وقفَت " مرام " بصعوبة بالغة متكئة على كرسي أمامها و هي ترتجف..
كانت بأضعف حالاتها بعد ولادة قيصرية مستعجلة قررها الأطباء لها بالأمس لارتفاع ضغطها عن معدله الطبيعي..
وقفت أمام الحاضنة في ((غرفة العناية المركزة للأطفال الخدَّج )) لتتعرف لأول مرة على عبد الوهاب ...>>> طفلها " الحلم " الذي جاء (( مستعجلاً )) إلى الدنيا في نهاية شهره السابع..
كانت دموع الفرح تجري متسارعة و غزيرة على وجنتيها ، حتى ظهرت على النقاب الذي كانت تلبسه ..
لم تكن تصدق ما تراه ..
..............................................>>>
أخيراً رأيتك يا حبيبي !!
و قد تخيلتك مئاااات المرااات وبكل الأشكال ..
وكم تساءلت و أنت تتحرك في أحشائي :
يا ترى هل ستصمد إلى آخر المشوار ؟؟
و هل انت من نصيبي في الدنيا ؟؟
هل ستكون طفلاً طبيعياً ؟؟
من تشبه أكثر يا تُرى أنا أم أبيك ؟؟
ترى ما هي ملامحك ؟؟ و ما لون عينيك ؟؟
...............................................
رددت بصوت مسموع الحمد لله الحمد لله الحمد لله ..
لم تعبأ لكل من كان حولها في الغرفة من آباء و أمهات و ممرضات ..
كان قلبها يلهث حاملاً أطناااان من الدهشة و الفرح الغير عادي ..
و من يلومها يا ناس ؟؟
فهي تقف الآن أمام إبنها (عبد الوهاب ) لأول مرة ، و قد مدوا على جسده الصغير الرقيق أسلاك كثيرة كبيرة و صغيرة بكل الألوان للدواء و الهواء و الغذاء..
كانت تقاوم رغبتها بصعوبة بالغة في نزع كل الأجهزة عنه ثم حمله بين ذراعيها والهرب به بعيداً عنهم و عن وخز أبرهم و محاليلهم و أسلاكهم التي كانت تغطي حتى وجهه الصغير الجميل الوادع ..
كانت تتمنى لو واتتها الشجاعة لفعل ذالك ..
لاقتناعها التام بأنهم (بعدتهم و عديدهم و خيلهم و رجالهم ) لن يمنحوه دقيقة ً واحدة من عمر لم يكتبه له ملك الملوك ..
كانت تسمع صوت الطبيب المسئول عنه بالخارج و هو يطمئن زوجها أحمد :
((الطفل حالته مستقرة إلى الآن تقريباً ..
سنستضيفه عندنا في ( الحاضنة ) مدة لا ندري قد تطول و قد تقصر حسب وضعه الصحي..
نحن عاكفون على مساعدته ليتولى أمر تنفسه و تغذيته بنفسه ... ))
كلام غامض وجمل فضفاضة أقلقتها أكثر مما طمأنتها ..
.................................................. ................................
اللَهم لك الحمد ... اللهم لك الحمد ...
يرددها القلب قبل اللسان بصوت متهدج تتخلله ألف عبرة و عبرة..
وهبتني يا رب "عبد الوهاب " من غير حول لي و لا قوة ..فلا تحرمني وجوده بحياتي بحولك و قوتك ..
من كان يصدق إن هذا المخلوق الجميل الذي أمامي الآن كان مقرراً له أن يجُهض بأمر الطبيب المعالج و هو لم يكمل شهره الرابع بعد !!!
د.جمال (الاستشاري الكبير ) الذي يتراكض خلفه طبيبان و ممرضتان يكتبون كل ما يقول و ما يطلب بإشارة من أصبعه يمشي كالطاووس في مسيرة مهيبة و هو يتجول بين المرضى ليقرر مصائرهم كما قرر أن – ينهي حياة - عبد الوهاب .. بدون أن يرمش له جفن !!!
أمر بإجهاااااضه و إنهاء الحمل خلال 24 ساعة هكذا بكل بساطة !!!!!!!!
و كان يوصي بسرعة الرد و القرار منها و من زوجها و هو يغادر الغرفة و كأنه يطلب كوب كابوشينو من عامل المقهى الهندي !!
لكن إرادة الرحمن كانت فوق إرادته...
وسأروي لكم قصة " مرام " منذ البداية : ..
في بداية الحمل (الشهر الثالث تقريباً ) كانت مرام في زيارة للدكتورة النسائية لعمل تحاليل دورية روتينيه ،و كانت تعاني من أعراض الوحم و الدوخة عندما فوجئت الدكتورة بارتفاع بسيط في الضغط ، استوجب عمل تحاليل معينه لوظائف الأعضاء ..
والتي ظهر من خلالها - للأسف - قصور في وظائف الكلى استدعى من الدكتور جمال ( أكبر استشاري للكلى في المستشفى ) أن يرى الحالة " الإرجنت " كما طلبت الطبيبة ..
كان يقرأ التحاليل وهو ينظر إلى ساعته مستعجلاً إنتهاء دوامه .. متململاً من كثرة مرضاه الذين عاينهم اليوم ...
ثم أصدر ذالك القرار الظالم الجائر :
يجب إجهاض الجنين خلال 24 ساعة ، الكلى لن تحتمل استمرار الحمل للأسف !!!
و يجب أن تعرفوا أيظاً بأن الحمل ممنوع مستقبلاً لمثل حالتها طوووووول العمر !
وكأنه أصدر على مرام و زوجها حكماً بالإعداااام ..
كابوس مرعب تمنت أن تفيق منه سريعاً ،،
لم تصدق ما سمعت ؟؟؟؟
ماذا قال يا أمي ؟؟ ماذا قال يا أحمد؟؟ لم أسمعه جيداً !!
طفلي الذي أسمعوني نبضات قلبه مراراً سيتم إجهاضه ؟؟؟
ابني الذي رآه قلبي قبل عيني سينهووون حياته !!
قولوا لي إني أحلم ؟؟
أرجوكم !
أحاط الذهول بالموقف ..
و كان الأنين و النحيب الخااافت المتواصل يحتل زوايا غرفة المستشفى البيضاء التي أظلمت فجأة بعد تلك الصدمة..
" لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم " قال الزوج المفجوع ثم خرج من الغرفة لا يدري أين يذهب ..
رددت أمها بثبات لا تجزعي يا بنيتي من أمر الله .. لا زلنا في سعة ..
سنعيد التحاليل و الفحوصات عند طبيب آخر و سنرى الرأي الآخر ..
لن نستعجل الإجهاض كما قرر (( د . ***** )) هذا الله يهديه !!
و يكتب لك و لجنينك ما فيه الخيرة من أمركما معاً..
و كان لله (( الكلمة الفصل )) سبحانه ..
فقد طار زوجها بالتحاليل لدكتور متخصص بالكلى ذا سمعة ممتازة في المستوصف المشهور ..
و الذي استنكر جداً كل القرار و طلب خروج مرام من المستشفى حالاَ !!
ثم جلس معها و مع زوجها بعد يومين ليقول لهما نصيحته الذهبية تلك :
لا أخفي عليكم إن الكلى تعاني من ضعف بطريقة ما ، و لن أبسط الموضوع فأقول لا يوجد مخاطرة !!
المخاطرة موجودة و كل شيء وارد ، حتى لنا نحن الأصحااااء الخطر يحيط بنا من كل جهة ..
و حتى بدون حمل يا مرام هناك احتمال أن تتدهور وضائف الكلى لأسباب مجهولة تخفى علينا ..
لكن ،
تجربة الإنجاب تجربة عظيمة و نعمة كبيرة تستحق المخاطرة ..
الطفل الآن أمر واقع و يجب أن نحافظ عليه و نتعامل معه على هذا الأساس..
إن شاء الله تعالى المؤشرات لا تدل على خطورة تستدعي الإجهاض إلى الآن على الأقل ..
سنكثف المتابعة الدورية كل أسبوعين و سنتابع التحاليل و الفحوصات عن قرب و بدقة أنا و الدكتورة النسائية ..
و الله كريم ..
هؤلاء الاطفال أحباب الله و هم أرزاق و هدايا يسوقهم الباري إلينا و لا ندري ما نصيبنا منهم ..
و إن بدا لنا في أي وقت ( تراجع في وظائف الكلى ) سنقوم باللازم و قد ننزل الطفل !!!
لكن صدقيني هناك فتيات في مثل حالتك و أكثر ، يعشن حياة طبيعية بكلى واحده أو أقل أحياناً ..
تنجب طفل و أثنين واحياناً ثلاثة .. حياتها عادية مثل كل البنات ..
و تلك رحمة منه تعالى..
فقط تحتاجين لمتابعة دورية تامة وعلاجات لك و للجنين طوال فترة حملك..
ويبقى القرار في النهاية لكِ وحدك في الاحتفاظ بالطفل الآن أو إسقاطه..
عندها قررت الإبقاء على الطفل بكل شجااااعة و بدون تردد قالت (( توكلنا على الله ))..
كان زوجها بجانبها يمسك بيدها ويضغط عليها بقوة و كأنه يقول :
شكراً شكراً شكراً يا زوجتي الحبيبة ..
أنتي بقرارك الشجاع هذا تعرضين كل حياتك للخطر لتمنحي إبننا الحياة ..
الله معنا .. وأنا بجانبك خطوة بخطوة لن اتركك لحظة واحدة ..
صلوات و دعواااات والدينا و أحبابنا معنا ..
توكلنا على الله .
** قبل أيام أكملت مرام شهرها السابع ولله الحمد بسلام ،
عندها بدأ الضغط يرتفع كما توقع الاطباء الذين قرروا الولادة حالاً وتم وضع الطفل في الحاضنة ليكمل المشوار !!
جاء "عبد الوهاب" .. هبة من الله سبحانه ..
طفل جميييييل ملائكي الوجه و المحيى أحسن الله خلقة تبارك الله أحسن الخالقين ..
قررت ( مرام ) مرات عديدة أن تذهب إلى ذاك البروفسور حسبي الله عليه لتبثه اللوم و الألم و العتاب على تسرعه بذاك القرار الطائش الظالم الذي لم و لن تنساه للحظة واحدة ..
ذاك القرار الذي كاد أن يودي بحياة إبنها (عبد الوهاب ) آخذاً معه كل السعادة والاستقرار بل كل الحياة ..
القصة حقيقة و أبطالها معنا يعيشون..
قررت أن أرويها لكم يا كرام بالتفصيل لأوصل لكم رسالة مهمة جداً:
لا تربطوا مصائركم برأي طبيب و احد أبداً حتى وإن كان مشهور و معروف و كبير ..
مهما كانت المشكلة الصحية و مهما صعبوا لكم الحالة .. يبقى في الأمر سعة بفضل من الله ،،
ويبقى في الزمن المتبقي يوم آخر زيادة لاتخاذ القرار المتأني المناسب ..
بقي لي ان اقول إن زوجها أحمد عندما عاتب الدكتور جمال بعد حين ...و شرح له ما حدث ..
رد عليه باستغراب بالغ :
من أنت يا إبني و من هي مرام هذه ؟؟؟
وماذا تريد مني الآن ؟؟
قد يكون ما قلته أنت صحيح ، لكن كان ذاك رأيي الطبي ساعتها وأنا كنت مقتنع به !
دعني أمر رجاااااءاً !!
* على كل حال ولكي تهدأ نفسك :
أعتذر عما بدا لكم خلل فني ، عفواً طبي !!
منقول

الدرة 20 @aldr_20
محررة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
الصفحة الأخيرة