الحمد لله نحمده ، ونستعين به ونسترشده ، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيِّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضِلَّ له ، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشدا ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقراراً بربوبيَّته ، وإرغاماً لمن جحد به وكفر ، وأشهد أن سيدنا محمد صلَّى الله عليه وسلَّم ، رسول الله سيد الخلق والبشر ، ما اتصلت عينٌ بنظرٍ أو سمعت أذنٍ بخبر ، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد ، وعلى آله وأصحابه ، وعلى ذرِّيته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين .
اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علما ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
من أخطر قضايا المجتمع الإسلامي : التماسك الأُسري :
</SPAN>
أيها الإخوة الكرام ، أرجو الله سبحانه وتعالى أن يوفقني إلى أن أضع يدي على الجراح التي يعاني منها المسلمون ، وعلى النقاط التي ينبغي أن تُعالج .
في أسبوعٍ سبق عُرِضَت علي عدة قضايا يعاني منها المسلمون ، قضايا الشقاق الزوجي ، فساد ذات البَيْن ، انهيار الأسرة المُسلمة ، هل المجتمع الإسلامي إلا مجموعة أسر ؟ فإن صلحت الأسرة صلح المجتمع ، وإن فسدت فسد المجتمع .
قضية تماسك الأسرة ، وقضية صحتها ، وقضية قوتها ، وقضية انسجامها ، هذه قضيةٌ مهمةٌ جداً المسلمون في أشد الحاجة إليها ، ذلك أن الإنسان إذا كان مُرتاحاً في بيته ، مطمئناً إلى أهله ، انطلق إلى عمله ، وأتقن عمله ، ونفع المسلمين ، وعاد الخير على كل المسلمين ، أما إذا كان البيت جحيماً لا يطاق ، إذا كان البيت مُفْعَمَاً بالمشكلات ، مفعماً بالتنافس ، مفعماً بالعداوة والبغضاء ، إن هذا البيت على خلاف ما أراد الله عزَّ وجل ، لأن الله عزَّ وجل حينما قال :
( سورة الروم : من آية " 22 " )
( سورة فصلت : من آية " 37 " )
قال :
( سورة الروم : من آية " 21 " )
الأصل في العلاقات الأُسرية : المودة والرحمة :
</SPAN>
هذا هو الأصل في العلاقة الزوجية المودة والرحمة ، هذا الأصل في الأسر ؛ التماسك ، الود ، الحب ، الانسجام ، الانضباط .
أيها الإخوة الكرام ، يجب أن نعلم جميعاً علم اليقين أن المال لا يقدِّم ولا يؤخِّر في هذا الموضوع ، قضية أن تعرف مالك وما عليك .
أسباب الشقاق الزوجي :
</SPAN>
السبب الأول : الجهل بأحكام الشريعة :
أول سببٍ في الشقاق الزوجي الجَهْلُ ، وكما أقول لكم دائماً : الجهل أعدى أعداء الإنسان ، حينما يجهل الزوج واجباته تجاه زوجته ، وحينما تجهل الزوجة واجباتها تجاه زوجها ، وحينما يجهل الرجل حقوقه على زوجته ، وحينما تجهل الزوجة حقوقها على زوجها ، حينما يبنى زواجٌ على جهل ، فهذا الزواج مصيره إلى التفكك وإلى الشقاق .
أيها الإخوة الكرام ، لا يستطيع عدوك مهما كان حاقدا عليك أن ينال منك كما ينال منك الجهل ، يجب أن ننطلق من بيوتٍ سعيدة ، يجب أن ننطلق من بيوتٍ متماسكة ، يجب أن ننطلق من أُسَرٍ نظيفة ، من علاقاتٍ واضحة ، الجهل أعدى أعداء الإنسان ، لابدَّ من أن تعرف ، حينما عقد القران قال خطيب الحفل : إن هذا العقد كان على كتاب الله وسنة رسوله ، فهل عرف الزوجانِ ما في كتاب الله وما في سُنَّةِ رسوله من أحكامٍ تتعلق بالزواج ؟ هل عرف الزوج حقيقة الزواج ؟ هل عرف حقوقه وعرف واجباته ؟ هل عرفت المرأة حق زوجها عليها ؟ وأن المرأة إذا أحسنت تبعُّل زوجها كانت كالمجاهدة في سبيل الله ، لقول النبي عليه الصلاة والسلام :
((انصرفي أيتها المرأة ، وأعلمي من وراءك من النساء أن حسن تبعل إحداكن لزوجها ، وطلبها مرضاته واتباعها موافقته يعدل ذلك كله )) .
( كنز العمال )
لابدَّ من طلب العلم ، ولا سيما اللذان يقدمان على الزواج ، لابدَّ من طلب العلم ، لابدَّ من معرفة أحكام الشريعة في شأن الزواج ، إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت زواجاً ناجحاً فعليك بالعلم ، إذا أردت زواجاً مستقراً فعليك بالعلم ، إذا أردت زواجاً سعيداً فعليك بالعلم ، إذا أردت زواجاً متماسكاً فعليك بالعلم .
أيها الإخوة الكرام ، يكاد الجهل يكون أول سببٍ من أسباب الشقاق الزوجي ، والجهل كما أقول دائماً أعدى أعداء الإنسان ، هو العدو الأول الذي يقوض الحياة الزوجية ، يقوض هذه الأسرة ، يجعلها في الشقاق ، يجعلها في العداوة والبغضاء على خلاف ما أراده الله عزَّ وجل ، الذي أراده الله المودَّة والرحمة بين الزوجين ، هذه هي الحالة الصحيحة المستقيمة ، فإن لم تكن كذلك لابدَّ من علاجٍ سريع ، لابدً من عودةٍ إلى الصواب .
السبب الثاني : تفرُّق الزوجين وشيوع العداوة :
أيها الإخوة الكرام ، السبب الثاني لانهيار الأسر ، وتفرُّق الزوجين ، وشيوع العداوة والبغضاء بينهما هو : التقصير في تطبيق ما تعلم ، قد يكون السبب الجهل ، ما بال الذي يعلمون حقوق الزوجة وحقوق الزوج ، وواجبات الزوجة وواجبات الزوج ولا يفعلون ..
( سورة الصف )
ما قيمة العلم إن لم يُطَبَّق ؟ ما قيمة معرفة دقائق العلاقة الزوجية إن لم تكن واقعاً بين الزوجين ؟ ما قيمة التفقُّه بأحكام الفقه إن لم يكن هذا الفقه مطبقاً في البيت ؟
( سورة الأنفال : من آية " 33 " )
قال علماء التفسير : ما دامت سُنَّتُكَ في بيوتهم ، وفي أعمالهم ، وفي أفراحهم ، وأتراحهم ، وفي إقامتهم وسفرهم ، وبيعهم وشرائهم ، فهم في بحبوحةٍ من عذاب الله .
وجوب تطبيق ما تعلّمه المسلم :
أيها الإخوة الكرام ... لابدَّ من أن تعلم ، ولابدَّ من أن تطبِّق ما تعلم ، ولابدَّ من أن تعلم ، ولابدَّ من أن يكون واقعك وَفْقَ ما تعلم ، وإلا كان النفاق ، وإلا كان الانحراف ، وكان التزوير ، من السهل جداً أن تتزين بكلامٍ تنتزع به إعجاب الحاضرين ؛ ولكن البطولة أن يكون هذا الكلام مطبقاً في حياتك اليومية ، شتانَ بين أن تقول مئة ألف ، بين أن تلفظها وأن تملكها ، شتانَ بين القولين ، بين أن تملك مئة ألف أو مئة مليون وأن تتلفظ بها ، فالتلفُّظ بالشيء لا وزن له إن لم يكن واقعاً تعيشه .
لذلك أيها الإخوة ... كثيرٌ أولئك الذين يحضرون مجالس العلم ، ويتعلمون شيئاً كثيراً عن حقوق الزوجة وعن واجباتها ، وعن حقوق الزوج وعن واجباته ، وعن حقيقة الزواج المُسْلِم ، وعن حقيقة الزواج الإيماني ، ولكنهم يقصرون ، فإذا قصَّروا ما قيمة هذا العلم ؟ العلم ما عُمِلَ به ، فإن لم يعمل به كان الجهل أولى ، لأن هذا العلم الذي لم يعمل به أصبح حجةً عليك .
أيها الإخوة الكرام ، بين أن تستمع إلى حقيقة وأن تعيشها مسافةٌ كبيرة جداً ، بين أن تترنَّمَ بحقوق الزوجين وأن تؤدي هذه الحقوق مسافةٌ كبيرةٌ جداً .
فالسبب الثاني أيها الإخوة هو : أن الذي يعلمون لا يطبِّقون ..
أول سبب : هناك من لا يعلم .
والسبب الثاني : هناك من يعلم ولا يطَبِّق ، وهذا العلم الذي بين جوانحه حجةً عليه لا حجةً له .
إن الله مع الزوجين :
يا أيها الإخوة الكرام ، ربما يبدو أن أحد أكبر أسباب السعادة الزوجية بين المؤمنين حقيقةٌ خطيرةٌ جداً هي : أن الله بين الزوجين ، معنى أن الله بينهما ، أي أن كل طرفٍ يخشى الله أن يظلم الطرف الآخر ، وأن كل طرفٍ يرجو رحمة الله بإكرام الطرف الآخر ، فإذا كان كلٌ من الزوجين يخشى الله أن يظلم الطرف الآخر ، وإذا كان كلٌ من الزوجين يرجو رحمة الله بإكرام الطرف الآخر ، لأن الله بين الزوجين ، كان هذا الزواج سعيداً ومستمراً ، بل إن الله عزَّ وجل حينما قال :
( سورة الروم : من آية " 21 " )
وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً
وقف العلماء وقفةً متأنيةً بين المودة والرحمة ، المودة سلوكٌ يُعَبَّرُ بمقتضاه عن الحب ، فالحب شعور والبسمة مودة ، الحب شعور والهدية مودة ، المودة سلوكٌ ظاهري يعبِّر عن شعورٍ داخلي ، وجعل بينكم مودة ، هذه المودة بين الزوجين من خَلْقِ الله عزَّ وجل ، ولا يمكن أن ينشأ بينهما العداوة والبغضاء إلا بسبب بعدهما عن الله، أو تفلتهما من منهج الله ، التفلُّت والبعد يسبب العداوة والبغضاء ..
( سورة المائدة : من آية " 14 " )
ولكن يا أيها الإخوة ... قال تعالى :
الرحمة أحياناً يستعان بها حينما تفقد المودة ، حينما تنقطع المصلحة بين الزوجين ، حينما يفتقر الزوج ولا يستطيع أن ينفق على الأسرة شيئاً ، حينما تُصاب المرأة بمرضٍ شديد ، ولا تغدو زوجةً ملء عين زوجها ، ما الذي يحل محل المودة ؟ الرحمة ، إذاً هذه المؤسسة الإسلامية أنشأت لتبقى ، لتبقى بالمودة أو بالرحمة أو بكليهما ، فإن لم تكن مودةٌ ولا رحمةٌ بين الزوجين ، فهذه حالةٌ مرضيةٌ تقتضي المعالجة السريعة .
السبب الثالث للشقاق الزوجي : إطلاق البصر في الحرام :
أيها الإخوة الكرام ، لعل من أبرز أسباب الشقاق الزوجي أن يملأ الإنسان عينيه من محاسن غير امرأته ، إطلاق البصر ، قال تعالى :
( سورة النور : من آية " 30 " )
فإطلاق البصر أحد أسباب الشقاق الزوجي ، لأن إطلاق البصر يجعل الإنسان في دوامةٍ لا نهاية لها ، في دوامة الموازنة بين ما عنده وبين ما يرى ، وقد يأخذ من صفات اللواتي يرى صفات لا تتمتَّعَ بها إحداهن ، إذا وازن بين ما يرى وما عنده ربما وقع شقاقٌ بينه وبين أهله .
أيها الإخوة الكرام ... هناك ما يسمَّى بمدرسة غض البصر ..
( سورة النور : من آية " 30 " )
السبب الرابع : سوء التصرُّف :
أيها الإخوة الكرام ، ولعل من أسباب الشقاق الزوجي سوء التصرُّف ، قال تعالى :
( سورة البقرة : من آية " 269 " )
أعرابيةٌ نصحت ابنتها فقالت : " واتقِي الفرح معه إن كان تَرِحَاً ، والترح إن كان فرحاً ، فإن الأولى من التقصير ، والثاني من التكدير ، لا تفشِي له سراً ، لا تعصي له أمراً ، اتقِي وقت طعامه ووقت منامه ، فإن حرارة الجوع ملهبة وتنغيص النوم مبغضة " .
نصائح كثيرة ، حينما تقع المرأة أو الرجل في سوء التصرف فهذا سببٌ كبير .
أول سبب هو الجهل .
والثاني هو سوء التطبيق .
والثالث هو إطلاق البصر .
والرابع هو سوء التصرُّف .
حينما المؤمن يستقيم على أمر الله يكرمه الله عزَّ وجل بالحكمة ، أن يقول الكلمة المناسبة في الوقت المناسب ، بالقدر المناسب ، مع الشخص المناسب ، في الظرف المناسب ، فالسكوت أحياناً من الحكمة .
السيدة عائشة رضي الله عنها جاءها طبق طعامٍ من ضرتها صفية رضي الله عنها ، أصابتها الغيرة ، فكسرت الطبق ، فالنبي عليه الصلاة والسلام امْتَصَّ هذا الغضب وقال :
(( غَارَتْ أُمُّكُمْ )) .
أي إذا غضبت الزوجة على الزوج أن يمتص هذا الغضب ، وإذا غضب الزوج على الزوجة أن تمتص هذا الغضب .
أيها الإخوة الكرام ... هذا من حسن التصرف ، وهذا من الحكمة التي من أوتيها فقد أوتي خيراً كثيراً .
السبب الخامس : التعالي :
يا أيها الإخوة الكرام ، ومن أسباب الشقاق الزوجي الذي يعاني منه معظم مجتمع المسلمين ، من أسباب الشقاق الزوجي التعالي ، قد يكون الزوج في وضعٍ أغنى وأقوى من أهل زوجته ، فالتعالي على أهل الزوجة يسبب الشقاق الزوجي ، وقد يكون والد الزوجة أقوى وأغنى من أهل الزوج ، تتعالى عليه ؛ تفتخر بأهلها ومالها وما عند أهلها ، فهذا التعالي أحد أكبر الشقاق الزوجي .
التعالي أيها الإخوة معولٌ تهدِّم به سعادتك الزوجية ، والتواضع أحد أسباب الوِفاق ، والواقعية أحد أسباب الوفاق ، والتعالي أسباب الشقاق .
(( لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ )) .
( صحيح مسلم : عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ )
الكبر يتناقض مع العبودية لله عزَّ وجل ، وهذا الذي يفتخر بشيءٍ ليس من كسبه ، يفتخر بشكلٍ ، أو بمالٍ ، أو بقوةٍ ، أو بحسبٍ ، أو بنسب ، وينسَ أن الله عزَّ وجل يقول :
( سورة الحجرات : من آية " 13 " )
ينسَ أن السُلَّمَ الذي نرقى به عند الله سُلَّمُ الطاعة والعمل ، سلم العلم والعمل ، قال تعالى :
( سورة الأنعام : من آية " 132" )
وقال تعالى :
( سورة المجادلة : من آية " 11 " )
فأنت عند الله حجمك بحجم معرفتك به ، وحجمك عند الله بحجم العمل الذي أناطه الله بك .
فالتعالي أيها الإخوة سببٌ آخر من أسباب الشقاق الزوجي .
السبب السادس : عدم القيادة :
أيها الإخوة الكرام ، وسببٌ آخر هو أن الأسرة لابدَّ لها من قيادة ، لذلك قال تعالى :
( سورة البقرة : من آية " 228 " )
هذه الدرجة هي درجة القيادة .
( سورة النساء : من آية " 34 " )
وفي آيةٍ أخرى :
( سورة البقرة : من آية " 228 " )
هذه الدرجة درجة واحدة ، هي درجة القيادة ، لابدَّ لكل مؤسسةٍ من آمر ، من قائد ، من إنسان يملك القرار ، وإلا ضاعت الأمور ، وإلا فسدت الأسرة ، لابدَّ لها من قائد ، هذا القائد هو الزَوْج ، لذلك هذه الدرجة التي يتمتع بها الزوج هي درجة القيادة ، بين الزوجين درجة واحدة لا ألف درجة ، درجة واحدة ، لأن الله عزَّ وجل يقول :
( سورة البقرة : من آية " 228 " )
هذه الدرجة هي درجة القيادة .
السبب السابع : التقليد الأعمى :
أيها الإخوة الكرام ، ومن أبرز أسباب الشقاق الزوجي التقليد الأعمى ، فكل بيتٍ له ظروفه ، وكل أسرةٍ لها مُعطياتها ، فإذا أرادت الزوجة أن تقلِّد أختاَ لها ، لها زوجٌ غني ، وقعت في شقاقٍ لا ينتهي مع زوجها ، السعادة الزوجية أيها الإخوة لا علاقة لها بالمال ، لها علاقةٌ بالصلة بالله ، لها علاقةٌ بتطبيق الإسلام في البيت ، قد يكون بيتاً ، قد يكون البيت بيتاً متواضعاً جداً ، وأصحابه في جنة ، وقد يكون قصراً مُنيفاً وأصحابه في جحيم ، إن الله يعطي الصحة والذكاء والمال والجمال للكثيرين من خلقه ؛ ولكنه يعطي السكينة بقدرٍ لأصفيائه المؤمنين .
قد يعيش الزوجان عيشةً خشنة ، وهما أسعد خلق الله ، وقد يعيش الزوجان عيشةً مترفة ، وهما أشقى خلق الله ، العبرة بطاعة الله ، العبرة بالتفاهم ، العبرة بالود ، قد تأكل طعاماً خشناً مع من تحب ، هو خيرٌ لك من أن تأكل أنفس مع من لا تحب ، قد تسكن كوخاً مع من تحب ، خيرٌ لك من أن تسكن قصراً مع من لا تحب ..
رحب الفلاة مع الأعداء ضيقةٌ سم الخياط مع الإخوان ميدان
كما قال الشاعر .
* * *
أيها الإخوة الكرام ... أحد أسباب الشقاق الزوجي التقليد الأعمى ، نريد أن نقلِّد ، لذلك قال : يا عائشة ، يقول عليه الصلاة والسلام :
(( إِيَّاكِ وَمُجَالَسَةَ الأَغْنِيَاءِ ، وَلا تَسْتَخْلِقِي ثَوْبًا حَتَّى تُرَقِّعِيهِ )) .
( من سنن الترمذي : عن عائشة )
وقد ورد عن سيدنا عمر رضي الله عنه أنه << من دخل على الأغنياء ـ والمقصود بالأغنياء غير المؤمنين ، غير المنضبطين ، أما الغني المؤمن فتشتهي الغنى منه ؛ من تواضعه ، وسخائه ، ورِقَّتِهِ ، وفضله ، الأغنياء غير المؤمنين ـ من دخل على الأغنياء خرج من عندهم وهو على الله ساخط >> .
فالتقليد الأعمى من قبل الزوجة يسبب الشقاء الزوجي .
السبب الثامن : الغياب عن البيت طويلا :
أيها الإخوة الكرام ، وسببٌ آخر من أسباب الشقاق الزوجي هو الغياب عن البيت الغياب الطويل ، هناك مشكلاتٌ كثيرةٌ جداً اطَّلعت عليها ، السبب أن الزوج يخرج قبل الشمس ، ويعود بعد منتصف الليل ، لزوجته عليه حق أن يجلس معها ، أن يؤانسها ، أن يستمع إلى حديثها ، أن تنظر إليه أن ينظر إليها ، أن يأكلا معاً ، أما هذا الغياب الطويل ، وهذا الذي يبحث عن عملٍ ويبتعد عن أهله سنوات وسنوات ، من يربي أولاده ؟ من يرعى زوجته ؟ الغياب الطويل عن الزوج وراء أكثر الجرائم التي تقع بين الزوجين وفي مقدمتها الخيانة الزوجية ، الغياب الطويل عن البيت يفقدك رعاية أولادك ، يفقدك تربيتهم التربية المُثلى .
فيا أيها الإخوة الكرام ... هذا سببٌ آخر من أسباب الشقاء الزوجي.
السبب التاسع : الطمع المالي :
وقد يأتي الطمع المالي ، قد ترث المرأة من أهلها إرثاً ، يطمع زوجها بهذا المال فيضيق عليها ، ويشدد عليها حتى تعطيه المال ، طمعه في مال زوجته سَبَّبَ شقاءه البيتي ، الزوج المؤمن يترفَّع عن مال زوجته ، ولا يعلِّقُ أهميةً على أن يأخذ ما عندها ، هو ملكها تفعل به ما تشاء .
السبب العاشر : البخل :
يا أيها الإخوة الكرام ... بل إن من أشد الشقاق الزوجي البُخْلُ ، البخيل لا يحبه أحد ، لا تحبه زوجته ، تتمنَّى موته ، يتمنى أولاده أن يفتقدوه لأنه بخيل ، لذلك أول صفةٍ من صفات الزوج المؤمن أنه كريم ..
(( ليس منا من وسع الله عليه ثم قتَّر على عياله )) .
( الجامع الصغير عن جبير بن مطعم بسند فيه ضعف)
ليس منا ينفي عنه النبي أن ينتمي إلى المؤمنين ، من وسَّع الله عليه ثم قتر على عياله .
لكن بالمقابل أيها الإخوة ..
(( كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ )) .
( من سنن أبي داود : عن " عبد الله بن عمرو " )
هؤلاء الذين تطعمهم ، وتكسوهم ، وتغذيِّهم ، وتسكنهم في بيتٍ مريح، وتعطيهم ما يشاؤون ، إن لم تهتمَّ بدينهم ، وأخلاقهم ، واستقامتهم ، ومعرفتهم أنت قد ضيَّعْتَهُم ، هناك تضييعان ، التضييع الأول ألا تنفق عليهم فيكرهوك ، إذا أنفقت عليهم أعطيتهم ما يشاؤون ، فإن لم تعرفهم بالله فقد ضيعتهم .. " كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ * ..
السبب الحادي عشر : سوء الظن :
أيها الإخوة الكرام ... هناك من أسباب الشقاق الزوجي سوء الظن من دون دليل ، قال تعالى :
( سورة الحجرات : من آية " 12 " )
وقد ورد في الأثر : أن الحزم سوء الظن ، وأن سوء الظن عصمة ، واحترس من الناس بسوء الظن إذا كان هناك دليل ، فإن لم يكن هناك دليل فسوء الظن إثم ، قد ينشأ عند الزوجة غيرةٌ غير معقولة ، بلا أي سبب ، زوجها مؤمن تأخذ في المجيء للبيت تتهمه باتهاماتٍ لا تليق به ، هذا مرض، وقد تكون الزوجة مؤمنةً طاهرةً عفيفةً ، والزوج واقعٌ في سوء الظن ، فيتهمها اتهاماتٍ لا تليق بها ، إن لم يكن هناك دليل فسوء الظن معصية ، إثم ، أما إذا في دليل فسوء الظن عصمة ، لذلك أحد أسباب الشقاق الزوجي سوء الظن الذي يقع به الأزواج أو تقع به الزوجات من حين إلى آخر .
السبب الثاني عشر : ميل أحد الزوجين إلى أحد الأولاد :
أيها الإخوة الكرام ... وقد يميل الزوج لأحد الأولاد ، أو قد تميل الزوجة لأحد الأولاد ، هذا الميل يقتضي التعصُّب ، ويقتضي الاندفاع غير الذكي ، ويقتضي الهجوم على الطرف الآخر ، فقد ينشأ خلافٌ شديدٌ بين الزوجين ، لأن الأب منحازٌ إلى ولد والأم منحازة إلى ولد ، وهذا أيضاً من أسباب الشقاق الزوجي .
أيها الإخوة الكرام .... ولا تنسوا قول النبي عليه الصلاة والسلام حينما جاءه أبو النُعمان بن البشير ، ففي الحديث عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ أَنَّ أَبَاهُ أَتَى بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ :
(( إِنِّي نَحَلْتُ ابْنِي هَذَا غُلامًا ، فَقَالَ : أَكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَ مِثْلَهُ ؟ قَالَ : لا ، قَالَ فَارْجِعْهُ )) .
( من صحيح البخاري عن حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمُحَمَّدِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ )
فمن لوازم الوفاق الزوجي العدل بين الأولاد ، ولا يقولَنَّ أحدكم : إنني أعطي البار ، وأحرم العاق ، إن حرمت العاق تزيده عقوقاً ، وإن سوَّيت بين الأولاد دون أن تنظر إلى برهم أو عقوقهم قرَّبت العاق ، وانتزعت إعجاب البار ، البار يعجب بك والعاق يخف عقوقه ، أما فرقت في العطاء بين الأولاد يزيد العاق عقوقاً وتسقط من عين الذي حابيته من أجل أخيه .
السبب الثالث عشر : تدخُّل الآباء والأمهات في خصوصيات العلاقة الزوجية :
أيها الإخوة الكرام ... أحد أسباب الشقاق الزوجي ، وهذه مشكلة المُشكلات ، تدخُّل الآباء والأمهات في خصوصيات العلاقة الزوجية ، الأم المُسَيْطِرَة التي تريد أن يعيش ابنها كما تتمنى على مزاجها ، بعيداً عن قواعد الشرع ، والأب المسيطر الذي يعلِّق عطاءه لابنه على أن يكون الابن على شاكلة أبيه ، والأم والأب اللذان لا يحترمان ابنهما ، فيفرضان عليه ما لا يريد ، وما لا يتمنى ، ولا يحترمان اتجاهه الديني ، تدخُّل الآباء والأمهات في خصوصيات العلاقة الزوجية هذا يفسد أيضاً العلاقة الزوجية بين الزوجين ، وينبغي للشاب المؤمن أن يعرف الفرق بين طاعة الآباء وبِرِّهِم ، قال تعالى :
( سورة الإسراء : من آية " 23 " )
الإحسان للوالدين ، والعبادة لله وحده ، فلا طاعة لمخلوقٍ في معصية الخالق ..
( سورة لقمان : من آية " 15 " )
<< يا سعد إما أن تكفر بمحمد ، وإما أن أدع الطعام حتى أموت " ، قال : " يا أمي لو أن لكِ مئة نفسٍ فخرجت واحدةً واحدة ما كفرت بمحمد ، فكلي إن شئتِ أو لا تأكلي >> .
يجب أن تعرف الفرق بين الإحسان للوالدين والعبادة ، العبادة لله عزَّ وجل ، ولا طاعة لمخلوقٍ في معصية الخالق ، والإحسان للوالدين .
السبب الرابع عشر : خروج المرأة من بيت زوجها دون إذن الزوج :
أيها الإخوة الكرام ... خروج المرأة من بيت زوجها من دون إذن زوجها ، مع أن الملائكة تلعنها ، لكن هذا الخروج بلا إذن يسبب الشقاق الزوجي .
(( إِذَا بَاتَتِ الْمَرْأَةُ مُهَاجِرَةً فِرَاشَ زَوْجِهَا لَعَنَتْهَا الْمَلائِكَةُ حَتَّى تَرْجِعَ )) .
( صحيح البخاري عن أبي هريرة )
وخروج المرأة من بيت زوجها من دون إذن زوجها أحد أسباب الشِقاق الزوجي .
السبب الخامس عشر : خلو الزوجة بأحد الأقارب :
والسبب الأخير أيها الإخوة ... هو خلو الزوجة بأحد الأقارب ، النبي عليه الصلاة والسلام قال :
(( لا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ )) .
( صحيح البخاري عن ابن عباس )
فالتقاليد والعادات أنه جاء من مكان بعيد ، هو أخو زوجي ، ينبغي أن أستقبله لئلا ينتقدنا ، لا يجوز أن تقع خلوةٌ بين المرأة ومن لا تحل له ، إلا المحارم فقط .
الملخَّص : بناء الزوجين بيتهما على طاعة الله :
</SPAN>
أيها الإخوة الكرام ... هذه بعض أسباب الشقاق الزوجي ، ولكن الذي يلخِّصُهُ جميعاً هو : أن الزوجان إذا بَنَيَا زواجهما على طاعة الله عزَّ وجل تولى الله في عليائه التوفيق بين الزوجين ، وإن بنياهُ على معصيةً لله تولى الشيطان التفريق بينهما .
أنت تحب زوجتك ، وتحبك زوجتك ، وتعيشان حياةً مِلْؤها السعادة والتفاهم بقدر طاعتكما لله عزَّ وجل ، وينشأ النفور ، والبغضاء ، والعداوة ، والشحناء ، والخصومات بقدر تفلُّتهما من منهج الله عزَّ وجل ، فإن أردت زواجاً سعيداً فاتقِ الله ، اتقِ الله أن تعصيه فيما أمرك ، ليس الولي الذي يمشي فوق الماء ولا الذي يطير في الهواء ؛ ولكن الولي كل الولي الذي تجده عند الحلال والحرام ، أن يجدك حيث أمرك وأن يفتقدك حيث نهاك .
أيها الإخوة الكرام ، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوا أعمالكم قبل أن توزّن عليكم ، واعلموا أن ملك الموت قد تخطَّانا إلى غيرنا ، وسيتخطَّى غيرنا إلينا ، فلنتَّخذ حذرنا ، الكيِّسُ من دان نفسه ، وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها ، وتمنَّى على الله الأماني .
والحمد لله رب العالمين
* * *
الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وليُّ الصالحين ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله صاحب الخُلُقِ العظيم ، اللهم صل وسلِّم وبارك على سيدنا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين .
زواج شريح القاضي ( أبي أمية ) قصة وعبرٌ :
:
</SPAN>
أيها الإخوة الكرام ، قصةٌ أرويها كثيراً في عقود القِران ، ولكنها مناسبةٌ لهذا الموضوع :
شريحٌ القاضي لقيه صديقه الفضيل قال : يا شريح ، كيف حالك في بيتك ؟ قال : والله منذ عشرين عاماً لم أجد ما يعكِّر صفائي ، قال : وكيف ذلك يا شريح ؟ قال : خطبت امرأةً من أسرةً صالحة ، فلما كان يوم الزفاف وجدت صلاحاً وكمالاً ـ أي صلاحاً في دينها وكمالاً في خَلْقِهَا ـ فصليت ركعتين شكراً لله على نعمة الزوجة الصالحة ، فلما سلَّمت من صلاتي وجدت زوجتي تصلي بصلاتي ، وتسلم بسلامي ، وتشكر شكري ، فلما خلا البيت من الأهل والأحباب دنوت منها فقالت لي :
على رِسْلِكَ يا أبا أمية ، ثم قامت فخطبت ، قالت : أما بعد ، فيا أبا أمية ، إنني امرأةٌ غريبة لا أعرف ما تحب ، ولا ما تكره ، فقل لي ما تحب حتى آتيه ، وما تكره حتى أجتنبه ، ويا أبا أمية ، لقد كان لك من نساء قومك من هي كفء لك ، وكان لي من رجال قومي من هي كفء لي ، ولكن كنت لك زوجةً على كتاب الله وسنة رسوله ، فاتقِ الله فيَّ ، وامتثل قوله تعالى :
( سورة البقرة : من آية " 229 " )
ثم قعدت .
قال : فألجأتني إلى أن أخطب ، وقفت ، وقلت : أما بعد ، فقد قلتِ كلاماً إن تصدقي فيه ، وتثبتي عليه يكن لك ذخراً وأجراً ، وإن تدعيه يكن حجةً عليك ، أحب كذا وكذا ، وأكره كذا وكذا ، وما وجدتِ من حسنةٍ فانشريها ، وما وجدتِ من سيئةٍ فاستريها ـ والمرأة المؤمنة سِتِّيرَة لا تفضح زوجها ـ فقالت : كيف نزور أهلي وأهلك ؟
قال : نزورهم غباً مع انقطاعٍ بين الحين والآخر ، لئلا يملونا ، قالت : فمن من الجيران تحب أن أسمح لهن بدخول بيتك ، ومن تكره ؟ قال : بنو فلان قومٌ صالحون ، وبنو فلان قومٌ غير ذلك .
قال : ومضى علي عامٌ عدت فيه إلى البيت فإذا أم زوجتي عندنا ، رَحَّبْتُت بها أجمل ترحيب ، وكانت قد علمت من ابنتها أنها في أهنأ حال .
قالت لي : يا أبا أمية ، كيف وجدت زوجتك ؟ قلت : والله هي خير زوجة ، قالت : ما أوتي الرجال شراً من المرأة المدللة ـ فوق الحدود ـ فأدِّب ما شئت أن تؤدِّب ، وهذِّب ما شئت أن تهذِّب ، ثم التفتت إلى ابنتها تأمرها بحسن السمع والطاعة .
ومضى علي عشرون عاماً لم أجد ما يعكِّر صفائي إلا ليلةً واحدة كنت فيها أنا الظالم .
لماذا لم نكن في مثل سعادتهم ؟
:
</SPAN>
قد يقول أحدهم : والله عشت معها ثلاثين عاماً لم أنم ليلةً واحدة مرتاحاً منها ، طبعاً ، المعصية تسبب الشقاق الزوجية ، والطاعة تسبب السعادة الزوجية ..
ويا أيها الإخوة الكرام ... يجب أن نحرص على بيوتنا ، وعلى تماسك بيوتنا ، وعلى سعادتنا الزوجية ، لأنه إذا صلحت الأسرة صلح المجتمع ، هي اللبنة الأولى ، يجب أن تقيم أمر الله في بيتك ، يجب أن يمتلئ البيت عبادةً وصلاةً وتلاوةً ، وما شاكل ذلك ، أما إذا نقل ما في السطوح إلى ما في البيت كان الشقاق الزوجي ، اصعد إلى جبل قاسيون وألقِ نظرةً على دمشق ، تعلم لماذا الشقاق الزوجي بين الزوجين ؟
والحمد لله رب العالمين
</SPAN></SPAN></SPAN></SPAN></SPAN></SPAN></SPAN></SPAN></SPAN>
