أعمال القلوب

ملتقى الإيمان

نبدأ السلسة بعدة أعمال
أولها : الإخلاص

أعمال القلوب اهتم بها العلماء فصنفوا فيها المؤلفات ، وابتدؤوا أعمالهم بالتذكير والحث عليها. أعمال القلوب تحتاج إلى مجاهدة وعناية، وبما أن النجاةمدارها على أعمال القلوب بالإضافة إلى أعمال الجوارح التي لابد أن تأتي إذا صحّتأعمال القلوب.
الإخلاص هو أولها وأهمها وأعلاها وأساسها، هو حقيقة الدين ومفتاح دعوةالرسل عليهم السلام (( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء))((ألالله الدين الخالص)).
الإخلاص هو لب العبادة وروحها، قال ابن حزم: النية سر العبودية وهي منالأعمال بمنزلة الروح من الجسد، ومحال أن يكون في العبودية عمل لا روح فيه، فهوجسد خراب.
والإخلاص هو أساس قبول الأعمال وردها فهو الذي يؤدي إلى الفوز أو الخسران،وهو الطريق إلى الجنة أو إلى النار، فإن الإخلال به يؤدي إلى النار وتحقيقه يؤديإلى الجنة.معنى الإخلاص


خلص خلوصاً خلاصاً، أي صفى وزال عنه شوبه، وخلص الشيء صار خالصاً وخلصت إلىالشيء وصلت إليه، وخلاص السمن ما خلص منه. فكلمة الإخلاص تدل على الصفاء والنقاءوالتنزه من الأخلاط والأوشاب. والشيء الخالص هو الصافي الذي ليس فيه شائبة ماديةأو معنوية. وأخلص الدين لله قصد وجهه وترك الرياء. وقال الفيروز أبادي: أخلص للهترك الرياء.
كلمة الإخلاص كلمة التوحيد، والمخلصون هم الموحدون والمختارون ، وأما تعريفالإخلاص في الشرع فكما قال ابن القيم –رحمه الله -: هو إفراد الحق سبحانه بالقصدفي الطاعة أن تقصده وحده لا شريك له.
وتنوعت عبارات السلف فيه، فقيل في الإخلاص:
- أن يكون العمل لله تعالى، لا نصيب لغير الله فيه.
- إفراد الحق سبحانه بالقصد في الطاعة.
- تصفية العمل عن ملاحظة المخلوقين.
- تصفية العمل من كل شائبة.
المخلص هو الذي لا يبالي لو خرج كل قدر له في قلوب الناسمن أجل صلاح قلبه مع الله عزوجل، ولا يحب أن يطلع الناس على مثاقيل الذر من عمله.قال تعالى: ((وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء)) وقال لنبيه صلىالله عليه وسلم : ((قل الله أعبد مخلصاً له ديني)).
(( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لاشريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين)).
قال تعالى: ((الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسنعملاً)) أحسن عملاً أي أخلصه وأصوبه.
قيل للفضيل بن عياض الذي ذكر هذا: ما أخلصه وأصوبه؟ قال:إن العمل إذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل وإن لم يكن خالصاً وكان صواباً لميقبل، حتى يكون خالصاً صواباً، والخالص أن يكون لله ، والصواب أن يكون موافقاًللسنة ، ثم قرأ : ((فمن كان يرجو رحمة ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادةربه أحداً)).
وقال تعالى(ومن أحسن ديناً ممن أسلم وجهه لله وهو محسن)) يعني أخلص القصد والعمل لله ،والإحسان متابعة السنة، والذين يريدون وجه الله فليبشروا بالجزاء (( واصبر نفسك معالذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه))، (( ذلك خير للذين يريدون وجه الله))،(( وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي مالها يتزكى وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلاابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى)).
وأما أهل النقيض وأهل الرياء فإن الله ذمهم وبيّنعاقبتهم (( من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لايبخسون أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار))، (( من كان يريد العاجلة عجلناله فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموماً مدحوراً))، (( من كانيريد حرث الدنيا نؤته منها وماله في الآخرة من نصيب))، (( ولا تكونوا كالذين خرجوامن ديارهم بطراً ورءاء الناس ويصدون عن سبيل الله والله بما يعملون محيط)).
وقد مدح الله المخلصين : (( إنما نطعمكم لوجه الله لانريد منكم جزاء ولا شكوراً))، (( لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أومعروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجراًعظيماً))، (( من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه)).
في غزوة أحد أراد الله الابتلاء والتمحيص (( منكم منيريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة)).
قال صلى الله عليه وسلم : ((إنما الأعمال بالنيات)) ،إنه أهم حديث، علمنا إياه صلى الله عليه وسلم في كل شيء، في الصلاة والصيام والحجوغيرها..
قال صلى الله عليه وسلم : (( من غزا في سبيل الله ولمينوي إلا عقالاً فلهو ما نوى))..، كذلك فإن بعث الناس على حسب نياتهم : ((إنمايبعث الناس على نياتهم))..أهمية الإخلاص


1- النجاة تكون بسببه في الآخرة.
2- اجتماع القلب في الدنيا وزوال الهم لا يكون إلا به : ((من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه وجمع له شمله وأتته الدنيا وهي راغمة،ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه وفرق عليه شمله ولم يأته من الدنياإلا ما قدر عليه )).
3- مصدر رزق عظيم للأجر وكسب الحسنات ((إنك لن تنفق نفقةتبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليه حتى ما تجعل في فم امرأتك)) {رواه البخاري}.
4- ينجي من العذاب العظيم يوم الدين فقد أخبرنا صلى اللهعليه وسلم عن أول خلق الله تسعر بهم النار يوم القيامة وهم متصدق أنفق ليقال جواد،وقاريء تعلم العلم وعلمه ليقال عالم، و مجاهد قاتل ليقال جريء..، وهذا الحديث حدثبه أبو هريرة فكان يغشى عليه من هوله كلما أراد التحديث به، ويمسح وجهه بالماء حتىاستطاع التحديث به. وفي مجال عدم الإخلاص في طلب العلم يقول صلى الله عليه وسلم : ((من تعلم علماً ممايبتغى به وجه الله لم يتعلمه إلا ليصيب به عرض من عرض الدنيا لم يجد عرف الجنة يومالقيامة))، وقال: (( من تعلم العلم ليماري به السفهاء أو ليباهي به العلماء أوليصرف به وجوه الناس إليه فهو في النار)).
الإخلاص يريح الناس يوم يقول الله للمرائين اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون بأعمالكم فيالدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاء.
الإخلاص ينجي الإنسان من حرمان الأجر و نقصانه ولذلك فإنالنبي صلى الله عليه وسلم جاءه رجل غزى يلتمس الأجر والذكر فقال لا شيءله"ثلاثاً" إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصاً وابتغي به وجهه.
ابن مكرز رجل من أهل الشام قال : يارسول الله رجل يريدالجهاد في سبيل الله وهو يبتغي عرضاً من عرض الدنيا فقال صلى الله عليه وسلم : لاأجر له. فأعظم ذلك الناس فقالوا عد لرسول الله صلى الله عليه وسلم فلعلك لم تفهمهفقال له لا أجر له.
قال صلى الله عليه وسلم : (( أنا أغنى الشركاء عن الشركمن عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه)).
كذلك الإخلاص هو أساس أعمال القلوب ، وأعمال الجوارح تبعومكمل له، الإخلاص يعظم العمل الصغير حتى يصبح كالجبل ، كما أن الرياء يحقر العملالكبير حتى لا يزن عند الله هباء(( وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءمنثوراً)).
قال ابن المبارك: (( رب عمل صغير تكثره النية ورب عملكبير تصغره النية)).

الإخلاص مهم جداً لأن أغلب الناس يعيشون في صراعاتداخلية ويعانون من أشياء فحرموا البركة والتوفيق إلا من رحمه الله، فكيف يكونالنصر و تعلم العلم إلا من المخلصين، الإخلاص مهم في إنقاذنا من الوضع الذي نعيشفيه، فقد أصبح عزيزاً نادراً قليلاً، مشاريع ودعوات تلوثت بالرياء، حركات إسلاميةدمرت بسبب افتقاد الإخلاص وبعد أن أريد بها الرئاسة والجاه والمال..
يقول ابن أبي جمرة وهو من كبار العلماء: وددت لو أنه كان من الفقهاء من ليسله شغل إلا أن يعلم الناس مقاصدهم في أعمالهم ويقعد للتدريس في أعمال النيات ليسإلا، فإنه ما أتى على كثير من الناس إلا من تضييع ذلك.
ومن فوائد الإخلاص أنه يقلب المباحات إلى عبادات وينال بها عالي الدرجات،قال أحد السلف: إني لأستحب أن يكون لي في كل شيء نية حتى في أكلي ونومي ودخوليالخلاء وكل ذلك مما يمكن أن يقصد به التقرب إلى الله. لأن كل ما هو سبب لبقاءالبدن وفراغ القلب للمهمات مطلوب شرعاً.
النية عند الفقهاء: تمييز العبادات عن العادات وتمييز العبادات عن بعضهاالبعض، إرادة وجه الله عزوجل .
الإخلاص ينقي القلب من الحقد والغل ويسبب قبول العمل لأن النبي صلى اللهعليه وسلم قال: (( إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصاً وابتغي بهوجهه)).
الإخلاص سبب للمغفرة الكبيرة للذوب.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : والنوع الواحد من العمل قد يفعلهالإنسان على وجه يكمل فيه إخلاصه فيغفر فيه كبائر، وإلا فأهل الكبائر كلهم يقولونلا إله إلا الله. كالبغي التي سقت كلباً فقد حضر في قلبها من الإخلاص ما لا يعلمهإلا الله فغفر الله لها.
تنفيس الكروب لا يحدث إلا بالإخلاص ، والدليل على ذلك حديث الثلاثة الذينحبستهم صخرة ففرج الله همّهم ، وكان منهم الرجل الذي وفى عاملاً أجره ونماه وصبرعلى ذلك سنين، وقد كان يقول كل واحد منهم اللهم إنك إن كنت تعلم أننا فعلنا ذلكابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه.
وبالإخلاص يرزق الناس الحكمة، ويوفقون للصواب والحق ((إن تتقوا الله يجعللكم فرقاناً))، وبالإخلاص يدرك الأجر على عمله وإن عجز عنه بل ويصل لمنازل الشهداءوالمجاهدين وإن مات على فراشه((ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ماأحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزناً أن لا يجدوا ما ينفقون)). وقال صلىالله عليه وسلم : ((إن أقواماً خلفنا في المدينة ما سلكنا شعباً ولا وادياً إلاوهم معنا حبسهم العذر)){رواه البخاري}. وفي مسلم : إلا شاركوكم في الأجر.
بالإخلاص يؤجر المرء ولو أخطأ كالمجتهد والعالم والفقيه، وهو نوى بالاجتهاداستفراغ الوسع وإصابة الحق لأجل الله، فلو لم يصب فهو مأجور على ذلك..
فالمرء ينجو من الفتن بالإخلاص، ويجعل له حرز من الشهوات ومن الوقوع فيبراثن أهل الفسق والفجور، لذلك نجى الله يوسف عليه السلام من امرأة العزيز (( ولقدهمت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه، كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه منعبادنا المخلصين))((إلا عباد الله المخلصين أولئك لهم رزق معلوم فواكه وهم مكرمونفي جنات النعيم)).
- الإخلاص في التوحيد: قال صلى الله عليه وسلم : ((ما قال عبد لا إله إلاالله قط مخلصاً إلا فتحت له أبواب السماء حتى تفضي إلى العرش ما اجتنب الكبائر)).
- في السجود : قال صلى الله عليه وسلم : ((ما من عبد يسجد لله سجدة إلا رفعهالله بها درجة وحط بها عن خطيئة)).
- في الصيام: قال صلى الله عليه وسلم : ((من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفرله ما تقدم من ذنبه)) ، (( من صام يوماً في سبيل الله باعد الله وجهه عن النارسبعين خريفاً)).
- في قيام الليل: قال صلى الله عليه وسلم : (( من قام رمضان إيماناًواحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)).
- الإخلاص في ترك الحرام،المحبة في الله، الصدقة....(حديث السبعة الذين يظلهمالله في ظله يوم لا ظل إلا ظله).
- الإخلاص في الخروج إلى المساجد (( خرج للمسجد لا يخرجه إلا الصلاة لم يخطوخطوة إلا رفعت له بها درجة وحطت به خطيئة، فإن صلى ما دامت الملائكة تصلي عليه مادام في مصلاه اللهم صل عليه اللهم صل عليه اللهم ارحمه، ولا يزال أحدكم في صلاة ماانتظر الصلاة)).
- الإخلاص في طلب الشهادة: (( من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداءوإن مات على فراشه)).
- الإخلاص في اتباع الجنائز: (( من اتبع جنازة مسلم إيماناً واحتساباً وكانمعه حتى يصلى عليها ويفرغ من دفنها فإنه يرجع من الأجر بقيراطين كل قيراط كأحد ومنصلى ثم رجع قبل أن يدفن فإنه يرجع بقيراط)).
- الإخلاص في التوبة: (( قصة قاتل المائة نفس وملائكة الرحمة)).
الإنسان يحتاج أن يبين لنفسه بالكلام أشياء مما ينويهحتى يزداد أجره كرجل ليس لديه مال فيقول لو كان لي مثل هذا عملت مثلما يعمل. قالصلى الله عليه وسلم : ((فهما في الأجر سواء)).
لقد مر في الأمة كثير من المخلصين كانت سيرتهم نبراساً لمنبعدهم وقدوة وخيراً، لذلك أبقى الله سيرتهم وذكرهم حتى يقتدي بهم من بعدهم وعلىرأس هؤلاء الأنبياء ، النبي محمد صلى الله عليه وسلم وحواريو الأنبياء والصحابةالذين فتحوا البلاد بإخلاصهم ومن بعدهم من التابعين..
يقول عبدة بن سليمان:كنا مع سرية مع عبد الله بن المباركفي بلاد الروم، فلما التقى ساعة فطعنه ازدحم الناس عليه ليعرفوا من هو فإذا هويلثم وجهه ، فإذا هو عبد الله بن المبارك فقال لائماً أءنت يا أباعمر ممن يشنععلي.
يقول الحسن: إن كان الرجل جمع القرآن ولما يشعر بهالناس، وإن كان الرجل لينفق النفقة الكثيرة ولما يشعر الناس به، وإن كان الرجلليصلي الصلاة الطويلة في بيته ولم يشعر الناس به، ولقد أدركت أقواماً ما كان علىالأرض من عمل يقدرون أن يعملونه في السر فيكون علانية أبداً.
لقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء ولا يسمع لهم صوت إنكان إلا همساً بينهم وبين ربهم (( ادعوا ربكم تضرعاً وخفية)).
يقول علي بن مكار البصري الزاهد : (( لأن ألقى الشيطانأحب إلي من أن ألقى فلاناً أخاف أن أتصنع له فأسقط من عين الله)) فقد كان السلفيخشون من قضية المجاملات.
قال الذهبي: يقول ابن فارس عن أبي الحسن القطان: (( أصبتببصري وأظن أني عوقبت بكثرة كلامي أثناء الرحلة)) قال الذهبي: صدق والله فإنهمكانوا مع حسن القصد وصحة النية غالباً يخافون من الكلام وإظهار المعرفة.
قال هشام الدستوائي: ((والله ما أستطيع أن أقول إني ذهبتيوماً قط أطلب الحديث أريد به وجه الله عزوجل)).
يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ((فمن خلصت نيته فيالحق ولو على نفسه كفاه الله ما بينه وما بين الناس)).
ومن عجائب المخلصين ما حصل لصاحبالنفق، حاصر المسلمون حصناً واشتد عليهم رمي الأعداء ، فقام أحد المسلمين وحفرنفقاً فانتصر المسلمون، ولا يُعرَف من هو هذا الرجل، وأراد مَسْلَمَة يريد أن يعرفالرجل لمكافأته،ولما لم يجده سأله بالله أن يأتيه، فأتاه طارق بليل وسأله شرطاًوهو أنه إذا أخبره من هو لا يبحث عنه بعد ذلك أبداً ، فعاهده، و كان يقول : ((اللهم احشرني مع صاحب النفق)).
وعمل الخلوة كان أحب إلى السلف من عمل الجلوة.
يقول حماد بن زيد : كان أيوب ربما حدث في الحديث فيرقّوتدمع عيناه، فيلتفت و ينتخط ويقول ما أشد الزكام!!، فيظهر الزكام لإخفاء البكاء.
قال الحسن البصري: ((إن كان الرجل ليجلس المجلس فتجيئهعبرته فيردها فإذا خشي أن تسبقه قام وذهب وبكى في الخارج)).
يقول محمد بن واسع التابعي: (( إن كان الرجل ليبكي عشرينسنة وامرأته لا تعلم)).
للإمام الماوردي قصة في الإخلاص في تصنيف الكتب، فقد ألفالمؤلفات في التفسير والفقه وغير ذلك ولم يظهر شيء في حياته لما دنت وفاته قاللشخص يثق به: الكتب التي في المكان الفلاني كلها تصنيفي وإنما إذا عاينت الموت ووقعت في النزع فاجعل يدك في يدي فإن قبضت عليها فاعلم أنه لم يقبل مني شيء فاعمدإليها وألقها في دجلة بالليل وإذا بسطت يدي فاعلم أنها قبلت مني وأني ظفرت بماأرجوه من النية الخالصة، فلما حضرته الوفاة بسط يده ، فأظهرت كتبه بعد ذلك.
كان علي بن الحسن يحمل الخبز بالليل على ظهره يتبع بهالمساكين بالظلمة ، فالصدقة تطفيء غضب الرب، وكان أهل بالمدينة يعيشون لا يدرون منأين معاشهم ، فلما مات عرفوا، و رأوا على ظهره آثاراً مما كان ينقله من القربوالجرب بالليل فكان يعول 100 بيت .
تلك الأحوال والقصص أظهرها الله ليكون أصحابها أئمة ((واجعلنا للمتقين إماماً)).
وهكذا كان أحدهم يدخل في فراش زوجته فيخادعها فينسللقيام الليل وهكذا صام داود بن أبي هند أربعين سنة لا يعلم به أهله فكان يأخذإفطاره ويتصدق به على المساكين ويأتي على العشاء..
وهذا أعرابي كان مع النبي صلى الله عليه وسلم وقال لهأهاجر معك، فغنموا بعد خيبر وقسم للأعرابي وأصحابه وكان يرعى دوابهم فلما جاءوهقال للنبي صلى الله عليه وسلم ما هذا الذي وصلني؟ ما على هذا اتبعتك ولكن اتبعتكعلى أن أرمى إلى هاهنا بسهم فأموت فأدخل الجنة. قال صلى الله عليه وسلم : ((إنتصدق الله يصدقك))، فلبثوا قليلاً وهاجموا العدو وأثاب الله الأعرابي كما طلب فقيلأهو أهو قال صلى الله عليه وسلم : (( صدق الله فصدقه)) فكُفِّن في جبة النبي صلىالله عليه وسلم ثم قدمه فصلى عليه فكان فيما ظهر من دعاء النبي صلى الله عليه وسلمفي الصلاة (( اللهم هذا عبدك خرج مهاجراً في سبيلك وقتل شهيداً أنا شهيد على ذلك)).ماذا قال بعضالعلماء في الإخلاص..؟


قال إبراهيم بن أدهم: ما صدق الله عبداً أحب الشهرة.
قال بعضهم: ينبغي للعالم أن يتحدث بنية وحسن قصد، فإنأعجبه كلامه فليصمت وإن أعجبه الصمت فلينطق. فإن خشي المدح فليصمت ولا يفتر عنمحاسبة نفسه فإنها تحب الظهور والثناء.
سُئِل سهل بن عبد الله التستوري : أي شيء أشد على النفس؟قال: الإخلاص لأنه ليس لها فيه نصيب. فمع الإخلاص تنسى حظوظ النفس.
قال سفيان: ما عالجت شيئاً أشد عليّ من نيتي إنها تنقلبعلي. إذا أراد أن يجاهد نفسه يجد تقلبات، ولا يدري أهو في إخلاص أم رياء، وهذاطبيعي أن يشعر أنه في صراع لا تسلم له نفسه دائماً فهو يتعرض لهجمات من الشيطان ،والنفس الأمارة بالسوء، وهذا فيه خير، أما من اطمأنت نفسه بحاله فهذه هي المشكلة.
قال ابن يحيى بن أبي كثير: تعلموا النية فإنها أبلغ منالعمل.
قال الزبيد اليامي: إني أحب أن تكون لي نية في كل شيءحتى في الطعام والشراب.
عن داود الطائي : رأيت الخير كله إنما يجمعه حسن النيةوكفاك به خيراً وإن لم تنضب. أي حتى وإن لم تتعب فإن ما حصلته من اجتماع نفسك للهوإخراج حظوظ النفس من قلبك ، هذا أمر عظيم.
أبو بكر الصديق رضي الله عنه ما سبق الناس بأنه كانأكثرهم صلاة وصيام بل بشيء وقر في قلبه.
قال داود: البر همة التقي، ولو تعلقت جميع جوارحه بحبالدنيا لردته يوماً نيته إلى أصلها.
قال يوسف بن أسباط: تخليص النية من فسادها أشد علىالعاملين من طول الاجتهاد.
قيل لنافع بن جبير : ألا تشهد الجنازة فقال: كما أنت حتىأنوي. أي انتظر حتى أجاهد نفسي.
قال الفضيل: إنما يريد الله عز وجل منك نيتك وإرادتك.
ومن أصلح الله سريرته أصلح الله علانيته ومن أصلح مابينه وما بين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس، وما أسر أحد سريرة إلا أظهرها اللهفي صفحات وجهه وفلتات لسانه.
والمخلص من يكتم حسناته كما يكتم سيئاته ومن شاهد فيإخلاصه الإخلاص فإن إخلاصه يحتاج إلى إخلاص.
ومما قيل في الإخلاص:
- نسيان رؤية الخلق بدوام النظر إلى الخالق.
- إفراد الحق سبحانه بالقصد والطاعة.
- استواء عمل الظاهر والباطن.
- من تزين للناس فيما ليس منه سقط من عين الله.
- إنه سر بين الله والعبد، لا يعلمه ملك فيكتبه ولا شيطان فيفسده والله قديعلم الملائكة ما يشاء من أحوال العبد.
- الإخلاص أن لا تطلب على عملك شاهداً إلا الله، وإذا داوم عليه الإنسان رزقهالله الحكمة.
قال مكحول: ما أخلص عبد قط أربعين يوماً إلا ظهرت ينابيعالحكمة من قلبه على لسانه.
قال أبو سليمان الداراني: إذا أخلص العبد انقطع عنه كثرةالوساوس والرياء.
كان السلف يستحبون أن يكون للرجل خبيئة من عمل صالح لايعلم عنها زوجة ولا غيرها. وأعز شيء في الدنيا الإخلاص.
يقول يوسف بن الحسين: كم أجتهد في إسقاط الرياء من قلبيفينبت لي على لون آخر.
وكان من دعاء مطرف بن عبدالله: اللهم إني أستغفرك مماتبت إليك منه ثم عدت فيه، وأستغفرك مما جعلته لك على نفسي ثم لم أفِ لك به،وأستغفرك مما زعمت أنني أردت به وجهك فخالط قلبي منه ما قد علمته.
تبيهات في مسألةالإخلاص

1- متى يكونإظهار العمل مشروعاً؟


قال ابن قدامة: {فصل في بيان الرخصة في قصد إظهارالطاعات} قال: وفي الإظهار فائدة الإقتداء، ومن الأعمال ما لا يمكن الإسرار بهكالحج والجهاد، والمظهر للعمل ينبغي أن يراقب قلبه حتى لا يكون فيه حب الرياءالخفي بل ينوي الإقتداء به {إذاً ينبغي أن نحسن نياتنا في الأعمال المظهرة لندفعالرياء وننوي الإقتداء لنأخذ الأجر}، قال ولا ينبغي للضعيف أن يخدع نفسه بذلك،ومثل الذي يظهره وهو ضعيف كمثل إنسان سباحته ضعيفة فنظر إلى جماعة من الغرقىفرحمهم فأقبل إليهم فتشبثوا به وغرقوا جميعاً.
المسألة فيها تفصيل:
- الأعمال التي من السنة أن يكون عملها سرّاً يسرّ.
- الأعمال التي من السنة أن يظهرها يظهرها.
- الأعمال التي من الممكن أن يسرها أو يظهرها، فإن كان قوياً يتحمل مدح الناسوذمهم فإنه يظهرها وإن كان لا يقوى فيخفي، فإذا قويت نفسه فلا بأس في الإظهار لأنالترغيب في الإظهار خير.
ورد عن بعض السلف أنهم كانوا يظهرون بعض أعمالهم الشريفةليقتدى بهم كما قال بعضهم لأهله حين الاحتضار (( لا تبكوا علي فإني ما لفظت سيئةمنذ أسلمت)).
قال أبو بكر بن عياش لولده (( يا بني إياك أن تعصي اللهفي هذه الغرفة فإني ختمت القرآن فيها اثنتا عشرة ألف ختمة)) من أجل موعظة الولد،فمن الممكن أن يظهر المرء أشياء لأناس معينين مع بقاء الإخلاص في عمله لقصد صالح.
2- ترك العمل خوف الرياء، وهذا منزلق كشفه الفضيل بنعياض: ترك العمل لأجل الناس رياء والعمل من أجل الناس شرك والإخلاص أن يعافيك اللهمنهما. قال النووي: من عزم على عبادة وتركها مخافة أن يراه الناس فهو مرائي"لأنه ترك لأجل الناس" لكن لو ترك العمل ليفعله في الخفاء. فمن ترك العملبالكلية وقع في الرياء، وكذلك من كان يستحب في حقه إظهار العمل فليظهره كأن يكونعاملاً يقتدى به أو أن العمل الذي يعمله المشروع فيه الإظهار.
3- أن من دعا إلى كتم جميع الأعمال الصالحة من جميعالناس ؛ هذا إنسان خبيث وقصده إماتة الإسلام، لذلك المنافقون إذا رؤوا أمر خيروسموه بالرياء، فهدفهم تخريب نوايا المسلمين وأن لا يظهر في المجتمع عمل صالح،فهؤلاء ينكرون على أهل الدين والخير إذا رؤوا أمراً مشروعاً مظهراً خصوصاً إذاأظهر عمل خير معرض للأذى فيظهره احتسابا لإظهار الخير فيستهدفه هؤلاء المنافقونفليصبر على إظهاره ما دام لله ، قال تعالى: (( الذين يلمزون المطوعين من المؤمنينفي الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم)).

ينبغي أن نفرق بين الرياء ومطلق التشريك في العمل، فمتى يبطل العمل ؟ إذاحصل تشريك فيه ، ومتى يأثم ؟ ومتى لا يأثم؟
1- أن يعمل لله ولا يلتفت إلى شيء آخر ( أعلى المراتب).
2- أن يعمل لله ويلتفت إلى أمر يجوز الالتفات إليه ، مثلرجل صام مع نية الصيام لله أراد حفظ صحته، ورجل نوى الحج والتجارة، ورجل جاهد ونظرإلى مغانم، ورجل مشى إلى المسجد وقصد الرياضة، ورجل حضر الجماعة لإثبات عدالته وأنلا يتهم، فهذا لا يبطل الأعمال ولكن ينقص من أجرهاـ والأفضل أن لا تكون موجودة ولامشركة في العمل ولا داخلة فيه أصلاً.
3- أن يلتفت إلى أمر لا يجوز الالتفات إليه من الرياءوالسمعة وحمد الناس طلباً للثناء ونحو ذلك:
أ‌- إذا كان في أصل العمل فإنه يبطله كأن يصلي الرجل لأجل الناس.
ب‌- أن يعرض له خاطر الرياء أثناء العمل فيدافعه ويجاهده،فعمله صحيح وله أجر على جهاده.
جـ - أن يطرأ عليه الرياء أثناء العمل ولا يدافعه ويستمر معه وهذا يبطل العمل.
4- أن يكون عمله الصالح للدنيا فقط، فيصوم لأجل الحميةوالرجيم ولا يطلب الأجر، ويحج للتجارة فقط، ويخرج زكاة أموال لتنمو، ويخرج للجهادللغنيمة ، فهؤلاء أعمالهم باطلة (( من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما يشاء لمنيريد ثم جعلنا له جهنم))، (( أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ماصنعوا فيها)).

5- <B>أن يكون عمله رياءً محضاً، وبالرياء يحبط العمل بل ويأثمبه الإنسان، لأن هناك أشياء تبطل العمل ولا يأثم صاحبها كخروج ريح أثن
1
322

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

ـ أم ريـــــم ـ
بارك الله فيكَ على هذة المشاركة
وجزآك الله خيراً على هذا المجهود
وجعله الله في ميزان حسناتك