أسباب الفراق وأسباب الإخاء

ملتقى الإيمان

· أسباب الفرقة :
أيها الفضلاء ، إن البغضاء من أسباب التفرقة بين الأسر والقبائل والشعوب ، وهي الحالقة .. لا تحلق الشعر ولكن تحلق الدين .
البغضاء هي التي تفسد ذات البين .
البغضاء هي التي تشعل في القلوب ، وتقطع الأرحام ( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22)أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) (محمد:23).
وبعض الجهلة ـ للأسف ـ يغذي هذه البغضاء في قلوب أبنائه ، فيخبرهم بعداء القبائل ، ويذكر لهم تاريخ الجاهلية ، وكيف تحاربت القبائل فيما بينها ، وماذا فعل بنو فلان ببني فلان ، وما هو موقف القبيلة هذه منا ومن أحلافنا ، ومن أصدقائنا ، ومن أعدائنا .
وهذا كله عداء جاهلي ، وثني ليس في الكتاب ، ولا في السنة ، بل هو حرب للإسلام .
يقول ( صلى الله عليه وسلم ) فيما صح عنه : ( لا يبلغني أحد عن أحد من أصحابي شيئاً ، فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر )(2) .
هذه البغضاء ، يا عباد الله ، هي التي تأكل الحسنات ، كما تأكل النار الحطب .

2ـ ومن أسباب التفرقة أيضاً : الحسد ، والعياذ بالله ، فسبب تقاتل أبناء آدم ، إنما هو : الحسد .
يقول الله : ( أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) (النساء: من الآية54) ويقول الشاعر :
ألا قـل لـمـن بـات لـي حـاسـداً أتـدري عـلى مـن أســأت الأدب
أســأت عـلـى الله سـبـحـانـه لأنـك لـم تـرض لـي مـا وهـب
فـجـــزاك عـنـي بـأن زادنـي وســد عـلـيـك وجـوه لطـلـب
والحسد في القلب شعلة من نار ، يأكل الحسنات ويدمر الصالحات ، ويفني القبائل والأسر ، ويعدم الإخاء بين الناس ، وهو كثير في الناس اليوم بسبب حب الدنيا .

3ـ وأما السبب الثالث من أسباب الفرقة فهو : حب الدنيا ، وحبها رأس كل خطيئة .
يقول سبحانه عن الدنيا : ( اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) (الحديد:20).
وصف بعض الصالحين الحياة فقال : هي حلم مثل أحلام النوم .
وقالوا لنوح ، عليه السلام ، وقد عاش أكثر من ألف سنة : كيف رأيت الحياة ؟
قال : رايتها كبيت له بابان ، دخلت من هذا ، وخرجت من ذاك .
وقالوا لأحد الصالحين : : صف لنا الدنيا .
قال : هي عجوز شمطاء ، قبيحة التقبيل والشم .
وقال آخر : الدنيا سارقة مارقة ، حية رقطاء .
وقال الإمام أحمد : عجباً للدنيا ، بينما نحن مع أبنائنا إذ تفرقنا .
ولذلك يقول المتنبي :
أيـن الجــبـابـرة الأكــاســـرة الآلي كـنزوا الكـنوز فلا بقـيـنا ولا بقـوا
مـن كـل مـن ضـاق الفـضـاء بجـيشـه حـتـى ثـوى فـحـواه لحـد ضـيق
يقولون : إن هارون الرشيد الخليفة ، لما حضرته الوفاة ، قال : اجمعوا لي الجيش .. فجمعوا الجيش والقادة .
فخرج على الجيش ، وقال : يا من لا يزول ملكه ارحم من زال ملكه .
ثم قال : اللهم إني لست مصلحاً فأعتذر ، ولست قوياً فانتصر ، اللهم فاقبلني فيمن قبلت .
وكان الوليد بن عبد الملك ، أحد الخلفاء ، يتقلب ظهراً لبطن على التراب وهو يبكي في سكرات الموات ، ويقول : ( مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ (28)هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ ) (الحاقة:29).
فحب الدنيا هو : الذي قطع بين الأرحام ، والأحباب ، والأقارب .
وحب الدنيا ، هو : الذي جعل الناس يتخلفون عن صلاة الجماعة والندوات ، وعن ذكر رب الأرض والسماوات .
وحب الدنيا ، هو : الذي أقسى القلوب ، وضيع الوقت في غير طاعة الله عز وجل .
وإلا ... فليس لك من دنياك إلا ما أكلت فأبليت ، أو تصدقت فأعطيت ، أو لبست فأفنيت .
فاعلم علم اليقين : أن أحسن ما تقدمه ، هو : العمل الصالح ، وأن كل شيء سوف يزول ، إلا ما أبقاه العبد لأخرته .
4ـ ومن أسباب الفرقة : العصبية الجاهلية القبلية ، وقد أشرت إليها ، وهي : التحزبات ، وجعل بعض القبائل لها على بعض منزلة أو درجة .. وهذه من الشيطان ، وهذه حرب للإسلام ، وحرب للرسول ( صلى الله عليه وسلم ) .
ومن افتخر بآبائه ، فهو أولهم إلى النار ، وهو معهم يحشر ؛ لأن المرء يحشر مع من أحب .

· أسباب الإخاء :
ومن أسباب الإخاء أمور :
أولها : السلام والابتسام : بأن تسلم على من عرفت ، ومن لم يعرف .
يقول ( صلى الله عليه وسلم ) : ( يا أيها الناس أفشوا السلام ، وأطعموا الطعام ، وصلوا الأرحام ، وصلوا بالليل والناس نيام ؛ تدخلوا الجنة بسلام )(1) .
وتحيتنا هي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، لا نستبدل بها غيرها ، لا أهلاً ولا مرحباً ، ولا كيف أصبحت ، ولا أهلاً وسهلاً ، ولا صباح الخير ، قال تعالى : (تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلام) (الأحزاب: من الآية44).
والابتسام لقوله ( صلى الله عليه وسلم ) : ( تبسمك في وجه أخيك صدقة )(2) ، فعلى المسلم أن يتبسم للمسلمين ، وأن يعانقهم إذا أتى من غيبة ، وأن يعلم أن مصافحته للمسلم تحط الخطايا كما تحط الشجرة ورقها في شدة الشتاء .
2ـ ومن أسباب الألفة : الدعاء بظهر الغيب ، وأجمل الدعاء ح دعاء غائب لغائب .
يقول الإمام أحمد بن حنبل ، رحمه الله ، لابن الشافعي بعد ما توفى الشافعي : أبوك من السبعة الذين أدعو الله لهم وقت السحر .
واعلم أنك إن دعوت لأخيك المسلم ، فإن ملكاً يقول لك : ولك بمثل .

3ـ ومن أسباب الحب والوئام : الزيارة في الله ، فإنها هي الباقية عند الله عز وجل .
ففي الحديث الصحيح : ( أن رجلاً زار أخاً له في قرية أخرى ، فارصد الله له على مدرجته ملكاً ، فلما أتى عليه ، قال : أين تريد ؟
قال : أريد أخاً لي في هذه القرية .
قال : هل لك عليه من نعمة تربها ؟؟ أي تحفظها .
قال : لا ، غير أني أحببته في الله عز وجل .
قال : فإني رسول الله بأن الله قد أحبك كما أحببته )(1) .
وأما زيارة المريض ، فهي من أعظم القربات عند الله ، ففي الحديث أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال: ( من عاد مريضاً لم يزل في خرافة الجنة حتى يرجع )(2) .
وفي حديث آخر قال فيه ( صلى الله عليه وسلم ) : ( ما من مسلم يعود مسلماً غدوة إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي ، وإن عاده عشية إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح ، وكان له خريف في الجنة )(3) .
وفي الحديث الصحيح أن الله يقول للعبد وهو يحاسبه : ( يا أبن آدم جعت فلم تطعمني !!.
قال : كيف أطعمك وأنت رب العالمين ؟
قال: أما علمت أن عبدي فلان بن فلان جاع فما أطعمته، أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي ؟!.
يا أبن آدم ظمئت فلم تسقني !!.
قال : كيف أسقيك وأنت رب العالمين ؟
قال : أما علمت أن عبدي فلان بن فلان ظمئ فلم تسقه ، أما علمت أنك لو سقيته لوجدت ذلك عندي ؟!.
ابن آدم مرضت فلم تعدني !!
قال : كيف أعودك وأنت رب العالمين ؟
قال : أما علمت أن عبدي فلان بن فلان مرض فلم تعده ، أما إنك لو عدته لوجدت ذلك عندي )(4) .

ومنها : صلة الرحم ، وهي : من أعظم الأمور التي تزيد في العمر ، وتبارك في الحياة .
وأعظم ما يكدر الحياة ، ويعكر الوداد ، ويقسي القلوب ، ويضيع الأوقات : قطيعة الرحم ، والعياذ بالله .
أتى رجل إلى الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) فقال : يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني ، وأحسن إليهم ويسيئون إلي ، وأحلم عنهم ويجهلون علي ، فماذا أفعل ؟
قال ( صلى الله عليه وسلم ) : ( لئن كنت كما قلت ، فكأنما تسفهم المل ، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك )(5) ، والمل : الرماد الحار .
قال المقنع الكندي :
وإن الـذي بـيـنـي وبـيـن بـنـي أبـي وبـيـن بـنـي عـمـي لمـخـتـلف جـدا
وإذا أكـلـوا لـحـمـي زفـرت لحـومـهم وإن هـتـكـوا مجـدي بـنـيـت لهم مجـدا
ولا أحـمـل الـحـقـد القـديـم عـليهـمو وليـس رئيـس القـوم مـن يحـمـل الحقـدا

أما قرابة الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ، فاسمع ماذا فعلوا : لقد أخرجوه من داره وضربوا بناته ، وأخرجوه من مكة ، وحاربوه في أكثر من سبع عشرة عزوة ، وكسروا ثنيته ، وأسالوا دمه ، وما تركوا مكيدة في الدنيا إلا دبروها له .
فلما انتصر عليهم وطوقهم بالجيش ، وهم جلوس في الحرم ، قال : ( ماذا ترون أني فاعل بكم ؟ ).
قالوا : خيراً ، أخ كريم وابن أخ كريم .
قال : ( اذهبوا فأنتم الطلقاء )(6) .

5ـ ومما يؤلف القلوب : تذكر الموت .
هـو المـوت مـا مـنـتـه مـلاذ ومـهـرب مـتى حـط ذا عـن نـعـشـه ذاك يـركـب
فمن الذي هرب من الموت ؟
ومن الذي اعتصم بالقصور ، فما أخرجه الموت بقاصمة الظهور ؟
لا أحد .
يقول سبحانه وتعالى : ( قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ) (الجمعة: من الآية8) فأنتم تفرون منه ولكنه أمامكم !
ويقول سبحانه وتعالى : ( أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ ) (النساء: من الآية78) سبب نزول هذه الآية أن أحد الكفار قال : يزعم محمد أنه لابد أن أموت ، لبنين لي قصراً شاهقاً فلا يدخل علي ملك الموت .
فقال سبحانه : ( أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ )(النساء: من الآية78) .
قال سفيان الثوري ، رحمة الله : حق لمن بلغه الله ستين سنة ، أن يشتري له كفناً .
وكان الإمام أحمد ، إذا رأى المقابر انقطع ، وجلس مبهوتاً .
وكان عثمان ، رضي الله عنه وأرضاه ، إذا رأى المقبرة بكى حتى يغمى عليه .
نـؤمـل آمـالاً ونـرجــوا نـتـاجـها وعـل الـردى مـمـا نـرجـيـه أقــرب
ونبني القـصور المشـمخرات فـي الهـوا وفـي عـلـمـنا أنـا نـمـوت وتـخـرب

6ـ ومن أسباب الألفة : العفو ، قال تعالى : ( وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (آل عمران: من الآية134) ، فمن عفا عن مظلمة ، أورثه الله عزاً في الدنيا والآخرة .
والعفو هو : أن تعفو عمن ظلمك ، كما عفا ( صلى الله عليه وسلم ) عمن ظلمه وقال لهم : ( اذهبوا فأنتم الطلقاء )(1) .
يذكر ابن كثير وغيره ، من المؤرخين : كان لابن الزبير مزرعة في المدينة ، ولمعاوية مزرعة بجانب مزرعة ابن الزبير .
فدخل عمال معاوية مزرعة ابن الزبير ، فغضب وكتب رسالة إلى معاوية يقول فيها : يا أبن آكلة الأكباد ! إما أن تمنع عمالك من دخول مزرعتي ، أو ليكونن لي ولك شأن .
فقرأ معاوية الرسالة ، وإذا هي حارة من رجل من الرعية وهو ملك .
فقال لابنه يزيد : ماذا ترى ؟
قال يزيد : أرى أن ترسل له جيشاً ، أوله في المدينة ، وآخره عندك حتى يأتوا لك برأسه !
قال : بل أقرب من ذلك صلة وأقرب رحماً .
فكتب : بسم الله الرحمن الرحيم .. من معاوية بن أبي سفيان إلى ابن حواري الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) وابن ذات النطاقين ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، أما بعد ، فو الله الذي لا إله إلا هو لو كانت الدنيا بيني وبينك لهانت علي ، فإذا جاءك كتابي هذا فخذ عمالي إلى عمالك ، ومزرعتي إلى مزرعتك .
فقرأها ابن الزبير ، فبكى ، حتى بلها بالدموع ، وذهب إلى دمشق ، فقبل رأس معاوية ، وقال : لا أعدمك الله عقلاً أحلك من قريش هذا المحل .
فانظر كيف صنع العفو .. وكيف قلب العدو صديقاً ، وبدل الحق بالحب ، وقد قال تعالى لرسوله ( صلى الله عليه وسلم ) : ( فَاعْفُ عَنْهُم ْ) (آل عمران: من الآية159) فأمره بالعفو مع المؤمنين .
فينبغي علينا اخوة الإيمان : أن نحيي معاني العفو في حياتنا ، بأن نتنازل قليلاً لإخواننا ، عن بعض الأشياء ، التي تقربنا بهم ، وتزيدنا تماسكاً وترابطاً معهم .
هذه بعض الأمور التي تعين ، وتقرب الألفة والأخوة بين المسلمين ، ذكرتها لكم لعل امرؤ ناصحاً لنفسه أن يحاول امتثالها في حياته .
والله أعلم ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .





777777
777
7
مما راق لي من كتاب::(في رحاب الأخوة ) للشيخ /عائض القرني
4
445

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

هنـ قلبي ــا
هنـ قلبي ــا
<<<:confused:>>>
حلما عابر
حلما عابر

السلام عليكم
يا اختي جزاك الله خيرا وبارك فيك
سلي الله ان ينقي سريرتنا ويشفي قلوبنا من جميع الامراض
دمعة ضاحكة
دمعة ضاحكة
السلام عليكم يا اختي جزاك الله خيرا وبارك فيك سلي الله ان ينقي سريرتنا ويشفي قلوبنا من جميع الامراض
السلام عليكم يا اختي جزاك الله خيرا وبارك فيك سلي الله ان ينقي سريرتنا ويشفي قلوبنا من جميع...
هنـ قلبي ــا
هنـ قلبي ــا
اللهم امين

ويغفر لي ولوالدي وجميع المسلمين

جزاكم الله خير على المرور