بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حين تضيع براءة الطفولة في أكوام الظلم والاحتلال، وحين يطغى هدير المدافع على وشوشات
الأطفال، وحين ينحت الأب لأبنائه مصطلحات جديدة من دمه وروحه ليشكل لغة لهم، يجابهون بها
قسوة اغتصاب الأرض وهدم البيت واغتيال الأب، فينسون حياة الدعة والرغد، ويجلسون كل مساء
عند التلفاز يتسقّطون أخبار الشهداء والأسرى ... يفتش كل واحد منهم عن اسم أبيه ... بينما
آخرون - يشتركون معهم في الطفولة - يقلبون القنوات بحثاً عن متعة ...
حينها ... ينشأ جيل النصر، جيل ذاق معنى الشهادة واكتوى بنير قضبان الأسر وعانى آلام الجرح
وعاش دهاليز المطاردة ...
بنت الشهيد
خرج المهنئون؛ كانوا آلافاً؛ بل عشرات الآلاف! كلهم يهتفون يمجدون يمدحون يتوعدون ويهددون!
وفجأة هدأت الدار وخفتت الجلبة.
نمنا نتجرّع آلامنا، صحونا والسكون يلف أرجاءنا، كل شيء تغيّر، وحدنا أمي وأخي وأختي وأنا، ننظر
لبعضنا البعض، عيوننا شاردة تنتظر شيئاً ما، آذاني تحاول التقاط كلمة "بابا" كما كل يوم.
ساعة! ساعتان! ساعات! لم يتغير المشهد، لم نتحرك! لم نر شيئاً! لم نسمع شيئاً! أيّ شيء! ولا
حتى كلمة "بابا"!
أيقنا أنها النهاية؛ فلا ضجيج ولا جلبة ولا تلفونات ولا ضيوف ولا اجتماعات ولا أوراق ولا بيانات ...
ولا ... ولا ...
عندها هتفتُ في إخوتي: إنها البداية! فلا خنوع ولا ذلّة ولا هزيمة ما دام الكل يضحي
مثل "بابا".
بنت الأسير
ستة شهور صبرنا نجمع أجر الطريق، نلملم شعثنا نصبر بعضنا ... نصبّر جدي و جدتي ... اقترعنا
على من تكون الزيارة؛ فالعدد محدود! خرجت القرعة على أخي وبقيت أنا أتجرع الآلام، أتخيل وجهه
كيف يكون؟ فقد نسيت ملامحه، لكنني لم أنس كلماته في زيارتي الأخيرة له متحدياً قائلاً:
لاتجزعي يا ابنتي؛ فليقيموا السجون، ولينشروا أجسادنا في أقبيتها، لكنهم لن يحاصروا أبدا
أرواحنا؛ فستبقى محلقة في فضاء الرحمن تنتظر الشهادة، والعهد عهد الثبات ولو كره ألف ألف
صهيون.
خفق قلبي عند وداع أمي لزيارته أسررت في آذانها سؤالاً له: "أنادم أنت على ما فعلت يا أبتي"؟
جاءت أمي في نهاية النهار منه بالجواب: "بل نادم على ما لم أفعل يا ابنتي".
بنت الجريح
سمعت صوتاً مفزعاً قلت ما هذاالصوت؟ قالوا: قذيفة صهيونية! خرجت مسرعة - وأمي تلاحقني
لتمنعني - أبحث عن أبي؛ فقد سمعته يتواعد مع رجال المخيم على نصب كمين للمجرمين!
بحثت شاردة في زقاقنا ثم الزقاق الذي بعدنا! رأيت جدي محتمياً خلف عصاه! رآني! ناداني! رمى
عصاه! وبعرجته لحقني: يا بنتي لا تذهبي كي لا تري ... لم أسمعه! وصلت! قابلتني دبابتهم! لم
أرها! لكني - في زاوية الزقاق – رأيته! كان أبي! غارقاً في بركة من دمه الزكية! نظر إليّ! صاحت
عيناه فيّ! بحثت عن شماله فوجدتها مقطوعة جانباً! وبحثت عن يمينه فحمدت الله أنها ما زالت
سليمةً كي يرمي بها عدوه في المرة القادمة!
بنت المطارد
إذا أرخى الليل سدوله ... وأويت إلى فراشي ... انتظرته!!
كان يأتيني في هذه اللحظة ... هذه الليلة لم يأت!! مرّ طيفه، قبّل جبيني، داعب خصلات شعري،
انتفضت فجأة فلم يكن هو! إيه .. إنّه طيف خيال يمر بي كل ليلة! أما هو، فوا حرّ قلبي عليه ... في
أي كهف هو الآن؟ وبأي شخصية يعيش؟ على أي جنب ينام؟ أينام أصلاً؟ .. سمعته ذات مرة يقول
لأمي: أنه لم ينم منذ ثلاثة أيام! ولم يأكل منذ يومين!
سبع سنوات وهو على هذه الحال. مذ وعيت على هذه الدنيا وهم ينادوني بنت "يحيى" المطارد!
سألته ذات مرة - عندما كان يأتينا متخفيا - متى النهاية؟ متى النهاية؟ قبلني قبلته المعهودة
على جبيني؛ وأجاب: حتى النصر أو الشهادة ...
وبعد يا أمّ "فراس" ...
فهذه حياة ومعاناة جيل النصر والتحرير ... وهذه لغتهم ومصطلحاتهم: شهادة وأسر وجراح ومطاردة،
دماء واستشهاد ومقاومة، هذه هي لغة الحرية، لغة مبناها الصمود والتحدي، ولا تعرف مطلقاً عدّ
الضحايا، فمن بدأ يعدّ ضحاياه بدأ طريق الهزيمة، وضلّ طريق العودة ...
من أروووع ما قرأت
بقلم / وائل أبو هلال
نسائم الاقصى @nsaym_alaks
كبيرة محررات
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
الشهيد والاسير والجريح والمطارد رجالاً كانوا او نساء وضعوا بصماتهم فى صفحات التاريخ
وسطروا بدمائهم اروع كلمات الرجولة والصمود وقهر العدوان الغاصب
اللهم انصرهم وحرر بلادهم من الصهاينه الغاصبين
وسطروا بدمائهم اروع كلمات الرجولة والصمود وقهر العدوان الغاصب
اللهم انصرهم وحرر بلادهم من الصهاينه الغاصبين
الصفحة الأخيرة
اللهم انصر الإسلام والمسلمين