تذرف عيني راشد دموعــا أحرقت قلب حمزة و تركــي و الرجل الثالث، لكنها أشعلت الشرر أكثر في صدر صاحبنـــا الغاضب !! يحاول حمزة التخفيف عن راشد: - لا تخف !! كلنا إخوة في الله، يكفــي بأننا نحمل دما واحدا و أننا من جزيرة العرب !! لذا علينا أن نتكاتف بهذه الغربة لنحقق هدف كل واحد منـا!! يصرخ تركي: - و ماذا عن الكنز ؟ أثار ذلك السؤال جنون صاحبــنا و الذي كاد أن يخنق تركــي لولا تحرك حمزة السريع ليوقفه: - سنتناقش في ذلك فيما بعد يا تركي !! أرجوك !! قصة الكنز هذه تثير غضب صاحبي!!.. يصمت تركي هنيهة ليبدأ الرجل الثالث حديثه: - إسمــي سيف.. تستطيعون مناداتي بالسيف البتار !!.. هو لقبي الذي أحب أن تنادونني به !!.. كنت أعمل صحفيا في ما مضى، ولي علاقات كثيرة مع إذاعات و محطات إعلامية، جئت إلى هنا لأدخل لعالم الناس الحقيقي لأنقل للعالــم الصورة الحقيقية لمعاناة المسلمين ضد حربهم مع أمريكا و حلفائها من الكلاب و السفلة !! أردت نقل الحقيقة و أريدها !! هلا ساعدتموني ؟ و لكم عهد مني أن أبذل قصارى جهدي لأساعد كل منكم. يبتسم كل من تركي و راشد و يومئون موافقين للسيف البتــار .. وسط ترحيب حمزة و ترحيب صديقه لأول مرة !! .. فيمد حمزة باسطا يده ناحيتهم قائلا: - أنا حمزة، يدعونني بالأصمعــي،لا تسألوني عن السبب !! صاحبي من أطلق علي هذا الاسم !! لكم عهد منــي أن أبذل قصارى جهدي ليحقق كل واحد منكم هدفه الذي جاء من أجله !!.. يمد راشد و تركي و السيف البتار أيديهم ليضعوها فوق يد حمزة: - أنا السيف البتــار .. و أتمنى من الله أن يمدني بالقوة لأكون عونا لكم .. - أنا راشد .. نادونــي بــ الفارس .. لكم مني عهد أيضا.. - و أنا تركي!! و نادوني بتركي !! و لكم عهد أيضا شرط أنـ .. نظرة مخيفة من صاحبنــا الغاضب ليردف تركي على عجل: - ولكم عهد بأن أبذل قصارى جهدي من أجلكم و من أجل إرضاء هذا الأسد الكاسر !! ضحكات تقطع سكون الليل تشاركها ضحكة أخرى غاضبة من صاحبنا ليفرج عن ابتسامة أشرقت ظلام الليل ليضع يده و يشدها على أيديهم: - لكم عهد منــي يا إخوتي، بأن أكون لكم الصاحب و الصديق ، في جميع الأوقات، و بأن أساعدكم على أن تحققوا أهدافكم و هدفــي !!.. ضحكاتٌ من قلوب حبســت دموع العالم في صدرها، و أمسيــةٌ رائعة أضاءها صاحبنا بشعره الرائع، و مجارات تركــي المضحكة له، إمتزجت بعبق الذكريات من جزيرةِ العرب ليتبادلها الأصمعي و السيف البتار و الفارسْ !! .. تثاؤب لأسدٍ يود أن ينام أطلقها صاحبنا ليقف على رجليه بتثاقلٍ و يرفع ذراعيه للأعلـى لأقصى ما يستطيع ليدب النشاط في جسدهِ الكسولْ ليقول: - تصبحون على خيرٍ الآن , حان وقت النوم أتمنــى لكم ليلةً سعيدة .. صوت وصل لصاحبــنا لحظة أن أدار ظهره للرجال قائلا: - لكننا لم نتشرف باسمك يا أخانا في الله!! تتوقف خطواتُ صاحبــنا لحظة .. و من دون أن يلتفت لهم، تخرجُ تلك الكلمات من بين شفتيه وسط بريقٍ غامض في عينيه: - أدعــى براكين الغضبْ !!! نادوني ببراكين الغضبْ فقط !!الحلقــة الثانية: خمسُ رجـــالْ !! ينتصف الليلُ، لــيلٌ مخيفٌ و مفزعْ لمن يرعى وحيداً في...
الحلقة الثالثة: من أنت يا براكين؟
خيوطٌ ذهبيــة لشمسِ تلك الصحراءِ القاحلةْ تحاول التحرشَ بعينـــي حمزة.. ليفتح عينيه فيغطي بذراعيه عينيهِ ليحميهمــا من الشمسِ القوية ... ينتشل رأسه من على الأرض.. فينظرُ ليمينه ليضحك على منظر تركــي الذي إحتضن حقيبةَ متــاعهِ و كأنه طفل صغير.. و بجانبه ينام الفارس بهيبــةٍ و عظمة .. و بعيد عنهما يرقد السيف على جنــبه و كأنما توسد كتابا مــا و تعانقت أصابعه مع قلمه ذا الحبــر الأحمر الجريء الذي عاهد كاتبــه الله على أن يكتب الحقيقة و ينبش في قبورها لينقلها كاملة واضحة ..
بسمةٌ مضيئةٌ على شفتي حمزة .. الذي أخذ يزيل بقايا الرمل و الغبار من ملابسه و ينفضها بعيدا .. مستعدا ليقف على قدميــه فيرفع ذراعيه للأعلــى لتصافح السحاب ..فيبدأ صباحــه الأول على أرض العراء مع صديقــ.. صديــقه .. براكين الغضب.. لكن براكين َ ليس بنائم بجانبه !!. و قد ترك عمامته و معطفه وكأنه ينوي تمويهاً مــا أو قذف الذعر في قلوب أصحابه .. لكن !!.. أين ذهب !! .. يتبع حمزة أثار أقدام براكين الكبيرة و كأنــه يتبع وحشــا أسطورياً لا براكين نفسه !!..
ها هو ذا !! ها قد وجدتك أيــها المحتالْ !! ماذا تفعل أسفل هذه الشجرةْ !!!
يجلس براكين مستظلا بظل شجرة تماسكت و حافظت على نضارتها .. مسنداً ظهره إليها .. يقرأ في كتاب صغيــر .. ليقترب منه حمزة أكثر فيسمع صوت براكين الهادئ والعذب و هو يتلو آيات من كتاب الله الكريـــم ..
- حمزة (مبتسمــا كعادته): الله أكبر !! الله أكبر يا براكين ما أعظم ذلك الايمان الذي تحمله في قلبك يا رجل!! قد سبقتنا في إفتتاحك لأول يوم لنـــا في هذا العراء بأعظم شيء بهذا الوجود. ألا و هو كلام الله تعالـــى . أكرمك الله يا براكين .. أكرمك الله و رزقك بما تشتهيه يا صاحبي..
مازال براكين محتضنا للمصحف بين يديه حيث تتحرك شفتيه في قراءة صامتة للآيات الكريمة فيرفع عينيه لحمزة ثوان و يعيدها لتعانق صفحة المصحف.. يتبعه صمت يتأمل فيه حمزة الطبيعة من حوله .. مسندا ظهره لكتف صاحبه الذي سرعان ما قلب صفحة أخرى من المصحف و أنهى قراءتها ليغلق الكتاب و يقربه لشفتيه و يقبله !!! .. يقطع حمزة ذلك الجو الحميمي بين براكين و المصحف.. ليبدأ حواراً في هذا الهواء الطلق:
- حمزة: أتدري يا براكين أن أفغانستان بلد عظيــم أكن له إعجابا عظيما؟..
- براكين مؤيدا: و أنا أكثرك إعجابا و عشــقا له يا حمزة ... أعشق كل شيء هنا.. أحب جفاف الحياة .. صعوبتها .. أهوى قسوة أرضها و صلابتها متيم بتلك الرياح التي تلفح الوجوه و تجرحها .. معجب أشد الاعجاب برجال هذه الأرض .
بأفكارهم .. بتمسكهم العجيب بالدين و تعاليمه..
- حمزة (مهتمــا): أخبرنــي عن رجال هذه الأرض يا براكين مادمت معجبا بهم ..
تنهيدة هادئة و كأن براكين يستجمع المعلومات من أنحــاء جسده.. ليردف:
- براكين : يا صاحبي الغالي.. لك أن تعرف أن الأفغانــي حياته شاي و خبز و قتال ، أفغانستان مدمرة حاليا .. و لا توجد فيها أي موارد إقتصادية أو مبان و مصانع أو أي مظاهر أخرى من العمران ، هي بلاد ممتدة ، فيها من الوديان و الأنهار و الطبيعة الكثيــر و الحمدلله ، و أهلها يعيشون حياة بسيطة جدا جدا ، ولهم قدرة عالية على التكيف مع هذه الحياة الصعبة لأنهم قد إعتادوا على هذا النمط من الحيــاة ..
- حمزة: أجل .. حياة الأفغاني شاي و خبز و قتال !!. كما يقولونها بلغتهم المحلية: ليلخصوا متع الحياة في ثلاثة أمور
{دودي وخري.. تشاي وتشري.. تكان تكان }، أي أكل الخبز، وشرب الشاي، وإطلاق النار.. أليس كذلك؟..
صوتٌ يهتف من بعيـــد ليهلل من بعده حمزة و يصفق له براكين مرحبا:
- و الأفغـــان لا يستطيعون العيش من دون قتـــال !!!
تتبعه ضحكـة من تركـــي و السيف ليزيد تركي:
- تركي: أراهن أن براكيـــناً يعشق حكايا القتال و الحرب !!.
- براكين (شادا لعينه اليسرى التي تنطق شرا ما): بل أعشق دمــاء الحرب و شرب دم أعدائي و هم أحياء .
يحاول حمزة تهدئة الموقف كالعادة بين الثنائي براكين و تركــي ليفرد ذراعه ليمينه مشيرا للفارس و السيف و تركــي ليشاركوه و براكينَ جلسة الحديث هذه...
- براكين (مخاطبا السيف ): هل لك أن تحدثني أكثر عن ما عنيته من أن الأفغان
لا يستطيعون العيش من دون قتال؟..
السيف (متربعا الأرض ملوحا بيده للأعلى مسترسلا الحديث)
- أجل ياأخي براكين .. هم يعشقون القتال بشكل جنوني ، من خلال لقائاتي الصحفية مع زعمــاء و مشايخ أفغان في قندهار و كابول . قد توصلت إلى تلك الحقيقة .. هذا الشعب يعشق القتال حقا، ولا يستطيع الحياة دونه، فإن لم يجدوا كافرًا يحاربونه.. حارب بعضه بعضًا، فلا يحسبنَّ أحد أنهم قد ملُّوا الحروب، بل إني قد علمت بأنهم دخلوا في عالم من الهم و الحزن و العميق في فترة بعد أن انسحب الروس من أراضيهم ولمَّا استفسرت عن ذلك وصلني الجواب التالي على لسان أحد زعمائهم : قال إذا انسحب الروس فمن نحارب إذن؟
يومئ براكين برأسه للأعلى و الأسفل و كأنما يؤيد السيف في كلامه ليكمل مردفا:
- السيف البتار: إن الحرب جزء من حياة الأفغاني، و إنَّ في حصار أفغانستانَ لن يجدي شيئًا؛ فالأفغان يمكنهم التقوُّت بأقل القليل، وبلادهم تزخر بالمياه والأنهار كما تفضل أخي براكين بقوله من قبل، ليس لديهم بترول، ولا مصانع، ولا بنية أساسية، ولا سياحة، ولا أي شيء يمكن أن يضرَّه الحصار الذي فرضته أمريكا عليهم، ويستطيعون الإكتفاء الذاتي بالقليل دون ملل؛ لأن هذه هي طبيعة حياتهم، طبيعتهم الصعبة ...و القاسية .. و أستطيع القول بأني معجب برجالها كثيرا !..
- الفارس: هم يرغبون بتحطيم كل شيء ، و يرغبون بالدمار لأفغانستان و ايران و باكستان و الهند و الصين !! و يريدون النيل الأكيد من الأمة الاسلامية كلها ، قد وقعت أمريكا في ورطة حقيقية بعد أحداث 11 سبتمبر ، و أصبحت حكومتها متهمة من قبل الشعب الأمريكي و محرجة حيث كيف لرجل واحد ألا و هو أسامة بن لادن أن يخيف عالـــما بأسره ؟ و يهز أركان القارة الأمريكية بيده ؟
- حمزة (معللا): الشعب الأمريكي يريد الإنتقام ، و يريد شرب دم الفاعلين ، و إن لم تفعل حكومتهم أي شيء من أجلهم سيقلبون نظام الحكم و يلقوا ببوش في المحيط .
- تركي (ساخرا) : ذلك الكاوبوي الأخرق ، خبير فقط بالقاء الخطابات الرسمية ، و فاشلا في أي شيء آخر ، السافل المنحط يقصفون بلاداً خلت من البنيان .. رأس مالها تلك الجبال و الطرق الوعرة!! لااااااااااا..و قد سمعت بأنهم يريدون إقحام قوات الكوماندوز في هذه الحرب ليختطفوا بن لادن .
ينتفض السيــف غاضبا:
- السيف: والله إنها الحماقة بعينها وأنفها أيضا، فالشعب الأفغاني شعب مسلح مقاتل، بل مقاتل ضارٍ لا يلين ولا يستكين و لن يصمت أبدا ،قد قام بهزيمة الإنجليز مرتين من قبل، ودحر الروس وجعلوهم يفرون كالجرذان في حرب أدَّت إلى إنهيار الاتحاد السوفييتي، والعرب الذين مع بن لادن أشدُّ ضراوة من الأفغان، قد يدخل الأمريكان أفغانستان، لكن يستحيل أن يخرجوا بكرامتهم منها، وإذا حسبوا أن الكوماندوز سينقذهم و سيحفظ ماء وجههم، فليعتبروا بما حدث لفرق الكوماندوز الروسي في جبال جاجى على يدِ ثُلَّة من العرب .
هدوء يخيــم للحظات عندما هب نسيــم بارد صافح وجوه الرجــال الخمسة .. ليعتدل براكينُ في جلسته و يجذب أطراف الحديث مرة أخرى:
- براكين: و ماذا عن رجال طالبان ؟... قد نسيناهم بين طيات تلك الأسطر و العناوين .. لله درهم حقا .. ما أروع رغبة التصميم و التحدي فيهم .. أتعلمون بأن رجالهم يقيسون درجة خشونتهم و قوة تحملهم بإطفاء الجمر الملتهب ناراً و غضبا في بطون أكفهم دون إطلاق صرخة ألم واحدة !! كم أتمنى أن أرى واحدا منهم !! أريد أن أختلط بهـــم و أنهل بما يفيدني في ديني و حياتي منهم !!
- تركي (مازحا): وما المشكلة ؟ و أقسم بأنك لتملك قسوةً لم أرى إنسانا واحدا يملكها في أي جزء من أنحاء جسده .. فعلا .. أرى نصف أطباع الأفغان فيك.. لدي إحساس ذا فضول و قرني إستشعار يخبرني بأن لك دمــا أفغانيا ، هيا إعترف ، ما علاقتك بالأفغان يا براكين ؟
صمت مفاجـــــئ و رهيب فيه لم يتوقف تبادل النظرات بين عيني براكين الغضب الثائرة و عيني تركــي المتحدية و لأول مرة وكأنه قد تعمد طرح ذلك السؤال..ليرفع براكين نظره عن تركــي و يطلق ضحكته الساخرة المشهورة وسط دهشة تركــي و تتابع الضحكات بين باقــي الجالسين..
يضع براكين يده على بطنه و كأنه يبحث عن زر ما أو وصلة ليوقف ضحكته.. لكنه سرعان ما يهدأ و يعيد نظرة عينيه الثائرة و الصارمة هذه المرة لتلفح عيني تركي بشراسة:
- براكين: وأقســم بأني قد شممت رائحة الخبث من أنفاسك و دمك!!
يتدخل السيف:
- براكين !! تركي !! توقفا !! هل بدأتمــا الآن !! أين العهد الذي قطعتموه ليلة أمس ؟ أين الأخوة التي تجمعكم يا رجاااااااااااال ؟ كفوا عن هذا الهرج و المرج ، إنه الشيطان الرجيــم الذي يعبث بكم و يريد زرع فتنة بين البشــر و خاصة أمة محمد عليه الصلاة والسلام .
- الفارس: أجل.. هو الشيطان .. إستعيذوا بالله من الشيطان الرجيــم ..
لا يحرك ذلك الكلام في قلب تركـــي من شيء ، بل تستمر معركته الكلامية مع براكين مرة أخرى:
- تركي: أجل .. لم أنسى ذلك العهد .. لكنـــي أطالب بالعدالة .. كلنا قد تعرفنا على بعضنـا ، و كلنا قد عرف عن نفسه و عرف بقصته .. إلا هو !!! إلا هو !! إكتفى بإسمه المستعار ، و ما لمست منه إلا شراسة في النظرة .. و قسوة ما .. و تحالفا مع المجاهدين و الأفغان و و و .. ألا تحسون بنفس إحساسي من أنه قد يكون من طالبان أو ..
يلتفت تركي جهة براكين ليرى ردة فعله .. و قد سبقه براكين أن ترك الجلســة كلها و ذهب بعيدا !!! ..
- حمزة (مقاطعا): قد تعديت كل الحدود و القيــم يا تركي !! دعه يقل ما يشاء و يفعل ما يشاء !! لا حق لك عليه إلا العهد الذي قطعه لك ، فأنت لا تملك الحق على أن تملي عليه ما يقول و ما عليه أن يفعل و كيف يفكر ، هو شخص حر .. صقر حــر يحلق حيثمــا شاء ..
- تركــي : انه غاااااااااااااااااامض !! غااااااااااااااااااااامض قد قتلني هذا الغموض و الهدوء العجيب !!حدثنا أنت عنه إذا !! من يكون براكين هذا؟
نظرات أخرى تهتف مع تركي لتتحد أصوات كل من السيف والفارس:
- السيف و الفارس: أجل من هو براكيـــن يا حمزة ؟..
- حمزة: يكفي أن تعلموا بأنه صديقي و أخي وكل شيء في حياتــي .. ليس بأفغانــي و لا بباكستاني.. بل عربـي و له دم نقــي نقاء قلوب الأطفال .. جاء من الجزيرة العربيــة متحملا الصعاب ليصل إلى بيشاور .. ترك عائلته و حياته و عالمه من أجله!! من أجله فقط !! من أجل رب العرش العظيــم ..
فقط من أجله !! و لا يرغب بها شهرة و لا أي شيء آخر .. شهادة و دم يدفن معهما ليقابل رب كريــم .. هذا هو براكين .. هذا هو براكين الغضب .. و الأيام التي ستقضونها معه ستخبركم عنه .. هذا ما لدي .. إسمحوا لــي سألحق به .. إرجعوا من حيث أتيتم و سنلحق بكم بعد قليل..
علامات إستفهام كثيــرة إرتسمت فوق رؤوس الرجال الثلاثـة .. ووجه شيطان صغير ذو قرنين يحمل شوكة صغيرة يود طعن أحدهم بها يقف على رأس تركي الذي لم يشبع حمزه ما بنفسه ... فيعض على شفتيه قهرا .
يقف على صخرة كبيرة تطل على منحدر يتراقص من تحته نهــر عظيم .. فيترك العنان لعينيه لتسرح بعيدا عن هذا المكان ... فتتعانق عينيه و هي تنظر للسمـاء.. فتخفي شيء حارااااااااااا ثقيلا يحمله في قلبه الكبير.. و يده كعادتها تحتضنها كما يفعل كل يوم .. لحظة و دقيقة وثانية.. فيلمسها بأصابعه ..و يخرجها من جيبه لينظر إليها تارة . يضحك. . و يرجعها مرة أخرى ... و يعيدها مرة و إثنان و ثلاث و رباااااااع .. فينتشلها مرة أخرى من جيبه و ينظر اليها.. فيهمـس ..
-
-
-
-
-
-
- إشتقت اليـــك !!..
ليقطـــع عالمه الوردي مرة أخرى صوته المندهش و المحـــتار لأول مرة:
- فعلاً !! .. من أنت يا براكين ؟
فنتسائل أنا و قرائــي الأعزاء مع حمزة.. من أنت فعلاً يا براكين الغضب؟..
و ماهي قصتك بالضبط!!! .. ترى .. هل ستكشف الأيام لنا براكين الغضب حقاً!!
أم ستتلاعب الأقدار و الأيــام بنا لتدخلنا لمتاهات غامضة متعمدة ..
لتزيد شغف فضولنا هذا ..و ستمنعنا من معرفة الحقيقة!!.
و هل سيتوقف تركي عن بداية مشواره لكشف غموض صاحبــنا !! ..
هذا ما سنعرفه في ..
الحلقة الرابعة !!!..
خيوطٌ ذهبيــة لشمسِ تلك الصحراءِ القاحلةْ تحاول التحرشَ بعينـــي حمزة.. ليفتح عينيه فيغطي بذراعيه عينيهِ ليحميهمــا من الشمسِ القوية ... ينتشل رأسه من على الأرض.. فينظرُ ليمينه ليضحك على منظر تركــي الذي إحتضن حقيبةَ متــاعهِ و كأنه طفل صغير.. و بجانبه ينام الفارس بهيبــةٍ و عظمة .. و بعيد عنهما يرقد السيف على جنــبه و كأنما توسد كتابا مــا و تعانقت أصابعه مع قلمه ذا الحبــر الأحمر الجريء الذي عاهد كاتبــه الله على أن يكتب الحقيقة و ينبش في قبورها لينقلها كاملة واضحة ..
بسمةٌ مضيئةٌ على شفتي حمزة .. الذي أخذ يزيل بقايا الرمل و الغبار من ملابسه و ينفضها بعيدا .. مستعدا ليقف على قدميــه فيرفع ذراعيه للأعلــى لتصافح السحاب ..فيبدأ صباحــه الأول على أرض العراء مع صديقــ.. صديــقه .. براكين الغضب.. لكن براكين َ ليس بنائم بجانبه !!. و قد ترك عمامته و معطفه وكأنه ينوي تمويهاً مــا أو قذف الذعر في قلوب أصحابه .. لكن !!.. أين ذهب !! .. يتبع حمزة أثار أقدام براكين الكبيرة و كأنــه يتبع وحشــا أسطورياً لا براكين نفسه !!..
ها هو ذا !! ها قد وجدتك أيــها المحتالْ !! ماذا تفعل أسفل هذه الشجرةْ !!!
يجلس براكين مستظلا بظل شجرة تماسكت و حافظت على نضارتها .. مسنداً ظهره إليها .. يقرأ في كتاب صغيــر .. ليقترب منه حمزة أكثر فيسمع صوت براكين الهادئ والعذب و هو يتلو آيات من كتاب الله الكريـــم ..
- حمزة (مبتسمــا كعادته): الله أكبر !! الله أكبر يا براكين ما أعظم ذلك الايمان الذي تحمله في قلبك يا رجل!! قد سبقتنا في إفتتاحك لأول يوم لنـــا في هذا العراء بأعظم شيء بهذا الوجود. ألا و هو كلام الله تعالـــى . أكرمك الله يا براكين .. أكرمك الله و رزقك بما تشتهيه يا صاحبي..
مازال براكين محتضنا للمصحف بين يديه حيث تتحرك شفتيه في قراءة صامتة للآيات الكريمة فيرفع عينيه لحمزة ثوان و يعيدها لتعانق صفحة المصحف.. يتبعه صمت يتأمل فيه حمزة الطبيعة من حوله .. مسندا ظهره لكتف صاحبه الذي سرعان ما قلب صفحة أخرى من المصحف و أنهى قراءتها ليغلق الكتاب و يقربه لشفتيه و يقبله !!! .. يقطع حمزة ذلك الجو الحميمي بين براكين و المصحف.. ليبدأ حواراً في هذا الهواء الطلق:
- حمزة: أتدري يا براكين أن أفغانستان بلد عظيــم أكن له إعجابا عظيما؟..
- براكين مؤيدا: و أنا أكثرك إعجابا و عشــقا له يا حمزة ... أعشق كل شيء هنا.. أحب جفاف الحياة .. صعوبتها .. أهوى قسوة أرضها و صلابتها متيم بتلك الرياح التي تلفح الوجوه و تجرحها .. معجب أشد الاعجاب برجال هذه الأرض .
بأفكارهم .. بتمسكهم العجيب بالدين و تعاليمه..
- حمزة (مهتمــا): أخبرنــي عن رجال هذه الأرض يا براكين مادمت معجبا بهم ..
تنهيدة هادئة و كأن براكين يستجمع المعلومات من أنحــاء جسده.. ليردف:
- براكين : يا صاحبي الغالي.. لك أن تعرف أن الأفغانــي حياته شاي و خبز و قتال ، أفغانستان مدمرة حاليا .. و لا توجد فيها أي موارد إقتصادية أو مبان و مصانع أو أي مظاهر أخرى من العمران ، هي بلاد ممتدة ، فيها من الوديان و الأنهار و الطبيعة الكثيــر و الحمدلله ، و أهلها يعيشون حياة بسيطة جدا جدا ، ولهم قدرة عالية على التكيف مع هذه الحياة الصعبة لأنهم قد إعتادوا على هذا النمط من الحيــاة ..
- حمزة: أجل .. حياة الأفغاني شاي و خبز و قتال !!. كما يقولونها بلغتهم المحلية: ليلخصوا متع الحياة في ثلاثة أمور
{دودي وخري.. تشاي وتشري.. تكان تكان }، أي أكل الخبز، وشرب الشاي، وإطلاق النار.. أليس كذلك؟..
صوتٌ يهتف من بعيـــد ليهلل من بعده حمزة و يصفق له براكين مرحبا:
- و الأفغـــان لا يستطيعون العيش من دون قتـــال !!!
تتبعه ضحكـة من تركـــي و السيف ليزيد تركي:
- تركي: أراهن أن براكيـــناً يعشق حكايا القتال و الحرب !!.
- براكين (شادا لعينه اليسرى التي تنطق شرا ما): بل أعشق دمــاء الحرب و شرب دم أعدائي و هم أحياء .
يحاول حمزة تهدئة الموقف كالعادة بين الثنائي براكين و تركــي ليفرد ذراعه ليمينه مشيرا للفارس و السيف و تركــي ليشاركوه و براكينَ جلسة الحديث هذه...
- براكين (مخاطبا السيف ): هل لك أن تحدثني أكثر عن ما عنيته من أن الأفغان
لا يستطيعون العيش من دون قتال؟..
السيف (متربعا الأرض ملوحا بيده للأعلى مسترسلا الحديث)
- أجل ياأخي براكين .. هم يعشقون القتال بشكل جنوني ، من خلال لقائاتي الصحفية مع زعمــاء و مشايخ أفغان في قندهار و كابول . قد توصلت إلى تلك الحقيقة .. هذا الشعب يعشق القتال حقا، ولا يستطيع الحياة دونه، فإن لم يجدوا كافرًا يحاربونه.. حارب بعضه بعضًا، فلا يحسبنَّ أحد أنهم قد ملُّوا الحروب، بل إني قد علمت بأنهم دخلوا في عالم من الهم و الحزن و العميق في فترة بعد أن انسحب الروس من أراضيهم ولمَّا استفسرت عن ذلك وصلني الجواب التالي على لسان أحد زعمائهم : قال إذا انسحب الروس فمن نحارب إذن؟
يومئ براكين برأسه للأعلى و الأسفل و كأنما يؤيد السيف في كلامه ليكمل مردفا:
- السيف البتار: إن الحرب جزء من حياة الأفغاني، و إنَّ في حصار أفغانستانَ لن يجدي شيئًا؛ فالأفغان يمكنهم التقوُّت بأقل القليل، وبلادهم تزخر بالمياه والأنهار كما تفضل أخي براكين بقوله من قبل، ليس لديهم بترول، ولا مصانع، ولا بنية أساسية، ولا سياحة، ولا أي شيء يمكن أن يضرَّه الحصار الذي فرضته أمريكا عليهم، ويستطيعون الإكتفاء الذاتي بالقليل دون ملل؛ لأن هذه هي طبيعة حياتهم، طبيعتهم الصعبة ...و القاسية .. و أستطيع القول بأني معجب برجالها كثيرا !..
- الفارس: هم يرغبون بتحطيم كل شيء ، و يرغبون بالدمار لأفغانستان و ايران و باكستان و الهند و الصين !! و يريدون النيل الأكيد من الأمة الاسلامية كلها ، قد وقعت أمريكا في ورطة حقيقية بعد أحداث 11 سبتمبر ، و أصبحت حكومتها متهمة من قبل الشعب الأمريكي و محرجة حيث كيف لرجل واحد ألا و هو أسامة بن لادن أن يخيف عالـــما بأسره ؟ و يهز أركان القارة الأمريكية بيده ؟
- حمزة (معللا): الشعب الأمريكي يريد الإنتقام ، و يريد شرب دم الفاعلين ، و إن لم تفعل حكومتهم أي شيء من أجلهم سيقلبون نظام الحكم و يلقوا ببوش في المحيط .
- تركي (ساخرا) : ذلك الكاوبوي الأخرق ، خبير فقط بالقاء الخطابات الرسمية ، و فاشلا في أي شيء آخر ، السافل المنحط يقصفون بلاداً خلت من البنيان .. رأس مالها تلك الجبال و الطرق الوعرة!! لااااااااااا..و قد سمعت بأنهم يريدون إقحام قوات الكوماندوز في هذه الحرب ليختطفوا بن لادن .
ينتفض السيــف غاضبا:
- السيف: والله إنها الحماقة بعينها وأنفها أيضا، فالشعب الأفغاني شعب مسلح مقاتل، بل مقاتل ضارٍ لا يلين ولا يستكين و لن يصمت أبدا ،قد قام بهزيمة الإنجليز مرتين من قبل، ودحر الروس وجعلوهم يفرون كالجرذان في حرب أدَّت إلى إنهيار الاتحاد السوفييتي، والعرب الذين مع بن لادن أشدُّ ضراوة من الأفغان، قد يدخل الأمريكان أفغانستان، لكن يستحيل أن يخرجوا بكرامتهم منها، وإذا حسبوا أن الكوماندوز سينقذهم و سيحفظ ماء وجههم، فليعتبروا بما حدث لفرق الكوماندوز الروسي في جبال جاجى على يدِ ثُلَّة من العرب .
هدوء يخيــم للحظات عندما هب نسيــم بارد صافح وجوه الرجــال الخمسة .. ليعتدل براكينُ في جلسته و يجذب أطراف الحديث مرة أخرى:
- براكين: و ماذا عن رجال طالبان ؟... قد نسيناهم بين طيات تلك الأسطر و العناوين .. لله درهم حقا .. ما أروع رغبة التصميم و التحدي فيهم .. أتعلمون بأن رجالهم يقيسون درجة خشونتهم و قوة تحملهم بإطفاء الجمر الملتهب ناراً و غضبا في بطون أكفهم دون إطلاق صرخة ألم واحدة !! كم أتمنى أن أرى واحدا منهم !! أريد أن أختلط بهـــم و أنهل بما يفيدني في ديني و حياتي منهم !!
- تركي (مازحا): وما المشكلة ؟ و أقسم بأنك لتملك قسوةً لم أرى إنسانا واحدا يملكها في أي جزء من أنحاء جسده .. فعلا .. أرى نصف أطباع الأفغان فيك.. لدي إحساس ذا فضول و قرني إستشعار يخبرني بأن لك دمــا أفغانيا ، هيا إعترف ، ما علاقتك بالأفغان يا براكين ؟
صمت مفاجـــــئ و رهيب فيه لم يتوقف تبادل النظرات بين عيني براكين الغضب الثائرة و عيني تركــي المتحدية و لأول مرة وكأنه قد تعمد طرح ذلك السؤال..ليرفع براكين نظره عن تركــي و يطلق ضحكته الساخرة المشهورة وسط دهشة تركــي و تتابع الضحكات بين باقــي الجالسين..
يضع براكين يده على بطنه و كأنه يبحث عن زر ما أو وصلة ليوقف ضحكته.. لكنه سرعان ما يهدأ و يعيد نظرة عينيه الثائرة و الصارمة هذه المرة لتلفح عيني تركي بشراسة:
- براكين: وأقســم بأني قد شممت رائحة الخبث من أنفاسك و دمك!!
يتدخل السيف:
- براكين !! تركي !! توقفا !! هل بدأتمــا الآن !! أين العهد الذي قطعتموه ليلة أمس ؟ أين الأخوة التي تجمعكم يا رجاااااااااااال ؟ كفوا عن هذا الهرج و المرج ، إنه الشيطان الرجيــم الذي يعبث بكم و يريد زرع فتنة بين البشــر و خاصة أمة محمد عليه الصلاة والسلام .
- الفارس: أجل.. هو الشيطان .. إستعيذوا بالله من الشيطان الرجيــم ..
لا يحرك ذلك الكلام في قلب تركـــي من شيء ، بل تستمر معركته الكلامية مع براكين مرة أخرى:
- تركي: أجل .. لم أنسى ذلك العهد .. لكنـــي أطالب بالعدالة .. كلنا قد تعرفنا على بعضنـا ، و كلنا قد عرف عن نفسه و عرف بقصته .. إلا هو !!! إلا هو !! إكتفى بإسمه المستعار ، و ما لمست منه إلا شراسة في النظرة .. و قسوة ما .. و تحالفا مع المجاهدين و الأفغان و و و .. ألا تحسون بنفس إحساسي من أنه قد يكون من طالبان أو ..
يلتفت تركي جهة براكين ليرى ردة فعله .. و قد سبقه براكين أن ترك الجلســة كلها و ذهب بعيدا !!! ..
- حمزة (مقاطعا): قد تعديت كل الحدود و القيــم يا تركي !! دعه يقل ما يشاء و يفعل ما يشاء !! لا حق لك عليه إلا العهد الذي قطعه لك ، فأنت لا تملك الحق على أن تملي عليه ما يقول و ما عليه أن يفعل و كيف يفكر ، هو شخص حر .. صقر حــر يحلق حيثمــا شاء ..
- تركــي : انه غاااااااااااااااااامض !! غااااااااااااااااااااامض قد قتلني هذا الغموض و الهدوء العجيب !!حدثنا أنت عنه إذا !! من يكون براكين هذا؟
نظرات أخرى تهتف مع تركي لتتحد أصوات كل من السيف والفارس:
- السيف و الفارس: أجل من هو براكيـــن يا حمزة ؟..
- حمزة: يكفي أن تعلموا بأنه صديقي و أخي وكل شيء في حياتــي .. ليس بأفغانــي و لا بباكستاني.. بل عربـي و له دم نقــي نقاء قلوب الأطفال .. جاء من الجزيرة العربيــة متحملا الصعاب ليصل إلى بيشاور .. ترك عائلته و حياته و عالمه من أجله!! من أجله فقط !! من أجل رب العرش العظيــم ..
فقط من أجله !! و لا يرغب بها شهرة و لا أي شيء آخر .. شهادة و دم يدفن معهما ليقابل رب كريــم .. هذا هو براكين .. هذا هو براكين الغضب .. و الأيام التي ستقضونها معه ستخبركم عنه .. هذا ما لدي .. إسمحوا لــي سألحق به .. إرجعوا من حيث أتيتم و سنلحق بكم بعد قليل..
علامات إستفهام كثيــرة إرتسمت فوق رؤوس الرجال الثلاثـة .. ووجه شيطان صغير ذو قرنين يحمل شوكة صغيرة يود طعن أحدهم بها يقف على رأس تركي الذي لم يشبع حمزه ما بنفسه ... فيعض على شفتيه قهرا .
يقف على صخرة كبيرة تطل على منحدر يتراقص من تحته نهــر عظيم .. فيترك العنان لعينيه لتسرح بعيدا عن هذا المكان ... فتتعانق عينيه و هي تنظر للسمـاء.. فتخفي شيء حارااااااااااا ثقيلا يحمله في قلبه الكبير.. و يده كعادتها تحتضنها كما يفعل كل يوم .. لحظة و دقيقة وثانية.. فيلمسها بأصابعه ..و يخرجها من جيبه لينظر إليها تارة . يضحك. . و يرجعها مرة أخرى ... و يعيدها مرة و إثنان و ثلاث و رباااااااع .. فينتشلها مرة أخرى من جيبه و ينظر اليها.. فيهمـس ..
-
-
-
-
-
-
- إشتقت اليـــك !!..
ليقطـــع عالمه الوردي مرة أخرى صوته المندهش و المحـــتار لأول مرة:
- فعلاً !! .. من أنت يا براكين ؟
فنتسائل أنا و قرائــي الأعزاء مع حمزة.. من أنت فعلاً يا براكين الغضب؟..
و ماهي قصتك بالضبط!!! .. ترى .. هل ستكشف الأيام لنا براكين الغضب حقاً!!
أم ستتلاعب الأقدار و الأيــام بنا لتدخلنا لمتاهات غامضة متعمدة ..
لتزيد شغف فضولنا هذا ..و ستمنعنا من معرفة الحقيقة!!.
و هل سيتوقف تركي عن بداية مشواره لكشف غموض صاحبــنا !! ..
هذا ما سنعرفه في ..
الحلقة الرابعة !!!..
الصفحة الأخيرة
( حَنينْ )
يحتضنُ اطار الصورة المثلم بين أصابعه المتشققة، فيمسح عن وجه الصورة آثــار الغبار و ينفضه عنها، فيشد على عينيه هنيهةً...
و يطيل النظر في تلك الصورة، ليسبح إلــى عالم بعيدٍ بعيد عن واقعه المشتعل بتلك النيران التي إلتهمت كل شيء، من أخضر و يابس و كهلٍ و شاب،
و رائحة الدخان المنبعثة من كل زاوية و نافذة،رائحة الدمـــاء التي سادت السمــاء، وأرض تصرخُ بنواح النساء و بكاء الصغار !!..
للحظات رسمت شفتيه إبتسامــة أخرستها السنين ، و كأنها تنتزع تلك الابتسامة عنوة من داخل كفن الحزن و البؤس و تسحبها للخارج، ليصل صوته
إليـــه فيخترقُ عالمه الوردي، فيخفي الصورة بصدر كفه ويدخلها في معطفه المهترئ،فتنطق شفتيه الغارقة بدم جاف تعانق نظرة قاسية من عينيه اللامعتين:
- إني قادم يا حمزة !! سألملم أغراضــي و سألحق بك ...
*)(* *)(*
الحلقة الأولــى: شاحنة الموت!!
تسيــر تلك الشاحنة القديمة ببطء صاعدة طريق الجبل الوعر، و تثاقلها يرجع لأنها تحمل من المتاع الكثير و من الرجال المتعاصرين ليضمهم المكان المزيد و
المزيد عند كل محطة تقف عندها أثناء المسير، فيترجلها أحدهم ليأتي إثنين غيره، أو تترجل مجموعة أخرى و تركب مجموعة أخرى !!!
و كأن التنقل في الشاحنات من قرية لأخرى، بين تلك الجبال الوعرة و الخطرة هي طريقة التنقل الوحيدة في تلك البلاد والتــي أبكاها الدمارالفظيع الذي
حصل لها .. فأخذت تلطم بكفيها حسرة و قهرا لآلاف القتلى الذين يذبحون كل دقيقة في ربوعها، فتنثر التراب على رأسها كما تفعل الأرامل لحظة وصول
خبر إستشهاد أزواجهن !!!.
مازالت الصورة مختبأة كعصفور مذعور في معطف صاحبها، ضاما ذراعيه لصدره حاميــا نفسه من الهواء الحار المليء بالغبار، و ليفسح المكان للذين
يجلسون معه في الشاحنة التي أنهكها التعب، و باتت تتوقف كل ساعة، فيذلف الرجال منها، و يقوموا بدفعها لدقائق لكي تتحرك مرة أخرى،
و من ثم يجرون وراءها ليحاولوا القفز إليها !! ما أغربها من شاحنة ، أتتعمد أن توقظ النائم، وتنشط الكسلان؟.. أم أن جنوناً ما قد أصابها في ذلك اليوم
كذلك الجنون الذي يصيبنا نحن البشر أحيانا!!..
تحتضن جفنــا صاحبنا عينيه، ليغرق في نوم أشبه بعميقْ لثوان، ليصل الــيه همسٌ مزعج من راكبٍ قد مل قصصه التافهة عن كنز يزعم أنه مخبأ في احدى
الجبال :
- هـي أنت !! أنائمٌ أنت فعلاًًََ؟
يفتح عينيه و يشد على شفتيه غضباً:
- و لم أغمض عيني إن لم أكن نائماً برأيك؟
- يا رجل قصدت أن أضحكك قليلاً، لم أنت غاضبٌ هكذا ؟.. صدق رجال القرية عندما قالوا عنك بأنك عصبي الطبعِ و المزاجْ !!
يمسح بكفه المتسخة بالرملِ و الدم الجاف وجهه ليوقظ حواسهُ كلها من كسل سرى لجسده:
- هل لــي أن أعرف ماوراءك يارجل؟
بحمــاسْ:
- إذا مارأيك بما إقترحته على الشبابْ؟.. هل ستذهب معي للبحث عن الكنز ؟
-
بغضبٍ و صوت يزمجر كالأسد أفزع النائــــم و أيقظَ اليقِظَ:
- سُحـــقاً لك !! توقظني من نومي في وقت لاأستطيع تحمل نفسي فيه من شدة الحر و قذارة الجو، فتقول لــي نبحث عن الكنز !! أي إحساسٍ
تملكهُ أيها الغبي ؟
و على أثرهِ أفزع صوت صاحبنا السائق المسكين الذي فقد السيطرة على مقود الشاحنة ،فأخذت تتمايل كراقصة شرقيةٍ يمنة و يسرة و الكل يحاول التماسك
في الشاحنة ، لتسقط إحدى عجلاتها بحفرة خبيثة تصفق فرحــاً لصيدها الثمين، تتبعها لحظات صمتٍ للركاب، و كلٌ يهتفُ الله أكبر !! الله أكبر !!!
فيحمدون ربهم على النجـــاة بأعجوبة .. وماهي لحظات حتى يعودوا لوعيهم من بعد صدمة الرعــب ليبحثوا
عن صاحب الصوت الغاضب ليكتشفوا غياب خمسة رجال من بينهم !!!
تحت حرارة تلك الشمس .. حفاة يمشون متحملين قســوة و شراسة تلك الأرض، إستمروا ليكملوا رحلتهم سيرا على أقدامهم التــي تسألهم الرحمة و
الرأفة بها،كان صاحبنا يتقدمهم بخطواته الثقيلة، فتكاد الأرض تهتز تحت أقدامه كلمــا هوى بواحدة على الأرض، يحمل متاعه على كتفه في قطعة قماش
مهترئة قد أجاد لفها لتحتوي مايريد من أشياء يود حملها معه ،إن ارتفعنـا لكتفه القوي، و أخذنا بالاقتراب منه أكثر ، لاصدمنــا بوجه أبيض السحنة إصطبغ باسمرار بفعل الشمس، متورد من حرارة الجو، تخفــي عِمامة بيضاء ملفوفة عدة مرات سواد شعر رأسه الأسود الفاحم، تتوسط وجهه عينين
واسعتين كبيرتين و كأنهما مكحلتين بأثمد نادر موجود فقط في جزيرة العرب. و بإمتداد رسمة عينيه نرى حاجبيه الكثيفتين و المرفوعتين لأعلــى لتواكب شراسة الملامح التــي عانقت وجه صاحبنا، لكن عيناه العسليتين لا تستطيع إخفاء طيبة قلب كبير يخفيــه في زاوية مــا بين ضلوعه.
يتبع صاحبنا صديق عمره حمزة، ذو السحنة البدوية الأصيلة، له أنف حاد، و إبتسامة لا تختفــي أبدا برغم حرارة الجو وصعوبة العيش، و عينينِ غامقتينِ ترحبُ بكل من تلتقي به، يسيرُ حمزة تابعاً صديقه، حاملاً متاعه على قمة رأسه، و يده الأخرى تحمل سلاحــًا يتراقص مع حركة ذراعيه. و بقية الرجــال : رجل قصة الكنز وشابين عظيمــا البنية يحملون أسلحة أخرى و أدوات صيد يتبعون الصديقين و صمت رهيب يخيمُ عليــهم، فيتساءلون فيــما بينهم: الــى أين نحن ذاهبــونْ؟..