تــيــمــة

تــيــمــة @tym_1

عضوة فعالة

أقبلوا ....لاتتركوني..

الأدب النبطي والفصيح


http://www.anashed.net/audio/samtan/mob7er.rm


على الأريكة القديمة في ذات الزاوية التي يجلس فيها كل يوم .. ومنذ خمسة عشر عاماً ما زال
جالساً على هيئته المهيبة .. إلا أن الصورة اعتراها شيء من وهن ..

نظر إلى المرآة التي تمثل سطح الطاولة .. يكاد حاجباه أن يحجبا الرؤية ويلونان عالمه
بالبياض .. آهٍ يا ليت العالم بالفعل أبيض كما يراه الآن ..

وهذان الفودان اللذان يلتمعان باللون الفضي .. وهذه اللحية وهذا الشارب.. ألا يا ليت قلبه ينعم بهذا السلام الذي يرقد فيه محياه السمح ..

نهض من مكانه وحاول الانتصاب .. مع هذا الظهر المنحني لا يمكنه الوقوف بشموخ كما كان يفعل سابقاً .. رغم ذلك .. لم يؤثر انحناءه في إباء نفسه البتة ..

سار بتؤدة ليغلق التلفاز متكئاً على ركبته .. ومن ثم توجه إلى فراشه البارد .. الخالي من كل معاني الدفء والحنان .. لطالما تخيل الأشواق التي تتأجج في صدره كائناً حزيناً يحلق فوق سريره ويرسم بيده الهلامية أحرف اسمها في الهواء .. فيضج سمعه بأنغام صوتها وهي تهمس : أبو أحمد .. نور البيت ..

بصعوبة جلس على فراشه .. وقد هده ألم الشوق .. ورفع إحدى رجليه وثناها ثم طوح بيده فوق ركبته .. ونزع طاقيته .. عيناه يغشاهما خيال طفلة صغيرة .. سلوى ذات الشعر القصير المربوط بمطاطين صغيرين على جانبي رأسها الضئيل .. ( سلوى .. أهذه أنت يا بنيتي ؟؟ تعالي .. تعالي هذه حلوى أحضرتها من دكاني خصيصاً لك ) .. صوت ضحكاتها يجلجل في أرجاء الغرفة .. تمد يدها لتختطف الحلوى .. لكن .. يتلاشى جسدها .. وتبقى الحلوى في يده .. وحيدة .. بلا طفل يتلذذ بها .. بلا سلوى ..

أما زلت تعيش هذا الوهم يا أبا أحمد ؟؟ تحضر معك الحلوى كل يوم ثم تعيدها من حيث أتت ؟؟ أتراها ما زالت تحب هذا النوع كما كانت ؟؟ لربما تشتريه لأطفالها الآن .. وتقول لهم : كان جدكم يحضر لي مثلها كل يوم .. كان يدللني كثيراً .. أم تراها لا تحكي لهم عني ؟؟

أظنها بالكاد تتذكرني .. فكيف تحكي لهم وهي لم تسأل عني لسنوات .. لابد أنها زعمت وفاتي ..

لماذا يا سلوى ؟؟ لماذا يا آخر العنقود ؟؟ أما كنت أحملك على كتفي وأصطحبك إلى دكاني لتأخذي منه ما طب لك ؟؟ أنسيت يوم كنت تنامين على ذراعي وتتشبث يدك الصغيرة بثوبي ؟؟ أم نسيت يوم كنت تصرين على أمك رحمها الله أن تنامي بيننا لكي تبقى يدك في يدي طيلة الليل وتدفني وجهك في رقبتي لتشعري بالأمان ؟؟

بالرغم عنه .. طفرت دمعة ساخنة من عينه وهو يذكر تلك الطفلة سوداء الشعر والعينين .. وثرثرتها في أذنه لم تزل ..

لاحت منه التفاته إلى دولابه الصغير الذي رصت فوقه بعض العطور .. حملت له الأنسام رائحة العطر الأزرق .. هدية ابنه سامي له .. سامي الذي يكبر سلوى بعامين .. والذي انغمس في حياته الزوجية حتى النخاع .. أنساه أطفاله والده الكهل .. ونسي أنه كان يوما طفلا مثلهم يطالب بما يطالبون وليس من ملبٍ سواي ..

انه يذكر الآن يوم أقبل سامي في العيد وقد احمرت أذناه خجلاً وهو يحمل في يده علبة مغلفة وقال بعجل : كل عام وأنت بخير يا بابا .. ثم ولى هارباً .. كم كان عمره حينها ؟؟ ربما 13 سنة أو أقل قليلاً انه يجد صعوبة في تذكر بعض الأمور .. لقد بدأت ذاكرته تضمحل شيئاً فشيئاً .. لكم يزعجه ذلك .. فذكرياته هي كل ما تبقى له .. تؤنسه في لياليه الموحشة ويعيش بها أيام السعادة المرة بعد المرة .. لقد اقتنع بها بديلاً عن الواقع القاسي .. العيش في الخيال أفضل له من أن يظل الأمل في أن يرى أبناءه ثانية يلسعه كل يوم بسياطه .. كم مرة زجر نفسه لأنها ما زالت متشبثة بأوهام رجوعهم .. لابد أن يعي الحقيقة .. يكفيه خداعاً لنفسه .. لقد انتهت فترة عطائه .. ومكانه الصحيح تحت التراب .. فلماذا ينتظر أن يسأل عنه أحد وما عاد أحد بحاجة إليه ؟؟

أحمد ابنه البكر الذي أسند ظهره حتى غدا تاجراً ذائع الصيت .. كم كان فرحاً به يوم جاء إلى الدنيا .. كان يشعر أنه الوحيد الذي رزق بابن .. لا يمل من تأمله .. وكلما تعلم شيئاً جديداً دون تاريخ ذلك الإنجاز في دفتر صغير لا يزال محتفظاً به مع أشياءه الثمينة بينما تركه أحمد كما يترك شيئاً ليس ذا قيمة .. كم غمره بالهدايا .. كم لبى طلباته على حساب نفسه وراحته .. واليوم .. يهجره ويسكن بلداً آخر من أجل مصالح تجارته ولا يحظى منه سوى بمكالمة هاتفية كل عدة أشهر .. لا تتجاوز الدقائق .. يطلعه فيها على أخباره وأخبار ليلى .. ليلى التي كانت تشاركه حبه للقراءة .. وكانت تقول له عندما يقرأ لها القصص : بابا عندما أكبر سأقرأ لك كل الكتب التي تحبها لأنك ستصبح عجوزاً ولن تستطيع الرؤية ..

كان يضحك من أعماقه حين يسمعها تقول ذلك ببراءة .. الآن .. أصبحت هذه الكلمات تمزقه كالحراب .. إيه يا ليلى .. لقد صدقت نبوءتك وما صدقت في وعدك .. ألا تأتين لتؤنسي وحدتي المليئة بالعبرات والبؤس ؟؟

نزع نظارته السميكة وراح يكفكف دمعه .. ثم طرح رأسه على الوسادة وهو موقن بجفاء النوم له كما عوده كل ليلة .. ستجتاحه الصور والخيالات مرة أخرى وسيظل في هذه الدوامة الطاحنة إلى أن يغادر عالمه .. دون أن تعي تلك الأجساد شيئا عنه .. تلك الأجساد التي حملها وهدهدها .. داعبها ومرضها وقبلها واحتضنها .. لن تعود .. لن تعود .. لن ترحم عجزه .. لن ترحم شوقه .. لن ترحم حبه .. ترى هل سيحتضر وحده ؟؟ هل .. سيموت وحده ؟؟ ألن يمنحوه نظرة وداع أخيرة تكون له عزاءً في قبره ؟؟

تقاطيع وجهه السمحة غرقت بالدموع للمرة الألف .. اعتدل جالساً يلهج بالدعاء المخلص بالتوفيق لأبنائه ثم تناول مصحفه الصغير .. وغاص في بحوره ..
20
2K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

حمرة الورد
حمرة الورد
لا اعرف من اين ابدأ ..

تيمة جهازها معطل ..ولاتستطيع الدخول للمنتدى ..لذلك قمت بانزال الموضوع بدلا عنها ..

وكما عودتنا ..قلم مميز ..وحس مرهف ..

ودموعي سالت على العجوز :(

...ملاحظة ..نجحت في انزال النشيد :21:...اظن ان حماتي ستكون فخورة بي ..
الملاك الغريب
عزيزتي تيمه...قصتك تحكي واقع رغم تجاهلنا ..واقع عقوق الابناء واهتمامهم ببناء مستقبلهم بعيد عن ذويهم
وفرارهم الى المدن والدول المجاوره او حتى البعيده
وهم ينسون او يتناسون انهم تركو خلفهم قلوبا طالما اغدقت عليهم الحنان
تركوها محطمه..تنتظرهم علهم يوما يعودون..عل زرعهم الذي زرعوه...قد حان قطافه
وتمر الايام ..ولكنهم لا ياتون واذا اتو سرعان ما يتمللون ويرحلو ...
اختى تيمه كم من والد ماات في غرفه ضيقه في مستشفى
وكم من اب عااااااااااش يرقب اليوم الذي يعود فيه ابنه من غربته..فاتاه الموت قبل ان تكتحل عيناه برؤيه فلذه كبده
ولكنها الايام مليئه بالغرائب والاحزان
ترى ماذا في المستقبل من احداث؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
عصفورة الربيع
تيمة الحبيبة ..

أكثر من سعيدة لعودتك ..:21:

لن أقول شيئاً الآن ..
لأني بحاجة إلى التأمل في بديع رسمك ..
قد أعود فيما بعد .. ان استطعت ..


بوركت ..

:27::27:
تــيــمــة
تــيــمــة
السلام عليكم :

بداية أقدم شكري اللامنقطع لحبيبتي حمرة الورد التي أتاحت لي المشاركة بفكرتها وعطائها .. شكراً لك يا جينا .. مرة بعد مرة ..

وعلى تعليقك أقول : احساسي بالنشيد كان أعمق بكثير من الكلمات التي نشرتها على الورق .. لكن هذا ما جاد به القلم المتصلب من طول الهجر .. فمنكم العذر ..

طال الشوق يا واحتي المثمرة .. وعيل صبري يا صويحباتي .. وما زال الشتاء يأبى على الطير المهاجر أن يعود ..
متى يحل الربيع ؟؟
لا أدري ولكن .. حمرة الورد فتحت للطير نافذة على الربيع ليبني فيها عشاً صغيرا .. لن يستطيع التحليق حراً فوق ربوع واحته الحبيبة .. لكنه سيستطيع التغريد على الأقل وايصال صوته الى بقية المخلوقات .. ان شاء الله ..

ومبروك يا أحلام اليقظة .. أتمنى ألا يمنعك الاشراف من المشاركة فأنا أرى الصفحات شاغرة تماما من اسمك .. وخسارة كبيرة أن نحرم قلما كقلمك ..

أترككم الآن لأني بدأت أشعر بالبرد .. لكنني لن أبتعد كثيرا ..
سأعود حالما أتدفأ ..
حمرة الورد
حمرة الورد
لاشكر على واجب..