حقق أسبوع الموضة بباريس شهرة عالمية، جعلته يتفوق بلا منازع على أسابيع الموضة في روما ونيويورك وبرشلونة وبكين وهونج كونج وطوكيو وريو دي جانيرو وغيرها من الأسابيع التي تنظم في مختلف دول العالم، والنجاح الذي حققه أسبوع الموضة الباريسي لم يكن ناتجا عن دعاية وإعلام، ولكن السبب أنه ضم عددا كبيرا من المصممين من جنسيات ومشارب ثقافية مختلفة، ففي أسبوع باريس تجد المصمم الياباني والبريطاني والأسترالي والأمريكي والإيطالي والألماني والفرنسي والمصممين العرب، ليس ذلك فحسب فباريس احتضنت العديد من المصممين الأوروبيين وأصبحوا نجوما من خلالها يديرون أهم دور الأزياء لديها، مثال جون جاليانو البريطاني وكارل لاجرفيلد الألماني، هذا التعدد منح العروض صفة الأممية ومنح مستهلك الموضة مساحة أكبر للتعرف على أحدث إبداعات الشعوب، وخيارات أفضل في سبيل البحث عن الموضة.
ورغم تميز العديد من المصممين بالأفكار الخلاقة والسعي الحثيث نحو التجديد، إلا أن مصممين عالميين برزا بشكل لافت في عروض هذا العام، كل منهما يمثل دارا عريقة للأزياء، الأول جون جوليانو الرئيس المبتكر لكرستيان ديور، والثاني كارل لاجرفيلد مدير بيت أزياء شانيل، وكل منهما يملك تاريخا عريضا وشهرة واسعة في الأزياء، وباعتبار العلامتين الكبيرتين اللتين يمثلانهما واللتين تعتبران الأبرز فرنسيا وعالميا، واختلاف الجيل فأحدهما ـ جاليانو ـ شاب، والآخر ـ لاجرفيلد ـ كهل ـ ، وكذلك اختلاف توجه كل منهما، بدا الأمر وكأنه مواجهة بين مدرستين في الأزياء، مدرسة ديور الكلاسيكية العريقة ومدرسة شانيل العصرية المتوثبة.
وجون جاليانو أحد الأسماء المهمة في عالم الأزياء بباريس ، وهو الرئيس المبتكر بدارDior Christian العملاقة، ويتميز جاليانو بشخصية غريبة الأطوار، انعكست على أزيائه، فكانت دائما تجمع بين الابتكار والعبقرية والجنون، أزياء جاليانو غرائبية تجنح إلى اللامعقول، فعروضه دائما ما تحتوي على عارضين وعارضات بملابس غريبة وبوجوه مطلية بالألوان، كأنهم آتون من عالم آخر، وصرعات وأفكار غريبة تجعل العرض أشبه بعالم غريب ومخيف أحيانا.
عرض جاليانو الذي قدمه في أسبوع الموضة بباريس هذا العام لم يخرج عن هذا الخط الذي اختاره منذ البداية وهو خط اللامعقول ، فكان العرض نفسه لا معقولا، ديكور الكات ووك نفسه كان المؤشر الأول على ذلك، فلم يكن ديكورا عاديا ، كان أشبه بحديقة خلفيتها رسومات الأبراج.
ظهرت في العرض أزياء ملونة بكرانيش خضراء جعلت العارضة أشبه بثمرة الفاكهة، وقبعات غريبة ذات شرائط صفراء وحمراء، وقبعات حمراء مزودة بريش، وغلالات حمراء ومكياج صارخ غريب، قبعات أخرى مصممة على شكل كائنات بحرية مزودة بريش.
موديل آخر مجلل بالخرز والكريستالات والأحجار الملونة من أعلى الرأس إلى أسفل الجسم، بذراع على شكل درع الفارس، موديل إمبراطوري أخر يتكون من عباءة حمراء مزركشة وبنطال نحاسي اللون وقبعة مزينة بريش تشبه قبعة وملابس فرسان الحروب في العصور الوسطى، أو ملابس فرسان المراسم البريطانية الواقفين أمام قصر باكينهام.
موديل آخر أسود اللون مزود بإكسسوارات نحاسية وقبعة وزي بأكتاف تشبه الأجنحة. وقرون سوداء جعلت العارضة أشبه بطائر الوطواط أو كائن غريب جاء من الفضاء، موديلات أخرى تحمل نفس الاتجاه، القصات الغريبة والإكسسوارات المدهشة والمكياج غير المعقول والألوان الصارخة.
والموديلات التي قدمها جاليانو في عرضه لا تحمل أي فكرة، ومن الصعب بل من المستحيل ارتداؤها في الواقع، ومن تتجرأ وترتديها في الشارع فسوف تقبض عليها الشرطة وتحول إلى مستشفى الأمراض العقلية، ولكنها في الوقت نفسه زاخرة بأنماط من التفكير والإبداع هدفها الخفي الحث والتحريض على الاكتشاف والإبداع.
وانتهى العرض بدخول جاليانو الكات ووك يرتدي زي رواد الفضاء، وكأنه يود أن يقول أن عرضه هذا لا يمت للواقع ولكنه صورة من عالم متخيل آخر.
"جنون" ـ وبمعنى آخر "عبقرية" جوليانو ـ اصطدم بحكمة المصمم الألماني الشهير كارل لاجرفيلد مدير بيت أزياء Chanel الذي أقام عرضه في اليوم التالي مباشرة، ففي عرض لاجرفيلد ظهرت صورة مغايرة تماما لما سبق، فقد قدم في العرض موديلات شانيل الناعمة التي تتعامل مع المرأة ككائن رقيق يشبه المجوهرات، أو الطاووس ـ كما أظهر أحد موديلاته ـ ، فكانت موديلاته جميعها من قطعتين، شبابية عصرية، منها موديل أسود من الساتان مع بنطلون من الجينز وقفازات طويلة من الجينز، وموديلات أخرى بنية ورمادية وحمراء اعتمدت كثيرا على الدمج بين الجينز والفستان.
والجديد الذي قدمه لاجرفيلد في هذا العرض إدخال الجينز كعنصر من عناصر الفستان سواء في البنطال أو القفاز، ومن الأشياء التي برع فيها في هذا العرض قفاز اليد الطويل الذي قدمه بالجينز مرة والساتان المطرز أو بنفس قماش الفستان مرات، ويظهر فيه القفاز الطويل كأنه جزء منفصل متصل مع الفستان، ويتوقع أن تنتشر هذه الموضة الجديدة بين الشابات.
برزت في العرض أيضا دقة وثراء التطريز، لقد اهتم لاجرفيلد ـ وهو يتعامل مع المرأة كجوهرة ـ بالتطريز المتقن الغني بالدوائر والتفاصيل والتي جعلت القماش ملكيا مترفا.
شارك في الأسبوع مصممان لبنانيان هما إيلي صعب الحريص على التواجد المستمر في عروض باريس وغيرها من العروض العالمية، وخالد المصري وهي مشاركة عربية ضعيفة بالنظر إلى العام الماضي الذي شارك فيه أكثر من 5 مصممين عرب.
إيلي صعب قدم في باريس مجموعة الهوت كوتيور لخريف وشتاء 2006 / 2007 ، وكانت المجموعة حافلة بالأنوثة والعظمة، استعمل كثيرا التفتا والحرير، أما الألوان فقد اهتم صعب بالألوان الغامقة الحميمية مثل النيلي والبمبي والأسود، إضافة إلى اللون الذهبي، واستعمل كثيرا قماش الدانتيل والجيبور، وحفلت الموديلات كثيرا بالتطريز باللؤلؤ الأسود والأبيض، وظهر صعب في نهاية العرض كعادته ببدلة سوداء بدون ربطة عنق، حضرت العرض النجمة اليسا والإعلامية مي شدياق وسفيرة لبنان في باريس سلفيل فضل الله .
أما خالد المصري فقدم موديلات جريئة تحاول اكتشاف قصات جديدة، حفلت الموديلات بالتطريز والحروف العربية وهو الخط الذي حاول المصمم تأصيله في أكثر من عرض، كذلك ظهرت في فستان زفاف "الحلية الأمامية" التي قدمها المصمم في عروض سابقة. ولم يغب البعد السياسي عن عرض المصري، حيث قدم موديلا أخضر اللون بشال عليه عبارة " الأخضر الحرية الديموقراطية"، ومع عدم اعتراضنا على المعاني التي تقدمها هذه العبارات ، ومشروعية توظيف الزي لمدلول اجتماعي أو سياسي ، إلا أن المصمم وقع في المباشرة، وابتعد كثيرا عن لغة الفن الرامزة الموحية، وكان بوسع المصمم إضافة رمز أو رسم تجريدي يوحي بهذه المعاني، بدلا من هذه العبارات المباشرة التي خرجت بالزي من إطار الإبداع إلى الخطب المنبرية.
وفي نهاية العرض ظهر المصري ببدلة أنيقة تحاكي البدل العسكرية ذات ياقة وأكمام مطرزة، مع بنطال من الجينز، والبعد السياسي أيضا تكرر عندما علق المصري على صدره شارة صغيرة عليها صورة رئيس وزراء لبنان الأسبق الراحل رفيق الحريري الذي اغتيل في تفجير آثم وسط بيروت منذ عام ونصف

ساره الحلوة @sarh_alhlo
كبيرة محررات
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

Renad:81
•
ياليت الموضوع مزود بالصور كان والله فلة

الصفحة الأخيرة