بقلم د/ أحمد خالد توفيق
أسعد أيام هدى
عظيمة هي قناة الجزيرة .. قد نختلف معها، وقد نراها منحازة لجهات بعينها ومتجاهلة لأمور بعينها، وقد يتهمها البعض بالعمالة وهي التهمة الجاهزة لوصم كل من نختلف معه .. إن من يختلف معك فكريًا في العالم العربي هو على الأرجح ملحد أو عميل أو شاذ جنسيًا، وبما انه من الصعب اتهام قناة كاملة بالشذوذ الجنسي تبقى تهمة العمالة .. (لم أصدق حتى سمعت بأذني أن هناك من اتهم منظمة حماس وحزب الله بالعمالة لإسرائيل، ولا أعرف المنطق اللوذعي الذي قاد لهذه الاستنتاجات العبقرية)..
أقول إن قناة الجزيرة فتحت نافذة وسط ستار التعتيم الإعلامي الكثيف، ولولاها لما عرفنا عن الانتفاضة إلا أنها (اضطرابات في الأرض المحتلة) كما كانت وسائل إعلامنا ستصفها .. وعن طريق قناة الجزيرة رأينا أبا (محمد الدرة) يصرخ متوسلاً للإسرائيليين كي يوقفوا الرصاص، ورأينا ظهر جثة الرضيعة (إيمان حجو) الذي تحول إلى فجوة دامية كبيرة، بينما حرصت (سي إن إن) وإعلامنا على إظهار الوجه فقط لأنه لا يعبر إلا عن سلام عميق لرضيعة نائمة، كأن ما فعله الإسرائيليون هو أن ساعدوا الصغيرة كي تنام في سلام ..
هذا التفوق الذي حققته الجزيرة في فلسطين جاء بفضل كتيبة العظماء وليد العمري وجيفارا البديري وشيرين أبو عقلة ومن معهم من مخرجين ومصورين وفنيين ..
حظي الأسود جعلني أفتح قناة الجزيرة يوم الجمعة 9 يونيو لأرى هذا المشهد الرهيب .. الطفلة (هدى) تجري على رمال الشاطئ وتتعثر وتنهض، وتصرخ في جنون وهستريا : أبويا !
أبوها جثة مفتوحة العينين فوق الرمال، بينما الفتاة تحتضنه .. لا تعرف السبب الذي جعله فجأة يرفض النطق وتلبية ندائها ربما للمرة الأولى.. ثم تجول الكاميرا لترينا ما تبقى من حياة هادئة لأسرة أرادت قضاء يوم على شط البحر في غزة .. العوامة .. دلو الماء .. الجاروف .. ثم أسرة الفتاة التي تحولت إلى عجين من اللحم المتفحم والدم .. العوامة والجاروف أشياء مدنية جدًا مسالمة جدًا يصعب أن تتلطخ بالدماء إلا في فيلم (الفك المفترس) لكن إسرائيل فعلتها ..
ما حدث هو أن سفينة حربية إسرائيلية في عرض البحر قررت أن تمازح هذه الأسرة البريئة بطريقتها .. وكان المذيع يجري التحقيقات ويصور بينما السفينة ما زالت هناك تراقب الموقف في استمتاع واضح ..
إن مشاهد الموت في فلسطين صارت يومية منذ زمن بعيد، لكن عندما يتعلق الأمر برجال المقاومة وقياداتها فهؤلاء أبطال اختاروا وتحملوا مسئولية قرارهم، وكل واحد منهم يتوقع اليوم الذي سيتحول فيه إلى أشلاء متفحمة يخرجونها من سيارة انصهر معدنها .. أما تلك الأسرة على الشاطئ فلم تختر شيئًا على الإطلاق .. كل ما أرادوه هو يوم من المرح بين الموج والرمال، فلابد أن (هدى) الصغيرة صحت صباحًا منتظرة أسعد يوم في حياتها .. ذات المشهد يذكرني بمشهد رأيته منذ ثلاث سنوات لذلك الصغير الفلسطيني الذي جلس وحده جوار النافذة في غرفة نومه يعد ألعابه لعيد الأضحى غدًا، فكان نصيبه طلقة في رأسه من قناص إسرائيلي يهوى المزاح بدوره .. ظرفاء وأولاد حظ هؤلاء الإسرائيليون حقًا ..
أسوأ ما في الأم أن هذه الحوادث صارت كثيرة إلى درجة أنها أذابت بعضها ونسيت.. عندما تملأ جوالاً بالبيض الهش فإنه يحطم بعضه فلا يبقى شيء، وإسرائيل تهوى تكديس البيض بحق ..
من أعطى قائد السفينة الحربية هذا الحق ؟.. إنه ليس ربًا ليقتلني بمشيئته كما يقول العظيم (أمل دنقل).. من أعطاه الحق في أن يحيل حياة هذه الطفلة إلى كوابيس ؟.. من أعطاه الحق في أن يملأ حياتي أنا بالكوابيس ؟
ويخرج بيان الحكومة الأمريكية كما هي العادة .. هم فقط يتفننون في العبارات التي تثير غيظك: "وقال الناطق باسم الخارجية شون ماكورماك إن بلاده تشجع إسرائيل على التفكير في نتائج هذه الأعمال" ..
يا سلام على التعبيرات العبقرية ! .. هذه أعمال أدبية وليست تصريحات سياسية .. لو أحضرت تشيكوف وكافكا وموم وماركيز وشكسبير لصياغة جملة سخيفة تتحسس دربها ولا تجرؤ على أن تقول أي شيء مثل (تشجع إسرائيل على التفكير في نتائج هذه الاعمال ) لاعترفوا بأنهم معدومو الموهبة .. من قبل رأى (بوش) أن قصف غزة بطائرات إف 16 (غير مفيد) .. دعك من التعبير العبقري الآخر : "نحن نشعر بقلق" .. طيلة الوقت هم قلقون .. ما كل هذا الحلم وهذا التهذيب ؟.. أتمنى للأخ بوش مصيبة تطيح به كي يشفى من عادة القلق نهائيًا ..
رجالنا لا ثمن لدمهم .. نساؤنا لا ثمن لدمهم .. أطفالنا لا ثمن لدمهم، بينما يبكي هؤلاء الغربيون تأثرًا ويرفعون الأنخاب وتعصر الأخت (أوبرا وينفري) عينيها تأثرًا بعملية إنقاذ درفيل جنح على ساحل فلوريدا، مع الكثير من الـ (واو) والـ (ياي) والـ (أوه) .. أي نفاق هذا ؟
السؤال الأهم هو ماذا يعتقد (عباس) أنه يفعله ؟.. يخرج ليتهم أعمال المقاومة بأنها حقيرة، ويشجب قصف المدنيين الفلسطينيين بلغة عقلانية هادئة .. ما هو دوره بالضبط وهو عاجز عن حماية شعبه، وعاجز عن الاحتجاج على ما يحدث لشعبه ؟
لابد من أن يدفع هؤلاء الثمن .. أما من يتكلم عن الواقعية والتحضر ويطالب الفلسطينيين بأن يموتوا في أدب ورقي، فليخرس من فضله .. لا ثمن لهذا الدم إلا الدم .. لا .. ليس الدم كافيًا .. لو مات ألف إسرائيلي فلن يعوضوا (هدى) الصغيرة عن أبيها، ولن يعوضوا أم (إيمان حجو) عن رضيعتها ..لكنه أقل شيء ممكن لو كانت هناك عدالة حقًا في هذا العالم.
كالعاده مقاله اعجبتني ونقلتها لكن ..
home2006 @home2006
محررة برونزية
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
تصرخ هدى..... ويصرخن الآلاف من لم تكن كاميرا الجزيرة هناك لتنقل تلك الصرخااااات...
هدى وصراخها الذي يتردد في أذناي حتى الآن... إسمعوا ولاتلوموني إن لم تنامو ليلكم... ولكنها دعوة لأولئك الذين يهاجمون قناة الجزيرة أقووووووووووول..... "الحقيقة موجعة وهذا الذي يدفعكم لوصمها بالعمالة... أي عمالة هذه التي توقظ الضمير في قلبي وقلبك"...
http://www.dur.ac.uk/i.m.q.alagha/ogrish-dot-com-israeli_artillery_kills_seven_members_of_a_palestinian_family.wmv
هدى وصراخها الذي يتردد في أذناي حتى الآن... إسمعوا ولاتلوموني إن لم تنامو ليلكم... ولكنها دعوة لأولئك الذين يهاجمون قناة الجزيرة أقووووووووووول..... "الحقيقة موجعة وهذا الذي يدفعكم لوصمها بالعمالة... أي عمالة هذه التي توقظ الضمير في قلبي وقلبك"...
http://www.dur.ac.uk/i.m.q.alagha/ogrish-dot-com-israeli_artillery_kills_seven_members_of_a_palestinian_family.wmv
الصفحة الأخيرة
اختي واضيف على كلامك بعد أذنك حالة الطفله هدى اثناء تشييع عائلتها
"لا تتركوني وحيدة"
هكذا كانت هدى ذات العشرة أعوام تصرخ خلال تشييع أفراد أسرتها الذين
استشهدوا بالنيران ألأسرائيلية على شواطئ غزة، هدى أمست وحيدة بعد أن فقدت أسرتها؛ أباها وأمها وخمسة من ا?شقاء والشقيقات ا?طفال. هدى ابكت الرجال قبل النساء خلال التشييع وهي تصرخ وتنتحب على عائلتها، هذه الطفلة المسكينة لم تتمكن من استيعاب الصدمة وسقطت مغشية عليها عدة مرات خلال التشييع وكانت تصرخ في كل مرة "لا تتركوني وحيدة" و "مع السلامة جميعاً". لم يتمالك المشيعون أنفسهم وهم يشهدون هذه المأساة ومنظر الطفلة وهي تزحف إلى قبر أبيها وتقبل القبر وتطلب من أبيها بصوت منتحب "سامحني يا ابي، سامحني يا أبي".
وكعادته، إغتال الاحتلال سعادة وأحلام أطفال فلسطين ولم يتمكن من احتمال سعادة عائلة تتنزه على شواطئ غزة وأصدر حكماً بالإعدام على عائلة هذه الطفلة لتضيف وصمة عار على صدر المجتمع الدولي الذي لا يحرك ساكناً لما يحصل على أرض فلسطين. ولهذه المجزرة ا?خيرة اثرٌ في عقول ونفوس أطفال غزة الذين باتو يخشون حتى الذهاب إلى الشاطئ.
مأساة هدى إضافة جديدة إلى معاناة الشعب الفلسطيني، ولكن هل تنجح في تحريك الوجدان العربي؟
"لا تتركوني وحيدة" صرخة طفلة فلسطينية تعبر عن مأساة شعب وخنوع أمة و معاناة كل أطفال فلسطين.
فماذا نفعل؟ هل سنتركها -- و فلسطين - وحيدة؟