قديماً ضرب أحد الأعراب مثلاً بفطرته مثلاً بسيطاً ..
حين سُئل كيف يستدل على وجود الخالق وهو لم يره
فقال : البعرة تدل على البعير ، وآثار السير تدل على المسير ،
فكيف بسماءٍ ذات أبراج، وأرضٍ ذات فجاج ،
أفلا يدلان على اللطيف الخبير ؟!
نعم ..! كل مافي ذرات الكون من نظام بديع موحد
ينطق ويقرّ أن الله واحد ... لاشريك له
وفي كلّ شيءٍ له آيةٌ - تدلّ على أنّه واحدُ..
***
الله تعالى خلق كل شيءٍ وأوجده من العدم ،
وهيّأ لكل مخلوق في تكوينه وفطرته من مقومات الحياة
ماييسر له سبيل العيش ..
ومن تلك المخلوقات عجيبةَ الإبل .. !
وما أدراك ماالإبل !!
إنها تلك المخلوقات التي شكّلها الله تشكيلاً فريداً ..
ودعى إلى التأمل في قدرته تعالى في خلقها ..
فهي لم تذكر في سورة الغاشية لمجرد أنها حيوان
يعتمد الناس عليه في تنقلاتهم ومعيشتهم ..
ولكن للتأمل في الإعجاز في خلقها ..!!
( أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت ) !!
فلا يمرنّ الإنسان على دعوة الحق مرور الكرام ..
بل يقف ليدرك بديع صنع البارئ ولطف تدبيره ..
***
إن التأمل في القدرة الإلهية ، وإطفاء حيرة سؤالٍ
يلح في الأذهان : ولماذا الإبل بالذات ؟
هو الهدف من طرح موضوع يحتسب في خانة العلوم الطبيعية
ولكن من قال أن العلم ينفصل على الدين ؟
إن الدين بلاشك يتسلل في جميع خلايا الحياة ويربطها به
فهو المصدر وهي الروافد، وهو الكل وهي الجزئيات
فلنعد إلى موضوعنا الإبل عن قناعة ويقين .
***
كانت وما زالت الإبل الوسيلة المثلى لقطع الصحراء
بما عليها من حمل ومتاع بصبر وسرعة وثبات
لاتستطيعه أي مخلوقات أخرى .. !
حتى أنها قد تقطع في اليوم الواحد أكثر من خمسين كيلومتراً ..
وياللعجب ..!
وما يأتي من ميزاتها بعد ذلك أكثر استثارة للدهشة !
***
فقد كشف العلم عن بعض الحقائق المذهلة
في حياة هذا المخلوق العجيب الذي خصه القرآن..
من بين مالا يحصى من مخلوقاته بالذكر والدعوة للتأمل ..
فعلاوة على سرعته وتفوقه في قطع المسافات الشاقة
فإن البعير يستطيع أن يحمل الأثقال منذ أن يبلغ من العمر
أربع سنوات ، ويظل كذلك حتى يتم الثلاثين .
***
إن الإبل من الحيوانات العجيبة شكلاً ولكن طول ألفة الناس لها
أذهب العجب !
وهذا الشكل جعله الله تيسيراً لوظائف الحياة في الصحراء الشاقة ..
من جسم ضخم، وقوائم مرتفعة ، وعنق طويل ..
إلى رأس تعلوه عينان جعل الله فيهما إمكانية الارتداد إلى الخلف
وأحاطهما بطبقتين من الأهداب تقيانها من الرمال ..
كما أن له ثلاثة إجفان ، والجفن الثالث شفاف ينسدل على عينيه
ليقيه من الشمس والغبار ..
وله أذنان صغيرتان وهبهما الله القدرة على الانثناء للخلف
والالتصاق بالرأس إذا ماهبت العواصف الرملية..
الأنف العجيب ~
أما أنف الجمل فهو عجيبة العجائب،
فهو يتخذ شكل شقين ضيقين من الخارج
ومحاطان بالشعر وحافاتهما لحمية ويستطيع الجمل
أن يغلقهمالمنع دقائق الرمال من الوصول إلى رئتيه..!
أما من الداخل فمنخريه مجعدة كبيرة ..
تقوم بتكثيف بخار الماء الخارج مع هواء الزفير
فيخرج ثاني أكسيد الكربون ويتكثف بخار الماء ويعود له
وبذلك فهو الحيوان الوحيد الذي يستعيد الماء
الموجود في الهواء الذي يتنفسه..
***
ونعود فنشير إلى أطراف الجمل ..
فعلاوة على قوائمه الطويله التي ترفع جسمه ..
عن كثير مما يثور تحته من غبار
وتساعده على اتساع الخطو وخفة الحركة..
فله بكل قدم اصبعين تنتهيان بظلف صغير
ويلتصق الإصبعان فتصبحان خفاً تضمها وسادة عريضة.
وحين يبرك الجمل يعتمد جسمه الثقيل على وسائد
من جلد قوي سميك على مفاصل أرجله ..
وهذه الوسائد نعمة فهي تحميه من الرمال الشديدة الحرارة..
علاوة على أن خف الجمل أحد مخازن الماء
فهو وسادة مائية، إذ تحفظ أنسجته الماءفي صورة سلاسل
تلتف كالجديلة وعند الحاجة يقوم الدم بامتصاص الماء
من الخف فتنفك الجديلة ..
***
هذا عن شكله الخارجي ..
ولكن ماذا عن مشيته ؟!
لعلك شاهدت الجمل وتساءلت :
لم يسير متأرجحاً ذات اليمين وذات الشمال
بخطواته الواسعة بين الصعود والهبوط ،
والسبب أن الجمل في كل خطوة يتقدم بالرجلين
الإمامية والخلفية من نفس الجهة ..
وفي الخطوة الثانية يتحرك بقائمتيه من الجهة الأخرى
مثل السفينة في البحر تلوح تارة ويحجبها الموج تارة ؟!
لذلك ولتحمله مشاق الصحراء سمي ( سفينة الصحراء )
أماعنقه المرتفع فهو يساعده على تناول الطعام من نبات الأرض
ومن الأشجار المرتفعة سواء ..
إن كل ذلك من خلق عجيب لايعدو البنيان الخارجي ..
بيد أن خصائص الإبل الوظيفية أكثر مدعاة للعجب !
والعلماء حتى الآن لايزالون مدركين أن بهذا المخلوق
خصائص خفية لم يكتشفوها بعد ..!
***
وقد كان القرن العشرين السابق بداية فتح صفحات جديدة
من المعرفة عن هذا المخلوق العجيب !
فإلى ماذا توصل العلم ..؟؟
لنا لقاء آخر نستكمل فيه جولتنا ..
في عالم هذا المخلوق العجيب !
فللجمل طبع عجيب .. وهو أنه حيوان لاينسى الإساءة
يحمل الحقد في صدره ليفجره على من أذاه ولا يتركه إلا بعد أن يصرعه
وإلى لقاء قريب إن شاء الله .