أغلق عليك بابك وابكِ على خطيئتك

الملتقى العام

كلنا نخرج من الدنيا بحظوظ متقاربة برغم ما يبدو فى الظاهر من بُعد الفوارق. وبرغم غنى الأغنياء وفقر الفقراء فمحصولهم النهائى من السعادة والشقاء الدنيوى متقارب. فالله يأخذ بقدر ما يعطى ويعوض بقدر ما يحرم وييسر بقدر ما يعسر.. ولو دخل كل منا قلب الآخر لأشفق عليه ولرأى عدل الموازين الباطنية برغم اختلال الموازين الظاهرية.. ولما شعر بحسد ولا بحقد ولا بزهو ولا بغرور. إنما هذه القصور والجواهر والحلى واللآلئ مجرد ديكور خارجى من ورق اللعب.. وفى داخل القلوب التى ترقد فيها تسكن الحسرات والآهات الملتاعة. والحاسدون والحاقدون والمغترون والفرحون مخدوعون فى الظواهر غافلون عن الحقائق. ولو علمناه حق العلم لطلبنا الدنيا بعزة الأنفس ولسعينا فى العيش بالضمير ولتعاشرنا بالفضيلة فلا غالب فى الدنيا ولا مغلوب فى الحقيقة، والحظوظ كما قلنا متقاربة فى باطن الأمر، ومحصولنا من الشقاء والسعادة متقارب برغم الفوارق الظاهرة بين الطبقات.. فالعذاب ليس له طبقة وإنما هو قاسم مشترك بين الكل.. يتجرع منه كل واحد كأساً وافية ثم فى النهاية تتساوى الكؤوس برغم اختلاف المناظر وتباين الدرجات والهيئات. وليس اختلاف نفوسنا هو اختلاف سعادة وشقاء وإنما اختلاف مواقف.. فهناك نفس تعلو على شقائها وتتجاوزه وترى فيه الحكمة والعبرة، وتلك نفوس مستنيرة ترى العدل والجمال فى كل شىء وتحب الخالق فى كل أفعاله.. وهناك نفوس تمضغ شقاءها وتجتره وتحوله إلى حقد أسود وحسد أكال.. وتلك هى النفوس المظلمة الكافرة بخالقها المتمردة على أفعاله. وكل نفس تمهد بموقفها لمصيرها النهائى فى العالم الآخر.. حيث يكون الشقاء الحقيقى.. أو السعادة الحقيقية.. فأهل الرضا إلى النعيم، وأهل الحقد إلى الجحيم. أما الدنيا فليس فيها نعيم ولا جحيم إلا بحكم الظاهر فقط بينما فى الحقيقة تتساوى الكؤوس التى يتجرعها الكل.. والكل فى تعب. وأهل الحكمة فى راحة، لأنهم أدركوا هذا بعقولهم، وأهل الله فى راحة، لأنهم أسلموا إلى الله فى ثقة وقبلوا ما يجريه عليهم ورأوا فى أفعاله عدلاً مطلقاً دون أن يتعبوا عقولهم فأراحوا عقولهم أيضاً، فجمعوا لأنفسهم بين الراحتين، راحة القلب وراحة العقل، فأثمرت الراحتان راحة ثالثة هى راحة البدن.. بينما شقى أصحاب العقول بمجادلاتهم. أما أهل الغفلة وهم الأغلبية الغالبة فما زالوا يقتل بعضهم بعضاً من أجل اللقمة والمرأة والدرهم وفدان الأرض، ثم لا يجمعون شيئاً إلا مزيداً من الهموم وأحمالاً من الخطايا وظمأً لا يرتوى وجوعاً لا يشبع. فانظر من أى طائفة من هؤلاء أنت.. وأغلق عليك بابك وابكِ على خطيئتك. هذا المقال من روائع الدكتور مصطفى محمود، رحمه الله.
13
2K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

لميس المزيونه
لميس المزيونه
موضوع رائع
ملَك إنسان
ملَك إنسان
كلام جمييل .. يعطيك العافية
رمينيا22
رمينيا22
روعه
قمر نجوم كواكب
قمر نجوم كواكب
رووووووووووووعه 💕


جزاك الله خير 🎀
666 بدون اسم
666 بدون اسم
امين واياكن


اسعدني مروررركم نورتوو