أقبَلَ عَليهِ فَهشّ وبشّ ، فَلمّا تَولّى عَنهُ لَعنَهُ !!

الملتقى العام

كنتُ يَوماً في مَجلِسٍ يَضُمّ قَوماً مِمّن أعرِفُ وَمَن لا أعرِفُ ، فَأقبَلَ علينَا رَجُلٌ وسَلّمَ ، فاستَقبلتُهُ وَمَن مَعِيَ بالبِشرِ والتّرحَابِ ، وَكَانَ في المَجلِسِ رجُلٌ حَسِبتُهُ عَاقِلاً ، أبدَى للضّيفِ القَادِمِ مَشاعِرَ الفَرحِ ، وأجزَلَ عليهِ عِباراتِ المَديحِ ، ولَم يَزَل يَبسُطُ لَهُ مِن كُلّ كلمَةٍ طَيّبَةٍ ، حَتّى ظنَنتُهُ صاحِبَ جَنبٍ ، أو جارَ قُربى ، أو بَاذلَ مَعرُوفٍ لَم يستَطِع مُكَافأتَهُ ، فكانَ مِنهُ ما كَانَ .
أخذَ الضّيفُ مكَانَهُ ، والبَشَاشَةُ تملأُ المكانَ ، والمُجَاملاتُ تُتبَادلُ بينَ فَينَةٍ وفينَةٍ ، ودَارَ الحَديثُ بينَهُمَا كَأجمَلِ مَا يكُونُ أدباً واحتِراماً ، ثُمّ لَم يلبَثْ ضَيفُنا أنِ استَأذنَ يُريدُ انصِرافاً ، فَطفِقَ صَاحِبُهُ الآخرُ يُقسِمُ عَليهِ إلاّ بَقيتَ ، وَيعزِمُ عليهِ إلا تَعشّيتَ عِندَنَا ، والضّيفُ يعتَذِرُ ويستَعتِبُ ، وأنَا أنظُرُ إليهِمَا فأقولُ : سُبحَانَ الذي قَذفَ المَحبّةَ في قَلبَيهِمَا ، ورَزَقهُمَا خَفضَ الجَناحِ لبَعضِهِمَا .
لَم يلبَثِ الضّيفُ أن انصَرفَ ، وَلَم يكَدْ يَفعَلُ حَتّى رَأيتُ حَالاً غَيرَ التي رأيتُ ، وصُدِمتُ بِأمرٍ غيرِ ما ظننتُ ، فلقَد كَشّر صَاحبُ الضّيفِ عَن سُوءِ خُلُقِهِ ، وَكَشَفَ عَن خُبثِ طَويّتِهِ ، وأظهرَ مَا كانَ مُبطِناً ، وأبدَى مَا كانَ مُخفِياً ، وانطَلَقَ يَصِفُ صَاحِبَهُ أسوَأ الوَصفِ ، وَيشتِمُهُ أقذَعَ الشّتِيمَةِ ، حَتّى خُيّلَ إليّ أنّهُ مَجنُونٌ أو بِهِ مَسٌّ ، أو لكأنّهُ قَتَل لهُ قَريباً مِن أدنَى قَرابَتِهِ ، أو سَلبَ لهُ مالاً مِن أعزّ مَالِهِ ، وَلَم يَزَل بِهِ شَتماً وسبّاً وتَقرِيعاً حَتّى ضَاقَ صَدرِي لِسُوءِ فِعلِهِ ، وخُبثِ نَفسِهِ ، فانصَرفتُ عَن مَجلِسهِ ذاكـَ غيرَ عابئٍ ، بَل نادِمٌ أن قَدِمتُ إليهِ ، وَعَازِمٌ أن لا أُعَاوِدَهُ .
وَبعدُ أيهَا الأبرَارُ
فَلَقَدْ رَأيتُ كَثِيراً مِنَ النّاسِ إلاّ مَن رَحِمَ اللهُ يَصدُقُ فِيهِم قولُ الشّاعِرِ :
لا خيرَ في ودّ امرئٍ مُتمَلّقٍ ..حُلوِ اللسَانِ وقلبُهُ يتَلهّبُ
يُعطِيكَ مِن طَرَفِ اللسَانِ حَلاوَةً .. وَيرُوغُ مِنكَ كَمَا يرُوغُ الثّعلَبُ
يَلقَاكَ يَحلِفُ أنهُ بِكَ وَاثقٌ .. وَإذا تَوَارَى عَنكَ فَهوَ العَقرَبُ
عَجَباً لهَؤلاءِ !
كَيفَ تحتَمِلُ قُلُوبُهُم مَا يَعتَمِلُ فِيهَا ؟؟
أم كَيفَ تَطيبُ حَيَاتُهُم وَمبنَاها عَلى مَا رأيتُم مِنَ النّفَاقِ والتَمثيلِ والكَذِبِ المَمقُوتِ ؟
هَؤلاءِ أقوَامٌ يُجَمّلُونَ ظَاهِرهُم كَأحسَنِ مَا تَرى ، أمّا بَوَاطِنُهُم فَلوِ اطّلعتَ عليهَا لَولّيتَ مِنهَا فِرَاراً ، ولمُلِئتَ مِنهَا رُعباً ، إذَا رَأيتَهُم أعجَبتكَ أجسَامُهم ، وإن قالُوا سَمِعتَ لِقَولِهِم ، فَإذا تَولّيتَ عَنهُم فَاعلمْ يَقيناً أنّهمْ سَوف يسلقُونَكَ بِألسِنَةٍ حِدَادٍ أشحّةً عَلى الخَيرِ ، كَمَا رَأيتَ فِعلَهُم فِي غَيرِكَ .
إنّما حَقّهُم هُوَ المَقتُ فِي قُلوبِ الخَلقِ ، كَما مَقَتَهُم الخَالِقُ ، وَفيهِم وأمثَالِهِمْ قالَ الرّسُولُ صَلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ ( تَجِدُونَ مِن شَرّ النّاسِ ذَا الوَجهَينِ : يَأتِي هَؤُلاءِ بِوَجهٍ ، وَهَؤلاءِ بِوَجهٍ ) مُتّفقٌ عَليهِ ، وَفي رِوَايةِ التّرمِذيّ ( إنّ مِن شِرَارِ النّاسِ يَومَ القِيَامَةِ ذَا الوَجهَينِ ) .
ألا قَبّحَ اللهُ صَنِيعَ أولئِكَ الجُبنَاءِ ، وأضلّ سَعيَهُم ، هَل أعوَزَتهُم الشّجَاعَةُ أمِ استَمرؤوا الذّلّ ؟
واللهِ الّذي لا إلهَ غَيرُهُ لعَدوٌّ مُخَاصِمٌ يُظهِرُ عَدَاوَتَهُ ، ويُفصِحُ عَن مُنَاوأتِهِ ، أهوَنُ ألف مَرّةٍ مِن أمثَالِ هَؤلاءِ ، فَإنّ مِنَ الرّجَالِ مَن يُخَاصِمُكَ أو يُغَاضِبُكَ وَتَأبَى عَليهِ شَجَاعَتُهُ أن يطعَنكَ مِن ورَاءِ ظَهرِكَ ، وَلكِن يُقارِعُ سَيفَك بسَيفِهِ ، ويُقَابِلُكَ بِخُصُومَتِهِ مِن تِلقَاءِ وَجهِكَ ، فإنْ غَلبكَ أو غَلبتَهُ فَقَد أعذرَ كُلٌ مِنكُمَا مِن نَفسِهِ ، وأظهَرَ سَريرَتَهُ ، وَكانَ لِخصمِهِ كَالمَحجّةِ ، وَمن عَفَا مِنكُمَا وأصلَحَ فَأجرُهُ عَلى اللهِ .
أمّا الّذينَ يُحسِنُونَ تَلوينَ الوُجُوهِ ، وتَبديلَ الأقنِعَةِ ، فَمَا واللهِ أثقَلُ عَلى القُلُوبِ مِنهُم ، ولا أضيَقَ للنّفُوسِ مِن مَجَالِسِهم ، وَهُم وأيمُ اللهُ شَرّ رزِيّةٍ وأعظَمُ بَليّة ، صَبّرَ اللهُ مَن ابتُليَ بِهِم وَكانَ فِي عَونِهِ





منقول
3
443

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

بنت بنفسجية
بنت بنفسجية
تسلمييين عزيزتي
كلاشينكوف وردي
وَفيهِم وأمثَالِهِمْ قالَ الرّسُولُ صَلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ ( تَجِدُونَ مِن شَرّ النّاسِ ذَا الوَجهَينِ : يَأتِي هَؤُلاءِ بِوَجهٍ ، وَهَؤلاءِ بِوَجهٍ ) مُتّفقٌ عَليهِ

>>>>>>>>>>>>>>>>>> ياكثرهم في زمانا هذا....

جزاك الله خير على الموضوع..
طيف الأحبة
طيف الأحبة
نقل طيب وواقعي

بارك الله فيك